الفصل 28
الفصل الثامن والعشرون
كانوا يجلسون جميعا ملتفين حوله.. كان ينظر لوجوههم جميعا.. كانوا جميعا يحاولون مراضاته باستماته.. كان يلتفون حوله كالكعكة التي وضعت للاحتفال.. ظلوا يحدثونه ويحاولون مراضاته.. كان عمه يحاول الحديث معه بهدوء محاولا إقناعه بشتى الطرق العودة لمنزلهم الذي هجروه رغما عنهم..
بحنان يطغى على ملامحه وحديثه..
مصطفى: محمد يا ابني والله العظيم انتوا عندى زي ولادي وأكتر.. ربنا يعلم إنِ دورت عليكم كتير.. وطول السنين اللي فاتت وأنا مبطلتش تدوير.. لما يأست الاقيكم اضريت اسافر عشان شغلنا وشغل والدك اللي أسسوا وسابوا لما نزل مصر.. مكنش ينفع اسيبه ده تعبه وشقاه وحقكم.. مكنتش اقدر افرك فيه ولا اسيبه يروح زي مااخويا راح مني.. قلت احافظ على حقكم لحد ربنا ميأذن ونقدر نلاقيكم.. لحد مقررت اني ارجع مصر ومش ههمد غير لما اوصل لكم..
يأمن سليم على حديث والده: صح والله يا محمد .. بابا قرر يصفي كل حاجة عشان يدور عليكم.. وقالوا مش هيسافروا تاني.. هدينا كل حاجة هناك.. اخنا بنحبكم وعمرنا مفكرنا اننا نتخلى عنكم
هنا تحررت دمعات هاربة من عينيه.. لأول مرة تخونه دمعاته وتعلن العصيان.. تحررت تعبر عن مدى الحزن والألم الذي ينخر حنايا قلبه كالسكين.. دمعات الرجال قهر وهطولها تنذر بشدة الألم المختزن..
محمد : أنا عارف إنكم بتحبونا.. لكن احنا اتعذبنا واتبهدلنا كتير.. يمكن كانت غلطة مني لما فهمت كلام أمي غلط وقت الحادث.. أمي كان قصدها إني ابعد اختي عن العربية عشان ميجراش لها حاجة.. لكن انا كنت طفل وقتها وفكرت اني اخدها وابعد بيها عن الكل.. ولما الإسعاف أخدت أمي وابويا رجعت عشان اعرف هما راحوا فين.. لقيت الكل ماشي من المقابر شفتكم كلكم وقتها بس محدش شافني.. عرفت مكان قبرهم.. لكن محدش منكم خد باله من الطفل اللي واقف والألم بيقطع فيه.. طفل شايل حمل أخته الصغيرة..
فاطمة بدمعات منهمرة على ما عاناه في طفولته بدلا من أن يستمتع بطفولته وجد حملا يثقل كاهله.. لكنه كان أفضل من رجال كثر.. ربى أخته أفضل تربية.. وعلمها وهذبها.. لتذهب تجاهه تأخذه بأحضانها.. أحضان أمومية
فاطمة: يا حبيبي يا ابني.. حقك علينا كلنا.. سامحنا والله عمرنا مهنبعد عنكم تاني.. أنا كنت بتعذب في بعدكم والله.. أمكم كانت نصي التاني كان عذابي لفقدان أختي.. وانتوا اختفيتوا محدش لقاكم.. والله عذابنا كان كبير..
لترفع رأسه مكففة ً دمعاته..
لكن خلاص مفيش تعب ووجع تاني.. انتوا هترحعوا لحضننا تاني وهتفضلوا معانا وعمرنا مهنبعدكم عننا ابداً..
تومئ برأسها منتظرة إشارته..
ينظر بابتسامة تشوبها الدموع: صح أنا محتاج حضن أم وحنان أب.. محتاج عيلة احس بالحب وسطهم.. محتاج دفا وأمان.. صح كنت لأختي كل ده بس كنت دايما فاقده مكنش في اللي بيهون عليا
يأخذه بأحضانه مصطفى: خلاص يا حبيبي خلاص مفيش حزن تاني.. حقك عليا ..
كانت العبرات تنساب من عيون الجميع.. لم يعلم أحد هل هي عبرات ألم لما قاساه هو وأخته الصغرى; أم عبرات سعادة لأمل ولد من جديد بعودتهم مرة أخرى لأحضان عائلتهم.. ليتقدم نحوه خاله في محاولة مستميتة لنيل الصفح.. فلازال شعور الذنب يستبد قلبه
حسن : محمد حقك عليا أنا السبب في اللي حصل.. أنا اسف سامحني يا بني.. يممن لو مكنتش غبي بالشكل ده وسمخت للإنسانة حقيرة زي دي تلعب بدماغي مكنش ده حصل.. أنا بعترف بغبائي في وقت كنت خلاص عرفت غلطي.. لكن ده كان غيرة غباء شعور ملوش وصف.. اللي كنت حاسس بيه وقتها إن رجولتي اتهانت.. مكنتش قابل إن جوز اختي يكون من ضمن ضحاياها.. كنت حاسس إني في إيدها زي بيدق الشطرنج.. عقلي ملغي مكنتش عارف اتصرف.. ولما بدأت اتصرف صح للأسف كان تصرف غبي.. جنيت على اخواتي لغلطة هما ملهمش ذنب فيها.. أنا وجع قلبي مبيفارقنيش ليل ونهار.. عشان كدة بطلب منك تسامحني يمكن ارتاح.. هما ملهمش ذنب في حاجة.. كلهم اتظلموا بسببي.. حتى حامد كان بيحاول يحمي اخواتي مني.. وتصرفه كان من خوفه عليهم..
تقدم جده نحوه بخطى متمهلة.. نظرا لتقدمه بالعمر.. وعينان تفيض حنانا.. يشير له طالبا منه التقدم نحوه..
صالح : جرب مني يا غالي..
ماكان منه سوى تلبية رغبته.. ليباشر حديثه.. تعرف إن عيونك دي عيون حنين.. فيهم حنان وحب الدنيا كله.. وفيهم وجع يهد جبل .. انتوا هترجعوا معانا الأول وهنستقبلكم أحسن استقبال.. وهيترد لكم كرامتكم وعزكم وسط الكل.. وهفرح بيكم.. يا أغلى الغاليين...
ماكان منه إلا أنه رمى بجسده داخل أحضان جده.. ينعم بالحب والحنان للمرة الأولى منذ 13 عاما.. خرجت الفتيات من الداخل بعيون تنهمر منها الدمعات.. لتنظر رؤى لأخيها ولانهياره هذا.. فكان كالجبل العتيق الذي جار عليه الزمن وبدأ بالانهيار.. ينظر لها جدها يجدها تقف والدموع تنساب على وجنتيها.. يؤشر لها بالقدوم لتندفع لأحضانه.. مرت الدقائق والجميع يعبر عن حبه لهم.. ليتيقنوا أن خطأ وسوء فهم هدم حياة الجميع..
✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍
بالأسفل كان قد استعد للصعود بعدما أبصر حضورهم المهيب.. عليه التصرف سريعا قبل أن يضيع حلمه هباءاً.. هم بالصعود وقلبه يدق دقات عنيفة.. لا يدري ماذا يحدث.. لكنه انتابه الشك أنهم عائلتهم.. وعلى مايبدوا أصبحت فرصته ضعيفة بامتلاكها.. وتبا لغباء شقيقته الحمقاء.. فكان قد اختار لها رجلا يصونها ويحافظ عليها.. وهي من هدمت المعبد على رؤوس الجميع.. دقيقة أو أكثر وكان يقف أمام باب المنزل يخاول التماسك واصطناع الهدوء برسم ابتسامة مصطنعة.. ثوان وانفرح الباب معلنا عن استقباله.. ليبصر فتاة جميلة بعيون بلون العسل .. وبشرة بيضاء.. ترتدي إحدى ثياب رؤى الذي قد رءاها ترتديهم يوما.. لكن من تكون.. لتسأله بهدوء ..
.....: مين حضرتك!
يتنحنح محاولا إخراج صوته ثابتا.. فقد اهتز ثباته لثوان قليلة..
شريف : إحم .. أنا شريف صاحب محمد وجارهم.. هو موجود..
جنى : أيوة موجود اتفضل حضرتك .. متأسفة..
بعد ولوجه من بابا المنزل.. تسائل بفضول يتآكله..
شريف : مين حضرتك؟!
جنى : أنا ...
يقطع حديثهم خروج محمد واستقباله ودعوته للدخول لمقابلة عائلته.. بعد ترحيبه بهم نظر له حامد بقلق..
محمد : خير يشريف في حاجة مهمة !
شريف : لا أبدا أنا بس كنت جاي اسألك عن الموضوع اللي كنت كلمتك فيه..
ينظر محمد لعائلته جميعا.. بعد ما ظهر التعجب الشديد على وجوههم..
لكن هناك نظرات قلقة ملمة بما يحدث.. فقد أخبرته شقيقته بكامل التفاصيل التي قد سردتها لها رفيقتها.. لينظر بتحفز شديد ..
محمد : والله يا شريف انت زي اخويا لكن الجواز ده قسمة ونصيب.. ورؤى قالت إنها مش عاوزة تتجوز دلوقتي.. وانا يستحيل اغصب عليها حاجة.. خصوصا موضوع الجواز ده انت عارف..
شريف : خلاص يا محمد كل شيء نصيب.. أنا بس كان عندي أمل الأمور تتصلح..
صالح : خير يا ولدي بكرة تلاقي نصيبك اللي ربنا مقدره لك وهيكون أحسن من كل اللي فكرت فيه.. ربنا عوضه كبير
سريف : الله يخليك يارب .. أنا هقوم وبعتذر على الإزعاج اللي سببته..
ليهم بالمغادرة .. كان يعتقد أنه سيصيبه الحزن الشديد.. لكنه كان طبيعيا.. لا يدري ربما خيرا..
مصطفى بتعجب : انت كنت خاطب يا محمد!
يومئ برأسه بمعنى نعم: أيوة بس فسخت الخطوبة من فترة.. يعني هي كانت عاوزة تعجل بالجواز.. وانا مكنش ينفع اتجوز واسيب اختي لوحدها.. أو اكون السبب ي إهانتها بأي شكل من الأشكال.. وبعدين مشاعري ناحيتها كانت باردة.. مش عارف كنت حاسس إني متقيد مش مبسوط زي أي واحد.. ده غير الظروف مكنتش هاقدر اتحمل العبأ ده كله
كانت نظرات الفخر تطوقه من الجميع.. وكان يستحقها وعن جدارة.. أما النظرات التي كانت تنبع خبا مختزنا منذ الطفولة لم يلحظها أحد لانشغالهم عنها.. لكن التي كانت تقف لجوارها لاحظت نظراتها.. لتهمس لها..
جنى: كفاية القلوب اللي عمالة تطلع من عنيكي دي..
لكنها لم تنتبه لها.. لتنظر لها بتعجب ومن ثم تقم بنغزها..
هنا بألم: ايه يا بت يا جنى!
جنى: بقول لك كفاية القلوب هتطير وتروح تقول له يا اختي..
هنا : إيه لأ مش كدة هو بس أنا..
جنى : ايه اللألأة دي كلها يا بنتي .. هو فعلا يستحق الاحترام وبعدين يت..
هنا : كفايا يا جنى انتِ فهمتي غلط.. أنا فعلا فخورة بيه كابن عمي.. لكن هو كان خاطب وأكيد كان بيحب خطيبته.. وقفلي غلى الموضوع ده لو سمحتي
بعدها يغادر الجميع نحو منزلهم.. وتعود جنى لمنزلها ولكنها فتاة جديدة.. وهم يذهبون لزيارتهم المقررة.. وعندما علمت هنا قررت الذهاب معهم.. ليأخذهم سليم جميعا بسيارته متجهين لمنزل أحمد الأسواني
✍✍✍
كان يجلس الصغار حولها ملتفين في دائرة وهي مركزها.. لكنها كانت نائمة بسبب جرحها.. كانت تنظر لهن بسعادة تعتمل قلبها.. كانت سعادتها مضاعفة اليوم عندما علمت أن صغيريها في تحسن دائم.. وموعد خروجهم من المشفى بات قريبا.. لتنعكس سعادتها على وجهها..
سما : ماما اخواتي خلاص هيجوا البيت خلاص وهلعب بيهم..
كانت تتحدث بسعادة طفلة.. لكن اتسعت عينيها من جملتها الأخيرة..
نجلاء: إيه ! تلعبي بيهم ايه يا سما! هما لعبة يا حبيبتي.. اسمها تلعبي معاهم..
نور : يا ماما نلعب بيهم كلنا .. يووه قصدي قصدي نلعب معاهم يا ماما مش تبرقي ليا كدة..
انفجرت من الضحك فكانت عينيها متسعة من حديثهم..
نجلاء: خلاص خلاص يلا المهم عشان احكي لكم حدوتة جميلة جدا عشان تروحوا الأوضة بتاعتكم.. عشان جاي لنا ضيوف.. يلا نبدأ القصة اسمها ""أرض الأحلام""
ظلت تسرد لهم القصة وبعد انتهائها بدأت أسئلتهم اللامتناهية.. وبعد مدة دخل لها زوجها يخبرها بقدوم الضيوف المنتظرين.. وطلب من الصغار الذهاب لغرفهم.. دقائق قليلة وكان قد ساعدها بالجلوس بوضعية مريحة.. قام بإدخالهم للغرفة.. كلا من "رؤى" و "هنا"
رؤى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. حمدلله على سلامة حضرتك يا أبلة نجلاء.. والله كنت حابة اجي لك من زمان بس أبيه محمد قالي إن الزيارة ممنوعة ..
بابتسامة مرحبة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. الله يسلمك يا رؤى.. ولا يهمك أحمد قال لي إنكم سألتوا عليا
.. اتفضلي يا حبيبتي..
تشير نحو هنا.. انتِ هنا أخت سليم ورنا صح
هنا بابتسامة صادقة لهذه الفتاة البشوشة: أيوة أنا هنا.. حمدلله على سلامة حضرتك.. أنا سمعت عنك كتير جدا من سليم ورنا ورؤى ومحمد.. تقريبا كدة حضرتك قدوة حسنة الكل بيفتخر بيكي.. رغم إني عندي تعجب شديد من اللي حضرتك واجهتيه واللي حصل لك.. اللي سمعته عنك غنا مقدرش اتخيل إني ممكن اتحمله.. يعني...
نجلاء: من غير يعني.. شوفي يا هنا كل واحد مننا ربنا اختار له حياته وبكل الاختبارات اللي ربنا هيحطها له في حياته دي.. عاوز يشوف احنا هنقدر نصمد ونحمد ربنا في الضراء والسراء.. هنشكر ونعبد ونلجأ له في كل حاجة في حياتنا.. ربنا عوضني عوض كبير اوي.. عوضني بزوج بيحبني وبيخاف عليا من الهوا .. كنت خايفة اتجوز عشان مظلمش بناتي بجوز أم.. لكن ربنا عوضهم بأب أحن عليهم من أي حد.. يمكن لو باباهم عايش مكنش هيكون أقل حنية من أحمد
كانوا يستمعون بتركيز شديد.. نظرات حب وتفائل شديد.. رغم ما عانته وحدث لها
رؤى : حضرتك جميلة اوي.. كل حاجة عندك بسيطة.. حتى في شدة الأزمة واخداها ببساطة!
نجلاء: صدقيني لو كنتي قابلتيني قبل مااتجوز أحمد كنتي هتقولي اني كارهة الدنيا وكل حاجة متعقدة.. حاطة كلام الناس قاعدة وماشية عليها.. لما كنت هدمر نفسي وهدمر حياتي..
هنا : حضرتك بتتكلمي عن نفسك.. لا يستحيل اللي انتي بتقوليه ده.. اللي انا شايفاه ده حاجة تانية خالص غير اللي بتقوليه
نجلاء: والله كنت أصعب من كدة كمان.. ...
✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍
بالأسفل كان الشباب مجتمعين بالأسفل.. أخبره سليم بكافة الأمور وماحدث معهم.. وأخبره أن محمد سينضم لهم لتأسيس شركتهم مرة أخرى.. وأنهم يريدون معاونته .. وأخبروه بقرار جدهم وزيارتهم للبلدة.. لكن أحمد تطرق لموضوع كلا منهم كان خائفا من طرحه..
أحمد : وبالنسبة لموضوع الخطوبة بتاعتكم وانتوا أطفال ده نظامه ايه! يعني من كلامكم ان أهلكم كانوا مقررين كدة من زمان!
ظلوا ينظرون لبعضهم البعض البعض بنظرات مزهولة.. سليم داخله كان فرحا لطرح هذا السؤال تحديدا.. لكنه قرر عدم لفت الانتباه " عمل فيها عبيط اللئيم ده" أما محمد فكان جزءا داخله فرحا.. لكنه يخشى أن ترفضه أو يكون هي لها رأي آخر
محمد: مش عارف لكن مش وقته الكلام في الموضوع ده.. يمكن كل واحد يكون له رأي تاني في الموضوع ده
✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍
انتهت المقابلة وغادروا جميعا متجهين لمنزلهم الكبير... ليكتب لهم التجمع مع عائلتهم للمرة الأولى منذ 14 عاما
انتهي الفصل
كانوا يجلسون جميعا ملتفين حوله.. كان ينظر لوجوههم جميعا.. كانوا جميعا يحاولون مراضاته باستماته.. كان يلتفون حوله كالكعكة التي وضعت للاحتفال.. ظلوا يحدثونه ويحاولون مراضاته.. كان عمه يحاول الحديث معه بهدوء محاولا إقناعه بشتى الطرق العودة لمنزلهم الذي هجروه رغما عنهم..
بحنان يطغى على ملامحه وحديثه..
مصطفى: محمد يا ابني والله العظيم انتوا عندى زي ولادي وأكتر.. ربنا يعلم إنِ دورت عليكم كتير.. وطول السنين اللي فاتت وأنا مبطلتش تدوير.. لما يأست الاقيكم اضريت اسافر عشان شغلنا وشغل والدك اللي أسسوا وسابوا لما نزل مصر.. مكنش ينفع اسيبه ده تعبه وشقاه وحقكم.. مكنتش اقدر افرك فيه ولا اسيبه يروح زي مااخويا راح مني.. قلت احافظ على حقكم لحد ربنا ميأذن ونقدر نلاقيكم.. لحد مقررت اني ارجع مصر ومش ههمد غير لما اوصل لكم..
يأمن سليم على حديث والده: صح والله يا محمد .. بابا قرر يصفي كل حاجة عشان يدور عليكم.. وقالوا مش هيسافروا تاني.. هدينا كل حاجة هناك.. اخنا بنحبكم وعمرنا مفكرنا اننا نتخلى عنكم
هنا تحررت دمعات هاربة من عينيه.. لأول مرة تخونه دمعاته وتعلن العصيان.. تحررت تعبر عن مدى الحزن والألم الذي ينخر حنايا قلبه كالسكين.. دمعات الرجال قهر وهطولها تنذر بشدة الألم المختزن..
محمد : أنا عارف إنكم بتحبونا.. لكن احنا اتعذبنا واتبهدلنا كتير.. يمكن كانت غلطة مني لما فهمت كلام أمي غلط وقت الحادث.. أمي كان قصدها إني ابعد اختي عن العربية عشان ميجراش لها حاجة.. لكن انا كنت طفل وقتها وفكرت اني اخدها وابعد بيها عن الكل.. ولما الإسعاف أخدت أمي وابويا رجعت عشان اعرف هما راحوا فين.. لقيت الكل ماشي من المقابر شفتكم كلكم وقتها بس محدش شافني.. عرفت مكان قبرهم.. لكن محدش منكم خد باله من الطفل اللي واقف والألم بيقطع فيه.. طفل شايل حمل أخته الصغيرة..
فاطمة بدمعات منهمرة على ما عاناه في طفولته بدلا من أن يستمتع بطفولته وجد حملا يثقل كاهله.. لكنه كان أفضل من رجال كثر.. ربى أخته أفضل تربية.. وعلمها وهذبها.. لتذهب تجاهه تأخذه بأحضانها.. أحضان أمومية
فاطمة: يا حبيبي يا ابني.. حقك علينا كلنا.. سامحنا والله عمرنا مهنبعد عنكم تاني.. أنا كنت بتعذب في بعدكم والله.. أمكم كانت نصي التاني كان عذابي لفقدان أختي.. وانتوا اختفيتوا محدش لقاكم.. والله عذابنا كان كبير..
لترفع رأسه مكففة ً دمعاته..
لكن خلاص مفيش تعب ووجع تاني.. انتوا هترحعوا لحضننا تاني وهتفضلوا معانا وعمرنا مهنبعدكم عننا ابداً..
تومئ برأسها منتظرة إشارته..
ينظر بابتسامة تشوبها الدموع: صح أنا محتاج حضن أم وحنان أب.. محتاج عيلة احس بالحب وسطهم.. محتاج دفا وأمان.. صح كنت لأختي كل ده بس كنت دايما فاقده مكنش في اللي بيهون عليا
يأخذه بأحضانه مصطفى: خلاص يا حبيبي خلاص مفيش حزن تاني.. حقك عليا ..
كانت العبرات تنساب من عيون الجميع.. لم يعلم أحد هل هي عبرات ألم لما قاساه هو وأخته الصغرى; أم عبرات سعادة لأمل ولد من جديد بعودتهم مرة أخرى لأحضان عائلتهم.. ليتقدم نحوه خاله في محاولة مستميتة لنيل الصفح.. فلازال شعور الذنب يستبد قلبه
حسن : محمد حقك عليا أنا السبب في اللي حصل.. أنا اسف سامحني يا بني.. يممن لو مكنتش غبي بالشكل ده وسمخت للإنسانة حقيرة زي دي تلعب بدماغي مكنش ده حصل.. أنا بعترف بغبائي في وقت كنت خلاص عرفت غلطي.. لكن ده كان غيرة غباء شعور ملوش وصف.. اللي كنت حاسس بيه وقتها إن رجولتي اتهانت.. مكنتش قابل إن جوز اختي يكون من ضمن ضحاياها.. كنت حاسس إني في إيدها زي بيدق الشطرنج.. عقلي ملغي مكنتش عارف اتصرف.. ولما بدأت اتصرف صح للأسف كان تصرف غبي.. جنيت على اخواتي لغلطة هما ملهمش ذنب فيها.. أنا وجع قلبي مبيفارقنيش ليل ونهار.. عشان كدة بطلب منك تسامحني يمكن ارتاح.. هما ملهمش ذنب في حاجة.. كلهم اتظلموا بسببي.. حتى حامد كان بيحاول يحمي اخواتي مني.. وتصرفه كان من خوفه عليهم..
تقدم جده نحوه بخطى متمهلة.. نظرا لتقدمه بالعمر.. وعينان تفيض حنانا.. يشير له طالبا منه التقدم نحوه..
صالح : جرب مني يا غالي..
ماكان منه سوى تلبية رغبته.. ليباشر حديثه.. تعرف إن عيونك دي عيون حنين.. فيهم حنان وحب الدنيا كله.. وفيهم وجع يهد جبل .. انتوا هترجعوا معانا الأول وهنستقبلكم أحسن استقبال.. وهيترد لكم كرامتكم وعزكم وسط الكل.. وهفرح بيكم.. يا أغلى الغاليين...
ماكان منه إلا أنه رمى بجسده داخل أحضان جده.. ينعم بالحب والحنان للمرة الأولى منذ 13 عاما.. خرجت الفتيات من الداخل بعيون تنهمر منها الدمعات.. لتنظر رؤى لأخيها ولانهياره هذا.. فكان كالجبل العتيق الذي جار عليه الزمن وبدأ بالانهيار.. ينظر لها جدها يجدها تقف والدموع تنساب على وجنتيها.. يؤشر لها بالقدوم لتندفع لأحضانه.. مرت الدقائق والجميع يعبر عن حبه لهم.. ليتيقنوا أن خطأ وسوء فهم هدم حياة الجميع..
✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍
بالأسفل كان قد استعد للصعود بعدما أبصر حضورهم المهيب.. عليه التصرف سريعا قبل أن يضيع حلمه هباءاً.. هم بالصعود وقلبه يدق دقات عنيفة.. لا يدري ماذا يحدث.. لكنه انتابه الشك أنهم عائلتهم.. وعلى مايبدوا أصبحت فرصته ضعيفة بامتلاكها.. وتبا لغباء شقيقته الحمقاء.. فكان قد اختار لها رجلا يصونها ويحافظ عليها.. وهي من هدمت المعبد على رؤوس الجميع.. دقيقة أو أكثر وكان يقف أمام باب المنزل يخاول التماسك واصطناع الهدوء برسم ابتسامة مصطنعة.. ثوان وانفرح الباب معلنا عن استقباله.. ليبصر فتاة جميلة بعيون بلون العسل .. وبشرة بيضاء.. ترتدي إحدى ثياب رؤى الذي قد رءاها ترتديهم يوما.. لكن من تكون.. لتسأله بهدوء ..
.....: مين حضرتك!
يتنحنح محاولا إخراج صوته ثابتا.. فقد اهتز ثباته لثوان قليلة..
شريف : إحم .. أنا شريف صاحب محمد وجارهم.. هو موجود..
جنى : أيوة موجود اتفضل حضرتك .. متأسفة..
بعد ولوجه من بابا المنزل.. تسائل بفضول يتآكله..
شريف : مين حضرتك؟!
جنى : أنا ...
يقطع حديثهم خروج محمد واستقباله ودعوته للدخول لمقابلة عائلته.. بعد ترحيبه بهم نظر له حامد بقلق..
محمد : خير يشريف في حاجة مهمة !
شريف : لا أبدا أنا بس كنت جاي اسألك عن الموضوع اللي كنت كلمتك فيه..
ينظر محمد لعائلته جميعا.. بعد ما ظهر التعجب الشديد على وجوههم..
لكن هناك نظرات قلقة ملمة بما يحدث.. فقد أخبرته شقيقته بكامل التفاصيل التي قد سردتها لها رفيقتها.. لينظر بتحفز شديد ..
محمد : والله يا شريف انت زي اخويا لكن الجواز ده قسمة ونصيب.. ورؤى قالت إنها مش عاوزة تتجوز دلوقتي.. وانا يستحيل اغصب عليها حاجة.. خصوصا موضوع الجواز ده انت عارف..
شريف : خلاص يا محمد كل شيء نصيب.. أنا بس كان عندي أمل الأمور تتصلح..
صالح : خير يا ولدي بكرة تلاقي نصيبك اللي ربنا مقدره لك وهيكون أحسن من كل اللي فكرت فيه.. ربنا عوضه كبير
سريف : الله يخليك يارب .. أنا هقوم وبعتذر على الإزعاج اللي سببته..
ليهم بالمغادرة .. كان يعتقد أنه سيصيبه الحزن الشديد.. لكنه كان طبيعيا.. لا يدري ربما خيرا..
مصطفى بتعجب : انت كنت خاطب يا محمد!
يومئ برأسه بمعنى نعم: أيوة بس فسخت الخطوبة من فترة.. يعني هي كانت عاوزة تعجل بالجواز.. وانا مكنش ينفع اتجوز واسيب اختي لوحدها.. أو اكون السبب ي إهانتها بأي شكل من الأشكال.. وبعدين مشاعري ناحيتها كانت باردة.. مش عارف كنت حاسس إني متقيد مش مبسوط زي أي واحد.. ده غير الظروف مكنتش هاقدر اتحمل العبأ ده كله
كانت نظرات الفخر تطوقه من الجميع.. وكان يستحقها وعن جدارة.. أما النظرات التي كانت تنبع خبا مختزنا منذ الطفولة لم يلحظها أحد لانشغالهم عنها.. لكن التي كانت تقف لجوارها لاحظت نظراتها.. لتهمس لها..
جنى: كفاية القلوب اللي عمالة تطلع من عنيكي دي..
لكنها لم تنتبه لها.. لتنظر لها بتعجب ومن ثم تقم بنغزها..
هنا بألم: ايه يا بت يا جنى!
جنى: بقول لك كفاية القلوب هتطير وتروح تقول له يا اختي..
هنا : إيه لأ مش كدة هو بس أنا..
جنى : ايه اللألأة دي كلها يا بنتي .. هو فعلا يستحق الاحترام وبعدين يت..
هنا : كفايا يا جنى انتِ فهمتي غلط.. أنا فعلا فخورة بيه كابن عمي.. لكن هو كان خاطب وأكيد كان بيحب خطيبته.. وقفلي غلى الموضوع ده لو سمحتي
بعدها يغادر الجميع نحو منزلهم.. وتعود جنى لمنزلها ولكنها فتاة جديدة.. وهم يذهبون لزيارتهم المقررة.. وعندما علمت هنا قررت الذهاب معهم.. ليأخذهم سليم جميعا بسيارته متجهين لمنزل أحمد الأسواني
✍✍✍
كان يجلس الصغار حولها ملتفين في دائرة وهي مركزها.. لكنها كانت نائمة بسبب جرحها.. كانت تنظر لهن بسعادة تعتمل قلبها.. كانت سعادتها مضاعفة اليوم عندما علمت أن صغيريها في تحسن دائم.. وموعد خروجهم من المشفى بات قريبا.. لتنعكس سعادتها على وجهها..
سما : ماما اخواتي خلاص هيجوا البيت خلاص وهلعب بيهم..
كانت تتحدث بسعادة طفلة.. لكن اتسعت عينيها من جملتها الأخيرة..
نجلاء: إيه ! تلعبي بيهم ايه يا سما! هما لعبة يا حبيبتي.. اسمها تلعبي معاهم..
نور : يا ماما نلعب بيهم كلنا .. يووه قصدي قصدي نلعب معاهم يا ماما مش تبرقي ليا كدة..
انفجرت من الضحك فكانت عينيها متسعة من حديثهم..
نجلاء: خلاص خلاص يلا المهم عشان احكي لكم حدوتة جميلة جدا عشان تروحوا الأوضة بتاعتكم.. عشان جاي لنا ضيوف.. يلا نبدأ القصة اسمها ""أرض الأحلام""
ظلت تسرد لهم القصة وبعد انتهائها بدأت أسئلتهم اللامتناهية.. وبعد مدة دخل لها زوجها يخبرها بقدوم الضيوف المنتظرين.. وطلب من الصغار الذهاب لغرفهم.. دقائق قليلة وكان قد ساعدها بالجلوس بوضعية مريحة.. قام بإدخالهم للغرفة.. كلا من "رؤى" و "هنا"
رؤى: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. حمدلله على سلامة حضرتك يا أبلة نجلاء.. والله كنت حابة اجي لك من زمان بس أبيه محمد قالي إن الزيارة ممنوعة ..
بابتسامة مرحبة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.. الله يسلمك يا رؤى.. ولا يهمك أحمد قال لي إنكم سألتوا عليا
.. اتفضلي يا حبيبتي..
تشير نحو هنا.. انتِ هنا أخت سليم ورنا صح
هنا بابتسامة صادقة لهذه الفتاة البشوشة: أيوة أنا هنا.. حمدلله على سلامة حضرتك.. أنا سمعت عنك كتير جدا من سليم ورنا ورؤى ومحمد.. تقريبا كدة حضرتك قدوة حسنة الكل بيفتخر بيكي.. رغم إني عندي تعجب شديد من اللي حضرتك واجهتيه واللي حصل لك.. اللي سمعته عنك غنا مقدرش اتخيل إني ممكن اتحمله.. يعني...
نجلاء: من غير يعني.. شوفي يا هنا كل واحد مننا ربنا اختار له حياته وبكل الاختبارات اللي ربنا هيحطها له في حياته دي.. عاوز يشوف احنا هنقدر نصمد ونحمد ربنا في الضراء والسراء.. هنشكر ونعبد ونلجأ له في كل حاجة في حياتنا.. ربنا عوضني عوض كبير اوي.. عوضني بزوج بيحبني وبيخاف عليا من الهوا .. كنت خايفة اتجوز عشان مظلمش بناتي بجوز أم.. لكن ربنا عوضهم بأب أحن عليهم من أي حد.. يمكن لو باباهم عايش مكنش هيكون أقل حنية من أحمد
كانوا يستمعون بتركيز شديد.. نظرات حب وتفائل شديد.. رغم ما عانته وحدث لها
رؤى : حضرتك جميلة اوي.. كل حاجة عندك بسيطة.. حتى في شدة الأزمة واخداها ببساطة!
نجلاء: صدقيني لو كنتي قابلتيني قبل مااتجوز أحمد كنتي هتقولي اني كارهة الدنيا وكل حاجة متعقدة.. حاطة كلام الناس قاعدة وماشية عليها.. لما كنت هدمر نفسي وهدمر حياتي..
هنا : حضرتك بتتكلمي عن نفسك.. لا يستحيل اللي انتي بتقوليه ده.. اللي انا شايفاه ده حاجة تانية خالص غير اللي بتقوليه
نجلاء: والله كنت أصعب من كدة كمان.. ...
✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍
بالأسفل كان الشباب مجتمعين بالأسفل.. أخبره سليم بكافة الأمور وماحدث معهم.. وأخبره أن محمد سينضم لهم لتأسيس شركتهم مرة أخرى.. وأنهم يريدون معاونته .. وأخبروه بقرار جدهم وزيارتهم للبلدة.. لكن أحمد تطرق لموضوع كلا منهم كان خائفا من طرحه..
أحمد : وبالنسبة لموضوع الخطوبة بتاعتكم وانتوا أطفال ده نظامه ايه! يعني من كلامكم ان أهلكم كانوا مقررين كدة من زمان!
ظلوا ينظرون لبعضهم البعض البعض بنظرات مزهولة.. سليم داخله كان فرحا لطرح هذا السؤال تحديدا.. لكنه قرر عدم لفت الانتباه " عمل فيها عبيط اللئيم ده" أما محمد فكان جزءا داخله فرحا.. لكنه يخشى أن ترفضه أو يكون هي لها رأي آخر
محمد: مش عارف لكن مش وقته الكلام في الموضوع ده.. يمكن كل واحد يكون له رأي تاني في الموضوع ده
✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍✍
انتهت المقابلة وغادروا جميعا متجهين لمنزلهم الكبير... ليكتب لهم التجمع مع عائلتهم للمرة الأولى منذ 14 عاما
انتهي الفصل