الفصل السابع والعشرون بين الحزن والموت

أسرع الرجال إلى العجوز يتفقدونها فوجدوها فاقدة الوعي، قاموا بحملها وأسرعوا بها إلى طبيب المملكة.

قام طبيب المملكة بفحصها ثم تحدث إليهم وقال:
-هذه المرأة حالتها سيئة للغاية وحرارتها مرتفعة، لابد أن تحظى بعناية ورعاية كبيرة ولا تغادر فراشها حتى تتحسن حالتها.

نظر رجل من الرجال الذين احضروها للطببب وقال:
-سيدي الطبيب، نحن لا نعرف هذه المرأة ولا من تكون لا نعلم عنها شيء، لقد وجدناها بهذه الحالة السيئة في الطريق فاحضرناها إليك.

أومىء الطبيب برأسه وعلق قائلًا:
-إذن انتم لا تعلمون منزلها أو أيًا من أقاربها أليس كذلك؟

علق الرجل وقال:
-أجل سيدي، لا نعلم عنها شيء.

نظر الطبيب إليها وقال:
-هذه المرأة تحتاج لعناية خاصة لذلك يمكنكم أن تقوموا بتركها هنا، سوف أتولى أمرها.

شعر الرجل بالحرج فعلق قائلًا:
-سيدي، إن مشاغلك كثيرة وهذه المرأة قد تشغلك عن عملك كطبيب.

علت ابتسامة هادئة على وجه الطبيب وعلق قائلًا:
-رعاية المرضى والمحتاجين من عمل الطبيب أيضًا، سوف أنقلها لدار رعاية النيروز الذي قامت الملكة شفق بإنشائه لرعاية المرضى والمحتاجين الذين لا عائل لهم.

علت الابتسامة وجه الرجل وتحدث قائلًا:
-الملكة شفق أطال الله عمرها ونجاها من كل شر فهي رحيمة عاى الفقراء والمساكين، نحمد الله أن افشل ذلك الإنقلاب الذي حدث على الملك سليمان وكتب لهم النجاة من كيد المنصور وابنائه.

أومىء الطبيب برأسه وعلق قائلًا:
-نحمد الله على ذلك، ونتمنى أن يعثروا على ميسون المجرمة ويتم معاقبتها على كل ما ارتكبته من جرائم.

حيا الرجال الطبيب وغادروا بينما أمر الطبيب معاونوه ان يقوموا بنقل المرأة إلى دار النيروز لرعاية المرضى والمحتاجين حتى تجد من يهتم بها هناك ويقدم لها الرعاية اللازمة.

تم نقل المرأة التي بجهل الجميع حقيقتها إلى دار رعاية النيروز الذي قامت الملكة شفق بإنشائه.

داخل قصر النيروز.

بدأت الملكة شفق بالتعافي بشكل كامل، لقد عادت لطبيعتها، استيقظت من نومها وهي تشعر أن العافية تسري في جسدها.

غادرت فراشها واتجهت إلى الشرفة، وقف تستنشق الهواء المحمل بعبير الزهور التي تملأ حديقة القصر.

علت الابتسامة وجهها وهمست في نفسها وقالت:
-وها لقد عدت إلي حياتي من جديد، امدت النظر لتشاهد الأمير عزالدين وهو يقوم بترويض فرس عرف عنه بأنه فرس جامح.

وقفت الملكة تشاهد ما بفعل الأمير عزالدين، وعندما مد الأمير يده بالسكر إلى الفرس وضعت الملكة يدها على قلبها من الخوف أن يقوم الفرس بالبطش بالأمير، لكن عندما تناول الفرس السكر وركب الأمير على ظهره شعرت الملكة بسعادة بااغة وهمست قائلة:
-بني، يبدو أن الحياة قد علمتك ما لم أستطيع أنا تعليمه لك.

لازالت الملكة واقفة في شرفتها تطلع إلى الأميى عزالدين وهو يقود ذلك الفرس ويحوله من فرس جامح إلى فرس مطيع.

شعرت الملكة بالسعادة وهمست في نفسها وقالت:
-على الرغم من أن الفترة الماضية كانت صعبة وشاقة للغاية وعلى الرغم مما مررت به من حزن وآسى، إلا إنني أحمد الله على هذه التجربة الصعبة التي جعلت من عزالدين شخصًا آخر يستحق أن يكون وليًا للعهد.

دلف الملك سليمان إلى الجناح الملكي يتفقد زوجته فإذا بها واقفة في الشرفة شاردة، دنا منها ولكنها لم تشعر به فقد كانت مشغولة بمتابعة الأمير عزالدين.

وقف على مقربة منها يتطلع إلى ما تتطلع إليه، ليعرف ما يشغل عقلها.

علت الابتسامة وجهه وعلق قائلًا:
-لهذا كنت دائمًا ما أختلف معكِ في خوفك الشديد عليه، كنت حزينًا ودائمًا ما كنت أفكر وأحدث نفسي:
-هل يمكن لشخص كهذا ان يكون ملكًا على مملكة النيروز بعدي؟! كيف يمكنه ادارة شئون البلاد والدفاع عنها إن تعرضت لأي عدوان؟


توقف الملك سليمان عن الكلام لبرهة ثم واصل حديثه وقال:

-شفق، لا أخفي عليكِ كنت عندما أفكر في ذلك أشعر بالقلق والخوف عليه وعلى المملكة، أما الآن فقد تغير ثلثمائة وستون درجة وأصبح أميرًا بحق يمكنني أن اعتمد عليه بدون خوف أو قلق.

شعرت الملكة شفق بالسعادة لهذا التغير في طريقة الملك سليمان عندما تحدث عن ابنها الأمير عزالدين فإلتفتت إليه وعلقت قائلة:
-مولاي الملك، هذا ما كات يدور بعقلي لقد تذكرت قول الله تعالى"وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم " فما تعرض له الأمير عزالدين جعل منه شخصًا مختلفًا تمامًا في كل شيء.

إلتفتت الملكة شفق مرة أخرى لرؤية ابنها ولكنها لم تجده، نظرت إلى الملك سليمان وقالت:
-ترى أين ذهب عزالدين؟!

علت الابتسامة وجه الملك سليمان وعلق قائلًا:
-شفق، اتركيه يتصرف كيف يشاء؛ فلم يعد الشخص الذي تخافين عليه، دعيه يدير شئونه كما يريد هو.

أومئت الملكة شفق برأسها وعلقت قائلة:
-لديك الحق ولكنني أخشى عليه من كيد ميسون، فهي لازالت طليقة.


نظر الملك. سليمان إلى زوجته نظرة مليئة بالتعجب والدهشة ثم علق قائلًا:
-الجميع قد تغير وشفق لا تريد أن تتغير!


علت الابتسامة وجه الملكة شفق ونظرت إلى زوجها الملك سليمان ثم تحدثت قائلة:
-لن اتغير لأنني أم محب لأبنها وتخشى عليه من الهواء الذي يتنفسه أن يتسبب في تعبه، دع هذا الحديث الآن وهيا بنا نتناول الإفطار.

إلتفتت الملكة لتجد خلفها الأمير عزالدين وهو يحمل في يده زهرة جميلة، نظر إلى والدته وقام بإهدائها هذه الزهرة.

علت الابتسامة وجه الملكة شفق وشعرت بالسعادة أمسكت بالزهرة واحتضنت ابنها بكل حب وحنان ثم همست في أذنه وقالت:
-لا تعلم مدى سعادتي بهذه الزهرة الجميلة فعلى الرغم من أن الزهور تملأ حديقة القصر إلا أن والدك لم يفكر يومًا في اهدائي زهرة كهذه.

تبادل الأمير ووالدته الضحك فوقف الملك يتسائل:
-أريد أن أعرف ما الذي همست به والدتك في أذنك ولا تخفي عني شيء.

علت الابتسامة وجه الأمير عزالدين وأمسك بيد والديه وقبل كلا منهما ثم تحدث قائلًا:
-أنتما اغلى وأعز ما لدي، لا تعلما مدى افتقادي لكما، فقد كنت اتمنى اليوم الذي سأعود فيه واراكما.

دار النيروز لرعاية المرضى والمحتاجين.

بدأت ميسون في استعادة وعيها وما إن علمت انها بداخل الدار التي أنشأتها الملكة شفق حتى اصرت على مغادرة الدار.

نظرت إليها إحدى عاملات الدار وتحدثت قائلة:
-لا يمكنك الخروج لازالت حالتك تستدعي بقائك هنا، نحن نهتم بك اهتمامًا لن تجديه في أي مكان آخر.

نظرت ميسون إليها وعلقت قائلة:
-إن اجلس في الشارع خير لي من البقاء هنا.

نظرت العاملة إليها وقد بدى عليها التعجب ثم علقت قائلة:
-لا أفهم ما الذي اعنيه أن جلوسك في الطرقات أفضل من بقائك هنا؟!

نظرت ميسون إليها بحدة وقالت:
-هذا ليس من شأنك، دعيني أغادر من هذا المكان.

أومئت العاملة برأسها متعجبة ثم علقت قائلة:
-أنتِ غريبة الأطوار، ولولا أوامر الملكة شفق باللين مع المرضى والمعاملة الحسنة لكنت قد ألقيت بكِ في الخارج، ولكن انتظري حتى ياتي الطبيب وهو الذي سيقرر بقائك أو مغادرتك.


ثارت ميسون غاضبة واخذت تحطم كل شيء أمامها فانتزع وشاحها.

نظرت العاملة إليها وهمست في نفسها قائلة:
-أشعر إنني قد رأيت تلك المرأة من قبل، ولكنني لا أعرف من تكون.

ظلت ميسون تزحف وتصرخ في وجه كل. من يحاول منعها من الخروج حتى غادرت دار النيروز لرعاية المرضى والمحتاجين.

بعد أن غادرت ميسون وجدت العاملة قلادة محفور عليها أسم ميسون، فصاحت العاملة وقالت:
-لقد علمت لماذا اصرت تلك المرأة على مغادرة الدار إنها تخشى من انتقام الملك سليمان منها لما قامت بعمله من جرائم، لابد أن اذهب واخبر رئيس الشرطة بذلك.


أسرعت العاملة إلى رئيس الشرطة وقصت له ما حدث وقامت بإعطائه القلادة.

شكر رئيس الشرطة المراة وطلب من رجاله سرعة التحرك والبحث عن ميسون وإلقاء القبض عليها.


قصر النيروز في منتصف الليل.

الجميع قد خلد إلى النوم في سعادة وارتياح، الملك سليمان والملكة شفق قد خلدوا إلى نوم هاديء لأول مرة منذ فترة طويلة.

أما الأمير عزالدين، فقد عاودته الأحلام مرة أخرى، أنه يحلم بالأميرة آيلا وقد إلتقى بها مجددًا وكان يشعر بسعادة كبيرة تغمر قلبه، ولكنه في اللحظة التي قرر الزواج بها اختفت ولم يجدها.

استيقظ الأمير وهو يصيح:
-آيلا.. آيلا، أين ذهبتي؟!

صمت الأمير وإلتفت يمينًا ويسارًا ليكتشف أن الأمر لم يكن سوى حلمًا.

أخذ الأمير عزالدين نفسًا عميقًا ثم تحدث قائلًا:
-وها أنتِ يا آيلا تروديني من جديد، لقد اشتقت إليكِ كثيراً ولكن لم يعد بإستطاعتي الذهاب إليكِ.


ظلت ميسون تزحف وهي تتألم وقد جرحت يدها وبدأت قدميها تنزف من جديد.

لم تهتم ميسون بجراحها ولا بما تشعر به من آلام فقد كان كل همها هو الوصول لبوابة النيروز حيث جثمان ابنها فارس الذي غُلق منذ عدة أيام.

كل من شاهد ميسون وهي تزحف والدماء تسيل منها يتعجب بشدة، خاصة عندما يطلبوا منها التوقف عن الزحف والإستجابة لمساعدتهم لها.

كانت الحدة والعنف هي الطريقة الوحيدة التي تتعامل بها ميسون مع الناس، ظلت هكذا إلى أن وصلت إلى المكان الذي كانت تريده.

نظرت ميسون إلى جثمان ابنها وهو معلقًا من يديه وبدأ جسده في التحلل.


انهمرت دموعها وانفجرت باكية من بشاعة ما تراه ومن شدة التعب افترشت الأرض واستسلمت للنوم.

وصل رئيس الشرطة إلى حيث تنام ميسون، وقف أمامها وقد علت الابتسامة وجهه وتحدث قائلًا:
-كنت أعلم إنني سأجدك هنا لتنتهي مكائدك للأبد.

أشار رئيس الشرطة إلى رجاله بحملها حتى ينظر الملك في أمرها.

اسرع رجال الشرطة إلى ميسون وقاموا بجذبها ولكنهم فوجئوا بها وقد فارقت الحياة.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي