الفصل 24

أخرج من جيب سرواله الورقة التي طبعها من الهاتف و وضعها أمامه ، فتناول الورقة وقام بفتحها ليفحصها ، ثم جز على أسنانه بغيظ حتى كاد أن يكسر أسنانه ، ثم نظر إليه بنظرات قاتلة متسائلا من بين أسنانه :
-من أين عثرت على هذه الورقة
تنهد بصوت مستمع ثم نهض وهو يقول بقصد استفزازه :
-شخص أمنت له على كل شيء
اغمض عيناه لبرهه وبدأ الشك يحوم حوله ، ثم قام بفتح خزانة المال واعطى له ماله ، فيما دخلت جين فنظروا إليها ، وعندما رأت فيليب اتسعت عيناها وانتفض جسدها قليلا ثم ازدرت لعابها بصوت مستمع ودخلت مغلقة الباب خلفها ، فابتسم فيليب بخفة ثم تناول المال وضعهم داخل حقيبة صغيرة ، ثم فتح الصورة و قام بحذفها ثم قال :
-والأن لا أملك أي نسخ من طريقة العطر الجديد
ثم ذهب بينما جلست جين على المقعد المجاور للمكتب وتساءلت بصوت مبحوح من فرط التأثر :
-ماذا يريد هذا الرجل ؟!
تحدث معها بحده بالغة :
-لا تشغلي بالك .. والأن أخبريني أين كنتِ ؟! .. لقد رأيت جوليا هنا
أطرقت رأسها حتى لا يرى التوتر عليها وتماسكت قليلا ثم قالت بصوت مبحوح :
-لقد اعتذرت مني .. ولم تأتي معي
زفر بنفاذ صبر فيما دخل أرنو مغلقا الباب خلفه ، فنظرت جين إليه وتنهدت بهدوء حقا أنقذها من تحقيقات جوزيف ، رحب بها ثم وضع مستند أمام جوزيف قائلاً :
-هذا مستند شحنة العطور إلى كندا .. افحصه جيداً
وضع المستند جانبا الأن فتعجب أرنو وتساءل باهتمام :
-ما بك ؟!
نظر إليه للحظات والشك حتماً سيقتله ثم تناول الورقة ومد يده بها إليه ليأخذها وقام بفحصها وهو يقص عليه ما حدث ، فشعرت جين بغصة في صدرها ثم نهضت و وقفت أمامه النافذة والندم يؤلمها ، وضع الورقة على المكتب وهو ينظر إليه في حيرة وأسئلة كثيرة تدور في رأسه ، بينما تنحنح جوزيف بخفة ثم تساءل بشك :
-أنت من أرسلتها له يا أرنو ؟! .. أخبريني بالحقيقة
اتسعت عينين جين والتفتت بلهفة لتنظر إليه ، فيما حدق أرنو به في دهشة ، كيف يشك به وهو صديق عمره ولم يفعل شيئاً مثل هذا من قبل ، وجد نفسه يبتسم في ذهول وتساءل وكأنه لم يستمع إلى سؤاله :
-ماذا قلت يا جوزيف ؟!
زفر بعصبية وضرب المكتب بقبضته صامتاً ، فحرك أرنو رأسه بخفة ثم قال بنبرة حزينة :
-حسنا جوزيف بك .. تتهمني بالخيانة الأن
هذه الكلمة كبيرة جدا على مسامع جوزيف والذي لم يتحملها ، وعلى الفور نظر إلى صديقة في دهشة وحقا شعر بالندم على ذاك السؤال ، ثم نهض من مكانه وقال ليصلح ما قاله :
-لا .. أنا لا اتهمت بالخيانة
قال بتأكيد :
-بل اهتمتني جوزيف بك
ثم غادر المكتب قبل أن يستمع إلى حديثه ، فنفخ جوزيف في شدقيه ثم جلس بضرب المكتب بقبضة يده ، فتقدمت جين نحوه و وقفت بجواره تقول بتأفف :
-لما فعلت هذا !! .. هذا صديقك
-اتركيني يا جين من فضلك
قالها جوزيف بندم واضح ، حركت رأسها بالنفي ثم وجدت نفسها تضمه إلي صدرها وقبلته على رأسه بحنان ، فأحاط خصرها بذراعيه وجعلها تعانقه أكثر ، وأخذت تمسح على شعره وقالت بحزن ممزوج بالندم :

-لن اتركك أبدا


-حسنا يا أبي .. لقد أخبرتك بكل شيء وأن أفعل هذا ألا بموافقتك
قالتها أديل إلى والدها في الهاتف ، وقد حزن كثيراً على أبنته الوحيدة الذي ستتزوج بهذه الطريقة ، وسيلقبها المجتمع بالفتاة المنبوذة ، وإذا هذا هو الحل الوحيد أن يبتعد كيفن عنها فهو موافقة و والدتها أيضا ، أنهى معها المكالمة وهو مكسور حزين ، يشعر كأنه رجل عاجز لا يستطيع حماية ابنته من ذاك اللعين كيفين ، يعلم جيداً أنه إذا وقف أمامه سيقتله ولن يهمه أحد ، فالرحمة في قلبه قد كسرت ولم يعد يمتلك شيء سوى قلب شيطان قاسي ..

جلست أديل على الفراش ، تشعر بالسعادة من أجل زواجها من جان وفي نفس الوقت تشعر بالحزن لأنها تعلم أن هذا الزواج لن يكتمل ، ثم خرجت وتفاجأت بوجود جان جالسا مع جدتها وابراهام ، نهض بمجرد أن رآها ينظر إليها بحده وقال :
-اود الحديث مع أديل وحدنا
سمح له ابراهام فأخذها جان ورقة من أعلى المنضدة ثم تقدم نحوها بخطوات واسعة كالبركان الذي على وشك الانفجار ، ثم قبض على ذراعها وادخلها إلى الغرفة ثم تركها ليغلق الباب ، وقام برفع الورقة أمامها قائلاً بحده :
-تريدي أن امضي على هذه الورقة ! .. لست واثقة بي
هذه الورقة عهدا أن يطلقها جان بعد مرور أسبوع على زواجهم ، جلست على حافة الفراش تنظر إلى الأرض بحزن وقالت بصوت هادئ :
-اثق فيك كثيراً .. ولكن لن أثق في قلبك ..
عقد حاجبيه متعجباً فرفعت عيناها الحزينة إليه تنظر إليه بحب صادق نابع من القلب وتابعت بصوتها الهادئ :
-قلبك الذي يمتلكني .. لن يتركني بسهولة .. وأنت تفكر بي بقلبك دائما وليس بعقلك
استند بقبضة يديه على الفراش لتكون بين ذراعيه واستند بجبينه على جبينها وهمس بحب :
-نعم .. قلبي لم ولن يتركك بسهولة .. ولأني بفكر بكِ بقلبي لن امضي على هذا التعهد أبدا .. أحبك يا أديل
ثم قبلها برقه على جبينها واستقام ظهره ليمزق الورقة ثم وضعها فوق المنضدة الصغيرة المجاورة للفراش ، فنهضت أديل وتحدثت بحنق :
-لا اوافق أن أكمل حياتي معك وأنت متزوج
تحدث ببساطة :
-اطلقها من أجلك
-ليس بهذه الطريقة يا جان .. أنا فتاة مثلها ولم أقبل هذا أبدا ..
ثم تقدمت نحو الباب و وقفت تنظر خلفها بعينيها وتابعت بحسم :
-وكما قلت لك .. لن امضي على عقد الزواج ألا إذا وافقت على شروطي
ثم خرجت تاركته محتار واضعا رأسه بين يديه ثم مسح على ذقنه وخرج ، فنظرت أديل إليه بحزن واضح فقال :
-وافقت على شروطك يا أديل
تنهدت بعدم ارتياح ولكن تصنعت أمامه أنها تصدقه وتبسمت له وهي تومئ برأسها ، ومتيقنة أنه فقط قال هذا ليتم الزواج وليس أكثر ، ولكن ستظل متمسكة برأيها و شروطها ، نهض ابراهام وقال مبتسما :
-حسنا جان بك .. سيتم زواجكما غدا
نظر إلى أديل باشتياق مقطب جبينه متسائلا بجدية :
-وما المانع ليتم الأن ؟!
اندهشت أديل من حديثه ثم أطرقت رأسها مبتسمه ، فيما ضحك ابراهام ضحكة خفيفة ثم قال :
-لا مانع .. ولكن ..
نظر إليه بثبات وقاطع حديثه بجدية :
-لا تقل ولكن .. زواجنا سيتم اليوم .. الساعة التاسعة مساء
ثم ربت على ذراعه وغادر ، فزفرت أديل للأعلى لتطير إحدى خصل شعرها للأعلى ثم همست :
-مجنون .. متسرع
عاد جان بعد دقائق وفي يده جراب فستان فرح ، فنهضت أديل تحدق به في ذهول بينما لاحت ابتسامة على شفتي ابراهام ، وضع الجراب على الأريكة ثم نظر إليها بحزم قائلا :
-بعد ساعة ستأتي خبيرة تجميل
ثم غادر مغلقا الباب خلفه ، ولا زالت أديل تحت تأثير الصدمة ، فيما حسست الجدة على جراب الفستان برفق ثم نظرت إلى أديل بابتسامة واسعة قائلة :
-أنه يحبك كثيرا يا ابنتي
أغمضت عيناها تبتلع لعابها بصوت مستمع قائلة سرا :

-أعلم .. أعلم .. وأنا أحبه كثيراً

صف سيارته أمام المنزل ثم تحدث مع شقيقة وأخبره بكل شيء واعطى له عنوان أديل ، ثم ترجل من السيارة ودخل المنزل ينظر حوله لم يجد أوجين ، فصعد إلى الغرفة رآها ممدده على الفراش ، فوقف ينظر إليها بجمود ، فنظرت إليه بحزن ممزوج بالعتاب ثم نهضت من مكانها لتقف أمامه معقدة ذراعيها وقالت بنبرة عتاب :
-مبروك الزواج جان بك
-تعلمين أنه لبضعة أيام فقط
ابتسمت ابتسامة حزينة وقالت بتأكيد :
-نعم كما أعلم أنك لن تتركها يا جان
ارتفع حاجبيه متعجباً من صراحتها ثم خلع معطفه وألقى به على الفراش متسائلا :
-ماذا تريدين يا أوجيني ؟!
لترد عليه بحده :
-اود أن يكمل زواجنا يا جان
داعب لسانه داخل فمه ثم التفتت إليها واقترب منها ببطء وهو يفك ازرار قميصه قائلاً بجدية :
-حسنا سيتم زواجنا الأن
اتسعت عيناها في دهشة وتراجعت للخلف وهي تقول بتوتر واضح :
-ماذا ؟! .. الأن ؟!
حرك رأسه بتأكيد ثم خلع قميصه ليظهر جسده أمامها فشعرت بالخجل الشديد ثم تركته وركضت إلى الحمام لتدخل. مغلقة الباب بظهرها ، فضحك جان ينظر إلى باب الحمام ، اخترقت ضحكاته مسامع أوجيني وشعرت بالخجل أكثر وأكثر ولم تواجه اليوم ، جلس جان على الفراش بابتسامة مرتسمة على ثغره ثم قال :

-كنت أعلم أن وقت الجد ستهربين مني

خرجت من الحمام و وقفت أمام المرآة تجفف شعرها بآلة التجفيف ، فيما وقف جوزيف أمام النافذة ولا زال يحاول أن يتحدث مع أرنو ولكن لم يجيب عليه ، فزفر بضيق وكاد أن يقتله الندم ، ثم ألقى بالهاتف على الفراش ودلف إلى الحمام ، فتوقفت جين عن التجفيف وتنهدت بألم ، ما حدث بين جوزيف وصديقة اليوم حدث بسببها هي ولكن لا تستطيع أن تتحدث ، ولكن قررت أن تنتقم من ذاك اللعين وتناولت هاتفها وخرجت إلى الشرفة ثم أتصلت على صاحب الرقم الذي نقلته من هاتف فيليب ..

تناولت بوني هاتفه ثم خرجت إلى الجنينة ومدت يدها بالهاتف إلى كيفين ، فأخذه ثم جلست بجواره وأجاب على الرقم المجهول برسمية ، فقالت جين بصوت هادئ :
-مرحبا .. أنا أعلم مكان فيليب .. ولكن لما تبحث عنه ؟!
نظر إلى بوني متعجباً لتظهر علامة الاستفهام على وجهها ، ثم تساءل :
-من معي ؟!
-لا يهم .. تريد عنوان فيليب ؟!
أجابها بنعم فأعطت له عنوان الكافية وأخبرته أنه يسكن داخل العمارة المجاورة ، ثم أنهت معه المكالمة تجز على أسنانها ثم ابتسمت بانتصار قائلة :

-ااتمنى لك انتقام سعيد ايها الحقير
ثم دخلت وبدلت ثيابها مستعدة لذهاب حفل زفاف جان ، وبعد دقائق خرج جوزيف يمسح على شعره المبلل ، ثم دلف إلى الغرفة وبدل ثيابه ، ثم خرج و وقف أمام المرآة ينظر إلى نفسه بنظرة عتاب على ما فعله مع صديقة اليوم ، ثم أطرق عيناه بخجل واضح من نفسه ، ثم مشط شعره و وضع عطره ، ثم التفت ليجد جين جالسة على حافة الفراش ترتدي حذائها بصعوبة ، فاقترب منها وجلس على ركبتيه ليساعدها على ارتداء الحذاء ..

فرفعت رأسها تنظر إليه بحزن واضح وتلألأت الدموع داخل عيناها ، تفكر إذا علم بأن هي من ارسلت الورقة إلى فيليب ماذا سيفعل معها ؟! ، سيفعل مثلما فعل مع صديقة ؟ ، وعندما وصلت فكرت في الانفصال شعرت بألم في قلبها وصدرها ، فرفعت يدها تضعها على صدرها تضغط عليه بقوة ، بعد أن انتهى رفع رأسه ينظر إليها مقطب جبينه ولمح دموعها فوضع يده على وجنتها متسائلا بقلق :
-ما بكِ ؟! .. لما الدموع ؟!
مسحت أسفل جفن عيناها وتذكرت حديثه عن جان لتجيب على الفور :
-لا شيء .. فقط حزينة من أجل جان و أديل
أبتسم ابتسامة خفيفة ثم قبلها على جبينها بحنان وانهضها وهو يقول :
-لن نستطيع تغير القدر يا جين

ثم أحاط خصرها وخرجوا من المنزل بأكمله ، ثم استقلت معه السيارة واتجه نحو العنوان الذي أخبره جان به
***
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي