الفصل الثالث والعشرون عودة الحياة

وقف الأمير عزالدين متسمرًا في مكانه لا يستطيع التحرك خشية أن يقابله من يخبره بوفاة الملكة شفق، تعرقت جبينه وازدادت نبضات قلبه من الخوف، إلى أن أقبلت عليه الوصيفة أسيل التي أسرعت إليه وقالت:
-سيدي الأمير، إن وضع الملكة يزداد سوءً؛ لقد انخفضت نبضات قلبها لقد أخبرنا الطبيب بذلك.
نظر الأمير عزالدين إليها وهمس قائلًا:
-لقد احضرت ما تبقى من الترياق الذي كان في كهف العرافة لعله يجدي في حالتها، فهذه القشة التي تعلقت بها.

اومئت الوصيفة برأسها وعلقت قائلة:
-حسنًا سيدي ولكن أسرع فالوقت يداهمنا.

أسرع الأمير إلى الجناح الملكي حيث ترقد الملكة الغائبة عن الوعي.

اقترب عزالدين من والدته وقبل وجنتيها ثم وضع الترياق في فمها وهو يقول:
-بسم الله الشافي المعافي الذي به نقوي وإليه نلجأ.

جميع الوصيفات إلتففن حول فراش الملكة وقد دب بداخلهن الأمل من جديد بعد إحضار الأمير لما تبقى من ترياق قد أتى بثماره المرة السابقة.

لم يفارق الأمير غرفة والدته وظل بجوارها طوال الليل حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.

شعر الأمير عزالدين بالتعب ولكن سرعان ما تلاشى ما يشعر به من تعب عندما سمع صوت الملكة تتحدث بصوت خفيض وتطلب ماءً.

علت الابتسامة وجه الأمير ونظر إلى الوصيفة أسيل التي أسرعت بإحضار كوبًا من الماء البارد المضاف إليه ماء الزهر الذي تحبه الملكة شفق.

أمسك الأمير بكوب الماء وساعد الملكة على شرب القليل منه.

نظرت إليه الملكة وقبضت على يده وقالت:
-لن تتخيل ما الذي كان بحدث معي، بني لقد كنت اصارع الموت.

علت الابتسامة وجه الأمير وعلق قائلًا:
-ولكنك في النهاية قد انتصرتي يا أمي حمدًا لله على سلامتك يا حبيبتي.

نظر الأمير عزالدين إلى الوصيفة أسيل التي اقبلت على الملكة تمسك بيدها وتقبلها والدموع منهمرة على وجنتيها وقال:
-أسيل هل وصل نبأ الترياق الذي احضرته إلى والدي الملك سليمان؟

ازالت أسيل دموعها وعلقت قائلة:
-سيدي، لم أخبر أحد بذلك ولم يخرج نبأ هذا الترياق من هذه الغرفة.

اومئ الأمير برأسه وعلت الأبتسامة وجهه ثم تحدث قائلًا:
-حسنًا، اذهبي إليه ولا تخبريه بشيء ولكن اخبريه أن الأمير عزالدين في جناح الملكة وقد انتابته حالة غريبة، حينها سوف يأتي مسرعًا.

ابتسمت أسيل وعلقت قائلة:
-حسنًا سيدتي سوف أفعل ما طلبته مني ولكنني أخشى من غضب الملك علي.

ابتسمت الملكة وعلقت قائلة:
-لا عليكِ إنني اضمن لكِ الا يغضب منكِ الملك ولكن اذهبي واحضريه إلى هنا.

أسرعت اسيل إلى الملك الذي حضر مسرعًا إلى الجناح الملكي وقد ظن أن الأمير عزالدين قد انتابته حالة من الحزن على ما حدث لوالدته الملكة شفق.

دلف الملك سليمان إلى داخل الجناح الملكي، نظر إلى ابنه الأمير عزالدين الذي تحدث إليه وقال:
-أبي، أشعر أن هناك شيئًا ما قد حدث لوالدتي.

نظر الملك سليمان إلى زوجته الملكة شفق الممددة على فراشها وتلألأت الدموع في عينيه وتحدث قائلًا:
-بني، كاد قلبي أن يتوقف من الحزن على ما حدث لوالدتك ولم يبقى أمامي سوى الدعاء فإنه الشيء الوحيد الذي يغير الأقدار.

دنا الملك من فراش الملكة وأمسك بيدها وعو يحدثها ويقول:
-شفق، أنني أتألم بشدة لفراقك.

فجأة شعر الملك بشيء غريب جعله ينظر إلى ابنه الأمير عزالدين ويقول:
-عزالدين، هل لاحظت ما حدث؟!

حاول الأمير عزالدين تكتم ما حدث وعلق قائلًا:
-لقد لاحظت أن حالة والدتي تسوء يا والدي.
اومىء الملك برأسه نافيًا ثم تحدث قائلًا:
-كلا، لقد حركت شفق اناملها وقبضت على أناملي.

علت الابتسامة وجه الأمير ولكنه سرعان ما تكتمها ثم علق قائلًا:
-والدي لابد أنه قد خيل إليك.

لم يبالي الملك بما قاله الأمير عزالدين ونظر إلى الوصيفة أسيل وتحدث إليها قائلًا:
-أسيل، أسرعي بإستدعاء الطبيب إلى هنا إنني شعر بأنامل الملكة تتحرك.

اومئت أسيل برأسها وقالت:
-أمرك سيدي.

اسرعت أسيل لتنفيذ أوامر الملك بينما لم يستطيع الأمير عزالدين كتم ضحكاته فنظر إليه الملك غاضبًا وعلق قائلًا:
-عزالدين، ما الذي حدث لك تضحك ووالدتك بين الحياة والموت؟!

دنا الامير عزالدين من والده وقبل رأسه ثم علق قائلًا:
-أبي، اعتذر إليك ولكن لدي ما يسر فؤادك.

نظر الأمير عزالدين إلى والدته  وهمس قائلًا:
-أريد للملك سليمان أن يتطلع لأجمل عينان رأتها عيناه.

ما إن انهى الأمير عزالدين كلماته حتى فتحت الملكة شفق عينيها ونظرت إلى زوجها الملك سليمان وتحدثت قائلة:
-مولاي الملك المعظم لقد اشتقت إليك كثيراً.

علت الابتسامة الممزوجة بدموع الفرح وجه الملك سليمان وأمسك بيد زوجته وتحدث قائلًا:
-ملكتي، كاد قلبي أن يتوقف من الحزن عليكِ.

وبإبتسامتها المعهودة التي تخطف بها القلوب تحدثت الملكة شفق وقالت:
-لقد حاولت أن اتفادى تلك الطعنة ولكنني لم أستطيع، سليمان تلك المجرمة لابد أن تعاقب على جرائمها فهي كالحية التي تلتف حول فريستها ثم تنقض عليها فجأة وتقضي عليها بسمها.

ربت الملك سليمان على يد زوجته ثم علق قائلًا:
-اعدك إنني لن اتهاون مع تلك المجرمة الحقيرة، سوف أجعلها تتمنى الموت فلا يأتيها.

دلفت أسيل إلى داخل الجناح الملكي وتحدثت قائلة:
-مولاي الملك المعظم، لقد حضر الطبيب وهو ينتظر بالخارج.

نظرت الملكة شفق إلى الأميرعزالدين وقالت:
-مولاي، للداعي للطبيب فبجواري الطبيب الذي يعالجني في كل مرة اصارع فيها الموت.

علت الابتسامة وجه الملك وقال:
-سوف اعرف لاحقًا ما الذي فعله هذا الطبيب الرائع ولكن الآن لابد ان يقوم الطبيب بفحصك جيدًا للإطمئنان على صحتك.

اومئت الملكة شفق برأسها فأشار الملك سليمان إلى الوصيفة أسيل بأن تدخل الطبيب.
اسرعت أسيل إلى الطبيب وقامت بإدخاله.


القى الطبيب التحية فور دخوله إلى الجناح الملكي، وبدى عليه التعجب عندما رأى الملكة شفق تجلس على فراشها.

شعر الطبيب بالسعادة وعلق قائلًا:
-مولاتي، حمدًا لله على سلامتك ولكن ما الذي حدث لقد حاولت العديد من المحاولات لكن دون جدوى، للدرجة التي بدأ القلب يتوقف تدريجيًا عن النبض.

علت الابتسامة وجه الملكة شفق وقالت:
-أيها الطبيب إنها إرادة الله، ولكن ربما تجد الإجابة لدى الأمير عزالدين.

نظر الطبيب إلى الأمير عزالدين الذي تحدث قائلًا:
-لقد تعرضت الملكة منذ فترة للتسمم وقامت عجوز بأعطائي الترياق الذي كان له مفعول السحر، من حسن الحظ كان هناك القليل المتبقي من ذلك الترياق، عندما علمن أنها تعرضت للطعن بخنجر مسموم، أسرعت بإحضاره والحمد لله جعل الله فيه الشفاء.

قام الطبيب بفحص الملكة ثم نظر إلى الملك سليمان وقال:
-مولاي الملك المعظم، لقد استقرت الحالة الصحية للملكة.

إلتفت الطبيب إلى الأمير وقال:
-سيدي، هل يمكنني أن أرى تلك القارورة التي كان بها الترياق الشافي؛ أريد أن أجري عليها بعض التجارب لأعرف المكونات الرئيسية لهذا الترياق.

أشار الامير إلى القاروة وما إن شرع الطبيب في الامساك بها فوجىء بها قد اشتعلت بها النيران ولم تترك بها شىء


تعجب الجميع مما حدث وقبل أن يطرح الطبيب ما يراوده من تساؤلات تحدث الأمير عزالدين وقال:
-قدر الله وما شاء فعل، أهم ما في هذا الأمر هو أن الملكة بخير أيها الطببب شكرًا لك تستطبع الإنصراف.

وعلى الرغم من كثرة التساؤلات التي كانت تدور في عقل الطبيب إلا إنه لم يجد. أمامه سوى الإسئذان والأنصراف
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي