الفصل 30

ثم ضمها إليه بقوة وهي تشاركه بالعناق ، تود اختراق عظامه لتختبئ داخل قلبه وتبقى معه للأبد ، هذا هو العناق الذي يكسر الضلوع والذي طلبه جان منها في السابق ، شدد في العناق أكثر وأكثر حتى خيل له أن قلبهم تقابلا وتعانقا بشغف واشتياق ، لتلصق اوردتهم ببعضها البعض ، كما اختلطت انفاسهم مع أول كلمة حب همس بها إلى مسامع أذنيها ، ذاهبه في رحلة إلى القلب لتجعله سعيدا طول العمر ..

قاطع تلك اللحظة هاتفه الذي يرن ، فابتعد عنها لينظر إلى شاشة الهاتف التي تضيء باسم والده ، فتناول الهاتف و وقف بجوار باب الشرفة يتحدث معه ، وبعد تبادل السلام قال والده :
-فلتأتي يا صغيري .. المزرعة تحتاج إليك
أبتسم بسعادة ينظر إلى أديل قائلا :
-سآتي يا والدي العزيز .. ومعي هدية لك
تعجب من حديث ابنه ثم تحدث باشتياق :
-أنت هديتي يا صغيري .. لقد اشتقت أليك كثيرا .. أنت من تصبرني على فراق والدتك وبعد شقيقك الغالي
تحدث معه لدقائق ثم أنهى المكالمة ليلتفت إلى أديل ، الذي تساءلت بتوجس :
-ماذا تقصد بالهدية ؟!
تقدم نحوها مبتسما ليقف واضعا يديه على ذراعيها قائلا بتأكيد :
-أنتِ الهدية عزيزتي

حدقت به في دهشة وجاءت تتحدث رن جرس الباب فذهب ليقوم يفتحه ، فرخت أعصابها وتذكرت عهدها لنفسها ، لتذكر نفسها به مراراً وتكرار وأنها لم تفسد أيامهم المعدودة معا بغضب وحزن ، عاد جان بالغداء وأخذ يطعمها بيده وبعد كل لقمه يقبلها على ثغرها


دخل جوزيف مغلقا الباب خلفه بقوة لتستمتع لتستمع إلى صوت الباب وخرجت من المطبخ لتنظر إليه بابتسامة واسعة ، ولكن سرعان ما اختفت ابتسامتها بمجرد أن رأت ملامحه الغاضبة وعيناه الحادة التي خيلت إليها بأن نظراته ستفلقها نصفين ، فشعرت بالخوف والتوتر فهذه المرة الأولى ترى غاضبا بهذا الشكل ..

ازدردت لعابها بصوت مستمع فيما تقدم جوزيف نحوها وتساءل بحده :
-أين ذهبتِ مع بيير ؟!
رخت أعصابها وتبسمت باضطراب ولم تجيب عليه ، مما جعلته يغضب أكثر وقبض على ذراعها لتتأوه وهو يقول بحده بفضل غيرته عليها من ذاك الرجل :
-قلت لكِ انتظريني في المكتب
وضعت يدها على يده وقد تجمعت الدموع في عيناها قائلة :
-أنت تؤلمنني
انتبه لقبضته القوية وقام بسحب يده على الفور ، فنظرت إلي يديها لتجد أثار أصابع يديه ثم نظرت إليه بعتاب وقالت :
-هاتفني وأخبرني أن جوليا غاضبة مني .. فذهبت معه لأعلم السبب
بعد أن انتهت من حديثها شعرت بتأنيب الضمير وضيق في صدرها بفضل كذبها عليه ، تركها جوزيف وصعد الدرج فركضت خلفه تنادي ليتوقف واضعا يده على سور الدرج ، وقفت أمامه متمته بالاعتذار فتنهد بغضب ينظر إلى الأعلى بحده ، أحرقت رأسها وقالت بعتاب :
-لن اعتاد على ذاك الأسلوب الحاد منك يا جوزيف .. أرجوك عاتبني بهدوء كما وعدتنني
تأثر بحديثها كثيرا ، حقا قد قسى عليها ، قسى على طفلته المدللة ، ضمها إلى صدره لتشعر بحنانه وتبسمت ، بينما قال جوزيف بجدية :
-الغيرة عتابها لا يحتاج للهدوء
ابتعدت عنه لتنظر إليه بابتسامة واسعة ممزوجة بالدهشة متسائلة :
-الغيرة ؟!
وضع يده على شعرها من الخلف مداعبا وقال بتأكيد :
-نعم يا صغيرتي .. أغار عليكِ
تنهدت بشغف وقالت بحنق :
-أنا أيضا أغار عليك من جميع النساء .. وخاصة تاله
قبلها على جبينها بحنان ثم ضمها إلى صدره مجددا لتحيط خصره بيديها للحظات من الحب ، ثم ابتعدت عنه تضبط معطفه وهو تخبره أن يبدل ثيابه ويأتي ، ثم عادت إلى المطبخ وبدأت في وضع طعام الغداء على مائدة الطعام بشكل منظم للغاية ، وجاء جوزيف ليندهش من الطعام التي أعدته جين بنفسها وجلس يأكل بشهية مفتوحة ، بعد دقائق ابتلعت جين طعامها فيما رن هاتف جوزيف ، فرفعت نفسها قليلا لتنظر إلى شاشته التي تضيء باسم جان ، ترك جوزيف الملعقة وأجاب على شقيقة وبعد تبادل السلام بينهم ، قال جان باهتمام :
-تتذكر موعدنا غداً ؟!
صمت لوهله شعر بها بالحزن وكسرة القلب المفاجئة وأجابت بصوت مكسور :
-نعم أتذكر .. ذاك اليوم دائما في ذاكرتي يا جان .. أصعب يوم مضى علينا
هون على شقيقة ويحتاج من يهون عليه ، وكلن معه أديل الذي وقفت خلفه وعانقته من الخلف و هونت عليه بحديثها ، فأنهى المكالمة مع شقيقة ، توقف جوزيف عن الطعام فأمسكت بيده وتساءلت باهتمام :
-ما الأمر ؟!
ليجيب عليها دون أن ينظر إليها ، بل شاف غارقاً في الماضي المؤلم :
-غدا ذكرى وفاة والدتي الحبيبة
شعرت جين بالحزن ثم قالت بتردد :
-أأأ جوزيف .. يمكنك أن تريني صورة والدتك ؟
-ولماذا تطلبينها بتردد ؟؟
ثم تناول الهاتف وبدأ يبحث عن الصورة فيما قالت جين :
-شعرت انك لا تحب أن تريني إياها
فتح الصورة وادار الهاتف إليها فأخذته لتفحص الصورة عن قرب ، وكبرت الصورة على وجهها بتعمق وكأنها كانت تعرفها من قبل ، ثم نظرت إلى جوزيف الذي ينظر إليها بجمود وقالت مبتسمه :
-تشبه والدتك كثيرا
أومأ رأسه بخفة ثم أخذ الهاتف ونهض من مكانه ، فرتبت جين كل شيء مكان الطعام ثم أعدت فنجانين من القهوة وخرجت إلى الجنينة ، ثم وضعتهم أعلى المنضدة وجلست بجواره لتنظر إليه باهتمام قائلة :
-حدثني عنها يا جوزيف
أحاط كتفها ليضمها إلى صدره وتنهد بعمق وشرد في الماضي قائلا :

-كانت تضميني إليها هكذا عندما أكون مريض .. كانت حقا أم رائعة


قبل شروق شمس اليوم كان الاثنان في القرية كل منهم يحمل باقة ورد ، واحده زرقاء والأخرى بيضاء ، يتجهان نحو قبر الوالدة وجلسوا على ركبتيهم ، تذكروا منذ كانوا صغار عندما فتحت الزهور والورود التي قامت والدتهم بذراعتها ، وقطف جوزيف وردة زرقاء وجان وردة بيضاء ثم ركضوا إليها كانت جالسة على الأريكة في الجنينة تغزل الكروشيه ، وكل منهم أعطى لها وردته ..

وضع جوزيف باقة الورد خاصته ثم رفع يديه مغمض عيناه يقرأ لها الفاتحة ويدعوا لها ، فيما مسح جان على أسمها وهبطت دموعه على وجنتيه رغما عنه ثم قرب باقة الورد من أنفه ليستنشق رائحة الورد بعمق ثم وضعه ليرفع يديه مغمض عيناه يقرأ لها الفاتحة ويدعوا لها ، فتح جوزيف عيناه ينظر إلى أسم والدته بشغف واشتياق ثم مسح عليها لتتجمع الدموع داخل عيناه وقال بصوت منخفض :
-القلب اشتاق يا أماه .. والروح تدعوا لكِ دائماً .. والعيون تراكِ دائما

نظر جان إلى شقيقه بتأثر ثم مسح دموعه ليضع يده على يد شقيقة جوزيف ، وقال جان بصوت منخفض :
-نحن معا دائماً كما تمني قلبك يا حبيبة قلبي .. سنظل معا دائماً وأبدا
جاء دانييل بك يحمل باقة ورد حمراء كما كان يجلب لها الورد الأحمر دائما ، وقف ينظر إلى أبنائه بابتسامة خفيفة سعيداً بهم لأنهم يتذكرون ذاك اليوم ، ثم تقدم نحوهم ليجلس بجوار جوزيف فنظروا إليه وهو يضع باقة الورد فوق الكثير من الورود قد دبلت ، ثم رفع يديه مغمض عيناه يقرأ لها الفاتحة ويدعوا لها كما فعلوا أبنائه ..
***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي