الجزء لثاني
" لنبدأ الرقص يا حلوتي، أنا هنا و كل شيء بعدي هين"
قال الأمير يوه بصوته الرائع، لم أرى في حياتي عينين كعينيه .
كنت أحدق به و جسدي يتحرك من تلقاء نفسه، الموسيقي و الأجواء هادئة، من فرط السكون و سلاسة العزف و كأنني أستطيع سماع نبضات قلبه، كنت أرقص معه وكأننا شخص واحد، لم أعلم أن عيناه بذلك الجمال مطلقاً، انتبهت إلى نفسي وشعرت بقليل من الخجل والإحراج.
" أتعلمين شيئاً؟"
سألني يوه وهو يحدق نحو الشموع التى كانت تومض بدفء.
"م _م ماذا هناك؟"
أجابت بتردد.
" رغم سلطتي وقوتي لقد خفت كثيراً من فكرة أنك قد لا توافقين على الزواج مني، ترددت لأكثر من مرة لسؤالك عن رغبتك بالزواج مني أم أن لك رأي آخر؟ "
قال يوه وبدت على وجهه بعض علامات الحزن ممزوجة بالتوتر، رباه كم كان يبدو ظريفاً.
" ألم تخبرني ليلتها أن كل شيء سيكون بخير، لذا خاطرت وصدقتك فلم يكن معي خيار آخر غير ذلك "
قلتها بانزعاج فحديثه، قد بدا لي مرتجلاً ولا يليق بملك مثله، بينما تباطأت في الرقص، توقفت الموسيقى بعدما أنهى الأمير يوه الرقصة، يبدو أن حديثي قد أغضبه، إن يكن فأنا لا أهتم .
توجه جلالته وجلس على طاولة يحتسي الكثير من الكؤوس دون توقف كان النبيذ من النوع قوي المفعول، احمرت عيناه خفت و تذكرت تهديدات والدي _ وكأني سأنساها عن محاولة تخريبي لهذا الزواج وعواقب فعل ذلك، تحركت بسرعة إلي حيث يجلس جلالته، وقفت قربه و أنفاسي تعلو وتهبط، ضربات قلبي تتسارع.
" أ _أنا لا أعرف عنك شيئاً أو عن كيفية التصرف معك، أسفة لما قلته لك قبل قليل"
قلت كل كلمة متقطعة واحدة تليها الاخرى بعد دقيقة من سابقتها خفت أن أدمر كل شيء.
" لا بأس ، لم أغضب بسبب ذلك"
قال يوه دون أن ينظر إلي.
إقتربت أكثر ووقفت أمامه، ضربت على الطاولة بقوة.
" إذا لم تكن غاضباً فلما ملامح وجهك هكذا"
قلت بصوت عالي، إنتبه إلينا جميع من حولنا، نظر إلي يوه سحبني نحوه، لم يعد يفصل بيننا الا بضع ملمترات.
" أظن أنني لم أسمع ما قلته قبل قليل أسمعيني إياه مجددا؟"
قال يوه بينما كان يمرر يده على شفتاي ببطء، كيف يجرأ على لمسي أود قطع رقبته فوراً و لكن كنت كمن إنقطع نفسه و يحبس فؤاده في سجن و يصارع للهروب منه، لم أقدر على مواصلة النظر في عينه أو قول شيء لم أعرف ماذا على أن أقول أو أفعل، دون أن أشعر سالت الدموع من عينيي.
" أنا آسفة"
همست وقد كدت أتمالك أعصابي، ما إن رآني يوه بتلك الحالة قام بإحتضاني بقوة.
" أنا من يجب عليه الاعتذار، كلما في الأمر أنه وصلتني رسالة طارئة لم يعجبني محتواها، لست غاضب عليك، إهدئي"
قال يوه بينما كان يربت على شعري، تبسم فإرتعشت قليلاً، كلماته تلك جعلتني أبكي أكثر فأكثر.
"أ _أ أنا آسفة"
أنا قلت ظننت أنه سيعاقبني أو بالعصا سيضربني، ظللت أكرر أسفي ممسكة بقميصه دافنة نفسي فيه، بقيت على تلك الحالة لأكثر من عشرة دقائق، هو لم يقل شيئاً، بعدها مسحت دموعي ثم نظرت إليه، لقد كان يبتسم.
" كيف تشعرين الآن؟"
سألني و هو يمسح آخر قطرات دموعي التي كانت على خدي.
" بخير هذا ليس من شأنك"
قلت بينما إبتعدت عنه بسرعة، ضحك يوه بصوت عالي، كان الضيوف الذين من حولنا
يتهامسون.
" أسمعتم هذا إن الملك يضحك!"
قال أحدهم بتفاجئ.
" يا إلهي إنها لمعجز أن نرى جلالته بتلك الإبتسامة"
رد آخر، نظرت إلي يوه الذي أمسك بيدي ثم قال:
" أنت حقاً حساسة جداً، أعدك بأنني سأراعى ردود أفعالي حتى لا تقلقي على هكذا، يؤلمني رؤيتك تبكين"
إقترب مني ثم قبل جبهتي ببطء.
" لم لا أستطيع التعامل معه"
قلت في نفسي.
خلال الأمسية الراقصة قدمت عروض جميلة استمتعت بها جدا، لكنني لم أستطع نسيان ملامحها تلك مطلقاً شعرت بالذنب رغم إخباره لي بأنني لست السبب، أحسست وكأنني أتألم من الداخل، عدت الى غرفتي بعد إنتهاء الحفل، جلست بالقرب من النافذة أفكر بما سيحل بي هنا، و كيف أنه يجب على إنقاذ عشيرتنا.
لم أفهم سبب إختياري، فأنا لست بذلك الجمال مقارنة بحسناوات عشيرتي، إحتضنت الوسادة و بدأت بالبكاء لم كل أموري متشابكة كأن مشاكلي هذة لا حل لها، بعد بضع ساعات دخل الأمير يوه وقف أمامي .
" تارا أسف جداً و لكن على الذهاب في رحلة طارئة، قد لا أعود إلا بعد إسبوعين أتمنى أن تسامحني، لكن ما باليد حيلة هناك بعض المشاكل على الحدود يجب على حلها"
قال الأمير يوه و ملامح وجهه تقول أنه يريد البقاء هنا معي.
نهضت من مكاني بسرعة و إقتربت منه ، لا أدري أعلي أن أفرح أم أحزن؟ لم أستطع قول شيء له، عيناه كانتا تتمنان أن أقول له و لو حرف واحداً أنزلت رأسي للأسفل ثم قلت له:
" أنت هو الحاكم و ما تقرر فعله حتما مطاع"
بدا عليه الغضب فسحبني بقوة حتى التصقت بالجدار.
وقال:
" ما هي مشكلتك، لما أنت عابسة؟
لما كلما نظرت إليك آرى هذة الملامح الباهتة؟
أنت لتستيقظي من أوهام أفكارك، ما حدث قبل مجيئك معي الى هنا أصبح من الماضي، و لا أريد أن أعرف عنه شيئا لا أودك أن تفرطي في التفكير، إن كان هناك ما يزعجك فيقول لي، لا تصمتي يا تارا"
كانت نبرة صوته عالية قليلاً عندما تحدث معي، فبدأت بالبكاء كنت أبكي بلا توقف فهذا ما أجيد فعله في مواقف كهذه.
" بحق الله ماذا حدث لك الآن؟"
قال الأمير يوه، لكنني لم أجبه وواصلت البكاء.
" حسنا، آسف لما قلته آسف لإخافتك، لا يعجبني رؤية فتاتي حزينة في حضرتي وأنا عاجز عن فعل شيء، هيا أمسحي هذه الدموع"
قال الأمير يوه بينما مسح دموعي، احتضنته فجأة وقلت له:
" أرجوك لا تذهب لا تتركني وحدي، أنا خائفة جداً، لا أعرف هذا المكان ولا أحد آخر هنا غيرك يا يوهريك ، لقد خفت كثيرا ً من أنك قد تغضب علي مجددا إن اخبرتك بهذا "
" لا بأس، عزيزتي لا أستطيع المخاطرة و أخذك معي،
إطمئني يا تارا لن يصيبك مكروه و أنت هنا في مملكتي، سأجعل جول تعتنى بك"
قال يوه و هو يربت على رأسي، إبتعدت عنه بسرعة، و جلست على السرير.
" حسنا عد بسرعة"
قلت بصوت منخفض جداً لا أظن أنه سمعني، كنت أشاهده و هو يأخذ بعض الحاجيات من خزانته، قبل
رحيله من الغرفة قال:
" كوني بخير حتى عودتي"
غرقت في التفكير لساعات طوال، حل المساء و أنا لم أخرج من غرفتي، الحقيقة يراودني الفضول لاستكشاف باقي القصر، إلا أن هذه الغرفة واسعة جداً، هي بحجم جناح كامل كالذي في قصرنا، فتحت خزانة الملابس التي تقع بالقرب من مكتبة ذات كتب ضخمة جداً .
" يا ترى هل قرأ يوه جميع هذه الكتب ؟"
أنا سألت نفسي، وجدت العديد من الثياب و المجوهرات التي جهزت خصيصا لي، الأحذية و كل شيء على مقاسي تماماً، كنت متفاجأة بمعرفته بما أحبه و أكره من أنواع الثياب و القطعة الثمينة، كنت مذهولة من هذا الرجل .
أخذت إحدى الكتب التي على الرف الثاني، كان يحتوي على مجلدات تختص بسحر المادة و دوائر الزمان، بالرغم من تفوقي في حصص الفروسية إلا أنني لازلت ضعيفة في إلقاء التعاويذ السحرية، كنت الفشل الذريع كما يصفني أبي.
كان الكتاب يتحدث عن كيفية إيقاظ قوى تاجو _ التي هي نوع من أصل ثلاثة مصادر طاقة سحرية يولد بها الشخص تاجو سحر يختص بتعزيز الجسد و تسريع ردود الفعل.
قلبت الصفحة باحثة عن كيفية إتقان الخطوات لفعلها و تفعيل تعاويذها، فقد شدني هذا النوع من السحر، كنت منهمكة في فهم الخطوات بحذر شديد، لأول مرة أحس بالراحة في فعل شيء أريده، فكل حياتي كانت عبارة عن تارا إفعلي هذا، تارا لا تفعلي ذلك.
لم ألحظ مرور الوقت وحلول الليل إلا عندما أنهيت الفصل الأول من التعاويذ الاساسية، تمكنت من فهم طريقة عمل التعزيزات البدنية، تاجو تنقسم بحد ذاتها لسبعة درجات طاقة، تتمثل في وهج ينبعث من الشخص بألوان معينه، أقواها الوهج الأبيض و أضعفها القرمزي، هنالك وهج ثامن محرم يسمى الثقب اللانهائي، قليلون يولدون بمثله يعد ذلك الوهج رمزاً للدمار و الشر.
لم أشعر بمثل هذا الشغف لتعلم شيء من قبل، لكن عصافير معدتي بدأت تزقزق، فتركت المنضدة و أعدت الكتاب الي مكانه، توجهت الى الخارج أبحث عن شخص ما يدلني المطبخ.
ما إن فتحت باب الغرفة وجدت خادمة، طويلة القامة حسنة القوام، لديها عينان ببريق نجوم السماء، ترتدي فستان طويل قصير الأكمام انحنت فور أن رأتني أمامها.
" عذراً جلالتك، أنا نوان خادمتك الخاصة، عينني جلالة الملك للإعتناء بك و لتلبية متطلباتك كلها، هل تودين أن أحضر لك شيئا"
قالت نوان بصوت منخفض كله إحترام.
" ليس هنالك داعي للرسميات نادني تارا فقط"
أنا قلت لها.
" عذراً جلالتك لكن..."
قالت نوان
"نادني تارا"
أنا قلت مصرة على حديثي.
" كما تريدين يا تارا"
قالت نوان بتردد و تلعثم.
" أشعر بالجوع أود تناول بعض الطعام، أحضري لي أي شيء شهي بالإضافة لعصير الليمون مع النعناع "
قلت و أنا أضع يدي على معدتي.
"حاضر مولاتي تارا"
قالت نوان
عدت إلى غرفتي استلقيت على الفراش الزغبي الناعم.
" الأن يجب على وضع خطة و تقيم موقفي، أولا كيف سأنقذ عشيرتي ما نفع تضحيتهم بي و زواجي من يوه هذا في المقام الأول، علي أيضاً معرفة لما الجميع يخاف من قوم هذه المملكة رغم أنهم بيدون لطفاء، و الأهم من هذا كله على معرفة سبب عدم وفاء يوكي بوعده لي"
أنا قلت في نفسي، وضعت يدي على رأسي، الكثير لأفكر به.
" ماذا سأفعل في فترة غيابه، علي أن أجد الأجوبة على أسئلتي"
قلت لنفسي ثم نهضت، لم يمضى سوى عشر دقائق حتى عادت نوان بأطباق طعام
لا حصر لها.
" لم أطلب كل هذا القدر"
قلت بتفاجئ.
"لكنك يا مولاتي تارا طلبت كل ما لذ و طاب"
ردت نوان
جلست على الطاولة و بدأت بتناول الطعام ، لقد كان لذيذا لا أقدر على وصف دقة امتزاج مكونات الأطباق . لم أذق طعام شهيا كهذا في حياتي كلها، كل الذي كنت أتناوله طيلة حياتي قبل زواجي.
الخبز بالحليب و أحيانا بعض الفاكهة إن تسللت للبستان الخلفي، فأنا في نظر أبي نكرة و لا يجب علي تناول نفس الطعام الذي يتناوله أخوتي و البقية، كنت أعامل كاللعنة، وحيدة كنت أنا دائماً.
لم أصدق أنه قد تصح لي فرصة تناول هذا الكم الهائل من الطعام، أنهيت الخمسة و سبعون صحن دفعة واحدة، هل أنا في حلم ؟
" مولاتي تارا تفضلي العصير"
قالت نوان و هي تقدم لي عصير الليمون
" لا شكراً ، لقد شبعت"
أنا قلت ثم اتكأت للوراء على الكرسي.
" أخبريني قليلا عن يوه، أعني عن جلالتك الملك"
سألت نوان بينما كنت أحدق إلى حافة الطاولة.
" هل الطقس غائم هكذا طوال اليوم؟"
أنا سألت بينما كنت أنظر من النافذة
" إن الشمس لا تسطع هنا إلا أسبوع واحد كل عام، يسمى ذلك بأسبوع الضياء، تقام فيه الاحتفالات والطقوس المقدسة، يقال أن من يولدون في تلك الأيام السبعة محظوظون جدا"
رد نوان.
" يا ترى كيف حال يوه الأن؟
هل حقاً سيكون بخير"
قلت في نفسي.
" لا تقلقي يا مولاتي تارا، جلالته لا يخاف عليه"
قالت نوان
" مهلاً أنا لست خائفة على أحد، آه
فلتنسي الأمر"
تمتمت بسرعة و إرتباك.
" أستسمحك عذراً مولاتي، غدا لديك موعد مع خلات جلالة الملك للتعرف عليهم، بالإضافة لجولة حول القصر، كما طلب مني جلالة الملك أن آخذك إلى حديقة أزهار القصر الخاصة، لذا طلب مني أن أخبرك أن تنامي باكراً، كما أنه سيرسل رسالة لك كل يوم حتى يطمئن عليك، سأكون في الغرفة المجاورة، طابت ليلتك"
قالت نوان بسرعة ثم خرجت.
" مهلا ماذا!"
تذمرت من تهكمه كيف له أن يخطط ليومي هكذا؟
ياله من لئيم!
من يظن نفسه، حقا لا يهم.
خلدت إلى النوم مبكراً ليس لأنه طلب مني هذا أو ما شابه، لكنني أود أن أستيقظ مبكراً لأجرب التعويذة الأساسية الأولى، كل الذي يشغل بالي حاليا هو تطوير ذاتي و الإستفادة من محيطي لتحقيق غايات، سأتعامل مع جلالته عند عودته .
حل الصباح سريعاً، كنت غارقة في النوم فأيقظني نوان،
و هي تقول لي:
" مولاتي هيا أسرعي سنتأخر ، وخالات جلالة الملك يسكن في الجزء الجنوبي من المدينة يستغرق الوصول الى هناك ساعة ونصف ولم يتبقى لنا غير ساعتنا للوصول هناك في الموعد المحدد"
" أسفة جداً، لم أدرك متى حل الصباح"
قلت بينما نهضت بشعري المبعثر و ملامح وجهي الناعسة. كنت مرهقة من يوم البارحة
طرق خادم الباب فجأة ، ذهبت نوان لتفتح الباب ، أخذت منه قرصا ذهبياً به جوهرة مستديرة بحجم عمله فضية، كانت تبرق و تصدر صوتاً.
" هذه الأماكونتا وسيلة لإرسال الرسائل المباشرة في مملكتنا ، إنه الملك يا مولاتي يود محادثتك"
قالت نوان ثم ضغطت على زر بجانب القرص، وضعته على الطاولة ثم خرجت من الغرفة .
ما إن اقتربت من القرص إلا و قد التصق بمعصمي بات شكله كالسوار، فجأة شاشة كبيرة عرضت أمامي ، رأيت من خلالها جلالة الملك، كان محاطاً بالكثير من الأشجار الكثيفة.
"صباح الخير يا عزيزتي ، أرى أنك استيقظت للتو كيف
كانت ليلتك؟ تبدين جميلة"
قال يوه بصوته الهادئ و ملامح وجهه الناعسة.
" مهلا لحظة!"
أنا قلت ثم نظرت إلى المرآة التي بقربي و لاحظت ملامحي المبعثرة، حاولت تعديل ما إستطعت تهذيبه و لكن لم أجعله بالمستوى المطلوب، ضحك يوه فشعرت بالخجل، كيف يراني بهذا الشكل و أنا لم أبدل فستان النوم القصير.
" وددت الحديث معك بشدة البارحة، لكن نوان أخبرتني أنك نمت مبكراً جداً، كنت أنتظر الصباح أن يحل بفارغ الصبر حتى أرى وجهك المليح ، إشتقت إليك"
قال يوه كلماته هذه التي حفظتها عن ظهر قلب. دقات فؤادي بدأت تخرج عن وضعها الطبيعي، احمررت خجلاً كالبندورة في خضم نضجها.
" ت_ توقف عن قول مثل هذه الأشياء، بالمناسبة لقد استعرت بعض كتبك و قرأت أحدها، لا تمانع ان فعلت ذلك اليوم أيضاً، أسفة لأنني لم أخبرك، كما أنني شعرت بالوحدة لذلك..."
أنا قلت بصوت منخفض حينما قاطعني يوه قائلاً:
" لن تدوم وحدتك ، سأعود حالا إليك، أيضا كل شيء في الغرفة بل المملكة كلها أضحت تحت تصرفك، لا حاجة لاتأخذ إذني
قبل فعل أي شيء"
قال يوه بينما تغيرت نبره صوته، بات جاد
" لقد فهمت"
قلت ثم نظرت إليه ببطء،
"يوه..."
أنا همست
" حسنا سأذهب الآن لدي بعض الأعمال، ستعتني نوان بك إلى أن أعود، كوني بخير يا عزيزتي تارا"
قال يوه ثم قطع الإتصال و إختفت صورته من أمامي
جلست على الأرض غير مدركة لما حدث للتو.
" ك_ك كيف له قول هذا لي"
أنا قلت.
" سيدتي، أسرعي علينا الذهاب الآن"
قالت نوان من خلف الباب.
نهضت ثم أخذت حمام دافئ، كل ما كان يشغل بالي هو يوه، إبتسامة يوه، حديث يوه، عينين يوه، طفح الكيل يا أناتفكيرا به، حسنا هو بالحقيقة وسيم و جذاب و مثير للإعجاب، لكن آه لماذا أنا أفكر بهذه الطريقة.
ارتديت ثوبا أزرق فاتح اللون طويلاً، ركبت العربة مع نوان، ساعدتني نوان على وضع بعض مساحيق التجميل، كنت أنظر إلى القرص الذي التصق بيدي كان على ما اعتقد انه يدعى بالأماكونتا.
" سيدتي يمكنك محادثة جلالته في أي وقت إن أردت ذلك، عليك فقط ذكر إسمه و تخيل صورته، سيجيب إن كان يمتلك الأماكونتا بقربة"
قالت نوان و هي تنظر نحو الشباك.
" لا أريد محادثة أحد، أنا بخير"
قلت بصوت متقطع محرجة من نفسي.
" أنت حقاً لطيفة .
جلالته محظوظ لكونك شريكة حياته"
قالت نوان و هي تبتسم.
" للصراحة يا نوان، هذه الملكة و كل شيء جديد علي، أجد صعوبة في التأقلم"
قلتها بنبرة حزن، أخرجت نوان بعض الحلوى من حقيبتها و أعطتني إياها، لقد كانت تلك الحلوى التي أحبها و تمنيت الحصول عليها دائمًا.
" كيف علمتي نوع الحلوى التي أفضلها"
سألتها و فاهي ممتلئ بالحلوى.
" أخبرني جلالته أن أعطيك اياها عندما تحزنين، هو لا يريد أنا تكون عابسة أبداً"
قالت نوان .
كنت أشعر بالذنب تجاهه من جهة هو الأكثر طيبة و لطفاً معي، اكن لا أستطيع تحمل هذا، رغبتي بمغادرة المكان و إيجاد حل جذري لهذه الطقوس الظالمة أمر محتوم علي فعله.
قال الأمير يوه بصوته الرائع، لم أرى في حياتي عينين كعينيه .
كنت أحدق به و جسدي يتحرك من تلقاء نفسه، الموسيقي و الأجواء هادئة، من فرط السكون و سلاسة العزف و كأنني أستطيع سماع نبضات قلبه، كنت أرقص معه وكأننا شخص واحد، لم أعلم أن عيناه بذلك الجمال مطلقاً، انتبهت إلى نفسي وشعرت بقليل من الخجل والإحراج.
" أتعلمين شيئاً؟"
سألني يوه وهو يحدق نحو الشموع التى كانت تومض بدفء.
"م _م ماذا هناك؟"
أجابت بتردد.
" رغم سلطتي وقوتي لقد خفت كثيراً من فكرة أنك قد لا توافقين على الزواج مني، ترددت لأكثر من مرة لسؤالك عن رغبتك بالزواج مني أم أن لك رأي آخر؟ "
قال يوه وبدت على وجهه بعض علامات الحزن ممزوجة بالتوتر، رباه كم كان يبدو ظريفاً.
" ألم تخبرني ليلتها أن كل شيء سيكون بخير، لذا خاطرت وصدقتك فلم يكن معي خيار آخر غير ذلك "
قلتها بانزعاج فحديثه، قد بدا لي مرتجلاً ولا يليق بملك مثله، بينما تباطأت في الرقص، توقفت الموسيقى بعدما أنهى الأمير يوه الرقصة، يبدو أن حديثي قد أغضبه، إن يكن فأنا لا أهتم .
توجه جلالته وجلس على طاولة يحتسي الكثير من الكؤوس دون توقف كان النبيذ من النوع قوي المفعول، احمرت عيناه خفت و تذكرت تهديدات والدي _ وكأني سأنساها عن محاولة تخريبي لهذا الزواج وعواقب فعل ذلك، تحركت بسرعة إلي حيث يجلس جلالته، وقفت قربه و أنفاسي تعلو وتهبط، ضربات قلبي تتسارع.
" أ _أنا لا أعرف عنك شيئاً أو عن كيفية التصرف معك، أسفة لما قلته لك قبل قليل"
قلت كل كلمة متقطعة واحدة تليها الاخرى بعد دقيقة من سابقتها خفت أن أدمر كل شيء.
" لا بأس ، لم أغضب بسبب ذلك"
قال يوه دون أن ينظر إلي.
إقتربت أكثر ووقفت أمامه، ضربت على الطاولة بقوة.
" إذا لم تكن غاضباً فلما ملامح وجهك هكذا"
قلت بصوت عالي، إنتبه إلينا جميع من حولنا، نظر إلي يوه سحبني نحوه، لم يعد يفصل بيننا الا بضع ملمترات.
" أظن أنني لم أسمع ما قلته قبل قليل أسمعيني إياه مجددا؟"
قال يوه بينما كان يمرر يده على شفتاي ببطء، كيف يجرأ على لمسي أود قطع رقبته فوراً و لكن كنت كمن إنقطع نفسه و يحبس فؤاده في سجن و يصارع للهروب منه، لم أقدر على مواصلة النظر في عينه أو قول شيء لم أعرف ماذا على أن أقول أو أفعل، دون أن أشعر سالت الدموع من عينيي.
" أنا آسفة"
همست وقد كدت أتمالك أعصابي، ما إن رآني يوه بتلك الحالة قام بإحتضاني بقوة.
" أنا من يجب عليه الاعتذار، كلما في الأمر أنه وصلتني رسالة طارئة لم يعجبني محتواها، لست غاضب عليك، إهدئي"
قال يوه بينما كان يربت على شعري، تبسم فإرتعشت قليلاً، كلماته تلك جعلتني أبكي أكثر فأكثر.
"أ _أ أنا آسفة"
أنا قلت ظننت أنه سيعاقبني أو بالعصا سيضربني، ظللت أكرر أسفي ممسكة بقميصه دافنة نفسي فيه، بقيت على تلك الحالة لأكثر من عشرة دقائق، هو لم يقل شيئاً، بعدها مسحت دموعي ثم نظرت إليه، لقد كان يبتسم.
" كيف تشعرين الآن؟"
سألني و هو يمسح آخر قطرات دموعي التي كانت على خدي.
" بخير هذا ليس من شأنك"
قلت بينما إبتعدت عنه بسرعة، ضحك يوه بصوت عالي، كان الضيوف الذين من حولنا
يتهامسون.
" أسمعتم هذا إن الملك يضحك!"
قال أحدهم بتفاجئ.
" يا إلهي إنها لمعجز أن نرى جلالته بتلك الإبتسامة"
رد آخر، نظرت إلي يوه الذي أمسك بيدي ثم قال:
" أنت حقاً حساسة جداً، أعدك بأنني سأراعى ردود أفعالي حتى لا تقلقي على هكذا، يؤلمني رؤيتك تبكين"
إقترب مني ثم قبل جبهتي ببطء.
" لم لا أستطيع التعامل معه"
قلت في نفسي.
خلال الأمسية الراقصة قدمت عروض جميلة استمتعت بها جدا، لكنني لم أستطع نسيان ملامحها تلك مطلقاً شعرت بالذنب رغم إخباره لي بأنني لست السبب، أحسست وكأنني أتألم من الداخل، عدت الى غرفتي بعد إنتهاء الحفل، جلست بالقرب من النافذة أفكر بما سيحل بي هنا، و كيف أنه يجب على إنقاذ عشيرتنا.
لم أفهم سبب إختياري، فأنا لست بذلك الجمال مقارنة بحسناوات عشيرتي، إحتضنت الوسادة و بدأت بالبكاء لم كل أموري متشابكة كأن مشاكلي هذة لا حل لها، بعد بضع ساعات دخل الأمير يوه وقف أمامي .
" تارا أسف جداً و لكن على الذهاب في رحلة طارئة، قد لا أعود إلا بعد إسبوعين أتمنى أن تسامحني، لكن ما باليد حيلة هناك بعض المشاكل على الحدود يجب على حلها"
قال الأمير يوه و ملامح وجهه تقول أنه يريد البقاء هنا معي.
نهضت من مكاني بسرعة و إقتربت منه ، لا أدري أعلي أن أفرح أم أحزن؟ لم أستطع قول شيء له، عيناه كانتا تتمنان أن أقول له و لو حرف واحداً أنزلت رأسي للأسفل ثم قلت له:
" أنت هو الحاكم و ما تقرر فعله حتما مطاع"
بدا عليه الغضب فسحبني بقوة حتى التصقت بالجدار.
وقال:
" ما هي مشكلتك، لما أنت عابسة؟
لما كلما نظرت إليك آرى هذة الملامح الباهتة؟
أنت لتستيقظي من أوهام أفكارك، ما حدث قبل مجيئك معي الى هنا أصبح من الماضي، و لا أريد أن أعرف عنه شيئا لا أودك أن تفرطي في التفكير، إن كان هناك ما يزعجك فيقول لي، لا تصمتي يا تارا"
كانت نبرة صوته عالية قليلاً عندما تحدث معي، فبدأت بالبكاء كنت أبكي بلا توقف فهذا ما أجيد فعله في مواقف كهذه.
" بحق الله ماذا حدث لك الآن؟"
قال الأمير يوه، لكنني لم أجبه وواصلت البكاء.
" حسنا، آسف لما قلته آسف لإخافتك، لا يعجبني رؤية فتاتي حزينة في حضرتي وأنا عاجز عن فعل شيء، هيا أمسحي هذه الدموع"
قال الأمير يوه بينما مسح دموعي، احتضنته فجأة وقلت له:
" أرجوك لا تذهب لا تتركني وحدي، أنا خائفة جداً، لا أعرف هذا المكان ولا أحد آخر هنا غيرك يا يوهريك ، لقد خفت كثيرا ً من أنك قد تغضب علي مجددا إن اخبرتك بهذا "
" لا بأس، عزيزتي لا أستطيع المخاطرة و أخذك معي،
إطمئني يا تارا لن يصيبك مكروه و أنت هنا في مملكتي، سأجعل جول تعتنى بك"
قال يوه و هو يربت على رأسي، إبتعدت عنه بسرعة، و جلست على السرير.
" حسنا عد بسرعة"
قلت بصوت منخفض جداً لا أظن أنه سمعني، كنت أشاهده و هو يأخذ بعض الحاجيات من خزانته، قبل
رحيله من الغرفة قال:
" كوني بخير حتى عودتي"
غرقت في التفكير لساعات طوال، حل المساء و أنا لم أخرج من غرفتي، الحقيقة يراودني الفضول لاستكشاف باقي القصر، إلا أن هذه الغرفة واسعة جداً، هي بحجم جناح كامل كالذي في قصرنا، فتحت خزانة الملابس التي تقع بالقرب من مكتبة ذات كتب ضخمة جداً .
" يا ترى هل قرأ يوه جميع هذه الكتب ؟"
أنا سألت نفسي، وجدت العديد من الثياب و المجوهرات التي جهزت خصيصا لي، الأحذية و كل شيء على مقاسي تماماً، كنت متفاجأة بمعرفته بما أحبه و أكره من أنواع الثياب و القطعة الثمينة، كنت مذهولة من هذا الرجل .
أخذت إحدى الكتب التي على الرف الثاني، كان يحتوي على مجلدات تختص بسحر المادة و دوائر الزمان، بالرغم من تفوقي في حصص الفروسية إلا أنني لازلت ضعيفة في إلقاء التعاويذ السحرية، كنت الفشل الذريع كما يصفني أبي.
كان الكتاب يتحدث عن كيفية إيقاظ قوى تاجو _ التي هي نوع من أصل ثلاثة مصادر طاقة سحرية يولد بها الشخص تاجو سحر يختص بتعزيز الجسد و تسريع ردود الفعل.
قلبت الصفحة باحثة عن كيفية إتقان الخطوات لفعلها و تفعيل تعاويذها، فقد شدني هذا النوع من السحر، كنت منهمكة في فهم الخطوات بحذر شديد، لأول مرة أحس بالراحة في فعل شيء أريده، فكل حياتي كانت عبارة عن تارا إفعلي هذا، تارا لا تفعلي ذلك.
لم ألحظ مرور الوقت وحلول الليل إلا عندما أنهيت الفصل الأول من التعاويذ الاساسية، تمكنت من فهم طريقة عمل التعزيزات البدنية، تاجو تنقسم بحد ذاتها لسبعة درجات طاقة، تتمثل في وهج ينبعث من الشخص بألوان معينه، أقواها الوهج الأبيض و أضعفها القرمزي، هنالك وهج ثامن محرم يسمى الثقب اللانهائي، قليلون يولدون بمثله يعد ذلك الوهج رمزاً للدمار و الشر.
لم أشعر بمثل هذا الشغف لتعلم شيء من قبل، لكن عصافير معدتي بدأت تزقزق، فتركت المنضدة و أعدت الكتاب الي مكانه، توجهت الى الخارج أبحث عن شخص ما يدلني المطبخ.
ما إن فتحت باب الغرفة وجدت خادمة، طويلة القامة حسنة القوام، لديها عينان ببريق نجوم السماء، ترتدي فستان طويل قصير الأكمام انحنت فور أن رأتني أمامها.
" عذراً جلالتك، أنا نوان خادمتك الخاصة، عينني جلالة الملك للإعتناء بك و لتلبية متطلباتك كلها، هل تودين أن أحضر لك شيئا"
قالت نوان بصوت منخفض كله إحترام.
" ليس هنالك داعي للرسميات نادني تارا فقط"
أنا قلت لها.
" عذراً جلالتك لكن..."
قالت نوان
"نادني تارا"
أنا قلت مصرة على حديثي.
" كما تريدين يا تارا"
قالت نوان بتردد و تلعثم.
" أشعر بالجوع أود تناول بعض الطعام، أحضري لي أي شيء شهي بالإضافة لعصير الليمون مع النعناع "
قلت و أنا أضع يدي على معدتي.
"حاضر مولاتي تارا"
قالت نوان
عدت إلى غرفتي استلقيت على الفراش الزغبي الناعم.
" الأن يجب على وضع خطة و تقيم موقفي، أولا كيف سأنقذ عشيرتي ما نفع تضحيتهم بي و زواجي من يوه هذا في المقام الأول، علي أيضاً معرفة لما الجميع يخاف من قوم هذه المملكة رغم أنهم بيدون لطفاء، و الأهم من هذا كله على معرفة سبب عدم وفاء يوكي بوعده لي"
أنا قلت في نفسي، وضعت يدي على رأسي، الكثير لأفكر به.
" ماذا سأفعل في فترة غيابه، علي أن أجد الأجوبة على أسئلتي"
قلت لنفسي ثم نهضت، لم يمضى سوى عشر دقائق حتى عادت نوان بأطباق طعام
لا حصر لها.
" لم أطلب كل هذا القدر"
قلت بتفاجئ.
"لكنك يا مولاتي تارا طلبت كل ما لذ و طاب"
ردت نوان
جلست على الطاولة و بدأت بتناول الطعام ، لقد كان لذيذا لا أقدر على وصف دقة امتزاج مكونات الأطباق . لم أذق طعام شهيا كهذا في حياتي كلها، كل الذي كنت أتناوله طيلة حياتي قبل زواجي.
الخبز بالحليب و أحيانا بعض الفاكهة إن تسللت للبستان الخلفي، فأنا في نظر أبي نكرة و لا يجب علي تناول نفس الطعام الذي يتناوله أخوتي و البقية، كنت أعامل كاللعنة، وحيدة كنت أنا دائماً.
لم أصدق أنه قد تصح لي فرصة تناول هذا الكم الهائل من الطعام، أنهيت الخمسة و سبعون صحن دفعة واحدة، هل أنا في حلم ؟
" مولاتي تارا تفضلي العصير"
قالت نوان و هي تقدم لي عصير الليمون
" لا شكراً ، لقد شبعت"
أنا قلت ثم اتكأت للوراء على الكرسي.
" أخبريني قليلا عن يوه، أعني عن جلالتك الملك"
سألت نوان بينما كنت أحدق إلى حافة الطاولة.
" هل الطقس غائم هكذا طوال اليوم؟"
أنا سألت بينما كنت أنظر من النافذة
" إن الشمس لا تسطع هنا إلا أسبوع واحد كل عام، يسمى ذلك بأسبوع الضياء، تقام فيه الاحتفالات والطقوس المقدسة، يقال أن من يولدون في تلك الأيام السبعة محظوظون جدا"
رد نوان.
" يا ترى كيف حال يوه الأن؟
هل حقاً سيكون بخير"
قلت في نفسي.
" لا تقلقي يا مولاتي تارا، جلالته لا يخاف عليه"
قالت نوان
" مهلاً أنا لست خائفة على أحد، آه
فلتنسي الأمر"
تمتمت بسرعة و إرتباك.
" أستسمحك عذراً مولاتي، غدا لديك موعد مع خلات جلالة الملك للتعرف عليهم، بالإضافة لجولة حول القصر، كما طلب مني جلالة الملك أن آخذك إلى حديقة أزهار القصر الخاصة، لذا طلب مني أن أخبرك أن تنامي باكراً، كما أنه سيرسل رسالة لك كل يوم حتى يطمئن عليك، سأكون في الغرفة المجاورة، طابت ليلتك"
قالت نوان بسرعة ثم خرجت.
" مهلا ماذا!"
تذمرت من تهكمه كيف له أن يخطط ليومي هكذا؟
ياله من لئيم!
من يظن نفسه، حقا لا يهم.
خلدت إلى النوم مبكراً ليس لأنه طلب مني هذا أو ما شابه، لكنني أود أن أستيقظ مبكراً لأجرب التعويذة الأساسية الأولى، كل الذي يشغل بالي حاليا هو تطوير ذاتي و الإستفادة من محيطي لتحقيق غايات، سأتعامل مع جلالته عند عودته .
حل الصباح سريعاً، كنت غارقة في النوم فأيقظني نوان،
و هي تقول لي:
" مولاتي هيا أسرعي سنتأخر ، وخالات جلالة الملك يسكن في الجزء الجنوبي من المدينة يستغرق الوصول الى هناك ساعة ونصف ولم يتبقى لنا غير ساعتنا للوصول هناك في الموعد المحدد"
" أسفة جداً، لم أدرك متى حل الصباح"
قلت بينما نهضت بشعري المبعثر و ملامح وجهي الناعسة. كنت مرهقة من يوم البارحة
طرق خادم الباب فجأة ، ذهبت نوان لتفتح الباب ، أخذت منه قرصا ذهبياً به جوهرة مستديرة بحجم عمله فضية، كانت تبرق و تصدر صوتاً.
" هذه الأماكونتا وسيلة لإرسال الرسائل المباشرة في مملكتنا ، إنه الملك يا مولاتي يود محادثتك"
قالت نوان ثم ضغطت على زر بجانب القرص، وضعته على الطاولة ثم خرجت من الغرفة .
ما إن اقتربت من القرص إلا و قد التصق بمعصمي بات شكله كالسوار، فجأة شاشة كبيرة عرضت أمامي ، رأيت من خلالها جلالة الملك، كان محاطاً بالكثير من الأشجار الكثيفة.
"صباح الخير يا عزيزتي ، أرى أنك استيقظت للتو كيف
كانت ليلتك؟ تبدين جميلة"
قال يوه بصوته الهادئ و ملامح وجهه الناعسة.
" مهلا لحظة!"
أنا قلت ثم نظرت إلى المرآة التي بقربي و لاحظت ملامحي المبعثرة، حاولت تعديل ما إستطعت تهذيبه و لكن لم أجعله بالمستوى المطلوب، ضحك يوه فشعرت بالخجل، كيف يراني بهذا الشكل و أنا لم أبدل فستان النوم القصير.
" وددت الحديث معك بشدة البارحة، لكن نوان أخبرتني أنك نمت مبكراً جداً، كنت أنتظر الصباح أن يحل بفارغ الصبر حتى أرى وجهك المليح ، إشتقت إليك"
قال يوه كلماته هذه التي حفظتها عن ظهر قلب. دقات فؤادي بدأت تخرج عن وضعها الطبيعي، احمررت خجلاً كالبندورة في خضم نضجها.
" ت_ توقف عن قول مثل هذه الأشياء، بالمناسبة لقد استعرت بعض كتبك و قرأت أحدها، لا تمانع ان فعلت ذلك اليوم أيضاً، أسفة لأنني لم أخبرك، كما أنني شعرت بالوحدة لذلك..."
أنا قلت بصوت منخفض حينما قاطعني يوه قائلاً:
" لن تدوم وحدتك ، سأعود حالا إليك، أيضا كل شيء في الغرفة بل المملكة كلها أضحت تحت تصرفك، لا حاجة لاتأخذ إذني
قبل فعل أي شيء"
قال يوه بينما تغيرت نبره صوته، بات جاد
" لقد فهمت"
قلت ثم نظرت إليه ببطء،
"يوه..."
أنا همست
" حسنا سأذهب الآن لدي بعض الأعمال، ستعتني نوان بك إلى أن أعود، كوني بخير يا عزيزتي تارا"
قال يوه ثم قطع الإتصال و إختفت صورته من أمامي
جلست على الأرض غير مدركة لما حدث للتو.
" ك_ك كيف له قول هذا لي"
أنا قلت.
" سيدتي، أسرعي علينا الذهاب الآن"
قالت نوان من خلف الباب.
نهضت ثم أخذت حمام دافئ، كل ما كان يشغل بالي هو يوه، إبتسامة يوه، حديث يوه، عينين يوه، طفح الكيل يا أناتفكيرا به، حسنا هو بالحقيقة وسيم و جذاب و مثير للإعجاب، لكن آه لماذا أنا أفكر بهذه الطريقة.
ارتديت ثوبا أزرق فاتح اللون طويلاً، ركبت العربة مع نوان، ساعدتني نوان على وضع بعض مساحيق التجميل، كنت أنظر إلى القرص الذي التصق بيدي كان على ما اعتقد انه يدعى بالأماكونتا.
" سيدتي يمكنك محادثة جلالته في أي وقت إن أردت ذلك، عليك فقط ذكر إسمه و تخيل صورته، سيجيب إن كان يمتلك الأماكونتا بقربة"
قالت نوان و هي تنظر نحو الشباك.
" لا أريد محادثة أحد، أنا بخير"
قلت بصوت متقطع محرجة من نفسي.
" أنت حقاً لطيفة .
جلالته محظوظ لكونك شريكة حياته"
قالت نوان و هي تبتسم.
" للصراحة يا نوان، هذه الملكة و كل شيء جديد علي، أجد صعوبة في التأقلم"
قلتها بنبرة حزن، أخرجت نوان بعض الحلوى من حقيبتها و أعطتني إياها، لقد كانت تلك الحلوى التي أحبها و تمنيت الحصول عليها دائمًا.
" كيف علمتي نوع الحلوى التي أفضلها"
سألتها و فاهي ممتلئ بالحلوى.
" أخبرني جلالته أن أعطيك اياها عندما تحزنين، هو لا يريد أنا تكون عابسة أبداً"
قالت نوان .
كنت أشعر بالذنب تجاهه من جهة هو الأكثر طيبة و لطفاً معي، اكن لا أستطيع تحمل هذا، رغبتي بمغادرة المكان و إيجاد حل جذري لهذه الطقوس الظالمة أمر محتوم علي فعله.