45

أماندا
عاصفة ترابية أشبه بالدوامة الرملية أحاطت بي أنا وصوفيا لتنعدم بعدها الرؤية وذلك ما إن اقترب منا أتباع سيت .

أغمضتُ عيناي وأنا أمسك بيد صوفيا ولا أعلم إذا كنتُ بهذا أبقيها إلى جواري أم استمد الطاقة من خلال تواجدها معي ؟! .

الغريب أن آخر ما لمحته على وجهها لم يكن خوفاً بل ارتسمت على ثغرها ابتسامة رضا ، وكأنها فقدت شغفها للحياة وما عاد الموت يشكل لها هاجساً .

أُجزم أن صوفيا شخص ماتت بعينيه مباهج الدنيا أو ربما تعتقد أن الموت أحن عليها من ظلم قاطني الأرض بمن فيهم أمي التي سلبتها هي وأخيها أبسط حقوقهما ، ولكنني لا أظن أنها جاءت إلينا لتنتقم ، من الأساس هي لا تعلم عن الحقبة الماضية شيئًا .. مسكينة صوفيا !! .

استدارت عيناي بصدمة عندما هدأت أهوال تلك العاصفة فوجدتني بمكان غريب كلياً عليَّ ، وبنظرة متأملة في الجوار أتضح أننا الآن بمغارة في حضن جبل .

- " اللعنة !! إنهم قطيع " بلاك ايز " " ، هذا ما غمغمت به سمانتا عندما لاح على بعد واحد من أفراد هؤلاء المختطفين بزيه الأسود القاتم المرسوم على ظهره شعار ذاك القطيع من المارقين .

زفرتُ بإحباطٍ إذ علِمتُ وقتها أنهم لن يتركوني ؛ فأنا ابنة ريتشي وشقيقة ألكساندر ، للحقيقة لم أتوقع أن هم من نجحوا في اقتناصنا من حصار سيت وأعوانه ، ولو كنا بموقفٍ آخر لمنحتهم بعضاً من عبارات الإشادة والاستحسان ؛ فقد صدق الجميع عندما أشاعوا عنهم أنهم بارعون في السحر والخدع البصرية .

حركت رأسي أومأ بانبهار ، أتمتم بخفوت ،
- " ما أخبثهم !! لقد أوهموا الجميع بتلك العاصفة ليصرفوا الانتباه حتى يتمكنوا من انتزاعنا من بين براثن مَن اجتمعوا بتدبير من الملكة أو ممن جاءونا بمحض الصدفة من أفراد قطيع أبي المبجل ويلسون ، والآن حتماً سيستخدموني لمحاولة تدمير أخي وبث حيلهم المُتقنة لتشتيت ائتلاف القطيع الذي أنشأه ألكساندر " .

اجتذبني من بين أفكاري صوت أنين مكتوم ، فتوجهت أنظاري تلقائياً لمن ترقد إلى جواري مكبلة من يديها وكاحليها بوثاق من الحبال السميكة .

ابتسمت بتهكمٍ ؛ فعلى ما يبدو أن مَن أعتقدتُ بأنها غير عابئة بما قد يحدث ، هي مَن أرهقتهم على عكسي تماماً لذا عمدوا على شل حركتها بقيودهم .

انتبهت حواسي فجأة عندما وصل إلى رئتيّ رائحة مختلفة عمَّ أريجها بالهواء المحيط بي .

- " إنها رائحة رفيقي !! ...أشعر به ... إنه يقترب .. يا الله إنه شعور مبهج !! ... رفيقنا سمانتا !! لا أصدق أن ذاك الأحمق قرر وأخيراً ملاقاتي .. واو علينا بالصبر فمن المؤكد أنه أتى لينقذننا " ، هذا ما بثيته لسمانتا عبر الرابط الذي بيننا .

أجابتني ذئبتي بنبرة مفعمة بالحماس ،
- " وأنا ايضاً أتمنى ذلك عزيزتي ، فهو إذا لم يظهر في الدقائق القادمة ؛ لن تتاح لي الفرصة أبداً لمعرفة لمسة رفيقي وستظل كلانا عذارى " .

- " اصمتي الآن أيتها اللعوب ." ، زجرتها ، وأنا أمشط ذلك المخبأ بحثاً عن وسيلة للهرب .

قطعت صوفيا تواصلنا ، وهي تسألني بدهشةٍ وكأن ما يحدث معنا منذ أن خرجنا من القصر غير ذا أهمية وما يشغلها الآن ما أردفت به تواً ،
- " ما بك أماندا ؟! ولماذا اتسع بؤبؤا عينيكِ هكذا ؟! " .

تأففتُ بضيق ، أحاول التحكم بنبرة صوتي حتى لا ينتبه إلينا أولئك المرابطين أمام فتحة ذلك التجويف الصخري المختزنان به ،

- " أنا حمقاء ساذجة ... وأنتِ أيضاً صوفيا ... لماذا خال عليكِ تلك الفقرة الهابطة التي أدتها كبيرة الأوميغا وأتيتِ هنا إلى القرية ؟! بل لِم تبعتكِ من الأساس ؟! ألا ترين أننا أصبحنا في مأزقٍ لا نحسد عليه وجل ما يهمكِ هو اتساع بؤبؤي ؟! حسناً .. لتعلمي أيضاً أن أنفاسي تكاد أن تنقطع كلما تخيلتُ أننا وقعنا في هذا الكمين عبثاً للاشيء ، والأقبح من ذلك إذا لم يأتينا الدعم ، سينتهي أمرنا وكأننا لم نكن . "

ضاق جبين صوفيا ، وهي ترد علي باستياءٍ ،
- " لا طائلةً تُذكر من تأنيبكِ هذا ، والآن قولي لي ماذا يحدث معكِ ؟! " .

لم أُجِبها وإنما امتدت يميني أمسك بيد صوفيا التي سألتني على الفور ،
- " هل أنتِ بخير ؟! اخبريني ما الذي يجري بحق الآلهة ؟! " .

- " أنا ... " ، ماتت الكلمات على طرف لساني وأخذت أهز رأسي تلقائياً بشكلٍ محمومٍ ذهاباً وإياباً، إذ راودتني تواً خيالات غير مبشرة ، صحيح أن معالم أشخاصها ليست واضحة بشكل كلي ولكن ما تبين لي بما لا يدع مجالاً للشك أن وجودنا هنا سيدفع ثمنه أبرياء .

أجفلتُ عندما شعرتُ بصفعتها القوية على خدي الأيسر ، تفحني حديثها همساً ،
- " كُفي عن الهزيان .... واطلعيني عما ترينه الآن حتى نتمكن من التصرف ؟ " .

- " لنهرب الآن صوفيا قبل فوات الأوان بالنسبة لنا جميعاً ، هؤلاء إناس خطيرون لا قِبل لنا بمجابهتهم ." ، قلتها بعجالة وأنا أحررها من قيودها بصعوبة بالغة .

ولكن كان الأوان قد فات بالفعل . عرفت ذلك في اللحظة التي حاصرونا فيها الرجال الثلاثة الذين انشقوا عن قطيع الألفا ألكساندر منذ عدة أشهر .

وإذا بكبيرهم زاك ، يقول ساخراً ،
- " إلى أين يا فاتنات ؟! لقد بدأ الحفل تواً " .

ارتد رأسي بذهول لتلك التي تحدثت بغنج ، تقول ،
- " أهلًا يا رفاق ... هل تبحثون عن لحظاتٍ ممتعة أم سنقضي فترة احتجازنا هنا في رتابة وملل؟! " .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي