44

أماندا
علمتُ شيئين في الدقائق القليلة الماضية أن هناك مكروهاً سيحدث لصوفيا ، ستقع بقبضة أعداء أخي لا محالة ، سيأخذوها ، ولكنني لن أتركها فلتعاني ريتشي إذاً ، ولتعلم أن مَن نصب الفخ سيقع بشركه ، لن أدعهم يأسروها وحدها ، إما أنا وصوفيا ، أو لا أحد ، حتى وإن تأذت كلتنا ولكنني لن أغدر بها مثل الأخرتين .

تلك كانت توابع ما خططت إليه ريتشي ، أجل منذ أن استمعتُ إلى اتفاقها المدنس مع كنتها السوداوية وأنا أعلم أن الخطر يحدق بصوفيا التي جنت عليها الملكة الأم هي وأخيها بالماضي .
من الآن وصاعداً لن أدعوها أمي ، فقط ريتشي .

الآن اتضحت خيوط مخططهما القذر ، وذلك بعد أن قررت صوفيا بطيبة قلبها مساعدة وصيفة أمي المُطواطئة ، كان سيناريو ولا أروع ، ولكنني لم أتمكن من تحذير صوفيا أمامهما ، فبعد أن أزاحت صوفيا الحارس الذي أعاق طريقها ، أسرعت تخرج من القصر لتنقذ فتاة لم ترها ولا علاقة وثيقة تربطها بها .

هرولتُ إلى حيث المخرج الآخر التابع للخدم ذلك المطل على الحديقة الخلفية ، أضع وشاحاً على رأسي التقطته بمجرد ما إن وقعت عيناي عليه معلق بأحد المشاجب بغرفة خدام الأوميجا التي مررت بها وأنا في طريقي للخروج ، وللحظ كان رداءً تنكريًّا أمثل ، إذ أنسدل ليغطي ثوبي المنزلي البسيط الذي يتناسب مع ما تقمصته من وظيفة .

الأميرة أماندا غادرت القصر من البوابة الفرعية على أنها إحدى الخادمات .

هتفتُ بصوفيا بعد أن ابتعدنا عن أعين الحراس ، فقد كنت حريصة على الحفاظ على مسافة كبيرة بيني وبينها حتى لا يشك أحد التابعين بي ،
- " تمهلي صوفيا ... سآتي معكِ " .

التفتت تناظرني بعينين مندهشتين ، تتسائل باستغراب ،
- " أماندا !! لم تتبعيني ؟! ، على أي حال لن تثنيني عن مساعدة تلك المسكينة ".

رفعتُ كلا راحتي بمهادنة ، أقول في محاولة مني لردعها ، ولكن الإصرار المرتسم بمقلتيها جعلني على يقين تام بأنني لن أتمكن من فعلها ،
- " استمعي إلي جيداً صوفيا ... الأمر يبدو وكأنه فخٌ منصوبٌِ للإيقاع بكِ فلا تجعليهم ينجحون في ذلك " .

رفعت إحدي حاجبيها بشكٍ ، تقول مستفسرةً ،
- " اجعلهم !! عمن تتحدثين ؟! " .

تجمدت الكلمات على طرف لساني ، وأنا أزفر باختناق ولا أجد ما أعقب به ؛ فماذا سأقول ؟! أن جلالة الملكة ... القدوة والمثل الأعلى التي يتغنى الرعية بسمو أخلاقها هي من تدير مشهد خطف رفيقة ابنها وتسعى للخلاص نهائياً منها ، تلبكت متمتمةً ،
- " لا أعلم  ولكن حدسي ينبؤني بذلك " .

حدقت بي صوفيا ، مردفةً ،
- " هل تتوقعين المستقبل إذاً ؟! " .

أومأتُ بالإيجاب وبالرغم من أنني لا أكذب في ذلك ولكن لم تراودني أية خيالات بشأنها ولا حول شيءٍ آخر منذ فترة ، وهناك شيء آخر لفتت صوفيا نظري إليه _أتوقع المستقبل _ .

أجل فقد كان هذا يحدث معي قبل بلوغي ولكن الآن توقفت تهيؤاتي التي كنتُ أراها في عقلي وتتحقق في الواقع عن مواتاتي .

انتزعتني صوفيا من تيه أفكاري ، تمتم قائلةً بتلقائية لمستني في مقتل ،
- " دوماً ما كان أبي يتوقع أشياءً تحدث في المستقبل بعضها يصيب والآخر يخيب ، وفي كلا الحالتين إذا كان هناك احتمال ولو بسيط أن هناك أحد يعاني وفي يدي رفع الضرر عنه ، فإنني لن اتقاعص عن ذلك " .

- " اللعنة !! إذاً قد توارثتُ تلك الهبة من أبي المارق ما بات هناك نسبة ضئيلة للشك " .
كان هذا خاطري مع ذئبتي سمانتا التي أجابتني بإقرار ،
- " انظري إلى الجانب المشرق صغيرتي يمكننا الاستفادة من تلك المهارة ، الماضي لا يهم فلنمضِ قُدُماً ، ولكن الغريب أنه منذ اتحادنا لا ترى أي منا توقعات عن المستقبل ، اسأليها ربما هناك تفسير لذلك ؟! " .

كنتُ قد أغمضت ُ عيناي بشتات أحاول ترتيب أفكاري ، وعندما أفرجتُ عن أهدابي لم أجد أثراً لصوفيا ، ضربتُ بأنظاري على مرمى البصر ، وجدتها قد تجاوزتني بعدة أمتار تسرع في خطاها قاصدةً الجهة الشرقية للقرية .

تمكنتُ من اللحاق بها عندما استوقفت أحدهم فعلى ما يبدو أنها تجهل الطريق إلى بيت الحكيم ؛ فإشارات صاحب اليد تدلها على الجهة الأخرى وتلك هي الجهة المنشودة ، رفعتُ صوتي لأجذب انتباهها ،
- " صوفيا اااا ... قلت لكِ سآتي معكِ ، تمهلي يا فتاة " .

التفتت إلي تزفر بيأسٍ ، تقول ببسالة ،
- " أماندا ... أنا لستُ طفلة صغيرة ، ولا أريد أن أتسبب لكِ في مهاترات مع صاحبة الجلالة ، عاودي أدراجكِ وأنا سأجلب العلاج وأوافيكِ إلى هناك " .

لم أعر لما قالته أي انتباه ، بل تقدمتها وأنا أشير لها بأن تتبعني ، سيرنا جنباً إلى جنب بمحاذاة ، ولمحتها تهز رأسها باستنكار تتمتم بنزق ،
- " عنيدة مثل أخيكِ ، تباً لماء الكِبر الذي يجري بعروقكما !! " .

تغضيتُ عن تعقيبها الساخر ، وسألتها بنبرة حاولتُ أن أبدي فيها اللامبالاة ،
- " كنتِ تقولين أن أبيكِ يتنبأ الغيب ... هل هذا صحيح ؟! " .

أردفت وهي تهز كتفها بلا اهتمام ،
- "وإذا ؟! فكل منا قد حبته الآلهة بما يميزه حتى نحن المارقين " .

تنهدتُ أخفي تهكمي ، فقط لو تعلم الحقيقة ، الآن استنتجتُ لما أبقاها أبي هي وتوأمها ، لابد وأن حدسه أنبأه بأنهما ذوي شأن بالغ ، ولكن تُرى مَن هو أخوها لصوفيا ؟! وهل تعلم بوجده ؟! استرسلتُ أحدثها ،
- " وهل ورثتي أنتِ تلك المَلَكة عنه ؟ " .

حركت رأسها بالنفي ، تقول بخيبة ،
- " لا .. فأنا لا أشبهه في شيء على الإطلاق ، وحتى لوسيا أختي لم ترث ما مُنِح لأبي ، إذ قالت ذات مرة أنها ورثت هبة أخرى لا تود الإفصاح عنها ، ولكن أبي دوماً ما يقول أن نسله لا يتعرف على قدراته إلا عندما يلتقي برفيقه ، حتى وإن ظهرت عليه بعض من معالمها ، لكن لن يكتمل بلوغ أبناءه إلا حينما نقابل رفيق القمر خاصتنا " .

سمانتا عقبت تقول بضيق ،
- " سحقاً ... ذاك الأبله لم يظهر حتى الآن !! هل علينا أن نبحث عنه أماندا ؟! إنه خمول للغاية !! " .

ثوانٍ وعمَّ الهرج ، وأصوات حفيف الرياح التي علا ضوضائها تبعث الرهبة في النفوس ، وصهيل جياد تردد بالقرب ، ومن ثم ظهر من العدم حَملة شعار مملكة الصحراء ، أولئك أتباع ست .

وهناك على مرمى البصر تدفقت حشود من كلا الجانبين تتبع طوائف أخرى إنهم بعض أفراد قطيع معادٍ لأخي حتماً ، ولكن أعلامهم لم تتضح بعد .

أما من هم على الجانب الآخر يتقدمهم أصلي الذي أمثل صورته ، إنه ويلسون بالتأكيد .

والآن أصبحتُ أنا وصوفيا محاصرتين من جميع الجهات ، تحلقت مقلتاي بصدمة فعلى ما أظن أنها النهاية .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي