سر الختمة

البياسي`بقلم

  • الأعمال الأصلية

    النوع
  • 2022-04-22ضع على الرف
  • 28.3K

    جارِ التحديث(كلمات)
تم إنتاج هذا الكتاب وتوزيعه إلكترونياً بواسطة أدب كوكب
حقوق النشر محفوظة، يجب التحقيق من عدم التعدي.

رواية سر الختمة الحلقة الأولى

تمت كتابة هذه الرواية باللهجتين العاميتين بمنطقتي الدلتا والصعيد في مصر المحروسة.

(بداية الحكاية)

على أحد الجدران في غرفة مكتبه كان هناك نتيجة معلقة على الحائط تشير لشهر أغسطس من العام الميلادي 1947 ، صبيحة يوم مقتل أول مجرم وسفاح في صعيد مصر إتخذ لقب "خُط "...
كان يبدو عليه التوتر وشرود الذهن .. كان ممسكا بالغليون *البايب* ... ثم توقف عن تجوله المتوتر ... وأخذ يدخن البايب أمام شرفة مكتبه الخاص ... صور ومواقف وصدى كلمات كانت متداخلة تدور من أعلى إلى أسفل والعكس ، ومن اليمين إلي اليسار والعكس يسيل منها دماء كانت أمام عيون عزيز باشا أباظة رجل في الخمسين من عمره مرتديا بذلة وطربوش وهو يتجول داخل غرفة مكتبه في" مديرية أمن أسيوط".. وهناك كتب في لوحة على المكتب ..
(عزيز باشا أباظة مدير مدرية أسيوط).

أخذ يعتصر عينيه .. ، يغمض ويفتحهما ..، ويشيح بيده أمامهما ليبعد ويزيح عنهما هذه الصور التي تتمثل أمامه في كل شيء يقع عليه بصره .. كان يعلم علم اليقين أن هذه مجرد خيالات ...، وكان يعلم أيضا أن تلك الخيالات التي تهاجمه سترفض أن تفارقه بسهولة مها طال الزمان ، قبل أن تترك بداخل صميم أعماقه، ونفسيته أثراً.. مهما صغر ، وأصبح متناهي الصغر سيظل يعكر صفو حياته ..و يذكره بالألم .. ألم من نوع خاص ألم الحزن الممزوج بالخديعة المعجون بالحب ... حب صديق غريب عجيب ..

موسيقي حزينة لم تفارق أيضا عقل الرجل ، وكأنها موسيقي تصويرية حزينة مما كان يَنسج عليها أشعاره الدامعة..، فعزيز باشا أباظة كان شاعرا محنكاً أيضا ..
أخذ عزيز ينظر من شباك مكتبه المطل على النيل ، والأراضي الزراعية وهو مشغول الخاطر بالذكريات التي صورها له عقله ، وهي تنزل من السماء تنزف الدماء ثم تسقط في النيل وتختفي ..
ترك عزيز البايب البديل وماهي إلا لحظات وأشعل سيجاراً كان قد منعه الطبيب منه ...
جلس عزيز باشا على كرسي مكتبه حين ستفاق من الذكريات الكئيبة بدقات على الباب:

_أدُخل.

دخل أحد العساكر كان صعيدي قمحي اللون شديد، وضخم الجثة جهور الصوت بشارب غزير مرفوع (يقف عليه الصقور مثلما يقال في صعيد مصر) ويضع قطعة قماش ملفوفة على مكتب عزيز باشا الذي يشير له أن يفتحها ليظهر بداخلها ..
البندقية الإنجليزية ذات العشر طلقات الشهيرة من طراز ( لي إن فيلد )

العسكري بصوته الجهوري :
_ بندقية الخُط يافَندم زي ما معاليك أمرت... أي خدمة تانية چنابك.
أشار بيده له بالانصراف وأخذ ينظر للبندقية ويسرح فيها ليأخذه الزمن حوالي خمس وثلاثون عام إلى الخلف في
لقطات بانورامية أشبه بمشاهد الأفلام السينمائية ، للنيل والأراضي الزراعية والسماء الصافية...
كان هناك دوي صوت يأتي من بعيد لآيات من سورة الحج (23:19) بصوت عذب لرجل ، وطفل يردد الأيات خلفه..
يقترب خيال عزيز أباظة ككاميرا أفلام وثائقية..، ترصد صياد في مركب يرمى شباكة في النيل يعتقد فيها أن الصياد هو مصدر الصوت ! ... يقترب خيال ذكريات عزيز أكثر من الصياد ، والأراضي الزراعية خلفه التي بها بعض النخل البسيط ليجد أن مصدر الصوت هو الشيخ الأزهري منصور سر الختمة الشهير بمنصور (الختم) شيخ بشوش الوجه أزرق العنين .. في أواخر الخمسينات مفترشا أرض عائلة
" سر الختمة " الزراعية المجاورة لأرض "طوسون شيخ خفر قرية دُرُنكة ".
كان المُردد حفيده "محمد محمود " طفل خمري اللون له شعر جعد أشقر وذات عيون زرقاء يجلس مرتدياً جلبابه الأزرق.


الشيخ منصور سر الختمة:

_ بسم الله الرحمن الرحيم ( هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم يصهر به ما في بطونهم والجلود كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق إن الله يدخل اللذين أمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير . صدق الله العظيم.

الشيخ منصور(بحماس):

_الله يفتح عليك يا محِمد .. إن شاء الله تحل عليك بركة القرآن ..جلبك طاهر يا ولدي ، وبتحفض بسرعة ...عاوزك تطلع شيخ أزهري زي سيدك .
وضع منصور يده بفخر على صدره وهو يقول (شيخ أزهري زي سيدك).

محمد (بضيق):

_لاه يا چدي أني معوزش.

الشيخ منصور (بإبتسامة استغراب مستفسرا):.
_ ليه يا محِمد إكده !!!! مَعوزش تُبجى شيخ، وتفرح بيك دُرُنكة كِلَتها ولا إيه ؟

محمد(بتطلع ):
_لاه عاوز أبجى زي الخواچة إللي كان چار النيل ، كان هيرسُم السما ، والمي ، والچبل !!
أني نفسي أطلع الچبل ، وأمسك السما بيدي ياچد.

الشيخ منصور (بغضب):
_رسم إيه يا محِمد وخواچة إيه يا ولدي الله يرضى عليك.
قام الطفل محمد من جلسته غاضبا يمسك حجرا تلو الأخر، ويرمي به أحد النخل في مهارة ، ويسقط ما بها من تمر بينما كان جده منصور يبتسم من مهارة حفيده في التصويب .. يقترب منصور منه من الخلف يضع يده على كتفه.

الشيخ منصور (بحنان):
_نشانجي يا محِمد عفارم عليك ...خلاص يا وِلدي ماتزعلش من چدك.

"ظهر التأثر والرفض على وجه محمد"

منصور:
_داه داه داه مجموص إنت إياك ، عاوزك تضحك بتعرف لو ضحَكت هچيبلك نداغة وأرواح إيه رأيك بجى ؟؟!

الطفل محمد (بشغف):
_ وعسلية كماني ياجدي ..، عاوز عسلية .

يضحك منصور كان سعيدا بأنه استطاع أن يغير من مزاج الحفيد المنزعج.

منصور :
_وعسلية كماني يا أعز الوِلد.

محمد(يعود في رأيه):
_ولا أچولك أني عاوز فُرشة، وورجة كَبيرة أرسُم عليها، تعرف ياچد الخواچة خلاني أرسُم وجالي إنت هتُبجى فنان.

منصور مبتسما فقد علم أن حفيده مصر تمام الإصرار على ما أدخله الخواجة في رأسه ، ولكن كان يحاول لآخر لحظة أن لا يطيع حفيده:
_طلبك أمر يا ولدي ، لكن سيبني أفكِر فيها شويه دي.

أخذ الاثنان يرحلون خلال الأراضي متجهين لطريق العودة طريق منزل الشيخ منصور..
...............................................


أمام منزل عائلة سر الختمة

فزعت الدجاجات المملوكة لبعض الجيران التي كانت ترعي في الشارع من هجوم محمد عليهم محدثين صوت (البقبقة مع صراخ الفزعة فتناثر الريش هنا وهناك)..
بينما منصور قد رفع حاجبيه معاتباً حفيده على فعلته ، وهو يدق على باب المنزل لتسمعهم زوجة ابنه وأم الطفل محمد (فضة) التي لم تتزوج إلا متأخراً.. فلم يكن هناك رجلاً يستطيع أن يكون سيداً لها قد أتى بعد .. كانت في الثلاثين من عمرها كانت جميلة جدا ، و كان يبدوا عليها الجدية... الجدية الأقرب للقوة وهي تمشي مستقيمة الظهر لتفتح الباب مرتدية جلباباً صعيدياً بسيطاً ، المنزل أيضا كان صعيدي ريفي بسيط ومتواضع ... كان به فرن بلدي وبعض البط والدجاج تُربى داخل المنزل ، وكان المنزل به كنبتين ومصطبتين متقابلتين ... هناك في الأعلى على الحائط كانت صورة للشيخ منصور و أخرى لمحمود إبنه و والد الطفل محمد.

فضة:
_ حمدلله على السلامة يابا الحج .

رد منصور وهو ذاهب ليجلس على الكنبة:

_كيفك يا فضة يابنيتي.

فضة(في قوة):
_تسلم ياعمي من كل ردي.

محمد:
_وينه الوكل يماي.

_هبابا ياحبيبى ويكون چاهز.

"جلست فضة بجانب الفرن المشتعل"

منصور:
_ألاه وينه چوزك يا فضة؟

فضة( في ألم) وكأن السؤال الذي خرج من فم منصور رصاصة أطلقها على منتصف جبتها وهي تعد الطعام:

_لساته معاودش يا عمي ، خرج عشية إمبارح يجابَل شيخ الغفر.

منصور (مستنكرا) وقد إبتسم إبتسامة جانبية ساخرة ، ومحمد ينظر له وهو على الكنبة المقابلة

منصور:
_حطيت صوابعي العشرة في الشج منِيك يا محموُد .. الله يهديك يا ولدي ، وترچع عن طريق الهلاك داه... إن ربك لبالمرصاد.

صوت فضة (بألم يداخل أخر حروف جملة الشيخ منصور ):

_ إدعيلو يا شيخ منصور داه محمود من چواتَه غلبان وطيب .

منصور: جالولَه مالك متربي جال داه من عِند ربي... مافهشِ فايدة .

ينظر لمحمد

_غلبت أعدل فيك ، والطبع فيك غالب وديل الكلب ماينعدل ولو علجو في أخره جالب.

كان محمد متعاطفاً مع حديث جده ومصدقاً له
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي