الفصل الأول
"أكتب عن نفسي التي لم أعرفها قط ، عن رهان كان ضحيته
انا أو ربما بعض مني ،أكتب لعلي أجد البعض الآخر ."
مرحباً يا انا
اقف أمام نفسي عارية من كل شيء ،أطالع المرآة أمامي التي بدورها تطالعني .
أبحث عني فأجد أمرأة يكسوها الشحوب ،السواد غطى أسفل عينيها العسليتين ،بجسد نحيل وشعر اسود مبعثر .
أنظر الى أسفل قدمي الى الكدمة التي ستبقى وشم ألم
يذكرني في كل لحظة ان لا انسى ،لأكن واقعية نسيت
كيف يكون النسيان.
بشفاه مرتجفة رددت "س ر ا ب "
اسمي سراب.
نشأت في منزل بسيط مع خمس أخوات ، وكانت حسرة أبي
الوحيدة أنه لم يستطع إنجاب وريث العهد وحمّلنا نحن خطيئة
ذلك فكّنا لعنة في منزله ، لا أذكر أبدا أنني حصلت في يوم
ما على عناق من ابي او قبلة أو حتى لم يربت على كتفي يوما
كان صوته عندما يدخل المنزل كفيل بأن يجعلنا نقف باستعداد تام ، ونخفي صوتنا بإحكام ، وحتى أنفاسنا نحاول إخفاءها
لكي لا نشعره بوجودنا فلعل همسة عفوية تخرج من إحدانا
تذكره بأنه أبو البنات فينهال بضربنا دون توقف.
أمي كانت ضعيفة الحيلة قلّ كلامها وكثرت تجاعيدها مبكرا جداً
حدقة عينها ضاقت للغاية ،الكلف غطى وجهها السموح عيناها
إختفى البريق منهما تماما .
دائما ما أراها بثوبها البني المرقع بفراشات صغيرة على أطرافه لا أذكر انني رأيتها بثوب آخر ربما لا تملك غيره
أو أنها زهدت الحياة منذ زمن وانا متأكدة أنها كذلك فما
يفعله أبي كفيل أن يجعلها تكره الحياة ومن عليها .
اسمها سميحة واعتقد انها أخذت من اسمها اكثر مما يجب
فمسامحتها المستمرة لعثرات ابي او لنقل بصريح العبارة
لفظائع أبي لم تعد في خانة التسامح بل في خانة الضعف.
اه يا سميحة كم تخيلتك وانت تصرخين في وجهه" كفى " أو
تمسكين يده تمنعيه من ضرب إحدانا ، كم رسمت لك في
مخيلتي صورة وانت امرأة قوية تصدينه عن أذيتك وأذيتنا لكن حكم على هذه الصورة أن تبقى في مخيلتي فقط .
روان أكبرنا سناً بكر أبي وخيبته الأولى ورثت من أمي الهدوء وقلة الكلام . أحيانا أشعر ان روان تعيش حياة أخرى
في مخيلتها أو في عالم آخر، لأنها كثيرة الصفن والشرود
طويلة البنية نحيلة الجثة بعينان بنيتان مستديرتان ، وبشرة
حنطية اللون ، وشعر أسود غطى الشيب أكثره لا أدري لما
شابت روان وهي في السابعة عشر من عمرها ، ربما لأنها رأت مالم نراه نحن .
شيماء التي سبقتني بعام واحد كانت خيبة ابي الثانية
أكثرنا تفاؤلا وخفة ، دائما ما أراها تبتسم وصوت قهقهتها يرن في أرجاء المنزل .
ربما تخفي حياتها البائسة خلف هذه الضحكات المصطنعة .
تلك الشقراء الجميلة صاحبة العينين الخضراوتين والشعر
الذهبي المنساب إلى أسفل ظهرها ، بقوامها الجميل المتناسق كانت أول عروس تخرج من منزلنا.
هدى صديقة أبي الوحيدة لا ادري لماذا اختارها من بيننا ربما لأن ملامحها خشنة، وتميل لملامح الفتيان اكثر من الفتيات
او ربما لأن حركاتها صبيانية، و صوتها خشن السبب مجهول وكلها توقعات ، انا أراها أكثرنا شبها لأبي أما شيرين فتقول ان هدى هي من تصطنع خشونتها لتنال إعجابه بكل الأحوال
النتيجة واحدة هدى نسيت أنها فتاة أو تناست .
دائما بملابس عريضة فضفاضة ، وشعر بقصة رجالية بإمتياز. خشنة الجثة ، ليست بالضعيفة ولا السمينة ، متوسطة الطول
وملئ وجهها بعض البثور والحبوب .
عندما أتمعن في ملامحها أرى جمالاً مدفون تعمدت هدى
إخفاؤه .
راما فهي أكثرنا أنوثة ورقة ، تتمتع بملامح ناعمة للغاية وشعر بني منساب برتابة الى خصرها ، وعينان عسليتان مضيئتان
وبشرة بيضاء صافية ، دائماً ما تراها منشغلة أمام المرآة
بتصفيف شعرها، أخفت تحت سريرها أحمر الشفاه لا أدري
من أين حصلت عليه لكنني دائما ما أراها تضعه أمام المرآة
على شفتيها و وجنتيها .
أما عن أماني فهي روح المنزل خيبة أبي الأخيرة وفرحتي
الأولى عندما ولدت أماني ولد معها في داخلي غريزة الأمومة فبدأت أشعر انها ابنتي .
كانت أماني من مسؤوليتي أطعمها ،ألبسها ، أحممها، أراقب
خطواتها تطوراتها كانت تكبر تحت أعيني .
يا الهي كم أحبك يا أماني شقيتي السمراء صاحية العينين
الخضراوتين قصيرة القامة بجسد ممتلئ.
لا أدري كيف أصف حياتي في تلك الآونة لكنني حينها كنت
أشعر أنها أتعس حياة على الإطلاق لم أدري أنه سوف تأتي
عليّ أيّام تعلمني معنى التعاسة الحقيقة وان الذي كنت أحياه هو نوع من الرفاهية .
إن من أجمل فقرات يومنا حين يحلّ الظلام ونفترش الأرض لننام حينها تستيقظ كل أحاديثنا، فنمضي ليلنا نتسامر حتى تغفو
أعيننا دون أن نشعر .
اعتدنا حالة التأهب في المنزل واعتدنا طبقنا الرئيسي والمكرر "برغل مع حمص"
أو "معكرونة" واعتدنا عودة أبي دائما غاضباً لخسارته في
القمار فيقوم بإبراح أمي ضرباً.
كل شيء كان على ما يرام ، حتى جاء ذلك اليوم الذي جاء فيه
أبي برفقة ذلك الضيف الذي قرر أنه سيكون زوجاً لشيماء.
كانت شيماء حينذاك بعمر الخامسة عشر
كنت أراقب ملامحها حينما زفّ أبي هذا الخبر، أردت أن أعرف بماذا تشعر لكنني لم استطع أن أرى إلا إبتسامة صغيرة
رسمت على شفاهها ثم غادرت الغرفة ، و تبعتها فورا
سراب : شيماء هل أنت موافقة على هذا الزواج ؟
شيماء :وهل لدي خيار ؟
سراب :لكنك لم تقولي شيء!
شيماء :لأنني الآن لدي بصيص أمل أن تتغير حياتي للأفضل فلماذا أرفض ؟
سراب : لكنه من معارف أبي ماذا لو شابهه؟
شيماء :ههههه لا أحد يشبه أبي غير أنني رأيته لقد أعجبني
مرتاحة لطرفه.
هذا الحوار لم يمضي عليه كثيرا بضعٌ أيام وكانت شيماء قد
غادرت منزلنا عروساً.
إنشطر قلبي حينها كانت مرتي الاولى في الشعور بألم الفراق . كانت شيماء صديقتي الأقرب لطالما تقاسمنا أحاديثاً واسراراً
بريئة لا يعلمها أحد غيرنا .
لم أكن أعلم أنني سأفتقدها الى هذه الدرجة لم أكن المتألمة
الوحيدة من فراق شيماء
زوايا المنزل كانت شاهدة على شهقات سميحة التي كانت
تخفيها تحت أكمام ثوبها ، لكنها لم تستطع إخفاءها من
ملامحها فلقد كبرت سميحة بعد زواج شيماء كثيراً آه يا أمي كم أرهقتك الأحزان.
أما كبيرتنا روان فبدت أكثر هدوء بعد زواج شيماء .
حاولت التقرب منها واقتلاع الحواجز التي وضعتها هي بيننا إلا أنني لم استطع الى الآن الوصول الى أعماق روان
بماذا تشعر الآن هل تفتقد شيماء ؟ أم هي منزعجة لأنها
تكبرها بثلاثة أعوام ومع ذلك تزوجت قبلها ؟
أم يا ترى هي تخاف العنوسة ؟
أو ربما هي لا تفكر في شيء هي فقط تكتفي بالسكون
وسكونها هو أكثر ما يخيفني .
لم أستطع توطيد علاقتي بها أبدًا ، كنت أحاول البحث عن بديل لأملئ القليل من الفراغ الكبير الذي تركه غياب شيماء
فشلت مع روان وأكيد لم أفكر في هدى لأنها عدوانية وتخبر
أبي في كل شيء، لذا انتقلت الى راما التي تصغرني بعامين
وبدأت صداقة لذيذة تنشأ بيننا حتى أنها أصبحت تشاركني
أحمر الشفاه الخاص بها .
مضى عام على زفاف شيماء لم تزرنا خلاله الا مرتين أخبرتنا
أنها سعيدة للغاية وأنها تحظى بحياة مثالية لطالما حلمت بها
سراب : هل أنت سعيدة حقاً مع سليم ؟
شيماء :سليم يحبني كثيراً ويعتني بي جداً
سراب : اذاً لماذا لا يسمح لك بالقدوم إلينا كثيراً ؟
شيماء : لأن الزواج يجعل الإنسان مشغولاً للغاية ولديّ العديد
من المسؤوليات عليّ القيام بها لذلك لا مزيد من الوقت للزيارات
سراب :ألا تفتقدينا يا لك من لئيمة
شيماء :ههههههههههه تعالي لأحضاني أيتها الشقية
راما : هل عادت الأحاديث السرية كما الأيام الخوالي ؟
سراب :لا أسرار على راما
شيماء :ههههههههههههه
هدى : يا بنات تعالين الطعام أصبح جاهزاً
شيماء : يا آلهي هل أنت من حضر الطعام ؟ لن أخاطر في
معدتي أبداً
هدى :هه هل تحاولين إضحاكنا بالطبع لم أحضره ليس من
مسؤولياتي
شيماء : ههههههههه بالطبع فمسؤولية صنع الطعام فقط من
نصيب الفتيات وليس الفتيان
سراب :هههههههه
عبد العزيز والذي يكون والدي بات في تلك الفترة قلقاً وغاضباً للغاية على الأغلب باتت رهاناته كلها خاسرة ولم يعد يربح في
أي مقامرة .
لم يفكر يوماً أن يفكر بنا ، ويترك هذه السوسة الدنيئة ويختار عملاً مشرّفا ، يكفينا به ويكفي نفسه الوقوع في الحرام .
لم نشبع يوماً من طعامه ،ولم تشعرنا بالدفئ ثيابنا ولم ننم
يوما على بساطٍ مريح ، لكننا عشنا فقط لأننا كنا أُنساً لبعضنا البعض ، وكانت ملامح أمي السموحة المسالمة وهي تنظر إلينا كفيلةً أن تجعلنا دافئين ودافئين للغاية .
راما : سراب سراب لقد جاء أبي
سراب : حلّ الشؤم
راما : لم يأتي وحده معه ضيف
سراب : سليم زوج شيماء ؟
راما :لا رجل كبير في السن كريه الملامح
سراب :أجارنا الله من هذه الزيارة
راما :انا لست مطمئنة أبدا يا سراب حدسي يخبرني أن كارثةً ما ستحل على هذه المنزل
أخافني حدس راما كثيراً ، فلم يخطئ حدسها سابقا أبداً ،
كانت تمسك بيدي بقوة وهي تنظر إليّ نظرة غريبة لم أفهمها في لحظتها لكنني أفهمها الآن جيداً"نظرة الخوف من الفقدان"
ماهي إلا دقائق معدودة حتى صرخ أبي
عبد العزيز : رواااان إحضري الى الغرفة
دخلت روان لبضع ثوان ثم خرجت وجاءت بإتجاهي
روان : الآن يريدك أدخلي
سراب : يريدني انا ؟ لماذا ؟
أومأت برأسها وذهبت الى غرفتها
أردت الذهاب لكن يد راما التي زادت شدتها على معصمي
أوقفتني
سراب : مابك
راما : لا تدخلي
سراب : وماذا عساي أفعل ؟
راما :أرجوك أن لا تدخلي
سراب : راما لما كل هذا الخوف ! إتركيني سيغضب والدي
راما : دعيه يغضب لكن لا تذهبي للشر يا سراب
سراب :ماذا أصابك دعيني !
أفلت يدها وذهبت متجهة الى غرفة الضيوف
عرفت حينها معنى شناعة الملامح الحقيقة تشعر وكأنها ليست بشناعة خلقت مع الولادة وإنما من صناعة صاحبها .
كان رجلا بأواخر الخمسين ، ضخم الجثة، أصلع الرأس ،
بطنه مستديرة الى الأمام كثيراً ، عيناه مخيفتان للغاية تشعر
وكأن داخلهما قذارة كبيرة .
كان يمعن النظر بي بإحكام ثم قال :
هاشم : أريد البيضاء
عبد العزير : لكنها الأصغر
هاشم : البيضاء أو منزلك لا تنسى أنك رهنته والآن أصبح من حقي أنا
عبد العزيز : سراب غادري
خرجت خائفة مصعوقة إتجهت سريعا إلى المرأة أتمتم
سراب : انا لست بيضاء يا الهي ربما بيضاء قليلا لكنه
لا يقصدني بالتأكيد إضاءة الغرفة لا تظهر بياضي ولكنني
الأصغر يا ألهي ماذا يقصد لست انا بالتأكيد لست أنا
جاءت راما إليّ مسرعة تلهث
راما : سراب أرجوكِ قولي لي أن حدسي خاطئ
سراب :هل أنا بيضاء ؟
راما :أرجوك سراب ليس وقت المزاح!
قلت غاضبة : أجيبيني هل أنا بيضاء ؟
راما : نعم بيضاء انت بيضاء
سراب :اذا حدسك صحيح يا راما
أسندت ظهرها على الجدار وهي تلطم رأسها
لم أكن افضل منها حالها ،لكنني كنت عاجزة عن إظهار أي ردة فعل .
فضلت النوم ساكنة دون النطق بأي كلمة
لا أعلم كم بقيت نائمة لكنني استيقظت على صوت هدى وهي توقظني
هدى :سراب هيا إستيقظي سراب هيا
فتحت عيوني بصعوبة
سراب :ماذا هناك ؟
هدى :والدي يريدك
سراب : قولي له سراب ماتت
هدى : ليس وقت السخافات هيا انهضي
سراب :لن انهض قولي سراب ماتت سراب اختفت
سراب انقرضت
هدى :هل جننتي؟
سراب : بل عقلت هيا اذهبي
ما هي إلا دقائق معدودة حتى جاء متهجماً علي وهو يصرخ:
عبدالعزيز : سأعاود تربيتك مجدداً
أبرحني ضرباً دون أي رحمة تخدرت أعضائي حتى أنني لم
أعد أشعر بالألم.
توقف حينما شعر بالتعب ورمقني بنظرة لئيمة
عبد العزيز :عرسك سيكون بعد أسبوع إياك وأن تجبريني على إرهاق نفسي مرة أخرى .
سراب : مستحيل لن أتزوج ذلك العجوز
لحظات سكون وذهول ،نظرات تترقب، ثم نطق بعد دقائق :
عبد العزيز :هههههههههههه اذا جهزي كفنك ، يا بنات سراب ستبقى في هذه الغرفة وحدها إياكنّ أن ألمح إحداكنّ تكلمها أو تقترب منها ، هي تحتاج أن تبقى وحيدة لإستعادة عقلها
وقد أعذر من أنذر.
بقيت بليدة الحركة لم أعد أعرف ليلي من نهاري أضربت عن الطعام أضربت عن كل شيء بدا كل شيء أمامي رمادياً
لم أعد أرى ألواناً أبدا
أود أن أنزع نفسي من هذا المكان، من هذا الواقع، أن أصعد كغيمةٍ وأطفو بعيدًا، أذوب في رطوبة هذه الليلة وأسيل في مكانٍ بعيد، فوق التلال. ولكني هنا، رجلاي كالطوب، رئتاي خاليةٌ من الهواء وحلقي يحرقني. لا تحليقٌ بعيدًا، لا واقعٌ سوى هذا هذه الارض .
كم كرهت أمي لإنها إستمرت بالإنجاب
ألم يخطر في بالها أن طغيان أبي وظلمه سيجعلنا نتمنى الموت ونشتهيه
أنا أحملك كامل المسؤولية هذا نتيجة صمتك ، نتيجة ضعفك ،
نتيجة صبرك على أمور يجب قطعها من جذورها لماذا أنجبتني يا أمي إنني أعتصر ألماً .
بعد يومين جاءت أمي إليّ وبيدها طعاماً
سميحة : أرجوك يا ابنتي أن تتوقفي عن تعذيب نفسك إنك
تشطرين قلبي ألماً
إلتزمت الصمت ولم أنطق وضعت يدها فوق يدي وقالت :
سميحة : أنت فلذة كبدي لا يمكنني أن أراك تتألمين هكذا.
سراب : اذاً إمنعي هذا الزواج أرجوك يا أمي إمنعيه
لا ترسليني إلى الجحيم هل توافقي أن تتزوج ابنتك بلعبة قمار
هل توافقي أن أكون مجرد رهان ! أجيبيني قولي شيء هيا
لم تنطق سميحة بأي كلمة لكنها أخذتني بأحضانها بقوة
حضنها كان ينطق بعجزها،وقلة حيلتها ،دقات قلبها تسارعت ، بدأت أشعر بسخونة دموعها على كتفي ،لم تنطق سميحة لكنها قالت كل شيء .
تم إطلاق سراحي من الحبس الذي فرضه أبي عليّ بعد
ثلاثة أيام، وطبعاً من أجل بدء التجهيز للعرس
لم تفارق أماني حضني في تلك الآونة أبدً رغم صغر سنها إلا أنها قلبها الصغير بدأ يشعر أنها ستفارقني قريبا
عندما سمعت شيماء بأنني سأتزوج أسرعت في زيارتنا ،
كان لون وجهها مخطوفاً.
شيماء: أصحيحٌ ما سمعته ، هل ستتزوجين؟
سراب : طبعا صحيح
شيماء :لا أصدق كيف يمكنه فعلها كيف يزوجك لذلك العجوز !
سراب : صدقي كل شيء عن عبد العزيز
شيماء: سراب لا تفعلي
سراب :ههههههه حسنا لن أفعل
شيماء :أنا لا أمازحك !
سراب: أنت تهزئين بي، وهل يمكنني أن أقرر ماذا أفعل؟ وماذا لا أفعل؟
إجتمعت الدموع في عينيها ثم قالت بعد أن أجهشت بالبكاء :
شيماء : الزواج سيء للغاية لا يختلف سوءا عن الحياة في
منزلنا هذا ، بل هو أسوء بكثير . لقد كذبت في كل كلمة قلتها سليم لا يحبني أبدًا ، سليم يعود مساءا من لعب القمار
ويضربني تماما كما يفعل أبي مع أمي. إنه مثله تماماً
يمنعني الخروج والزيارة يمنعني من كل شيء ويغصبني علىكل شيء أنا أضحك لأنني أتألم، أتألم كثيراً يا سراب
بدأت البكاء بصوت عالي ، بعض الحقائق من الأفضل أن تبقى مدفونة، من الأفضل أن لا نعلمها .
بلغ الوجع ذروته. ذلك المشهد لا يمكنني نسيانه أبدًا من ذاكرتي
شيماء وهي تبكي بحرقة كانت مرتها الأولى .
أنا أسفة يا شيماء من أجلك أسفة وعاجزة جداً .
غادرت شيماء وهي محمّلة بالألم والمرارة . راما كانت تعيش نكبة قد عشتها قبلها سابقا عند فراق شيماء.
دخلت الغرفة لأنام ثم فوجئت بهدى تأتي ورائي وتغلق الباب
سراب : ماذا هناك
هدى :اهربي من المنزل
سراب :ماذااا!
هدى : قلت اهربي من المنزل سأغطي غيابك فقط غادري
سراب : هل جننتي! وإلى أين أذهب لأفترش الشارع ؟
هدى :الشارع سيكون أفضل رحمة من الحياة هنا لن أدعك
تذهبين الى الجحيم وأنا أكتفي بالمشاهدة
أمسكت كفي ووضعت به كيساً
سراب : ماهذا ؟
هدى : هذا المال كنت أجمعه من مدة طويلة والآن حان وقت
استخدامه ستحتاجينه.
سراب : مستحيل لا يمكنني الهروب ماذا سيحلّ بكنّ ؟
هدى : لا تفكري في شيء غادري فحسب أنا هنا سأتكفل في كل شيء
سراب : لايمكنني المغادرة وأنا أعلم أنني لو هربت أبي لن
يكتفي حتى بموتكن
هدى : كوني متأكدة أنه في الوقت الحالي الموت أفضل من أي حل ،لذا أريحي قلبي وغادري دون أن تلتفتي للوراء ،لقد
وضعت لأبي في كوبه الشاي المنوم لن يستيقظ هذه الليلة .
فرصتك للنجاة ، لا تضيعيها.
لقد شعرت لأول مرة في حياتي بالسند مافعلته هدى لن أنساه أبدا لا أنسى ملامحها في تلك اللحظات كانت قويةً للغاية, ثابتة
أرادت إنقاذي دون أن تفكر بما سيحدث بها لاحقاً
هدى لم تكن صبيانية قط ، هدى تملك من العاطفة ما يكفي
لإغراق الكرة الأرضية ، أحبك كثيرا يا هدى .
لكنني لن أغادر ، سأتزوج.
انا أو ربما بعض مني ،أكتب لعلي أجد البعض الآخر ."
مرحباً يا انا
اقف أمام نفسي عارية من كل شيء ،أطالع المرآة أمامي التي بدورها تطالعني .
أبحث عني فأجد أمرأة يكسوها الشحوب ،السواد غطى أسفل عينيها العسليتين ،بجسد نحيل وشعر اسود مبعثر .
أنظر الى أسفل قدمي الى الكدمة التي ستبقى وشم ألم
يذكرني في كل لحظة ان لا انسى ،لأكن واقعية نسيت
كيف يكون النسيان.
بشفاه مرتجفة رددت "س ر ا ب "
اسمي سراب.
نشأت في منزل بسيط مع خمس أخوات ، وكانت حسرة أبي
الوحيدة أنه لم يستطع إنجاب وريث العهد وحمّلنا نحن خطيئة
ذلك فكّنا لعنة في منزله ، لا أذكر أبدا أنني حصلت في يوم
ما على عناق من ابي او قبلة أو حتى لم يربت على كتفي يوما
كان صوته عندما يدخل المنزل كفيل بأن يجعلنا نقف باستعداد تام ، ونخفي صوتنا بإحكام ، وحتى أنفاسنا نحاول إخفاءها
لكي لا نشعره بوجودنا فلعل همسة عفوية تخرج من إحدانا
تذكره بأنه أبو البنات فينهال بضربنا دون توقف.
أمي كانت ضعيفة الحيلة قلّ كلامها وكثرت تجاعيدها مبكرا جداً
حدقة عينها ضاقت للغاية ،الكلف غطى وجهها السموح عيناها
إختفى البريق منهما تماما .
دائما ما أراها بثوبها البني المرقع بفراشات صغيرة على أطرافه لا أذكر انني رأيتها بثوب آخر ربما لا تملك غيره
أو أنها زهدت الحياة منذ زمن وانا متأكدة أنها كذلك فما
يفعله أبي كفيل أن يجعلها تكره الحياة ومن عليها .
اسمها سميحة واعتقد انها أخذت من اسمها اكثر مما يجب
فمسامحتها المستمرة لعثرات ابي او لنقل بصريح العبارة
لفظائع أبي لم تعد في خانة التسامح بل في خانة الضعف.
اه يا سميحة كم تخيلتك وانت تصرخين في وجهه" كفى " أو
تمسكين يده تمنعيه من ضرب إحدانا ، كم رسمت لك في
مخيلتي صورة وانت امرأة قوية تصدينه عن أذيتك وأذيتنا لكن حكم على هذه الصورة أن تبقى في مخيلتي فقط .
روان أكبرنا سناً بكر أبي وخيبته الأولى ورثت من أمي الهدوء وقلة الكلام . أحيانا أشعر ان روان تعيش حياة أخرى
في مخيلتها أو في عالم آخر، لأنها كثيرة الصفن والشرود
طويلة البنية نحيلة الجثة بعينان بنيتان مستديرتان ، وبشرة
حنطية اللون ، وشعر أسود غطى الشيب أكثره لا أدري لما
شابت روان وهي في السابعة عشر من عمرها ، ربما لأنها رأت مالم نراه نحن .
شيماء التي سبقتني بعام واحد كانت خيبة ابي الثانية
أكثرنا تفاؤلا وخفة ، دائما ما أراها تبتسم وصوت قهقهتها يرن في أرجاء المنزل .
ربما تخفي حياتها البائسة خلف هذه الضحكات المصطنعة .
تلك الشقراء الجميلة صاحبة العينين الخضراوتين والشعر
الذهبي المنساب إلى أسفل ظهرها ، بقوامها الجميل المتناسق كانت أول عروس تخرج من منزلنا.
هدى صديقة أبي الوحيدة لا ادري لماذا اختارها من بيننا ربما لأن ملامحها خشنة، وتميل لملامح الفتيان اكثر من الفتيات
او ربما لأن حركاتها صبيانية، و صوتها خشن السبب مجهول وكلها توقعات ، انا أراها أكثرنا شبها لأبي أما شيرين فتقول ان هدى هي من تصطنع خشونتها لتنال إعجابه بكل الأحوال
النتيجة واحدة هدى نسيت أنها فتاة أو تناست .
دائما بملابس عريضة فضفاضة ، وشعر بقصة رجالية بإمتياز. خشنة الجثة ، ليست بالضعيفة ولا السمينة ، متوسطة الطول
وملئ وجهها بعض البثور والحبوب .
عندما أتمعن في ملامحها أرى جمالاً مدفون تعمدت هدى
إخفاؤه .
راما فهي أكثرنا أنوثة ورقة ، تتمتع بملامح ناعمة للغاية وشعر بني منساب برتابة الى خصرها ، وعينان عسليتان مضيئتان
وبشرة بيضاء صافية ، دائماً ما تراها منشغلة أمام المرآة
بتصفيف شعرها، أخفت تحت سريرها أحمر الشفاه لا أدري
من أين حصلت عليه لكنني دائما ما أراها تضعه أمام المرآة
على شفتيها و وجنتيها .
أما عن أماني فهي روح المنزل خيبة أبي الأخيرة وفرحتي
الأولى عندما ولدت أماني ولد معها في داخلي غريزة الأمومة فبدأت أشعر انها ابنتي .
كانت أماني من مسؤوليتي أطعمها ،ألبسها ، أحممها، أراقب
خطواتها تطوراتها كانت تكبر تحت أعيني .
يا الهي كم أحبك يا أماني شقيتي السمراء صاحية العينين
الخضراوتين قصيرة القامة بجسد ممتلئ.
لا أدري كيف أصف حياتي في تلك الآونة لكنني حينها كنت
أشعر أنها أتعس حياة على الإطلاق لم أدري أنه سوف تأتي
عليّ أيّام تعلمني معنى التعاسة الحقيقة وان الذي كنت أحياه هو نوع من الرفاهية .
إن من أجمل فقرات يومنا حين يحلّ الظلام ونفترش الأرض لننام حينها تستيقظ كل أحاديثنا، فنمضي ليلنا نتسامر حتى تغفو
أعيننا دون أن نشعر .
اعتدنا حالة التأهب في المنزل واعتدنا طبقنا الرئيسي والمكرر "برغل مع حمص"
أو "معكرونة" واعتدنا عودة أبي دائما غاضباً لخسارته في
القمار فيقوم بإبراح أمي ضرباً.
كل شيء كان على ما يرام ، حتى جاء ذلك اليوم الذي جاء فيه
أبي برفقة ذلك الضيف الذي قرر أنه سيكون زوجاً لشيماء.
كانت شيماء حينذاك بعمر الخامسة عشر
كنت أراقب ملامحها حينما زفّ أبي هذا الخبر، أردت أن أعرف بماذا تشعر لكنني لم استطع أن أرى إلا إبتسامة صغيرة
رسمت على شفاهها ثم غادرت الغرفة ، و تبعتها فورا
سراب : شيماء هل أنت موافقة على هذا الزواج ؟
شيماء :وهل لدي خيار ؟
سراب :لكنك لم تقولي شيء!
شيماء :لأنني الآن لدي بصيص أمل أن تتغير حياتي للأفضل فلماذا أرفض ؟
سراب : لكنه من معارف أبي ماذا لو شابهه؟
شيماء :ههههه لا أحد يشبه أبي غير أنني رأيته لقد أعجبني
مرتاحة لطرفه.
هذا الحوار لم يمضي عليه كثيرا بضعٌ أيام وكانت شيماء قد
غادرت منزلنا عروساً.
إنشطر قلبي حينها كانت مرتي الاولى في الشعور بألم الفراق . كانت شيماء صديقتي الأقرب لطالما تقاسمنا أحاديثاً واسراراً
بريئة لا يعلمها أحد غيرنا .
لم أكن أعلم أنني سأفتقدها الى هذه الدرجة لم أكن المتألمة
الوحيدة من فراق شيماء
زوايا المنزل كانت شاهدة على شهقات سميحة التي كانت
تخفيها تحت أكمام ثوبها ، لكنها لم تستطع إخفاءها من
ملامحها فلقد كبرت سميحة بعد زواج شيماء كثيراً آه يا أمي كم أرهقتك الأحزان.
أما كبيرتنا روان فبدت أكثر هدوء بعد زواج شيماء .
حاولت التقرب منها واقتلاع الحواجز التي وضعتها هي بيننا إلا أنني لم استطع الى الآن الوصول الى أعماق روان
بماذا تشعر الآن هل تفتقد شيماء ؟ أم هي منزعجة لأنها
تكبرها بثلاثة أعوام ومع ذلك تزوجت قبلها ؟
أم يا ترى هي تخاف العنوسة ؟
أو ربما هي لا تفكر في شيء هي فقط تكتفي بالسكون
وسكونها هو أكثر ما يخيفني .
لم أستطع توطيد علاقتي بها أبدًا ، كنت أحاول البحث عن بديل لأملئ القليل من الفراغ الكبير الذي تركه غياب شيماء
فشلت مع روان وأكيد لم أفكر في هدى لأنها عدوانية وتخبر
أبي في كل شيء، لذا انتقلت الى راما التي تصغرني بعامين
وبدأت صداقة لذيذة تنشأ بيننا حتى أنها أصبحت تشاركني
أحمر الشفاه الخاص بها .
مضى عام على زفاف شيماء لم تزرنا خلاله الا مرتين أخبرتنا
أنها سعيدة للغاية وأنها تحظى بحياة مثالية لطالما حلمت بها
سراب : هل أنت سعيدة حقاً مع سليم ؟
شيماء :سليم يحبني كثيراً ويعتني بي جداً
سراب : اذاً لماذا لا يسمح لك بالقدوم إلينا كثيراً ؟
شيماء : لأن الزواج يجعل الإنسان مشغولاً للغاية ولديّ العديد
من المسؤوليات عليّ القيام بها لذلك لا مزيد من الوقت للزيارات
سراب :ألا تفتقدينا يا لك من لئيمة
شيماء :ههههههههههه تعالي لأحضاني أيتها الشقية
راما : هل عادت الأحاديث السرية كما الأيام الخوالي ؟
سراب :لا أسرار على راما
شيماء :ههههههههههههه
هدى : يا بنات تعالين الطعام أصبح جاهزاً
شيماء : يا آلهي هل أنت من حضر الطعام ؟ لن أخاطر في
معدتي أبداً
هدى :هه هل تحاولين إضحاكنا بالطبع لم أحضره ليس من
مسؤولياتي
شيماء : ههههههههه بالطبع فمسؤولية صنع الطعام فقط من
نصيب الفتيات وليس الفتيان
سراب :هههههههه
عبد العزيز والذي يكون والدي بات في تلك الفترة قلقاً وغاضباً للغاية على الأغلب باتت رهاناته كلها خاسرة ولم يعد يربح في
أي مقامرة .
لم يفكر يوماً أن يفكر بنا ، ويترك هذه السوسة الدنيئة ويختار عملاً مشرّفا ، يكفينا به ويكفي نفسه الوقوع في الحرام .
لم نشبع يوماً من طعامه ،ولم تشعرنا بالدفئ ثيابنا ولم ننم
يوما على بساطٍ مريح ، لكننا عشنا فقط لأننا كنا أُنساً لبعضنا البعض ، وكانت ملامح أمي السموحة المسالمة وهي تنظر إلينا كفيلةً أن تجعلنا دافئين ودافئين للغاية .
راما : سراب سراب لقد جاء أبي
سراب : حلّ الشؤم
راما : لم يأتي وحده معه ضيف
سراب : سليم زوج شيماء ؟
راما :لا رجل كبير في السن كريه الملامح
سراب :أجارنا الله من هذه الزيارة
راما :انا لست مطمئنة أبدا يا سراب حدسي يخبرني أن كارثةً ما ستحل على هذه المنزل
أخافني حدس راما كثيراً ، فلم يخطئ حدسها سابقا أبداً ،
كانت تمسك بيدي بقوة وهي تنظر إليّ نظرة غريبة لم أفهمها في لحظتها لكنني أفهمها الآن جيداً"نظرة الخوف من الفقدان"
ماهي إلا دقائق معدودة حتى صرخ أبي
عبد العزيز : رواااان إحضري الى الغرفة
دخلت روان لبضع ثوان ثم خرجت وجاءت بإتجاهي
روان : الآن يريدك أدخلي
سراب : يريدني انا ؟ لماذا ؟
أومأت برأسها وذهبت الى غرفتها
أردت الذهاب لكن يد راما التي زادت شدتها على معصمي
أوقفتني
سراب : مابك
راما : لا تدخلي
سراب : وماذا عساي أفعل ؟
راما :أرجوك أن لا تدخلي
سراب : راما لما كل هذا الخوف ! إتركيني سيغضب والدي
راما : دعيه يغضب لكن لا تذهبي للشر يا سراب
سراب :ماذا أصابك دعيني !
أفلت يدها وذهبت متجهة الى غرفة الضيوف
عرفت حينها معنى شناعة الملامح الحقيقة تشعر وكأنها ليست بشناعة خلقت مع الولادة وإنما من صناعة صاحبها .
كان رجلا بأواخر الخمسين ، ضخم الجثة، أصلع الرأس ،
بطنه مستديرة الى الأمام كثيراً ، عيناه مخيفتان للغاية تشعر
وكأن داخلهما قذارة كبيرة .
كان يمعن النظر بي بإحكام ثم قال :
هاشم : أريد البيضاء
عبد العزير : لكنها الأصغر
هاشم : البيضاء أو منزلك لا تنسى أنك رهنته والآن أصبح من حقي أنا
عبد العزيز : سراب غادري
خرجت خائفة مصعوقة إتجهت سريعا إلى المرأة أتمتم
سراب : انا لست بيضاء يا الهي ربما بيضاء قليلا لكنه
لا يقصدني بالتأكيد إضاءة الغرفة لا تظهر بياضي ولكنني
الأصغر يا ألهي ماذا يقصد لست انا بالتأكيد لست أنا
جاءت راما إليّ مسرعة تلهث
راما : سراب أرجوكِ قولي لي أن حدسي خاطئ
سراب :هل أنا بيضاء ؟
راما :أرجوك سراب ليس وقت المزاح!
قلت غاضبة : أجيبيني هل أنا بيضاء ؟
راما : نعم بيضاء انت بيضاء
سراب :اذا حدسك صحيح يا راما
أسندت ظهرها على الجدار وهي تلطم رأسها
لم أكن افضل منها حالها ،لكنني كنت عاجزة عن إظهار أي ردة فعل .
فضلت النوم ساكنة دون النطق بأي كلمة
لا أعلم كم بقيت نائمة لكنني استيقظت على صوت هدى وهي توقظني
هدى :سراب هيا إستيقظي سراب هيا
فتحت عيوني بصعوبة
سراب :ماذا هناك ؟
هدى :والدي يريدك
سراب : قولي له سراب ماتت
هدى : ليس وقت السخافات هيا انهضي
سراب :لن انهض قولي سراب ماتت سراب اختفت
سراب انقرضت
هدى :هل جننتي؟
سراب : بل عقلت هيا اذهبي
ما هي إلا دقائق معدودة حتى جاء متهجماً علي وهو يصرخ:
عبدالعزيز : سأعاود تربيتك مجدداً
أبرحني ضرباً دون أي رحمة تخدرت أعضائي حتى أنني لم
أعد أشعر بالألم.
توقف حينما شعر بالتعب ورمقني بنظرة لئيمة
عبد العزيز :عرسك سيكون بعد أسبوع إياك وأن تجبريني على إرهاق نفسي مرة أخرى .
سراب : مستحيل لن أتزوج ذلك العجوز
لحظات سكون وذهول ،نظرات تترقب، ثم نطق بعد دقائق :
عبد العزيز :هههههههههههه اذا جهزي كفنك ، يا بنات سراب ستبقى في هذه الغرفة وحدها إياكنّ أن ألمح إحداكنّ تكلمها أو تقترب منها ، هي تحتاج أن تبقى وحيدة لإستعادة عقلها
وقد أعذر من أنذر.
بقيت بليدة الحركة لم أعد أعرف ليلي من نهاري أضربت عن الطعام أضربت عن كل شيء بدا كل شيء أمامي رمادياً
لم أعد أرى ألواناً أبدا
أود أن أنزع نفسي من هذا المكان، من هذا الواقع، أن أصعد كغيمةٍ وأطفو بعيدًا، أذوب في رطوبة هذه الليلة وأسيل في مكانٍ بعيد، فوق التلال. ولكني هنا، رجلاي كالطوب، رئتاي خاليةٌ من الهواء وحلقي يحرقني. لا تحليقٌ بعيدًا، لا واقعٌ سوى هذا هذه الارض .
كم كرهت أمي لإنها إستمرت بالإنجاب
ألم يخطر في بالها أن طغيان أبي وظلمه سيجعلنا نتمنى الموت ونشتهيه
أنا أحملك كامل المسؤولية هذا نتيجة صمتك ، نتيجة ضعفك ،
نتيجة صبرك على أمور يجب قطعها من جذورها لماذا أنجبتني يا أمي إنني أعتصر ألماً .
بعد يومين جاءت أمي إليّ وبيدها طعاماً
سميحة : أرجوك يا ابنتي أن تتوقفي عن تعذيب نفسك إنك
تشطرين قلبي ألماً
إلتزمت الصمت ولم أنطق وضعت يدها فوق يدي وقالت :
سميحة : أنت فلذة كبدي لا يمكنني أن أراك تتألمين هكذا.
سراب : اذاً إمنعي هذا الزواج أرجوك يا أمي إمنعيه
لا ترسليني إلى الجحيم هل توافقي أن تتزوج ابنتك بلعبة قمار
هل توافقي أن أكون مجرد رهان ! أجيبيني قولي شيء هيا
لم تنطق سميحة بأي كلمة لكنها أخذتني بأحضانها بقوة
حضنها كان ينطق بعجزها،وقلة حيلتها ،دقات قلبها تسارعت ، بدأت أشعر بسخونة دموعها على كتفي ،لم تنطق سميحة لكنها قالت كل شيء .
تم إطلاق سراحي من الحبس الذي فرضه أبي عليّ بعد
ثلاثة أيام، وطبعاً من أجل بدء التجهيز للعرس
لم تفارق أماني حضني في تلك الآونة أبدً رغم صغر سنها إلا أنها قلبها الصغير بدأ يشعر أنها ستفارقني قريبا
عندما سمعت شيماء بأنني سأتزوج أسرعت في زيارتنا ،
كان لون وجهها مخطوفاً.
شيماء: أصحيحٌ ما سمعته ، هل ستتزوجين؟
سراب : طبعا صحيح
شيماء :لا أصدق كيف يمكنه فعلها كيف يزوجك لذلك العجوز !
سراب : صدقي كل شيء عن عبد العزيز
شيماء: سراب لا تفعلي
سراب :ههههههه حسنا لن أفعل
شيماء :أنا لا أمازحك !
سراب: أنت تهزئين بي، وهل يمكنني أن أقرر ماذا أفعل؟ وماذا لا أفعل؟
إجتمعت الدموع في عينيها ثم قالت بعد أن أجهشت بالبكاء :
شيماء : الزواج سيء للغاية لا يختلف سوءا عن الحياة في
منزلنا هذا ، بل هو أسوء بكثير . لقد كذبت في كل كلمة قلتها سليم لا يحبني أبدًا ، سليم يعود مساءا من لعب القمار
ويضربني تماما كما يفعل أبي مع أمي. إنه مثله تماماً
يمنعني الخروج والزيارة يمنعني من كل شيء ويغصبني علىكل شيء أنا أضحك لأنني أتألم، أتألم كثيراً يا سراب
بدأت البكاء بصوت عالي ، بعض الحقائق من الأفضل أن تبقى مدفونة، من الأفضل أن لا نعلمها .
بلغ الوجع ذروته. ذلك المشهد لا يمكنني نسيانه أبدًا من ذاكرتي
شيماء وهي تبكي بحرقة كانت مرتها الأولى .
أنا أسفة يا شيماء من أجلك أسفة وعاجزة جداً .
غادرت شيماء وهي محمّلة بالألم والمرارة . راما كانت تعيش نكبة قد عشتها قبلها سابقا عند فراق شيماء.
دخلت الغرفة لأنام ثم فوجئت بهدى تأتي ورائي وتغلق الباب
سراب : ماذا هناك
هدى :اهربي من المنزل
سراب :ماذااا!
هدى : قلت اهربي من المنزل سأغطي غيابك فقط غادري
سراب : هل جننتي! وإلى أين أذهب لأفترش الشارع ؟
هدى :الشارع سيكون أفضل رحمة من الحياة هنا لن أدعك
تذهبين الى الجحيم وأنا أكتفي بالمشاهدة
أمسكت كفي ووضعت به كيساً
سراب : ماهذا ؟
هدى : هذا المال كنت أجمعه من مدة طويلة والآن حان وقت
استخدامه ستحتاجينه.
سراب : مستحيل لا يمكنني الهروب ماذا سيحلّ بكنّ ؟
هدى : لا تفكري في شيء غادري فحسب أنا هنا سأتكفل في كل شيء
سراب : لايمكنني المغادرة وأنا أعلم أنني لو هربت أبي لن
يكتفي حتى بموتكن
هدى : كوني متأكدة أنه في الوقت الحالي الموت أفضل من أي حل ،لذا أريحي قلبي وغادري دون أن تلتفتي للوراء ،لقد
وضعت لأبي في كوبه الشاي المنوم لن يستيقظ هذه الليلة .
فرصتك للنجاة ، لا تضيعيها.
لقد شعرت لأول مرة في حياتي بالسند مافعلته هدى لن أنساه أبدا لا أنسى ملامحها في تلك اللحظات كانت قويةً للغاية, ثابتة
أرادت إنقاذي دون أن تفكر بما سيحدث بها لاحقاً
هدى لم تكن صبيانية قط ، هدى تملك من العاطفة ما يكفي
لإغراق الكرة الأرضية ، أحبك كثيرا يا هدى .
لكنني لن أغادر ، سأتزوج.