الفصل الثامن والعشرون

جذب الحارس ميسون من ذراعها فوجدها لا تتحرك، نظر إلى رئيس الشرطة وتحدث إليه:
-سيدي، يبدو أنها قد فارقت الحياة.

اقترب  رئيس الشرطة من ميسون، وقام بهزها، لكنه تأكد أنها قد فارقت الحياة.

شعر رئيس الشرطة بالإرتياح وعلق قائلًا:
- ميسون، لعل بموتك يعم السلام المملكة بأكملها.

ما إن وصل نبأ وفاة ميسون إلى الملك سليمان حتى أمر بدفنها ودفن ابنها فارس ثم علق قائلًا:
-لقد بغوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد فنالوا الجزاء الذي يستحقونه.

ثم نظر إلى الوزير فضل الشامي وتحدث إليه قائلًا:
-فضل، أريدك أن تقوم بحصر جميع املاك المنصور وتوزيعها على من لهم حقوقًا اغتصبها منهم لعل هذا يشفع له عند  ربه.

نظر الوزير فضل الشامي إلى الملك وقد بدى عليه التعجب ثم علق قائلًا:
-مولاي، أود أن أعرب لك عن اعجابي الشديد بك وبما تتخذه من قرارت صائبة، لم اتوقع أن يصدر قرارًا كهذا منك على الرغم مما سببه لك المنصور من إذاء ومكائد حتى إنه شرع في قتل ابنك الأمير عزالدين.

ابتسم الملك سليمان ابتسامة رضا ثم علق قائلًا:
-فضل، لم أجد أجمل من الصفح والغفران فهما من صفات الله عز وجل.



وقف الأمير عزالدين في شرفته يتطلع إلى السماء وكأنه يتطلع إلى المجهول، فشوقه للأميرة آيلا كاد أن يفتك بقلبه، ولهيب الحب المشتعل بداخله جعله لا يطيق الابتعاد عنها.

وقف الأمير عزالدين في شرفته شاردًا يتسائل:
-ترى هل من طريقة أعود إليها وأحضرها معي إلى هنا؟!.

دلفت الملكة شفق إلى داخل غرفة الأمير، دنت منه لكنه لم يشعر بوجودها، نظرت إليها فرأته واقفًا كالجسد بلا روح.

شعرت بالتعجب ودفعها الفضول إلى أن تتحدث إليه وتتسائل:
-بني، إلى أين ذهب بك شرودك؟! ما الذي سلبك عقلك وجعلك تقف كالجسد بلا روح هكذا، أنت لم تشعر بوجودي عندما وقفت بجوارك اخبرني بما يدور في عقلك فربما استطيع مساعدتك.

إلتفت الأمير عزالدين إلى والدته وامسك بيدها ثم وضع قبلة حانية على يديها وقال:
-أمي، لا داعي للقلق إنني بخير.

تظرت الأم إلى ابنها وعلمت أن بداخله شيء يخفيه عنها، وضعت يدها على قلبه فلاحظت نبضاته المتسارعة.

علت الابتسامة وجه الملكة شفق وعلقت قائلة:
-أهو الحب؟!

وبدون تردد أومىء الأمير برأسه ولمعت عيناه ثم علق قائلًا:
-أجل يا أمي إنني أذوب عشقًا.

نظرت الملكة شفق إليه وقد بدى عليها التعجب والدهشة وقالت:
-ولكن كيف ومتى ومن تلك الفتاة التي استطاعت أن تستحوذ على قلبك؟!

ضحك الأمير وعلق قائلًا:
-أمي، ما كل هذه التساؤلات؟!

أمسكت الملكة بيد ابنها الأمير وهمست قائلة:
-بني، أخبرني من تكون تلك الفتاة وسوف أذهب بنفسي وأحضرها عروسًا لك.

تلألأت الدموع في عين الأمير وتحشرج صوته ثم تحدث بصوتٍ يملؤه الحزن وقال:
-لم يعد بإستطاعتي الذهاب إليها، لن يعد بالإمكان الوصول إليها.

وضعت الملكة يدها على فمها وقالت:
-إي بني، هل ماتت؟!

دنا الأمير من والدته ثم وضع ذراعه على كتفها وقال:
-امي، دعينا من هذا الحديث الآن، دعيني أخبرك بشيء، تبدين متألقة اليوم وجميلة فهل يمكنني أن أعرف السبب وراء هذا التألق.


لم تبالي الملكة بمحاولة الأمير أن يبعدها عن الحديث بشأن تلك الفتاة وعلقت قائلة:
-عزالدين، دعك مما تقوله وأخبرني ما الذي حدث معك وجعلك لا تستطيع أن تذهب لتلك الفتاة؟!


وأمام اصرار الأم على معرفة كل شيء لم يجد الأمير عزالدين أمامه سوى أن يخبرها بما حدث فتحدث قائلًا:
-كنت قاب قوسين أو أدنى من الزواج بها ولكن حدث ما لم أكن اتوقعه.


نظرت الأم إلى ابنها الذي بدى عليه الحزن الشديد بإنتباه وهمست قائلة:
-وما الذي حدث؟!


واصل الأمير حديثه وقال:
-أيلا ضوء القمر في ليلة شديدة السواد، لقد ظهرت في حياتي في وقت عصيب، تعلق بها قلبي وفؤادي، تعرضت للخطف من قبل عمها كي يقوم بالإستيلاء على الحكم.

نظرت الملكة إلى ابنها وقد بدى عليها التعجب، علت الابتسامة وجه الأمير وقال:
-أجل، لقد تعرضت لمثل ما تعرضت له، ولكنني استطعت أنا وصديق لي تعرفت عليه في جزيرة الأشباح وكان له الفضل في تعليمي فنون الحرب والقتال.

بفضله وبمساعدته استطعنا افشال مخطط عمها القاسي.

تعلق بي والدها الملك رسلان وعاملني كأبن له، لقد سعد كثيرًا عندما أخبرته برغبتي في الزواج من ابنته الأميرة آيلا.

أومئت الملكة برأسها وعلقت قائلة:
-عظيم! وماذا بعد؟

نظر الأمير عزالدين إلى والدته وقال:
-ظهرت العجوز وأخبرتني بأنه قد آن الأوان لعودتي إلى هنا، وأنني إن لم أعود سوف أفقد أحبابًا لي.

تلألأت الدموع في عيني الملكة وهمست قائلة:
-بني، لا أعلم ما الذي يمكنني قوله، لقد ضحيت بكل شيء من أجل عودتك إلى هنا وانقاذ حياتي.


واصل الأمير حديثه وقال:
-في ذلك الوقت لم أكن أعلم بما حدث لكي فتباطئت في العودة فجاء العقاب وخسرت صديقي الفارس الشجاع زورو وبعدها مباشرتًا سقطت الأميرة آيلا على الأرض وفقدت وعيها ولم تفلح جميع المحاولات في ايقاذها.

-لتعود العجوز في الظهور مجددًا وأخبرتني بما بما تعانين منه وقامت بإعطائي الترياق الشافي فعدت حينها والبقية تعرفينها.


شعرت الملكة بالحزن لفقدان الأمير الفتاة التي يحبها، ثم تحدثت إليه وقالت:
-أليس هناك طريقة للذهاب إليها واحضارها إلى هنا؟!

وبحزن شديد أومىء الأمير برأسه نافيًا ثم تحدث قائلًا:
-الوسيلة الوحيدة للذهاب إلى هناك كانت هي كتاب العرافة وقد احترق بعد خروجي منه مباشرةً.

اومئت الملكة برأسها ثم همست في نفسها وقالت:
-لعل العجوز لديها وسيلة أخرى لذلك، لابد من البحث عن تلك العجوز.


غادرت الملكة غرفة الأمير عزالدين واتجهت إلى القاعة الملكية وقفت أمام الملك سليمان وتحدثت إليه وقالت:
-مولاي الملك سليمان، لقد جئت إليك استئذنك بأن أقوم بتكليف الوزير فضل الشامي بمهمة خاصة بي.

نظر الملك سليمان إلى زوجته الملكة شفق وقد بدى عليه التعجب والدهشة ثم علق قائلًا:
-شفق، هل هناك شيء حدث لا أعلم عنه شيء؟!

نظرت الملكة شفق إلى زوجها وعلقت قائلة:
-مولاي، كل ما أريده من الوزير فضل أن يقوم لنفسه بالبحث عن العرافة العجوز واحضارها إلى هنا لأمر شديد الأهمية.

إزداد فضول الملك لمعرفة ما الذي يجري مع زوجته ولكنه شعر أن الأمر خاص بأبنه الأمير عزالدين فعلق متسائلًا:
-هل الأمر خاص بعزالدين؟!

أومئت الملكة برأسها وقالت:
-أجل سيدي.


تذكر الملك عندما كان ينكر على الملكة شفق اعتفادها بكلمات العرافة وانتقاده لها وما حدث بعد ذلك فعلق قائلًا:
-على الرغم مما حدث لا أرغب في أن تكون حياتي الأمير عزالدين معلقة بكلمات من عرافة فهذا لا يرضي الله عزوجل وانا لن أسمح...

وهنا قاطعت الملكة حديث الملك سليمان وقالت:
-مولاي، ليس الأمر كما تظن، كل ما في الأمر أن الأمير تعلق قلبه بفتاة عندما كان في رحلته وبعودته انقطعت السبل إليها، كنت أريد أن أسألها لعل لديها سبيل للوصول إلى تلك الفتاة.

علت الابتسامة وجه الملك سليمان وعلق قائلًا:
-هل حقًا وقع الأمير عزالدين في حب فتاة؟! حسنًا فلنرسل إلى والدها الهدايا ومن يقوم بطلب يديها للأمير.


شعرت الملكة بالحزن وبدى عليها الضيق ثم تحدثت قائلة:
-مولاي، ليس الأمر بهذا اليسر؛ لقد انقطع السبيل إليها بعد أن احترق الكتاب المسحور الذي كان ينتقل الأمير من خلاله.


وعلى الفور قام الملك سليمان باستدعاء الوزير فضل الشامي إلى مجلسه.

ما إن حضر الوزير فضل الشامي إلى قاعة الحكم، قام بتحية الملك سليمان الذي بادره بالحديث قائلًا:
-فضل، أريدك أن تقوم بالبحث عن امرأة عجوز ستخبرك الملكة شفق بأوصافها، واحضارها إلى هنا.

اومئ الوزير فضل الشامي برأسه وعلق قائلًا:
-أمرك مطاع مولاي الملك المعظم، سوف أفعل كل ما امرتني به.

أشار الملك سليمان إلى الملكة شفق وحدثها قائلًا:
-عزيزتي، أخبري الوزير فضل بكل ما تريدنه منه وسوف يقوم بعمل اللازم.

نظرت الملكة شفق إلى الوزير فضل وتحدثت إليه وقالت:
-كل ما أريده منك هو القيام بالبحث في غابة الأحلام عن امرأة عجوز تجلس بمفردها ترتدي قلادة كبيرة على صدرها، ودائمًا ما تخفي وجهها بردائها.

صمتت الملكة قليلًا ثم تابعت حديثها وقالت:
-سوف أرسل معك وصيفتي أسيل أسيل فهي ستتعرف عليها بسهولة، ما إن تراها أخبرها أن الملكة شفق تريدك في أمرٍ هام.

أومىء الوزير فضل الشامي برأسه وقال:
-امرك مولاتي سوف أذهب واحضرها إلى هنا.

وبالفعل اصطحب الوزير فضل الوصيفة أسيل إلى غابة الأحلام وظلا يبحثان عن تلك العجوز.

بدأ اليأس يتسلل إلى قلب الوزير من العثور على تلك العجوز.

نظر إلى الوصيفة أسيل وتحدث قائلًا:
-اسيل، علينا بالعودة فلا أثر لتلك العجوز، لقد قمنا بالبحث عنها عدة مرات دون جدوى.

اومئت اأسيل برأسها وقد بدى عليها الحزن ثم علقت قائلة:
-سيدي الوزير كيف سنعود إلى الملكة دون أن نعثر على العجوز؟!

شعر الوزير بالضيق وقال:
-ليس بيدي شيء.

فجأة تغيرت ملامح أسيل وأشارت بأصبعها وهي تقول:
-سيدي، ها هي العجوز تجلس هناك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي