الفصل الثانى
الفصل الثانى
سقطت سماعة الهاتف من يدها وأنهارت أرضا غير مصدقة ما سمعته للتو،لجم لسانها عن اى حديث رفضت ذاتها تصديق ما سمعته للتو صرخت صرخة ملتاعة من اعماق قلبها ونهضت من جلستها رغم وهن جسدها وأقتربت من ام إبراهيم وضربتها بصدرها بكل قوتها قائلة:
_اهو دى حظى يا بوز النحس احمد مات وسابنا أنا وبناته وقع عليه لوح خشب امشى من بيتى واياك اشوفك ولو بالغلط فى حياتى ثانى امشى امشى أنا بكرهك كان حلال فيكى اللى بيعمله فيكى عرفة لأنه عارفك بوز نحس احمد مات احمد مات
أنهارت ارضا بعدما خارت قواها تلطم على وجهها والسيدة ام إبراهيم تحاول تهدئتها بشتى الطرق، مما جعل أرزاق تدفعها بكل ما تملك من قوة.. لن تفلح فى تهدئتها مما جعل السيدة بهيرة تصيح على الجيران لياتيان، تخبرهما بأن أبا يقين قد مات
تجمعت الجيران حولها يواسيانها ويارزنها فى مصأبها، محولقين ويترحما على الرجل الطيب الذى كان لهما نعمة الآخ الكبير
عادت يقين المنزل على غير عادتها بآكرا، فقد شعرت بقلبها يؤلمها، ولن تكمل بقية محاضراتها كانت بحاجة لتعود للمنزل بالحاح شديد، استمتعت لصراخ ياتى من شقتهما، دلفت بخطىء مضطربة قلبها يرتجف من شدة خوفها من القادم اقتربت من آحدى السيدات تسألها ما بها والدتها لتجيبها السيدة مربتة على ظهرها قائلة:
_شدى حيلك يا حبيبتى بابا تعيشى أنتى ربنا يصبركم على فراقه يارب يا حبيبة قلبى
طالعتها يقين بغضب جم وعانفتها قائلة:
_اللى أنتى بتقوليه دا بتفولى على بابا ولا ايه يلا اخرجى من شقتنا أنتى وهى بابا بخير
بغتتها أرزاق قائلة:
_أبوكى مات يا يقين وقع عليه لوح خشب فى المصنع مات تعالى يا حبيبتى
أنهارت يقين بجانب والدتها ضمتها بقوة وهى تشهق وقالت من بين شهقاتها:
_ماما حمادة مماتش اكيد هما بيهزروا أنا هتصل به اقوله يجى البيت نتغذاء كلنا سوا بابا مماتش
أبتعدت من حضن والدتها تطالع فى السيدات بنظرات مخيفة قائلة:
_بابا بخير يلا أنتى وهى من هنا بابا زمنه جاى صح يا ماما
اخرجت هاتفها من حقيبة يدها قائلة بعجالة من آمرها:
_أنا هتصل بيه وهثبتلكم أنه جاى دلوقتى بس لما تشوفوا تمشوا عشان حمادة مبيحبش ست قلبه تختلط بحد صح يا ست قلبى قوللهم أنى حبيبك جاى أنتى مصدقة أنه مات يا أرزاق ولا ايه قومى نعمله السمك اللى ببحبه هو كان قال هيجبلنا يوم الخميس يلا هنزل اجبله من مصروفى اللى حوشته قومى يا ماما عشان خاطرى حمادة لو شافك منهارة هيزعل مننا كلنا وهيفتكرنا ضايقنكى يلا يا حبيبتى اجمدى بقى
تجمدت مكانها حين أكدت والدتها ما قالته صرخت بوجه أبنتها قائلة:
_روحى البسى حاجة عشان نروح نسلم أبوكى لمثواه الاخير يلا بلاش كلام كثير
رفضت يقين التحرك من مكانها كانت المرة الأولى التى تصرخ بوجه والدتها قائلة:
_مستعجلة على موته خلاص لو معدش يلزمك هناخذه أنا واخوتى ونروح بعيد عنك يا ماما
صفعتها أرزاق لتفيق صدمتها حتى لا تصاب بالجنون وعانقتها بقوة، حتى انهارت بين ذراعيها ولتوها استوعبت بأن كل هذا ليس حلم بل حقيقة مؤلمة وبشدة،بينما ظلت يقين تهذى حتى سقطت مغشيا عليها بين ذراعىّ والدتها،ساعدتها آحدى السيدات فى آفاقتها، مررة بصلة امام وجهها، حتى استعادت يقين وعيها شيئا فشيئا
**
منذ إن ذهب المهيب منزل سلمى وهو فى حالة لا يرثى لها فكيف له بأن يرى إنسان يتألم ومن يجد من يداويه، فكانت السيدة حفيظة امرأة أربعينية لا زالت شابة، واللذين بعمرها لن يتزوجوا بعد
اعترته الحيرة وظل يقود السيارة بلا واجهة فكيف لتلك الصغيرة، إن تراعى والدتها فى عمرها الصغير هذا تنهد بقوة وزفر أنفاس ملتاعة،بدأ له العالم صغير للغاية، إذا كانت البشر لا يملكان دواء ليشفوا من كل ما إصابهم، قرر الذهاب لملجأه فهو اكثر مكان يشعر بسعادة به
قاد السيارة بجنون حتى وصل امام دار رعاية اطفال صفا القلوب، صف السيارة وترجل منها، يشعر بقلبه يؤلمه وبشدة فهذا المكان يذكره محبوبته رهام التى توفتاها المنية منذ أكثر من عشر سنوات، فهى من اعلمته بذلك المكان الذى أضحى ملجاه حين تغلق الحياة امام عيناه
فهؤلاء الابرياء الذى ياتى لزيارتهما، من يخرجوه من احلك حالاته ألما، اغمض عيناه بقوة وفتحهما مرة أخرى وجد امامه السيدة رابحة المسئولة عن دار الرعاية تترفل بغنج شديد مرتدية تنورة قصيرة ظاهرة بيضاء ساقيها الذى لا تشوبها شائبة، ووجهها ملطخ بالكثير من مساحيق التجميل، كم اشمئز من هيئتها المرزية تلك، بينما بلوزتها مفتوحة من عند الصدر لتكشف ما اسفلها
استغفر ربه على عدم غض بصره، ودلف للداخل لتناديه بغنج ودلالال قائلة:
_معرفش يا المهيب اعمل ايه عشان تحس بيا أنت اول راجل اشوفه فى حياتى ميثيرش من مفتانى دى اللى وقعت احسن الرجال دول بيجولى مخصوص عشان يملوا عينيهم الأ أنت يا مهيبى مالك بقى خمس سنوات وأنا بحاول معاك وأنت مفيش فائدة لبست محترم عشانك قلت يمكن تشوفنى وأنت برده مفيش فائدة حاولت بكل الطرق معاك فيا ايه عشان معجبكش شعرى حلو وجسمى متناسق وبلبس لابس شيك تعرف الطقم اللى لابساه دا ثمنه كام حرام عليك بقى حس بيا أنا تعبت والله
لن يعيرها اهتماما لطالما أعتبرها سيدة ساقطة فى نظره، وصل للحديقة، وجد همسة طفلته الجميلة تركض اليه قائلة ببراءة:
_بابا مهيب احستنى
أبتسم على برائتها وقرص وجنتيها برفق شديد قائلا:
_وأنتى كمان يا حبيبة بابا احستنى يا هموسة فين ماما رؤى مش شايفاها
أشارت الصغيرة له على غرفة الرضع، بينما كانت همسة ومجموعة من الاطفال يلهون بجوار فتاة صغيرة لأول مرة يرأها فى التاسعة عشر من عمرها، أقترب منها بخطىء متزنة قائلا:
_أنتى جديدة هنا يا انسة
ردت ديما بتهذيب شديد قائلة:
_ايوة بقالى اسبوعين وابقي اخت رؤى يا استاذ
حيياها المهيب وطلب منها تنادى على رؤي، طلبت منه إن ينتبه للأطفال لحين عودتها، هز المهيب رأسه موافقا وظل يتابع الاطفال بعيناه نادى على جاسر، بينما تدافعوا جميعا لديه يسلمون عليه بحفاوة شديدة، فارحين بشدة لرؤيتهما المهيب الذى طالبهما ينادوه ببابا، من حبه فيهما جميعا، فهو المسئول عن طالبتهما يفعل ذلك بحب شديد، أتت نزهة التى تبلغ من العمر الخامسة عشر قائلة:
_بابا وحشتنى
فهو يرأها منذ كانت رضيعة فوالده، من اعلمه حب الخير وزيارة دور الرعاية، فهذا المكان خصيصا من أخبرته به رهام محبوبته فكان من احب دور الرعاية على قلبه، حيث جاء معها من خمسة عشر عاما،فرهام والدتها ووالده أبناء خالة فهو أحبها من كثرة الزيارات لمنزلهما
**
ذهبت يقين ووالدتها المستشفى وجدت والدها بلا تعابير لا يبدى أى حركة، انهارت حصونهما وجلسا يتأملاه، بدأ لهما بأنه نائما قليلا كما عادته، سيتيقظ بين لحظة ووضحاها تمنت ولو كان هذا برمته حلم وسيستفيقان منه، اقتربت منه وقبلت جبنيه قائلة:
_هو دا وعدك ليا يا حمادة أنك مش هتسيبنا ابدا يلا قوم بقى فيه حاجات كثير عايزة احكهالك محتاجة حضنك متبخلش علي بيه ليه حضتنى يومها بقوة كنت بتودعنى يا بابا معقول اللى عملته رحيل وروفيدا بيسالوا عليك مستنيك تجبلهم شيبسى زى معودهم يلا زينة ولمار ورحيل وروفيدا وأنا يا بابا كلنا محتاجينك معقول زهقت مننا ولا ايه أنا لا يمكن اصدق أبدا يلا قوم عشان نروح بيتنا وناكل سوا يا حبيبى هدلكك رجلك اللى بتوجعك من وقفة المترو قوم يابابا غدروا بيك موتوك رد علي يا حبيبى هقول لمين يا احمد يا حمادة يا بابا
صمتت قليلا فكانت فى حالة من الانهيار التام تمسح على وجهه وكأنه مرهق من العمل كما عادتها حين يعود من عمله قد أنهكه التعب وقد بلغ منه مبلغه،كانت تمسح تعرقه بيدها وتقبله من خده وتخبره كم تحبه، أستئنافت قائلة:
_ست قلبك يا احمد منهارة قوم قوللها أنا اهو يلا يا بابا يا حبيبى أنت مبتردش علي ليه يا ابو يقين يلا عشان ناكل السمك اللى وعدتنا بيه يوم الخميس وخروجة النيل واكل الترمس خلفت وعدك لينا
أقتربت منها والدتها رغم أنهيارها وضمتها بقوة لصدرها قائلة:
_بابا محتاج دعواتنا يا حبيبتى كان بيودعنا الصبح ووصانى عليكم والله العظيم لو كنت اعرف أنه بيودعنى مكنتش سبته يروح الشغل اه يا احمد استعجلت الرحيل يا اخويا وابويا وكل حاجة ليا بالدنيا قوم يا احمد ومتقولش أنه دا الوداع انا ضعيفة من غيرك أنت مقدرش آخذ بالى منهم وأنت مش معايا وشايل معايا الحمل زى ما طول عمرك بتشيله معايا الحمل مينفعش يشيله واحد يا ابو يقين كل واحد فينا كان عارف اللى ليه واللى عليه ظهرى انكسر يا رجلى من بعدك والله العظيم ليه سبتنا ملحقناش نشبع منك والله العظيم قوم يا احمد طول عمرك قوى وصاحب إرادة قوية قوم بقى
ولهذا الحد صرخت صرخة اهتزت لها أرجاء المشفى واتى على اثرها طاقم الممرضات، يحاولون جعلها لا تصرخ حتى تحافظ على الهدوء للمرضى، تركتها زميلتها تفرغ ما فى قلبها، همست لها بصوت خفيض:
_يلا يا رجاء سيبها ربنا ما يكتب على حد وجع الفراق يارب ياختى
**
أنهى عبد الوهاب زميل احمد بالمصنع اجراءات استقلته من المصنع بعدما رأى الظلم الذى وقع علي زميله، لئلا ياتى اليوم الذى يسقط عليه لوح خشبى ويأجل بعمره، ولن يكن هذا فحسب، فقد رفض صاحب المصنع تحقيق العدل واعطاء مبلغا من المال لأسرته، فقد طلبوه جميعا باعطاهم مبلغا ليذهبان به لأسرة احمد الغازى
القى نظرة على المكان الذى عمل به لمدة ثمانية عشر عاما بتفنى، رافض وقوع الظلم عى إنسان فالظلم ظلمات يوم القيامة، فكيف ستعيش هذه الأسرة بعد موت عائلهم صاح يقهر شديد قائلا:
_أقسم بالله العظيم ما هسيبك الأ ما ترجع حق البنات دى راجل قذر مفيش فى قلبه رحمة
سلم على زملائه جميعا متمنين لهما التوفيق، وغادر فقد كان احمد بمثابة آخ له، وهو من كان يقرضه حين كان يتأزم معه المال، فربما كان آخ لن تولده أمه، ولهذا فهو قرر بأن ينتقم من ذاك الخميس صاحب المصنع، وسيرد الحقوق الى اصحابها تنهد بضيق واستقل الحافلة، لا يدرى متى سيوفر له عملآ جديدا
**
_ازيك يا استاذة رؤى أنا كنت عايز قائمة احتباجات الاولاد والخضار والفاكهة هيوصلوا بكرة مع عم سالم عشان عم نور تعبان شوية
أستئذنته رؤى قليلا وذهبت غرفة الرضع لتجلب الدفتر الذى دونت به احتياجات الصغار الذى يجلبها المهيب لهما كلما أتى لهما، اعطته الدفتر قائلة بتهذيب:
_هى دى احتياجاتنا كلها يا استاذ مهيب وهمسة محتاجة دكتور عشان تعبانة شوية اليومين دول عشان تضخم على قلبها محتاجين استشارى ابلة رابحة بتوديها عند دكتور بير سلم والبنت مستجبتش معه
غضب المهيب بشدة وطالعها عاتبا فكيف للصغيرة بأن تكن مريضة ولن يخبره آحد، هدأ قليلا من غضبه قائلا:
_أنا هتصل بالدكتور يجى حالا مع أنى زعلان منك يا استاذة رؤى
شعرت رؤى بالضيق قليلا، فهو ليس ذنبها بل السيدة رابحة من نبهتها بعدم الاتصال بالسيد المهيب وأخبره بأى شىء يخص الدار لتقول بتلعثم:
_والله يا سيدى الفاضل مش ذنبى استاذة رابحة اللى قاللتى متصلش بحضرتك وهى هتتصرف أنا لحد ما همسة حالتها بقت مش مستقرة سامحنى اللله يخليك
هدا مهيب وذهب بعيدآ اخرج هاتفه وهاتف الدكتور لؤى صديقه لياتى ليكشف على همسة ويفعل لها الاجراءات اللازمة لعلاجها، حتى وإن احتاجت تدخل جراحى فتلك اليتيمة إمانة برقبته
إتاه الرد فى المرة الثانية ليقول سريعا:
_لؤى هبعتلك لوكيشين تجلى عليه دلؤقتى حالا يا صاحبى معلش هتعبك
إتاه الرد سريعا:
_فى انتظارك يا مهيب متقولش كدة احنا اخوات يا جدع منتظر اللوكيشين أجى بالشنطة بتاعت الكشف
_ايوة سلام هبعتلك اللوكيشين حالا
**
وقف ضياء امام فتاة لاعوب ممن يستاجرونهما من الملاهى الليلية لتقضية ليلة مقابل المال الذى سيجونه من تلك الليلة، مرر يده على وجهها يتحسسه بوقاحة شديدة قائلا:
_الحلوة اسمها ايه بقي وهنقضى ليلتنا فين عندى ولا عندك
طرقعت الفتاة بالعلكة التى كانت تاكلها قائلة بغنج:
_اسمى حسنّ يا أفندى وعندك وهاخذ الفين جنيه وبقبض مقدم
قرصها من وجنتيها بقوة قائلا:
_اسم كيوت زى صاحبته يا مضروبة اموت أنا اركبى متبقيش طماعة يا حلوة مش يمكن تعجبنى وازودك متستعجليش على زرقك يا امورة قوللتى اسمك ايه
أقتربت منه ولمست وجنتيه باثارة مسببة قشعريرة بجسده ونطقت اسمها بحروف متقطعة:
_قولنا حسّن حسّن
أبتلع ذاك الصفيق ريقة مبعدا يداها قائلا:
_مش هنا كدة هنتاخذ فعل فاضح فى الطريق العام اصبرى شوية
لململم شتات نفسه التى بعثرتها تلك الساقطة كما اسماها وركز فى طريقه يطالعها فى المرآة وهى تضع الحمرة القانية فى شفتيها وتعض على شفتتيها باثارة فهى داعرة متمارسة تعلم جيدا كيفية اثارة الرجال امام مفاتنها
**
ذهب احمد للعمل واستدار، ظل يطالعهما وهو يتمنى الأ يفارقهما لحظة واحدة، أقترب احمد من ارزاق وضمها لصدره قائلا:
_البنات إمانة برقبتك يا ارزاق بالله عليكى اوعى تبهدليهم من بعدى ودايما قوللهم أنى أبوهم كان بيحبهم اوى اوى اوعى تشغلى البنات من بعدى يا ست قلبى
ألمها قلبها ليشدد من ضمه لها وهى تعاتبه على كلماته تلك قائلة:
_االلى أنت بتقوله دا يا احمد بعد الشر على قلبك يا ابو يقين متخافش على قلبك انا والبنات ياخويا هتروح مننا فين
ابتعدت عنها وودعهم وغادر يشعر بأن العمر اوشك على الانتهاء، رحل وترك قلبه فى منزله وسط بناته الخمسة
تذكرت ذاك اليوم الذى ودعهما ورحل، ليته لن يفعل هذا فقد ترك لها كل شىء على كاهلها، وليتها ولو كانت منعته من الذهاب ف ساعة القدر تعمى الابصار، صرخت صرخة ملتاعة فكم ألمها قلبها على زوجها ونصفها الثانى الذى تركها ورحل تكمل من دونه، فهل هذا وعده لها بأنهما سيكبران معا، وستكون هى العصا التى سيستند عليها، آه خرجت من قلبها شقته لنصفين
فماذا ستفعل هل أنتهيا من ستعانق كل ليلة ويقبلها من جبينيه مخبرآ إياها بأنها ست قلبه وتاج رأسه، ليته لن يرحل لماذا استعجل الرحيل واوصاها وتركهما وحيدين من دونه
ماذا ستقعل من دونه، وكيف ستخبر الصغيرتين بأن ابيهما رحل بلا عودة، فهما كلما سالوا عليه اخبروهم بأنه بالعمل وسياتى قريبا جدا جدا وسيجلب لهما حلواهم المفضلة الجيلى كولا
دلفا الصغيرتين يبكيان بشدة وقالا معا:
_ليه مش قولتوا لينا أنى بابا مات وأنتى يا ماما ضحكتى علينا وقولتنا أنه فى الشغل وهيغيب كم يوم صح يا ماما
مسحت الأم على شعر صغارها بحنان تبعث دفئها لهما قائلة:
_بابا راح عند ربنا ادعوله ربنا يرحمه عشان مش يزعل منكم يا حبايب ماما هو بيحبكم اوى اوى وأنتوا لازم تكونوا شاطرين عشان بابا يكون مرتاح صح
هزت الصغيرتين راسيههما وقبلوا والدتهما من وجنتيها وقالا معا:
_ماما لو بابا مشى عشان أنا ورحيل اشقيا خليه يرجع ثانى واحنا مش هنعمل شقاوة صح يا رحيل
_ايوة يا ماما اتصلى بيه خليه يرجع واحنا هنسمع كلامه
أنهارت امام حديثهم وتفكيرهم البرىء قائلة:
_ياريت ياحبايبى مكالمة تليفون بترجع اللى فارق دنيانا مكنش حد غلب وكان كل حد ماتله حد اتصل بيه يرجع بابا راح عند ربنا يا بنات ومش هيرجع ثانى خالص هو شايفكم وحاسس بيكم لذلك لازم تبقوا شاطرين صح كدة
_صح يا ماما يعنى هو كدة شايفنا من السماء دلؤقتى ولو عيطنا هيزعل مننا
مسحت دموعهما وقبلتهما من وجنتيهما وطلبت منهما يذهبان لغرفتهما ويتركونها ترتاح قليلا، نفذت الصغيرتين حديث والدتهما وذهبا، بينما دلفت يقين وقلبها يتقافز من شدة سرعة نبضاته، واقتربت من والدتها عانقتها وهمست لها بشىء، مما جعل أرزاق تنتفض كمن لسعتها حية سامة..
**
يتبع
سقطت سماعة الهاتف من يدها وأنهارت أرضا غير مصدقة ما سمعته للتو،لجم لسانها عن اى حديث رفضت ذاتها تصديق ما سمعته للتو صرخت صرخة ملتاعة من اعماق قلبها ونهضت من جلستها رغم وهن جسدها وأقتربت من ام إبراهيم وضربتها بصدرها بكل قوتها قائلة:
_اهو دى حظى يا بوز النحس احمد مات وسابنا أنا وبناته وقع عليه لوح خشب امشى من بيتى واياك اشوفك ولو بالغلط فى حياتى ثانى امشى امشى أنا بكرهك كان حلال فيكى اللى بيعمله فيكى عرفة لأنه عارفك بوز نحس احمد مات احمد مات
أنهارت ارضا بعدما خارت قواها تلطم على وجهها والسيدة ام إبراهيم تحاول تهدئتها بشتى الطرق، مما جعل أرزاق تدفعها بكل ما تملك من قوة.. لن تفلح فى تهدئتها مما جعل السيدة بهيرة تصيح على الجيران لياتيان، تخبرهما بأن أبا يقين قد مات
تجمعت الجيران حولها يواسيانها ويارزنها فى مصأبها، محولقين ويترحما على الرجل الطيب الذى كان لهما نعمة الآخ الكبير
عادت يقين المنزل على غير عادتها بآكرا، فقد شعرت بقلبها يؤلمها، ولن تكمل بقية محاضراتها كانت بحاجة لتعود للمنزل بالحاح شديد، استمتعت لصراخ ياتى من شقتهما، دلفت بخطىء مضطربة قلبها يرتجف من شدة خوفها من القادم اقتربت من آحدى السيدات تسألها ما بها والدتها لتجيبها السيدة مربتة على ظهرها قائلة:
_شدى حيلك يا حبيبتى بابا تعيشى أنتى ربنا يصبركم على فراقه يارب يا حبيبة قلبى
طالعتها يقين بغضب جم وعانفتها قائلة:
_اللى أنتى بتقوليه دا بتفولى على بابا ولا ايه يلا اخرجى من شقتنا أنتى وهى بابا بخير
بغتتها أرزاق قائلة:
_أبوكى مات يا يقين وقع عليه لوح خشب فى المصنع مات تعالى يا حبيبتى
أنهارت يقين بجانب والدتها ضمتها بقوة وهى تشهق وقالت من بين شهقاتها:
_ماما حمادة مماتش اكيد هما بيهزروا أنا هتصل به اقوله يجى البيت نتغذاء كلنا سوا بابا مماتش
أبتعدت من حضن والدتها تطالع فى السيدات بنظرات مخيفة قائلة:
_بابا بخير يلا أنتى وهى من هنا بابا زمنه جاى صح يا ماما
اخرجت هاتفها من حقيبة يدها قائلة بعجالة من آمرها:
_أنا هتصل بيه وهثبتلكم أنه جاى دلوقتى بس لما تشوفوا تمشوا عشان حمادة مبيحبش ست قلبه تختلط بحد صح يا ست قلبى قوللهم أنى حبيبك جاى أنتى مصدقة أنه مات يا أرزاق ولا ايه قومى نعمله السمك اللى ببحبه هو كان قال هيجبلنا يوم الخميس يلا هنزل اجبله من مصروفى اللى حوشته قومى يا ماما عشان خاطرى حمادة لو شافك منهارة هيزعل مننا كلنا وهيفتكرنا ضايقنكى يلا يا حبيبتى اجمدى بقى
تجمدت مكانها حين أكدت والدتها ما قالته صرخت بوجه أبنتها قائلة:
_روحى البسى حاجة عشان نروح نسلم أبوكى لمثواه الاخير يلا بلاش كلام كثير
رفضت يقين التحرك من مكانها كانت المرة الأولى التى تصرخ بوجه والدتها قائلة:
_مستعجلة على موته خلاص لو معدش يلزمك هناخذه أنا واخوتى ونروح بعيد عنك يا ماما
صفعتها أرزاق لتفيق صدمتها حتى لا تصاب بالجنون وعانقتها بقوة، حتى انهارت بين ذراعيها ولتوها استوعبت بأن كل هذا ليس حلم بل حقيقة مؤلمة وبشدة،بينما ظلت يقين تهذى حتى سقطت مغشيا عليها بين ذراعىّ والدتها،ساعدتها آحدى السيدات فى آفاقتها، مررة بصلة امام وجهها، حتى استعادت يقين وعيها شيئا فشيئا
**
منذ إن ذهب المهيب منزل سلمى وهو فى حالة لا يرثى لها فكيف له بأن يرى إنسان يتألم ومن يجد من يداويه، فكانت السيدة حفيظة امرأة أربعينية لا زالت شابة، واللذين بعمرها لن يتزوجوا بعد
اعترته الحيرة وظل يقود السيارة بلا واجهة فكيف لتلك الصغيرة، إن تراعى والدتها فى عمرها الصغير هذا تنهد بقوة وزفر أنفاس ملتاعة،بدأ له العالم صغير للغاية، إذا كانت البشر لا يملكان دواء ليشفوا من كل ما إصابهم، قرر الذهاب لملجأه فهو اكثر مكان يشعر بسعادة به
قاد السيارة بجنون حتى وصل امام دار رعاية اطفال صفا القلوب، صف السيارة وترجل منها، يشعر بقلبه يؤلمه وبشدة فهذا المكان يذكره محبوبته رهام التى توفتاها المنية منذ أكثر من عشر سنوات، فهى من اعلمته بذلك المكان الذى أضحى ملجاه حين تغلق الحياة امام عيناه
فهؤلاء الابرياء الذى ياتى لزيارتهما، من يخرجوه من احلك حالاته ألما، اغمض عيناه بقوة وفتحهما مرة أخرى وجد امامه السيدة رابحة المسئولة عن دار الرعاية تترفل بغنج شديد مرتدية تنورة قصيرة ظاهرة بيضاء ساقيها الذى لا تشوبها شائبة، ووجهها ملطخ بالكثير من مساحيق التجميل، كم اشمئز من هيئتها المرزية تلك، بينما بلوزتها مفتوحة من عند الصدر لتكشف ما اسفلها
استغفر ربه على عدم غض بصره، ودلف للداخل لتناديه بغنج ودلالال قائلة:
_معرفش يا المهيب اعمل ايه عشان تحس بيا أنت اول راجل اشوفه فى حياتى ميثيرش من مفتانى دى اللى وقعت احسن الرجال دول بيجولى مخصوص عشان يملوا عينيهم الأ أنت يا مهيبى مالك بقى خمس سنوات وأنا بحاول معاك وأنت مفيش فائدة لبست محترم عشانك قلت يمكن تشوفنى وأنت برده مفيش فائدة حاولت بكل الطرق معاك فيا ايه عشان معجبكش شعرى حلو وجسمى متناسق وبلبس لابس شيك تعرف الطقم اللى لابساه دا ثمنه كام حرام عليك بقى حس بيا أنا تعبت والله
لن يعيرها اهتماما لطالما أعتبرها سيدة ساقطة فى نظره، وصل للحديقة، وجد همسة طفلته الجميلة تركض اليه قائلة ببراءة:
_بابا مهيب احستنى
أبتسم على برائتها وقرص وجنتيها برفق شديد قائلا:
_وأنتى كمان يا حبيبة بابا احستنى يا هموسة فين ماما رؤى مش شايفاها
أشارت الصغيرة له على غرفة الرضع، بينما كانت همسة ومجموعة من الاطفال يلهون بجوار فتاة صغيرة لأول مرة يرأها فى التاسعة عشر من عمرها، أقترب منها بخطىء متزنة قائلا:
_أنتى جديدة هنا يا انسة
ردت ديما بتهذيب شديد قائلة:
_ايوة بقالى اسبوعين وابقي اخت رؤى يا استاذ
حيياها المهيب وطلب منها تنادى على رؤي، طلبت منه إن ينتبه للأطفال لحين عودتها، هز المهيب رأسه موافقا وظل يتابع الاطفال بعيناه نادى على جاسر، بينما تدافعوا جميعا لديه يسلمون عليه بحفاوة شديدة، فارحين بشدة لرؤيتهما المهيب الذى طالبهما ينادوه ببابا، من حبه فيهما جميعا، فهو المسئول عن طالبتهما يفعل ذلك بحب شديد، أتت نزهة التى تبلغ من العمر الخامسة عشر قائلة:
_بابا وحشتنى
فهو يرأها منذ كانت رضيعة فوالده، من اعلمه حب الخير وزيارة دور الرعاية، فهذا المكان خصيصا من أخبرته به رهام محبوبته فكان من احب دور الرعاية على قلبه، حيث جاء معها من خمسة عشر عاما،فرهام والدتها ووالده أبناء خالة فهو أحبها من كثرة الزيارات لمنزلهما
**
ذهبت يقين ووالدتها المستشفى وجدت والدها بلا تعابير لا يبدى أى حركة، انهارت حصونهما وجلسا يتأملاه، بدأ لهما بأنه نائما قليلا كما عادته، سيتيقظ بين لحظة ووضحاها تمنت ولو كان هذا برمته حلم وسيستفيقان منه، اقتربت منه وقبلت جبنيه قائلة:
_هو دا وعدك ليا يا حمادة أنك مش هتسيبنا ابدا يلا قوم بقى فيه حاجات كثير عايزة احكهالك محتاجة حضنك متبخلش علي بيه ليه حضتنى يومها بقوة كنت بتودعنى يا بابا معقول اللى عملته رحيل وروفيدا بيسالوا عليك مستنيك تجبلهم شيبسى زى معودهم يلا زينة ولمار ورحيل وروفيدا وأنا يا بابا كلنا محتاجينك معقول زهقت مننا ولا ايه أنا لا يمكن اصدق أبدا يلا قوم عشان نروح بيتنا وناكل سوا يا حبيبى هدلكك رجلك اللى بتوجعك من وقفة المترو قوم يابابا غدروا بيك موتوك رد علي يا حبيبى هقول لمين يا احمد يا حمادة يا بابا
صمتت قليلا فكانت فى حالة من الانهيار التام تمسح على وجهه وكأنه مرهق من العمل كما عادتها حين يعود من عمله قد أنهكه التعب وقد بلغ منه مبلغه،كانت تمسح تعرقه بيدها وتقبله من خده وتخبره كم تحبه، أستئنافت قائلة:
_ست قلبك يا احمد منهارة قوم قوللها أنا اهو يلا يا بابا يا حبيبى أنت مبتردش علي ليه يا ابو يقين يلا عشان ناكل السمك اللى وعدتنا بيه يوم الخميس وخروجة النيل واكل الترمس خلفت وعدك لينا
أقتربت منها والدتها رغم أنهيارها وضمتها بقوة لصدرها قائلة:
_بابا محتاج دعواتنا يا حبيبتى كان بيودعنا الصبح ووصانى عليكم والله العظيم لو كنت اعرف أنه بيودعنى مكنتش سبته يروح الشغل اه يا احمد استعجلت الرحيل يا اخويا وابويا وكل حاجة ليا بالدنيا قوم يا احمد ومتقولش أنه دا الوداع انا ضعيفة من غيرك أنت مقدرش آخذ بالى منهم وأنت مش معايا وشايل معايا الحمل زى ما طول عمرك بتشيله معايا الحمل مينفعش يشيله واحد يا ابو يقين كل واحد فينا كان عارف اللى ليه واللى عليه ظهرى انكسر يا رجلى من بعدك والله العظيم ليه سبتنا ملحقناش نشبع منك والله العظيم قوم يا احمد طول عمرك قوى وصاحب إرادة قوية قوم بقى
ولهذا الحد صرخت صرخة اهتزت لها أرجاء المشفى واتى على اثرها طاقم الممرضات، يحاولون جعلها لا تصرخ حتى تحافظ على الهدوء للمرضى، تركتها زميلتها تفرغ ما فى قلبها، همست لها بصوت خفيض:
_يلا يا رجاء سيبها ربنا ما يكتب على حد وجع الفراق يارب ياختى
**
أنهى عبد الوهاب زميل احمد بالمصنع اجراءات استقلته من المصنع بعدما رأى الظلم الذى وقع علي زميله، لئلا ياتى اليوم الذى يسقط عليه لوح خشبى ويأجل بعمره، ولن يكن هذا فحسب، فقد رفض صاحب المصنع تحقيق العدل واعطاء مبلغا من المال لأسرته، فقد طلبوه جميعا باعطاهم مبلغا ليذهبان به لأسرة احمد الغازى
القى نظرة على المكان الذى عمل به لمدة ثمانية عشر عاما بتفنى، رافض وقوع الظلم عى إنسان فالظلم ظلمات يوم القيامة، فكيف ستعيش هذه الأسرة بعد موت عائلهم صاح يقهر شديد قائلا:
_أقسم بالله العظيم ما هسيبك الأ ما ترجع حق البنات دى راجل قذر مفيش فى قلبه رحمة
سلم على زملائه جميعا متمنين لهما التوفيق، وغادر فقد كان احمد بمثابة آخ له، وهو من كان يقرضه حين كان يتأزم معه المال، فربما كان آخ لن تولده أمه، ولهذا فهو قرر بأن ينتقم من ذاك الخميس صاحب المصنع، وسيرد الحقوق الى اصحابها تنهد بضيق واستقل الحافلة، لا يدرى متى سيوفر له عملآ جديدا
**
_ازيك يا استاذة رؤى أنا كنت عايز قائمة احتباجات الاولاد والخضار والفاكهة هيوصلوا بكرة مع عم سالم عشان عم نور تعبان شوية
أستئذنته رؤى قليلا وذهبت غرفة الرضع لتجلب الدفتر الذى دونت به احتياجات الصغار الذى يجلبها المهيب لهما كلما أتى لهما، اعطته الدفتر قائلة بتهذيب:
_هى دى احتياجاتنا كلها يا استاذ مهيب وهمسة محتاجة دكتور عشان تعبانة شوية اليومين دول عشان تضخم على قلبها محتاجين استشارى ابلة رابحة بتوديها عند دكتور بير سلم والبنت مستجبتش معه
غضب المهيب بشدة وطالعها عاتبا فكيف للصغيرة بأن تكن مريضة ولن يخبره آحد، هدأ قليلا من غضبه قائلا:
_أنا هتصل بالدكتور يجى حالا مع أنى زعلان منك يا استاذة رؤى
شعرت رؤى بالضيق قليلا، فهو ليس ذنبها بل السيدة رابحة من نبهتها بعدم الاتصال بالسيد المهيب وأخبره بأى شىء يخص الدار لتقول بتلعثم:
_والله يا سيدى الفاضل مش ذنبى استاذة رابحة اللى قاللتى متصلش بحضرتك وهى هتتصرف أنا لحد ما همسة حالتها بقت مش مستقرة سامحنى اللله يخليك
هدا مهيب وذهب بعيدآ اخرج هاتفه وهاتف الدكتور لؤى صديقه لياتى ليكشف على همسة ويفعل لها الاجراءات اللازمة لعلاجها، حتى وإن احتاجت تدخل جراحى فتلك اليتيمة إمانة برقبته
إتاه الرد فى المرة الثانية ليقول سريعا:
_لؤى هبعتلك لوكيشين تجلى عليه دلؤقتى حالا يا صاحبى معلش هتعبك
إتاه الرد سريعا:
_فى انتظارك يا مهيب متقولش كدة احنا اخوات يا جدع منتظر اللوكيشين أجى بالشنطة بتاعت الكشف
_ايوة سلام هبعتلك اللوكيشين حالا
**
وقف ضياء امام فتاة لاعوب ممن يستاجرونهما من الملاهى الليلية لتقضية ليلة مقابل المال الذى سيجونه من تلك الليلة، مرر يده على وجهها يتحسسه بوقاحة شديدة قائلا:
_الحلوة اسمها ايه بقي وهنقضى ليلتنا فين عندى ولا عندك
طرقعت الفتاة بالعلكة التى كانت تاكلها قائلة بغنج:
_اسمى حسنّ يا أفندى وعندك وهاخذ الفين جنيه وبقبض مقدم
قرصها من وجنتيها بقوة قائلا:
_اسم كيوت زى صاحبته يا مضروبة اموت أنا اركبى متبقيش طماعة يا حلوة مش يمكن تعجبنى وازودك متستعجليش على زرقك يا امورة قوللتى اسمك ايه
أقتربت منه ولمست وجنتيه باثارة مسببة قشعريرة بجسده ونطقت اسمها بحروف متقطعة:
_قولنا حسّن حسّن
أبتلع ذاك الصفيق ريقة مبعدا يداها قائلا:
_مش هنا كدة هنتاخذ فعل فاضح فى الطريق العام اصبرى شوية
لململم شتات نفسه التى بعثرتها تلك الساقطة كما اسماها وركز فى طريقه يطالعها فى المرآة وهى تضع الحمرة القانية فى شفتيها وتعض على شفتتيها باثارة فهى داعرة متمارسة تعلم جيدا كيفية اثارة الرجال امام مفاتنها
**
ذهب احمد للعمل واستدار، ظل يطالعهما وهو يتمنى الأ يفارقهما لحظة واحدة، أقترب احمد من ارزاق وضمها لصدره قائلا:
_البنات إمانة برقبتك يا ارزاق بالله عليكى اوعى تبهدليهم من بعدى ودايما قوللهم أنى أبوهم كان بيحبهم اوى اوى اوعى تشغلى البنات من بعدى يا ست قلبى
ألمها قلبها ليشدد من ضمه لها وهى تعاتبه على كلماته تلك قائلة:
_االلى أنت بتقوله دا يا احمد بعد الشر على قلبك يا ابو يقين متخافش على قلبك انا والبنات ياخويا هتروح مننا فين
ابتعدت عنها وودعهم وغادر يشعر بأن العمر اوشك على الانتهاء، رحل وترك قلبه فى منزله وسط بناته الخمسة
تذكرت ذاك اليوم الذى ودعهما ورحل، ليته لن يفعل هذا فقد ترك لها كل شىء على كاهلها، وليتها ولو كانت منعته من الذهاب ف ساعة القدر تعمى الابصار، صرخت صرخة ملتاعة فكم ألمها قلبها على زوجها ونصفها الثانى الذى تركها ورحل تكمل من دونه، فهل هذا وعده لها بأنهما سيكبران معا، وستكون هى العصا التى سيستند عليها، آه خرجت من قلبها شقته لنصفين
فماذا ستفعل هل أنتهيا من ستعانق كل ليلة ويقبلها من جبينيه مخبرآ إياها بأنها ست قلبه وتاج رأسه، ليته لن يرحل لماذا استعجل الرحيل واوصاها وتركهما وحيدين من دونه
ماذا ستقعل من دونه، وكيف ستخبر الصغيرتين بأن ابيهما رحل بلا عودة، فهما كلما سالوا عليه اخبروهم بأنه بالعمل وسياتى قريبا جدا جدا وسيجلب لهما حلواهم المفضلة الجيلى كولا
دلفا الصغيرتين يبكيان بشدة وقالا معا:
_ليه مش قولتوا لينا أنى بابا مات وأنتى يا ماما ضحكتى علينا وقولتنا أنه فى الشغل وهيغيب كم يوم صح يا ماما
مسحت الأم على شعر صغارها بحنان تبعث دفئها لهما قائلة:
_بابا راح عند ربنا ادعوله ربنا يرحمه عشان مش يزعل منكم يا حبايب ماما هو بيحبكم اوى اوى وأنتوا لازم تكونوا شاطرين عشان بابا يكون مرتاح صح
هزت الصغيرتين راسيههما وقبلوا والدتهما من وجنتيها وقالا معا:
_ماما لو بابا مشى عشان أنا ورحيل اشقيا خليه يرجع ثانى واحنا مش هنعمل شقاوة صح يا رحيل
_ايوة يا ماما اتصلى بيه خليه يرجع واحنا هنسمع كلامه
أنهارت امام حديثهم وتفكيرهم البرىء قائلة:
_ياريت ياحبايبى مكالمة تليفون بترجع اللى فارق دنيانا مكنش حد غلب وكان كل حد ماتله حد اتصل بيه يرجع بابا راح عند ربنا يا بنات ومش هيرجع ثانى خالص هو شايفكم وحاسس بيكم لذلك لازم تبقوا شاطرين صح كدة
_صح يا ماما يعنى هو كدة شايفنا من السماء دلؤقتى ولو عيطنا هيزعل مننا
مسحت دموعهما وقبلتهما من وجنتيهما وطلبت منهما يذهبان لغرفتهما ويتركونها ترتاح قليلا، نفذت الصغيرتين حديث والدتهما وذهبا، بينما دلفت يقين وقلبها يتقافز من شدة سرعة نبضاته، واقتربت من والدتها عانقتها وهمست لها بشىء، مما جعل أرزاق تنتفض كمن لسعتها حية سامة..
**
يتبع