الفصل السادس والعشرون الوقوع في الفخ

استطاع فارس بن المنصور التسلل إلى داخل قصر النيروز هو ومن معه من رجال بعد أن قاموا بالتخفي في زي حراس القصر.

لقد علم فارس من الحارس الذي اعطى له المال كي يسهل عليه الدخول إلى القصر أن الأمير عزالدين ليس متواجدًا
داخل قصر النيروز وأنه مازال بالخارج، وأن الملك سليمان يجتمع بالوزير فضل ورئيس الشرطة.

شعر فارس بالغضب ولكنه همس في نفسه وقال:
-يال حظي العاثر، ولكن ما الذي جعل سليمان يظل في قاعة الحكم إلى هذا الوقت المتأخر من الليل، حسنًا إلى أن ينهي سليمان اجتماعه سوف أبدأ بالملكة شفق.

أسرع فارس بالتسلل إلى أن وصل إلى داخل الجناح الملكي، ثم إلى غرفة الملكة شفق.

وقف فارس بجوار فراش الملكة وتطلع إليها فإذا بها نائمة، علت الابتسامة وجه فارس وهمس قائلًا:
-لقد آن الأوان لأنتقم لأمي مما فعله بها ابنك عزالدين وسوف اعاقبه على ذلك، ولكن من الغريب أنني دلفت إلى هنا دون أن يعترض أحد طريقي.

أمسك فارس بسيفه وشرع في ضرب الملكة شفق، فإذا به يسمع صوت الملكة شفق قادمًا من خلفه ويقول:
-أنت، ما الذي جاء بك إلى هنا؟

وقف فارس متسمرًا في مكانه، لا يصدق ما تسمعه أذنيه همس في نفسه:
-هل يعقل أن يكون هذا هو صوت الملكة شفق؟! ولكن من الذي يرقد في فراشها ولماذا؟!

إلتفت فارس ليقطع الشك باليقين فإذا به يفاجىء بالملكة شفق وهي تقف خلفه وتنظر إليه نظرة حادة مقتضبة، عاود الإلتفاف خلفه مرة أخرى واتجه صوب الفراش الملكي، ولكن قبل أن يقوم بنزع الغطاء ليعرف من الذي يرقد مكان الملكة.

تحدثت الملكة إليه وقالت:
-لا أعلم السبب في هذا الكم الهائل من الحقد والغل الذي تحملوه تجاهنا؟!

إلتفت فارس إليها وعلق قائلًا:
-لأن أبي هو الأخ الأكبر وهو أولى بالملك من أخيه الأصغر الذي استولى على العرش بعد وفاة والده.

نظرت الملكة شفق إليه وقد بدى عليها التعجب وعلقت قائلة:
-من الذي قال لك هذا الأمر الخاطيء؟! لقد رأى جدك في الملك سليمان صفات تؤهله لأن يكون خليفة له ولم يجدها في والدك لذلك اولاه بولاية العهد في حياته ولم يستولى الملك سليمان على الحكم كرهًا كما اخبروك.


نظر فارس إلى الملكة شفق وتحدث قائلًا:
-هذا لن شيء ولن أتراجع عن تنفيذ ما جئت من أجله ولكن هل كنتِ على علم بقدومي إلى هنا؟!

ضحكت الملكة شفق وعلقت قائلة:
-وهل تعتقد أن هناك أمرًا يحدث داخل قصري يخفى عني؟!

أومىء فارس براسه وأسرع بإشهار سيفه ثم اتجه صوب الملكة شفق للتخلص منها وهو يقول:
-حسنًا، ولكن لدى أمي أمنية لابد أن احققها لها.

وما هي إلا لحظات وقبل أن يصل سيف فارس إلى الملكة كان سيف الأمير عزالدين يخترق جسده.

ومن هول المفاجأة إلتفت فارس ليكتشف أن عزالدين هو الشخص الذي كان يرقد في فراش الملكة شفق.

سقط السيف من يد فارس وجثى على ركبتيه فأسرع نحوه رئيس الشرطة وصاح على الحراس قائلًا:
-خذوا هذا الخائن حتى ينظر الملك في أمره.

وقبل أن يقوم الحراس بحمله نظر إلى الحارس الذي ساعده على دخول القصر وقال:
-هل اتفاقك معي وتسهيلك لي للدخول إلى القصر كان خدعة؟!

علت الابتسامة وجه رئيس الشرطة وعلق قائلًا:
-كنا على علم بكل تحركاتك منذ أن جئت إلى هنا لتعرض عليه المال حتى يساعد في الدخول إلى القصر، لذلك طلبنا منه أن يجاريك في هذا الاتفاق ونصبنا لك هذا الفخ.


بدأ فارس يتنفس بصعوبة بالغة، ثم نظر إلى باب الغرفة ليشاهد الملك سليمان وهو في طريقه إليه.

وقف الملك سليمان أمام فارس وحدثه قائلًا:
-أردت أن تبدأ بالملكة ثم تقتلني وشعرت بالضيق عندما أخبرك الحارس أن عزالدين ليس بالقصر، كيف سولت لك نفسك أن تأتي بقدميك لتقضي على الملك وأسرته.

لم يستطيع فارس التحدث وسقط أمام قدمي الملك.

أسرع الحراس بإبعاده عن الملك سليمان، فنظر أحدهم إلى الملك وقال:
-مولاي الملك المعظم لقد فارق الحياة.

أومىء الملك سليمان برأسه وعلق قائلًا:
-احملوه وافعلوا معه ما فعله والده بطبيب القصر الطبيب عرفان، سوف يكون الطعم الذي يخرج العقرب من جرحه.

وبالفعل حمل الحراس جثمان فارس وقاموا بتعليق جثمانه عند بوابة المملكة.

تم إلقاء القبض على جميع أعوان فارس، شعر الوزير فضل بالسعادة وهمس إلى رئيس الشرطة وقال:
-رحيم، ما رأيك لقد نجحت خطتي؟!

علت الابتسامة وجه رحيم رئيس الشرطة وهمس إليه قائلًا:
-أجل، لولا رؤيتك لفارس وهو يتودد إلى الحارس لما نجح الأمر.


دنت الملكة من ابنها الأمير عزالدين وقامت بمعانقته وهي تقول:
-عندما اتجه إلى الفراش وشرع في نزع الغطاء خشيت عليك أن يقوم بطعنك بالسيف.

علت الابتسامة وجه الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
-حبيبتي، لا داعي للقلق لقد كنت مستعد لأي شيء يشرع في عمله، لم أستطيع أن اجازف بكِ واتركك تنامين بفراشك.

علت الابتسامة وجه الملكة وعلقت قائلة:
-الحمد لله لقد مر الأمر بسلام، لقد زرعت ميسون الغل والحقد في قلوب أبنائها وبهذا ألقت بهم في الهاوية.

بداخل البيت المهجور.

جلست ميسون تنتظر عودة ولدها فارس وهو حاملًا في يديه قدم الملكة شفق كما وعدها، ظلت تنتظر وتنتظر ولكن بلا جدوى فلم يعود فارس حتى صباح اليوم التالي.

شعرت ميسون القلق فقررت الخروج لعلها تستطيع أن تعرف ما الذي حدث مع ابنها.

ظلت جالسة تفكر وتحدث نفسها:
-كيف سأغادر هذا المكان وقد حرمني عزالدين من قدمي؟

في النهاية ومع اصرارها على الخروح تنكرت في ثوب امرأة عجوز شديدة الفقر وظلت تزحف حتى وصلت إلى مكان مكتظ بالناس، لعلها تسمع أخبارًا تثلج قلبها عن موت الملك وأسرته.

ظلت تبحث عن أي شخص يتحدث عن الملك أو الملكة حتى وجدت مجموعة من الناس يتحدثون فيما بينهم، فيتحدث أحدهم إلى الآخر ويقول:
-ما حدث بالامس كان أمرًا مروعًا.

تحمست ميسون لسماع هذا الأمر المروع وهمست قائلة:
-يبدو أن فارس قد فعلها ولكنه اختبىء في مكان آخر حتى لا يكتشف أحد المكان الذي أختبىء بداخله، ولكن لابد أن اقترب منهم أكثر حتى أسمع ما يقولون بوضوح.

وبالفعل ظلت ميسون تزحف على الأرض حتى دنت من أحدهم.

لاحظ الرجل أن تلك العحوز تقترب منه فظن أنها تريد منه أن يساعدها ببعض المال.

اسرع الرجل نحوها وقام بإخراج صرة مليئة بالمال واعطاها لها.

اخذت ميسون الصرة حتى لا تثير الشكوك نحوها، وظلت في مكانها تنتظر حتى يكمل الرجل حديثه.
بعد أن اعطى الرجل المال للعجوز إلتفت إلى اصدقائه وبتابع حديثه وقال:
-لقد شاهدت فارس بن المنصور بعد أن قاموا بقتله وتعليقه في نفس المكان الذي قام والده بتعليق الطبيب عرفان فيه.

شعرت ميسون بجسدها وقد تجمدت الدماء في عروقها عقب سماعها ما قاله الرجل.

ليكمل آخر الحديث ويقول:
-هذا جزاء كل خاين سولت نفسه قتل الملك أو الإقتراب من اسرته بسوء، كفانا ما فعله بنا المنصور وابنائه فليذهبوا جميعًا إلى الجحيم.

لازالت ميسون لا تستطيع التحرك، نظر الرجل إليها ولاحظ أنها ليست على ما يرام وقبل أن يدنو منها فوجيء بها تسقط على الأرض لا تتحرك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي