الجزء الاول
" أرجوك توقف !
دعني وشأني، قلت لك ألف مرة لا أود الزواج من ذلك الرجل، كم مرة على تكرار هذا؟ "
قلت بصوت مبحوح، بينما كان يجرني أخي الأكبر سام عبر ممرات القصر.
" فلتصمتي و إلا دفنتك هنا في أرضك هذه و لن يعلم
بوجودك أحد"
صرخ سام في وجهي، محكما قبضته على شعري يسحبني دون مبالاة لدموعي و قهري، هنا صوت السيدات لا يسمع حقهن مهضوم و حياتهن ظلمات ما بعدها أخر.
" ستندم كثيرا يا أخي، أقسم أنكم سوف تعاقبون لن
تفلتوا بفعلتكم، أنا لن أسامحكم"
صرخت في وجهه محاولة الإفلات منه لكن بلا فائدة، فهو الأقوى و الأشد بطشاً.
وقف أمام غرفة اعتادت أخواتي على التزين والتبرج فيها، بعنف رماني سام على الأرض، عدل من ثوبه و حدق مطولاً في الخادمة التي كانت تقف محاذاة الباب، و التي بدورها فهمت إشارته و انحنت أمامه مبدية إحتراماً و تقدير لحضرته، فهو الوريث الأول و القائد المستقبلي للعشيرة.
خرج سام من الغرفة و تركني أمقط حظي العاثر، مرت بضع دقائق وقد بدأت الخادمة خلالها بتجهيزي لعرس هو بالنسبة لي كالجحيم و ربما أشد لا أدري ماذا علي أن أفعل؟
القصر محاط بالحراس من كل الجهات، بالإضافة إلي أن جنود أمير الممالك السفلي لا حصر لهم و لا أدرك حجم قوتهم وقدراتهم . حتما ستكون فكرة غبية إن حاولت الهرب.
" ما نفع المجوهرات و الحفل الموسيقي ؟
و العروس ليست راضية بالزفاف، أي حياة تلك التي تجبرك على فعل ما لا ترغب به، بحقهم أنا التي سوف تكمل كل ثانية و دقيقة مع ذلك الرجل و لا أحد آخر، كم وددت الموت حينها بكل ثانية تمر أمقت حظي"
قلت بينما خفضت رأسي للأسفل محكمة القبضة على ثوبي.
" سيدتي ، انظري لقد إنتهيت ، سمعت أن الأمير شاب وسيم، يقولون أنه مختلف عن بقية أسلافه، أنت محظوظة"
تمتمت تلك الخادمة لا أدري ما مقصدها بقولها إنه مختلف، كل ما أعلمه أنني لا أريد هذا المصير كنت أبكي بحرقة.
لم يمضي سوى ساعات إلا وقد دخل على الغرفة أبي، ذلك الرجل سبعيني العمر، ذا الشعر الأشقر وعينين كغروب الشمس معانقة رمادي السحب، حدق بي أبي بإشمئزاز و بغض، لطالما لم أكن المفضلة عنده، كنت في نظره تلك الخطيئة.
" اسمعيني يا تارا و احفظي كلماتي هذه جيداً"
قال أبي بيننا إقترب نحوي ممسكاً عصاه التي إعتاد على ضربي بها عندما كنت في عمر العاشرة.
"أبي أنا ..."
همست مخفضة رأسي محاولة رفع عيناي لأراه دون أن يرى دموعي وتورم وجهي، بيد أنه لن يبالي بحالي الرثة .
" اصمتي!
سوف تتزوجين أمير المملكة السفلية، ولا نقاش في هذا، لا أعلم لما إختارت الآلهة فتاة مثلك لا نفع لها لتنقذنا من الخطر المحتوم، على كل حال سوف تأتي الوصيفات لأخذك قريباً، لا أود مشاكل و دراما في حفل الزفاف يا أكبر مصيبة ابتليت بها"
قال أبي بقسوة، كلماته تلك وقعت كالسهام على فؤادي المسكين، فأجهشت بالبكاء كما لم أفعل من قبل، فلا شيء أجيده في نظره غير ذلك، من نظرات أبي علمت أنه لا مفر لي إلا بالخضوع و قبول هذا الواقع المرير.
" إن الخطأ كله يقع عليك يا أمير مملكة الضوء، ألم تقل أنك تحبني و أنك ستأتي في ربيع هذا العام لأخذي لنتزوج و نعيش حياة سخية بعيداً عن كل هذا العذاب أين أنت من كلماتك ووعودك ؟ أكرهكم جميعاً، أليس هنالك أحد في هذا العالم صادق و يحبني؟ هل أنا حقا نكرة؟!"
قلت محاورة نفسي في حسرة و يأس، لا أتمنى هذا الموقف لأي فتاة على وجه الكون.
عشيرتي تسمى عبق الربيع، لطالما اشتهرت بجمال نسائها و تفردها عن باقي نساء الممالك الأخرى ، كانت هذه إحدى الأسباب التي جعلت العديد من الرجال، أمراء كانوا أو مجرد خدم يبغون محاولة كسب قلب إحداهن وبذل المستطاع لنيلهن.
تقدس الآلهة طهارة فتياتنا، فكل خمسون عاما يتم التضحية بإحدى بنات زعيم عشيرتنا، لحفظ التوازن في عالمنا، فكانوا يجبرونها على الزواج من وريث ممالك العالم السفلى لضمان التوازن و السلام كما يزعمون.
إن لم يطبقوا الطقوس ستندلع الحرب من جديد، الكل قلق بشأن مصير العشيرة فالوريث الجديد الممالك العالم السفلي غريب الأطوار، تقول الشائعات أنه لا يرحم يسفك الدماء، متوحش قلبه من حجر.
من يبالي بكل هذة الأقاويل، ففي الأصل تدمرت حياتي منذ نعومة أظافري لن يعنى لي المستقبل أي شيء يذكر.
فتح باب الغرفة فجأة التفت خلفي بسرعة، الرياح كانت قوية طار الشال الذي يغطى رأسي، كان يقف أمامي رجل مفتول العضلات ذا هيبة شعره كسواد الليل، لديه عينان حادتان، بلون الرماد، بشعر أسود طويل يتدلى على كتفيه، إقترب منه رجلان أحدهما وزير أبي كيسانور.
"عذراً سموك و لكن العادات، تقتضي عدم رؤيتك للعروس قبل إتمام مراسم الزفاف"
قال كيسانور بصوت منخفض خائف لم أعهده على تلك الحال مسبقا.
" كيف تجرأ على قول ماذا على الأمير فعله، أيها..."
قال الرجل الأخر ممسكا بقميص كيسانور كان على وشك ضربه.
" كلاكما إخراجا"
قال الأمير بصوت هادئ و مخيف جداً، لم أستطع إشاحة نظري عنه، لم أرى رجلا بمثل ملامحه، خرج كيسانور وخادم الأمير للخارج و أوصدا الباب خلفهما، أحسست و كأن قلبي سيخرج من مكانه من فرط سرعة النبضات، لقد كان هو يحدق بي ، لم أتحمل نظراته، نظرت نحو الأرض، إقترب مني ببطء، و أمسك بيدي.
" لا تخافي سيكون كل شيء بخير، فأنا هنا لأجلك"
قال الأمير بصوته الهادئ.
" أممم... ما ماذا"
أنا قلت بنبرة متقطع تبسم الأمير، ثم أخرج من جيبه عقد قرمزياً، ألبسني إياه أبدو ضئيلة جداً حينما يقف هو بقربي، أنفاسي تكاد تنقطع، لديه رائحة كالمسك ممزوجة بعبق الفل، رجعت خطوة للوراء بسرعة.
"ما هذا الشعور الغير مفهوم؟
لما أنا متوترة و خائفة لهذة الدرجة؟"
أنا قلت في نفسي.
" ألإنه ضخم جداً؟"
همست ثم نظرت ببطء إلى الأمير الذي اكتشفت أن له إبتسامة حنونة، وضعت يدي على فاهي، و إلتفت صوب الجهة الأخرى.
" آسف إن أخفتك، كنت أموت شوقاً للقائك فلا تتأخري سأكون بإنتظارك"
قال الأمير ثم رحل و تركني أتخبط بمشاعر لم أجد لها مسمى.
"لما لا أستطيع إخراجه من عقلي ؟
لازلت أفكر به هل أنا حمقاء؟"
قلت بعد أن صفعت نفسي بقوة و جلست على الكرسي، أحدق بحزن الي القلادة التي ألبسني إياها، فكرت عدت مرات بخلعها و رميها بعيداً، خطر في بالي التخلص من نفسي، لكن لم أستطع لأنني ضعيفة من الداخل مشتتة، لا فائدة ترجى مني.
دخلت علي الوظيفتان إنحنتا ثم قالت إحداهما:
" سيدتي تفضلي معنا، نحن من حاشية الأمير، سنرافقك
إلى قاعة الحفل"
نظرت باكتئاب وحزن كنت أرجو بيأس ، لعل أحدهم يستطيع أن ينجدني من هذة الورطة، أسير بكل خطوة تليها الأخرى الي قدري المشؤوم.
في الساحة العظمى حيث سيقام مراسم الزفاف أقف الأن بقربه لذلك الأمير رمادي العينين، حتى إسمه لا أعرفه أي لعبة يلعبها القدر معي، أنا لا أفقه عن حياته أو طباعه أي شيء مطلقاً، كان الحشد ضخماً يهتفون فرحا بخوف ممزوج من أن يعكر صفو هذه الطقوس ما يحمد عقباه.
" أتقبل بإبنة زعيم عشيرة عبق الربيع تارا كروساتو ، زوجة لك و شريكة حياتك الأبدية"
قال كبير عشيرتنا المسؤول عن طقوس الزفاف.
" أنا الوريث الأوحد لمملكة العالم السفلي أقبل بها"
رد الأمير بصوت أجش واضح مختلف عن طريقة تحدثه معي سابقاً ، لقد بدى لي جاداً حيال ما يقوله.
إلتفت إلي كبير العشيرة و قال:
" أتقبلين بأمير مملكة العالم السفلي زوجا لك شريكاً أبدياً"
نظرت إلي أبي الذي كان يحدق بي بتلك النظرات المخيفة إرتبكت كثيراً، توتر و بدأت اتعرق، فجأة أحسست بأن الأمير أحكم قبضته على يدي. نظرت إليه وعيناي تقولان لا أريده بيد أن إبتسامته تلك أدخلت في شيئا من الطمأنينة.
" أتقبلين يا تار بالأمير "
ردد كبير القرية باستغراب وخوف بدى على وجهه، بدأ جميع من في القاعة بالتهامس، أغلقت عيناي تذكرت تهديدات أبي و أخي، مصير عشيرتي، و قلت بصوت عال:
" نعم أنا تارا إبنة زعيم هذة العشيرة أقبل به زوجا"
بالكاد شعرت بأن قدماي ستحمل ثقل جسدي و كاهلي.
نظرت إلي الأمير الذي كان على وشك أن ينفجر ضاحكاً، إقترب مني و همس في أذني قائلا:
"مبارك فقد أصبحتي زوجتي يا تارا"
شعرت بأن الجو أصبح أكثر حراً، كيف يمكنه تجاهل
ملامح الحزن التي على وجهي و التبسم هكذا، حتي الأحمق سيلاحظ ما بي من كرب، أضحيت شاردة الذهن أفكر بما سيحدث لي.
فجأة قاطعني صوت كبيرة العشيرة قائلا:
" بهذا تمت المراسم يمكنك أخذ العروس معك إلي حيث تريد"
نظر الأمير إلي ثم، نزل على ركبتيه و قال كلاما بلغة لم أفهمها أبداً، أظن أنها لغة العالم السفلي، اقتربت إحدى الوصيفات وقالت لي:
" فلتمدي يدك نحوه، هذه هي العادات عندنا"
فعلت كما قالت تماماً، نظر الأمير إلي بعفوية إختفت تعابير الجدية التي كانت على وجهه كلياً، كأنني الأن أنظر إلي شخص آخر، أمسك بيده أحسست بأن طاقة غريبة تسري في داخلي، نظرت إلي يدى إذا بي أرى وشما غريباً عليها.
" هذا هي علامة تدل على أنك أصبحت ملك لي وحدي و لا لأحد غيري، أنت تنتمين إلي بكل شبر و حس فيك، لن أقبل أن أشاركك مع أحد أو أن أراك عابسة هكذا أقسم أنني بالسعادة سأغمرك"
قال الأمير بصوت هادئ رزين، قَبّل يدى ثم نهض والجميع يصفق له و الذهول مرسوم على وجوههم، إنهم لا يدرون ماذا عليهم فعله.
فمنذ ألفي سنة و أكثر لم يتصرف أحد مثل تصرفه، غالبا ما كان أمراء ممالك العالم السفلي يتزوجون فتياتنا، و يطلبون الكثير من النساء جوار عندهم كانوا يبطشون بهن و يعاملوهن كالخدم والرهائن.
كنت أنظر من خلال العربة التي تجرها الخيول خارج جدران قلعة عشيرتي، لم أتخيل أن يوم رحيلي، سيكون بهذ٨ الطريقة و مع هذا الرجل، كان الأمير يركب في المقطورة التي أمامي مباشرة، تأملت ذلك الوشم على يدي و القلادة التي تزين عنقي و بدأت بالبكاء بصوت منخفض فقد خفت كثيراً أن يسمعني، وأتسبب بالمشاكل لعشيرتي.
"لماذا تزوجت الشخص الخاطئ ؟ "
أنا قلت بيأس و فقدان الأمل في الحياة أحسست بتوقف العربة لكن لم أهتم، فليفعلوا ما يريدونه بي لا أحد من أهلي يهتم لأمري فمن يبالي على كل حال.
" أتسمحين لي بالجلوس قربك؟ "
قال الأمير و هو يقف أمام باب العربة، كانت نظراته خلابة.
" أ _ أجل ب _ ب بالطبع"
أجبته بصعوبة محاولة إخفاء دموعي.
"أأنت دائمة البكاء هكذا يا تارا؟"
سأل الأمير بنبره بها حنية، صمت لفترة ثم قلت:
" هذا ليس من شأنك"
إقترب الأمير و جلس على المقعد الذي بجواري.
" أعلم أن هذا يبدوا غريباً، أن تتزوجي شخصاً مجهولاً بطريقة عفى عنها الزمن، وأن تغادري موطنك ربما للأبد، هذة أشياء فظيعة لكنها لا تستحق أن تذرفي دموعك الغالية على لأجلها إنها منذ الأن باتت تخصني"
قال الأمير بينما مسح دموعي.
تذكرت تهديدات والدي وأخي، فصمت محاولة التماسك و عدم البكاء، بالرغم من أنهم ليسوا لطفاء معي لكن لا أستطيع
أن أعاملهم بالمثل، لن أدمر مستقبل عشيرتي بسبب دموعي.
"ك _كيف عرفت أنني أبكي؟"
أنا قلت ممسكة بثوبي بقوة.
" أحسست بك كما أن دموعك كشفت أمرك"
رد هو بإبتسامة تزين وجهه.
" حقا"
أنا قلت ضحك الأمير ثم قال :
" أجل و ماذا ظننت غير ذلك، لن تطول رحلتنا كثيراً، سنصل قريباً الي مملكتي آسف أعني مملكتنا"
" حسنا"
قلت و الحزن يملأ قلبي مرت بضع دقائق أحسست به يجلس بجواري، أحاطني بذراعيه، ربت على رأسي ثم قال:
" سيكون كل شيء بخير"
كيف له أن يكون بهذة الرقة، أين الوحشية و برود الأعصاب التي وصف بها، لم أستطع أن أقاوم و أبتعد عنه فتكون العواقب وخيمة، أظن أنني غفوت و أنا بين أحضانه.
فتحت عيناي بصعوبة، نظرت حولي المكان مختلف و مبهرج، كانت الغرفة كبيرة وواسعة. بها كل الذي لم تره عيني من أثاث و تصاميم فائقه الجمال.
" أين أنا؟"
سألت نفسي بينما حاولت النهوض من السرير ناعم الملمس. سررت بتكاسل نحو النافذة .
" أهذه مملكة العالم السفلي؟"
أنا سألت بصوت عالي.
" أجل يا عزيزتي تارا، من اليوم ستكون هذه مملكتك وبيتك و ملاذك يا ملاذي الأوحد"
قال الأمير إلتفت بسرعة لأراه.
" آسفة"
قلت له بصوت منخفض
تقدم نحوي وقال:
" تصدقين أنك كنت نائمة لأكثر من يوم و نصفه"
" مستحيل هذا!
أنا غالباً لا أنام كثيراً، إلا إذا قمت
بصناعة المجوهرات"
قلت بصوت عالياً، ثم أغلقت فمي بسرعة.
" لا تقلقي يمكنك قول ما تشائين لي، أنت الآن زوجتي يا تارا سأحرص على الاستماع جيدا"
قال الأمير ثم اتجه إلى خزانة مليئة بالكثير من الثياب التي
تبدو غالية.
" بالمناسبة يا تارا من يكون يوكي؟
لقد كنت ترددين بإسمه أثناء نومك"
قال الأمير بينما بدأ بتبديل ثيابه أمامي، أسرعت و إلتفت للجهة المعاكسة، كيف يمكنه أن يبدل ثيابه و أنا لا أزال بالغرفة.
" يوكي هو..."
قبل أن أكمل حديثي، طرق أحدهم الباب بقوة واستمرارية، فتح الأمير الباب فدخلت فتاة في مثل عمري، ركضت
نحوي، كانت جميلة شعرها بني يميل للسواد، بشرتها بيضاء كالثلج.
" سمعت أنك إستيقظت، فلم أستطع كبح نفسي من أن آتى
وأسلم عليك، أسفة لدخولي بهذة الطريقة، ولكنني كنت
متحمسة لأرى تلك الفتاة التي تزوجها أخي"
قالت تلك الفتاة الحسناء و هي تمسك بيداي و تنظر إلي بفرح.
"آه سررت بلقائك"
أنا قلت.
" إسمي جول دعيني أريك أرجاء القصر هيا فلنذهب في جولة حولة المملكة"
قالت جول بحماس نظرت الي الأمير الذي بدا منزعجا من تصرفاتها، قلت لها:
" حسنا لا مانع عندي إن لم يمانع جلالته"
وضعت جول يدها على جبيني وقالت:
" أنت لست مريضة، لم تتصرفين بتوتر هكذا، هل أخافك
أخي؟ هل كان يهددك أو يزعجك بشيء"
" جول !
دعي تارا ترتاح قليلاً، انظري إليها!
حتى أنها لم تتناول الطعام منذ صباح البارحة، كما أنها ستكون هنا دائماً، يمكنكما الذهاب في وقت لاحق و فعل ما تريدان"
قال الأمير بنبرة من التأنيب .
" أخ غبي، سأذهب لكن لا تقلقي يا تارا سأعود و سنمرح كثيراً"
قالت جول ثم خرجت من الغرفة بسرعة.
" آسف بشأن تصرفات أختي الصغرى، هي دائما هكذا ، لا تفكر "
قال الأمير.
" لا بأس تبدو لطيفة"
أنا قلت
" سأجلب لك الطعام، اعتبري الغرفة ملك لك"
قال الأمير ثم خرج، يا إلهي لم يعاملني أحد بهذا اللطف من قبل حتى حب حياتي يوكي، تفتلت في الغرفة فقد أعجبني تصميمها، اللوحات الفنية المعلقة.
التماثيل و الزخارف على الجدران، السجاد و كل الأثاث يبدوا خلابا يبعث الراحة للنفس، وجدت بجانب السرير، ثوب أظنه لي، كانت معه بعض المجوهرات، ذهبت لأخذ حمام و لتبديل ثيابي.
عندما خرجت وجدت الأمير جالس على الكرسي، و على
الطاولة الكثير من الطعام الشهي، عندما يبتل شعري بالماء يتحول لونه من الأشقر الفاتح إلى الأبيض رمادي اللون، عاد التوتر من جديد، نبضات قلبي غير منتظمة لا أدري ما يجري لي.
" أيها الأمير هذه أنا تارا"
أنا قلت بصوت منخفض وخجل شديد.
" أعلم أنك تارا فلا أحد غيرنا هنا، أنت فاتنة جداً الثوب يليق بك"
رد الأمير بينما عيناه تتفحص منحنيات جسدي .
" بالمناسبة ما خطب شعرك؟"
همس هو
"
اووه !
هذا شعري، إنه يتحول لهذا اللون كلما تبلل بالماء"
أنا قلت له بسرعة تقدم نحوي، كنت أرجع بضع خطوات للوراء كلما إقترب إلى أن التصقت بالحائط .
" لا أريد أن أرى شيئا غير ملامحك اللطيفة هذة لوقت أطول"
قال الأمير.
" إنظر، إن الطعام سيبرد، أنا أنا ج _ج ... جائعة"
قلت له بصعوبة، فقد كان قريباً جدا مني، توقف يا فؤادي
عن الضجيج.
" اه صحيح!
آسف كدت أنسى أنك لم تتناولي شيئاً، هيا تعالي "
قال الامير ثم إبتعد عني وأمسك بيدي حتى جلسنا على
الطاولة.
بدأت بتناول الطعام إنه شهي جداً أعجبني، نسيت تواجد الأمير بقربي، و بدأت الأكل بسرعة و بنهم كأنني لم أتناول الطعام لعدة أيام . انتبهت لتصرفي غير اللائق فنظرت الي الأمير فقلت له:
" لماذا تنظر إلي هكذا؟
لا تتوقع مني أن أتصرف بلباقة كباقي الفتيات "
ضحك الأمير كثيراً.
" أنت حقا مميزة تعجبينني "
قال الأمير بلطف، شعرت وكأن كلماته لامست جزء من قلبي كانت تلك المرة الأولى التي يخبرني أحدهم أنني أعجبه.
أنتهيت جميع الأطباق كلها وحدي، نظرت إلى الأمير الذي كان طيلة الوقت يراقبني بصمت.
" أنت لا تعرفين إسمي أصحيح هذا؟"
سأل الأمير بلطف فائف.
" أنا أنا حقا، أنا... لا أعلم"
قلت في خجل.
" أدعى يوهريك"
رد الأمير
" ياله من إسم !
أتمانع لو ناديتك ب يوه"
أنا قلت
تبسم الأمير ثم قل:
" يمكنك مناداتي بما تريدين يا عزيزتي، سأترك تكملين
تجهيز نفسك، سأرسل إليك الفتيات ليساعدك"
خرج يوه وجلست أمام المرآة أنظر إلى ثيابي الجديدة أتأملها و أتحسس خامتها، نادرة ما كان أبي يجلب لي فساتين رائعة.
"أحقا هذا حقيقي !"
جهزت نفسي بمساعدة الفتيات و نزلت الي حيث يوجد يوه، الذي لم يزح نظره عني مطلقاً، لقد كان يحدق بي بغرابة، جلست على الكرسي الذي بقربه، كان جميع من في القاعة ينظر إلي.
" عزيزتي تارا أخبريني إن أزعجك اي شيء أو شخص
هنا لا تخافي أنا معك"
قال يوه.
نظرت الى القاعة التي تصميمها مختلف عن تلك التي في
موطني.
" سيداتي سادتي، فلترحبوا بوريث حاكم الممالك السفلية
و قاهر الجبابرة جلالة الملك يوهريك وان "
قال أحدهم بصوت عالي، ثم عزفت الموسيقي و صفق
الجميع لنا، لم أحلم قط أنني قد أصبح ملكة في حياتي أبداً.
تقدم حشد وافر من الأشخاص بالتوالي يهنوننا على زفافنا، و يقدمون الهدايا لنا، كان يوه يبدو سعيداً بهذا الزفاف على عكسي و لكن لا مفر بإخباره بأنني أرفض هذا الزفاف رغم أنه لم يؤذني قط و لو بكلمة، فأنا بالحقيقة أحب شخص آخر و لم أستطع نسيانه رغم أنه لم يفي بوعده لي، نظرت الي يوه تأملت ملامحهه، إنتبه هو أنني أحدق
به فتبسم بابتسامته الساحرة، و قال:
" فلترقصي معي"
" مهلا ماذا؟
أنا لا أجيد الرقص ، لم أرقص مع أحد من قبل!"
أنا قلت بتوتر.
"لا بأس عزيزتي سأعلمك، انظري إلي فقط"
رد يوه، بينما بدأت الطبول تطرق، و العازفون شرعوا في عزف ألحان رقيقة تلامس الوجدان، الساحة أصبحت خالية كل الأنظار مسلطة علينا، كنت متوترة و خائفة، مسك يوه بيدي كانت عيناه جملتين.
دعني وشأني، قلت لك ألف مرة لا أود الزواج من ذلك الرجل، كم مرة على تكرار هذا؟ "
قلت بصوت مبحوح، بينما كان يجرني أخي الأكبر سام عبر ممرات القصر.
" فلتصمتي و إلا دفنتك هنا في أرضك هذه و لن يعلم
بوجودك أحد"
صرخ سام في وجهي، محكما قبضته على شعري يسحبني دون مبالاة لدموعي و قهري، هنا صوت السيدات لا يسمع حقهن مهضوم و حياتهن ظلمات ما بعدها أخر.
" ستندم كثيرا يا أخي، أقسم أنكم سوف تعاقبون لن
تفلتوا بفعلتكم، أنا لن أسامحكم"
صرخت في وجهه محاولة الإفلات منه لكن بلا فائدة، فهو الأقوى و الأشد بطشاً.
وقف أمام غرفة اعتادت أخواتي على التزين والتبرج فيها، بعنف رماني سام على الأرض، عدل من ثوبه و حدق مطولاً في الخادمة التي كانت تقف محاذاة الباب، و التي بدورها فهمت إشارته و انحنت أمامه مبدية إحتراماً و تقدير لحضرته، فهو الوريث الأول و القائد المستقبلي للعشيرة.
خرج سام من الغرفة و تركني أمقط حظي العاثر، مرت بضع دقائق وقد بدأت الخادمة خلالها بتجهيزي لعرس هو بالنسبة لي كالجحيم و ربما أشد لا أدري ماذا علي أن أفعل؟
القصر محاط بالحراس من كل الجهات، بالإضافة إلي أن جنود أمير الممالك السفلي لا حصر لهم و لا أدرك حجم قوتهم وقدراتهم . حتما ستكون فكرة غبية إن حاولت الهرب.
" ما نفع المجوهرات و الحفل الموسيقي ؟
و العروس ليست راضية بالزفاف، أي حياة تلك التي تجبرك على فعل ما لا ترغب به، بحقهم أنا التي سوف تكمل كل ثانية و دقيقة مع ذلك الرجل و لا أحد آخر، كم وددت الموت حينها بكل ثانية تمر أمقت حظي"
قلت بينما خفضت رأسي للأسفل محكمة القبضة على ثوبي.
" سيدتي ، انظري لقد إنتهيت ، سمعت أن الأمير شاب وسيم، يقولون أنه مختلف عن بقية أسلافه، أنت محظوظة"
تمتمت تلك الخادمة لا أدري ما مقصدها بقولها إنه مختلف، كل ما أعلمه أنني لا أريد هذا المصير كنت أبكي بحرقة.
لم يمضي سوى ساعات إلا وقد دخل على الغرفة أبي، ذلك الرجل سبعيني العمر، ذا الشعر الأشقر وعينين كغروب الشمس معانقة رمادي السحب، حدق بي أبي بإشمئزاز و بغض، لطالما لم أكن المفضلة عنده، كنت في نظره تلك الخطيئة.
" اسمعيني يا تارا و احفظي كلماتي هذه جيداً"
قال أبي بيننا إقترب نحوي ممسكاً عصاه التي إعتاد على ضربي بها عندما كنت في عمر العاشرة.
"أبي أنا ..."
همست مخفضة رأسي محاولة رفع عيناي لأراه دون أن يرى دموعي وتورم وجهي، بيد أنه لن يبالي بحالي الرثة .
" اصمتي!
سوف تتزوجين أمير المملكة السفلية، ولا نقاش في هذا، لا أعلم لما إختارت الآلهة فتاة مثلك لا نفع لها لتنقذنا من الخطر المحتوم، على كل حال سوف تأتي الوصيفات لأخذك قريباً، لا أود مشاكل و دراما في حفل الزفاف يا أكبر مصيبة ابتليت بها"
قال أبي بقسوة، كلماته تلك وقعت كالسهام على فؤادي المسكين، فأجهشت بالبكاء كما لم أفعل من قبل، فلا شيء أجيده في نظره غير ذلك، من نظرات أبي علمت أنه لا مفر لي إلا بالخضوع و قبول هذا الواقع المرير.
" إن الخطأ كله يقع عليك يا أمير مملكة الضوء، ألم تقل أنك تحبني و أنك ستأتي في ربيع هذا العام لأخذي لنتزوج و نعيش حياة سخية بعيداً عن كل هذا العذاب أين أنت من كلماتك ووعودك ؟ أكرهكم جميعاً، أليس هنالك أحد في هذا العالم صادق و يحبني؟ هل أنا حقا نكرة؟!"
قلت محاورة نفسي في حسرة و يأس، لا أتمنى هذا الموقف لأي فتاة على وجه الكون.
عشيرتي تسمى عبق الربيع، لطالما اشتهرت بجمال نسائها و تفردها عن باقي نساء الممالك الأخرى ، كانت هذه إحدى الأسباب التي جعلت العديد من الرجال، أمراء كانوا أو مجرد خدم يبغون محاولة كسب قلب إحداهن وبذل المستطاع لنيلهن.
تقدس الآلهة طهارة فتياتنا، فكل خمسون عاما يتم التضحية بإحدى بنات زعيم عشيرتنا، لحفظ التوازن في عالمنا، فكانوا يجبرونها على الزواج من وريث ممالك العالم السفلى لضمان التوازن و السلام كما يزعمون.
إن لم يطبقوا الطقوس ستندلع الحرب من جديد، الكل قلق بشأن مصير العشيرة فالوريث الجديد الممالك العالم السفلي غريب الأطوار، تقول الشائعات أنه لا يرحم يسفك الدماء، متوحش قلبه من حجر.
من يبالي بكل هذة الأقاويل، ففي الأصل تدمرت حياتي منذ نعومة أظافري لن يعنى لي المستقبل أي شيء يذكر.
فتح باب الغرفة فجأة التفت خلفي بسرعة، الرياح كانت قوية طار الشال الذي يغطى رأسي، كان يقف أمامي رجل مفتول العضلات ذا هيبة شعره كسواد الليل، لديه عينان حادتان، بلون الرماد، بشعر أسود طويل يتدلى على كتفيه، إقترب منه رجلان أحدهما وزير أبي كيسانور.
"عذراً سموك و لكن العادات، تقتضي عدم رؤيتك للعروس قبل إتمام مراسم الزفاف"
قال كيسانور بصوت منخفض خائف لم أعهده على تلك الحال مسبقا.
" كيف تجرأ على قول ماذا على الأمير فعله، أيها..."
قال الرجل الأخر ممسكا بقميص كيسانور كان على وشك ضربه.
" كلاكما إخراجا"
قال الأمير بصوت هادئ و مخيف جداً، لم أستطع إشاحة نظري عنه، لم أرى رجلا بمثل ملامحه، خرج كيسانور وخادم الأمير للخارج و أوصدا الباب خلفهما، أحسست و كأن قلبي سيخرج من مكانه من فرط سرعة النبضات، لقد كان هو يحدق بي ، لم أتحمل نظراته، نظرت نحو الأرض، إقترب مني ببطء، و أمسك بيدي.
" لا تخافي سيكون كل شيء بخير، فأنا هنا لأجلك"
قال الأمير بصوته الهادئ.
" أممم... ما ماذا"
أنا قلت بنبرة متقطع تبسم الأمير، ثم أخرج من جيبه عقد قرمزياً، ألبسني إياه أبدو ضئيلة جداً حينما يقف هو بقربي، أنفاسي تكاد تنقطع، لديه رائحة كالمسك ممزوجة بعبق الفل، رجعت خطوة للوراء بسرعة.
"ما هذا الشعور الغير مفهوم؟
لما أنا متوترة و خائفة لهذة الدرجة؟"
أنا قلت في نفسي.
" ألإنه ضخم جداً؟"
همست ثم نظرت ببطء إلى الأمير الذي اكتشفت أن له إبتسامة حنونة، وضعت يدي على فاهي، و إلتفت صوب الجهة الأخرى.
" آسف إن أخفتك، كنت أموت شوقاً للقائك فلا تتأخري سأكون بإنتظارك"
قال الأمير ثم رحل و تركني أتخبط بمشاعر لم أجد لها مسمى.
"لما لا أستطيع إخراجه من عقلي ؟
لازلت أفكر به هل أنا حمقاء؟"
قلت بعد أن صفعت نفسي بقوة و جلست على الكرسي، أحدق بحزن الي القلادة التي ألبسني إياها، فكرت عدت مرات بخلعها و رميها بعيداً، خطر في بالي التخلص من نفسي، لكن لم أستطع لأنني ضعيفة من الداخل مشتتة، لا فائدة ترجى مني.
دخلت علي الوظيفتان إنحنتا ثم قالت إحداهما:
" سيدتي تفضلي معنا، نحن من حاشية الأمير، سنرافقك
إلى قاعة الحفل"
نظرت باكتئاب وحزن كنت أرجو بيأس ، لعل أحدهم يستطيع أن ينجدني من هذة الورطة، أسير بكل خطوة تليها الأخرى الي قدري المشؤوم.
في الساحة العظمى حيث سيقام مراسم الزفاف أقف الأن بقربه لذلك الأمير رمادي العينين، حتى إسمه لا أعرفه أي لعبة يلعبها القدر معي، أنا لا أفقه عن حياته أو طباعه أي شيء مطلقاً، كان الحشد ضخماً يهتفون فرحا بخوف ممزوج من أن يعكر صفو هذه الطقوس ما يحمد عقباه.
" أتقبل بإبنة زعيم عشيرة عبق الربيع تارا كروساتو ، زوجة لك و شريكة حياتك الأبدية"
قال كبير عشيرتنا المسؤول عن طقوس الزفاف.
" أنا الوريث الأوحد لمملكة العالم السفلي أقبل بها"
رد الأمير بصوت أجش واضح مختلف عن طريقة تحدثه معي سابقاً ، لقد بدى لي جاداً حيال ما يقوله.
إلتفت إلي كبير العشيرة و قال:
" أتقبلين بأمير مملكة العالم السفلي زوجا لك شريكاً أبدياً"
نظرت إلي أبي الذي كان يحدق بي بتلك النظرات المخيفة إرتبكت كثيراً، توتر و بدأت اتعرق، فجأة أحسست بأن الأمير أحكم قبضته على يدي. نظرت إليه وعيناي تقولان لا أريده بيد أن إبتسامته تلك أدخلت في شيئا من الطمأنينة.
" أتقبلين يا تار بالأمير "
ردد كبير القرية باستغراب وخوف بدى على وجهه، بدأ جميع من في القاعة بالتهامس، أغلقت عيناي تذكرت تهديدات أبي و أخي، مصير عشيرتي، و قلت بصوت عال:
" نعم أنا تارا إبنة زعيم هذة العشيرة أقبل به زوجا"
بالكاد شعرت بأن قدماي ستحمل ثقل جسدي و كاهلي.
نظرت إلي الأمير الذي كان على وشك أن ينفجر ضاحكاً، إقترب مني و همس في أذني قائلا:
"مبارك فقد أصبحتي زوجتي يا تارا"
شعرت بأن الجو أصبح أكثر حراً، كيف يمكنه تجاهل
ملامح الحزن التي على وجهي و التبسم هكذا، حتي الأحمق سيلاحظ ما بي من كرب، أضحيت شاردة الذهن أفكر بما سيحدث لي.
فجأة قاطعني صوت كبيرة العشيرة قائلا:
" بهذا تمت المراسم يمكنك أخذ العروس معك إلي حيث تريد"
نظر الأمير إلي ثم، نزل على ركبتيه و قال كلاما بلغة لم أفهمها أبداً، أظن أنها لغة العالم السفلي، اقتربت إحدى الوصيفات وقالت لي:
" فلتمدي يدك نحوه، هذه هي العادات عندنا"
فعلت كما قالت تماماً، نظر الأمير إلي بعفوية إختفت تعابير الجدية التي كانت على وجهه كلياً، كأنني الأن أنظر إلي شخص آخر، أمسك بيده أحسست بأن طاقة غريبة تسري في داخلي، نظرت إلي يدى إذا بي أرى وشما غريباً عليها.
" هذا هي علامة تدل على أنك أصبحت ملك لي وحدي و لا لأحد غيري، أنت تنتمين إلي بكل شبر و حس فيك، لن أقبل أن أشاركك مع أحد أو أن أراك عابسة هكذا أقسم أنني بالسعادة سأغمرك"
قال الأمير بصوت هادئ رزين، قَبّل يدى ثم نهض والجميع يصفق له و الذهول مرسوم على وجوههم، إنهم لا يدرون ماذا عليهم فعله.
فمنذ ألفي سنة و أكثر لم يتصرف أحد مثل تصرفه، غالبا ما كان أمراء ممالك العالم السفلي يتزوجون فتياتنا، و يطلبون الكثير من النساء جوار عندهم كانوا يبطشون بهن و يعاملوهن كالخدم والرهائن.
كنت أنظر من خلال العربة التي تجرها الخيول خارج جدران قلعة عشيرتي، لم أتخيل أن يوم رحيلي، سيكون بهذ٨ الطريقة و مع هذا الرجل، كان الأمير يركب في المقطورة التي أمامي مباشرة، تأملت ذلك الوشم على يدي و القلادة التي تزين عنقي و بدأت بالبكاء بصوت منخفض فقد خفت كثيراً أن يسمعني، وأتسبب بالمشاكل لعشيرتي.
"لماذا تزوجت الشخص الخاطئ ؟ "
أنا قلت بيأس و فقدان الأمل في الحياة أحسست بتوقف العربة لكن لم أهتم، فليفعلوا ما يريدونه بي لا أحد من أهلي يهتم لأمري فمن يبالي على كل حال.
" أتسمحين لي بالجلوس قربك؟ "
قال الأمير و هو يقف أمام باب العربة، كانت نظراته خلابة.
" أ _ أجل ب _ ب بالطبع"
أجبته بصعوبة محاولة إخفاء دموعي.
"أأنت دائمة البكاء هكذا يا تارا؟"
سأل الأمير بنبره بها حنية، صمت لفترة ثم قلت:
" هذا ليس من شأنك"
إقترب الأمير و جلس على المقعد الذي بجواري.
" أعلم أن هذا يبدوا غريباً، أن تتزوجي شخصاً مجهولاً بطريقة عفى عنها الزمن، وأن تغادري موطنك ربما للأبد، هذة أشياء فظيعة لكنها لا تستحق أن تذرفي دموعك الغالية على لأجلها إنها منذ الأن باتت تخصني"
قال الأمير بينما مسح دموعي.
تذكرت تهديدات والدي وأخي، فصمت محاولة التماسك و عدم البكاء، بالرغم من أنهم ليسوا لطفاء معي لكن لا أستطيع
أن أعاملهم بالمثل، لن أدمر مستقبل عشيرتي بسبب دموعي.
"ك _كيف عرفت أنني أبكي؟"
أنا قلت ممسكة بثوبي بقوة.
" أحسست بك كما أن دموعك كشفت أمرك"
رد هو بإبتسامة تزين وجهه.
" حقا"
أنا قلت ضحك الأمير ثم قال :
" أجل و ماذا ظننت غير ذلك، لن تطول رحلتنا كثيراً، سنصل قريباً الي مملكتي آسف أعني مملكتنا"
" حسنا"
قلت و الحزن يملأ قلبي مرت بضع دقائق أحسست به يجلس بجواري، أحاطني بذراعيه، ربت على رأسي ثم قال:
" سيكون كل شيء بخير"
كيف له أن يكون بهذة الرقة، أين الوحشية و برود الأعصاب التي وصف بها، لم أستطع أن أقاوم و أبتعد عنه فتكون العواقب وخيمة، أظن أنني غفوت و أنا بين أحضانه.
فتحت عيناي بصعوبة، نظرت حولي المكان مختلف و مبهرج، كانت الغرفة كبيرة وواسعة. بها كل الذي لم تره عيني من أثاث و تصاميم فائقه الجمال.
" أين أنا؟"
سألت نفسي بينما حاولت النهوض من السرير ناعم الملمس. سررت بتكاسل نحو النافذة .
" أهذه مملكة العالم السفلي؟"
أنا سألت بصوت عالي.
" أجل يا عزيزتي تارا، من اليوم ستكون هذه مملكتك وبيتك و ملاذك يا ملاذي الأوحد"
قال الأمير إلتفت بسرعة لأراه.
" آسفة"
قلت له بصوت منخفض
تقدم نحوي وقال:
" تصدقين أنك كنت نائمة لأكثر من يوم و نصفه"
" مستحيل هذا!
أنا غالباً لا أنام كثيراً، إلا إذا قمت
بصناعة المجوهرات"
قلت بصوت عالياً، ثم أغلقت فمي بسرعة.
" لا تقلقي يمكنك قول ما تشائين لي، أنت الآن زوجتي يا تارا سأحرص على الاستماع جيدا"
قال الأمير ثم اتجه إلى خزانة مليئة بالكثير من الثياب التي
تبدو غالية.
" بالمناسبة يا تارا من يكون يوكي؟
لقد كنت ترددين بإسمه أثناء نومك"
قال الأمير بينما بدأ بتبديل ثيابه أمامي، أسرعت و إلتفت للجهة المعاكسة، كيف يمكنه أن يبدل ثيابه و أنا لا أزال بالغرفة.
" يوكي هو..."
قبل أن أكمل حديثي، طرق أحدهم الباب بقوة واستمرارية، فتح الأمير الباب فدخلت فتاة في مثل عمري، ركضت
نحوي، كانت جميلة شعرها بني يميل للسواد، بشرتها بيضاء كالثلج.
" سمعت أنك إستيقظت، فلم أستطع كبح نفسي من أن آتى
وأسلم عليك، أسفة لدخولي بهذة الطريقة، ولكنني كنت
متحمسة لأرى تلك الفتاة التي تزوجها أخي"
قالت تلك الفتاة الحسناء و هي تمسك بيداي و تنظر إلي بفرح.
"آه سررت بلقائك"
أنا قلت.
" إسمي جول دعيني أريك أرجاء القصر هيا فلنذهب في جولة حولة المملكة"
قالت جول بحماس نظرت الي الأمير الذي بدا منزعجا من تصرفاتها، قلت لها:
" حسنا لا مانع عندي إن لم يمانع جلالته"
وضعت جول يدها على جبيني وقالت:
" أنت لست مريضة، لم تتصرفين بتوتر هكذا، هل أخافك
أخي؟ هل كان يهددك أو يزعجك بشيء"
" جول !
دعي تارا ترتاح قليلاً، انظري إليها!
حتى أنها لم تتناول الطعام منذ صباح البارحة، كما أنها ستكون هنا دائماً، يمكنكما الذهاب في وقت لاحق و فعل ما تريدان"
قال الأمير بنبرة من التأنيب .
" أخ غبي، سأذهب لكن لا تقلقي يا تارا سأعود و سنمرح كثيراً"
قالت جول ثم خرجت من الغرفة بسرعة.
" آسف بشأن تصرفات أختي الصغرى، هي دائما هكذا ، لا تفكر "
قال الأمير.
" لا بأس تبدو لطيفة"
أنا قلت
" سأجلب لك الطعام، اعتبري الغرفة ملك لك"
قال الأمير ثم خرج، يا إلهي لم يعاملني أحد بهذا اللطف من قبل حتى حب حياتي يوكي، تفتلت في الغرفة فقد أعجبني تصميمها، اللوحات الفنية المعلقة.
التماثيل و الزخارف على الجدران، السجاد و كل الأثاث يبدوا خلابا يبعث الراحة للنفس، وجدت بجانب السرير، ثوب أظنه لي، كانت معه بعض المجوهرات، ذهبت لأخذ حمام و لتبديل ثيابي.
عندما خرجت وجدت الأمير جالس على الكرسي، و على
الطاولة الكثير من الطعام الشهي، عندما يبتل شعري بالماء يتحول لونه من الأشقر الفاتح إلى الأبيض رمادي اللون، عاد التوتر من جديد، نبضات قلبي غير منتظمة لا أدري ما يجري لي.
" أيها الأمير هذه أنا تارا"
أنا قلت بصوت منخفض وخجل شديد.
" أعلم أنك تارا فلا أحد غيرنا هنا، أنت فاتنة جداً الثوب يليق بك"
رد الأمير بينما عيناه تتفحص منحنيات جسدي .
" بالمناسبة ما خطب شعرك؟"
همس هو
"
اووه !
هذا شعري، إنه يتحول لهذا اللون كلما تبلل بالماء"
أنا قلت له بسرعة تقدم نحوي، كنت أرجع بضع خطوات للوراء كلما إقترب إلى أن التصقت بالحائط .
" لا أريد أن أرى شيئا غير ملامحك اللطيفة هذة لوقت أطول"
قال الأمير.
" إنظر، إن الطعام سيبرد، أنا أنا ج _ج ... جائعة"
قلت له بصعوبة، فقد كان قريباً جدا مني، توقف يا فؤادي
عن الضجيج.
" اه صحيح!
آسف كدت أنسى أنك لم تتناولي شيئاً، هيا تعالي "
قال الامير ثم إبتعد عني وأمسك بيدي حتى جلسنا على
الطاولة.
بدأت بتناول الطعام إنه شهي جداً أعجبني، نسيت تواجد الأمير بقربي، و بدأت الأكل بسرعة و بنهم كأنني لم أتناول الطعام لعدة أيام . انتبهت لتصرفي غير اللائق فنظرت الي الأمير فقلت له:
" لماذا تنظر إلي هكذا؟
لا تتوقع مني أن أتصرف بلباقة كباقي الفتيات "
ضحك الأمير كثيراً.
" أنت حقا مميزة تعجبينني "
قال الأمير بلطف، شعرت وكأن كلماته لامست جزء من قلبي كانت تلك المرة الأولى التي يخبرني أحدهم أنني أعجبه.
أنتهيت جميع الأطباق كلها وحدي، نظرت إلى الأمير الذي كان طيلة الوقت يراقبني بصمت.
" أنت لا تعرفين إسمي أصحيح هذا؟"
سأل الأمير بلطف فائف.
" أنا أنا حقا، أنا... لا أعلم"
قلت في خجل.
" أدعى يوهريك"
رد الأمير
" ياله من إسم !
أتمانع لو ناديتك ب يوه"
أنا قلت
تبسم الأمير ثم قل:
" يمكنك مناداتي بما تريدين يا عزيزتي، سأترك تكملين
تجهيز نفسك، سأرسل إليك الفتيات ليساعدك"
خرج يوه وجلست أمام المرآة أنظر إلى ثيابي الجديدة أتأملها و أتحسس خامتها، نادرة ما كان أبي يجلب لي فساتين رائعة.
"أحقا هذا حقيقي !"
جهزت نفسي بمساعدة الفتيات و نزلت الي حيث يوجد يوه، الذي لم يزح نظره عني مطلقاً، لقد كان يحدق بي بغرابة، جلست على الكرسي الذي بقربه، كان جميع من في القاعة ينظر إلي.
" عزيزتي تارا أخبريني إن أزعجك اي شيء أو شخص
هنا لا تخافي أنا معك"
قال يوه.
نظرت الى القاعة التي تصميمها مختلف عن تلك التي في
موطني.
" سيداتي سادتي، فلترحبوا بوريث حاكم الممالك السفلية
و قاهر الجبابرة جلالة الملك يوهريك وان "
قال أحدهم بصوت عالي، ثم عزفت الموسيقي و صفق
الجميع لنا، لم أحلم قط أنني قد أصبح ملكة في حياتي أبداً.
تقدم حشد وافر من الأشخاص بالتوالي يهنوننا على زفافنا، و يقدمون الهدايا لنا، كان يوه يبدو سعيداً بهذا الزفاف على عكسي و لكن لا مفر بإخباره بأنني أرفض هذا الزفاف رغم أنه لم يؤذني قط و لو بكلمة، فأنا بالحقيقة أحب شخص آخر و لم أستطع نسيانه رغم أنه لم يفي بوعده لي، نظرت الي يوه تأملت ملامحهه، إنتبه هو أنني أحدق
به فتبسم بابتسامته الساحرة، و قال:
" فلترقصي معي"
" مهلا ماذا؟
أنا لا أجيد الرقص ، لم أرقص مع أحد من قبل!"
أنا قلت بتوتر.
"لا بأس عزيزتي سأعلمك، انظري إلي فقط"
رد يوه، بينما بدأت الطبول تطرق، و العازفون شرعوا في عزف ألحان رقيقة تلامس الوجدان، الساحة أصبحت خالية كل الأنظار مسلطة علينا، كنت متوترة و خائفة، مسك يوه بيدي كانت عيناه جملتين.