الفصل السابع عشر لقاء ليس فالحسبان

نظرت الملكة شفق إلى ابنها الأمير عزالدين وقد بدى عليها التعجب ودفعها الفضول إلى أن تتسائل:
-بني، أخبرني ما الذي أصاب تلك الفتاة وجعلها تصارع الموت.

وبإبتسامة ساخرة علق الامير عزالدين وقال:
-إنه القدر الذي دائمًا يوجهنا حيث يشاء، لم يصيبها شيء لقد سقطت على الأرض فاقدة لوعيها، لقد اخبرتني العجوز إنها ستموت هي أيضًا إن لم أعود لوطني.

شعرت الملكة شفق بمدى الحزن والآسى الذي يعانيه الأمير الشاب، لقد فقد أول فتاة يدق قلبه بحبها.

أمسكت الملكة شفق بيد الأمير ثم تحدثت قائلة:
-بني، ما إن نطمئن على حياة الملك سليمان يمكنك حينها الذهاب إلى تلك الفتاة والإطمئنان عليها واحضارها إلى هنا.

تلألأت الدموع في عين الأمير وعلق قائلًا:
-أمي، هذا شيء مستحيل، لا يمكنني الذهاب إلى هناك لقد فقدت الوسيلة الوحيدة التي كان بمقدوري استخدامها للعبور إلى تلك الغابة.

تعجبت الملكة وعلقت قائلة:
-هل فقدت كتاب العرافة؟! كيف حدث ذلك؟!

اومىء الأمير برأسه وقال:
-عندما فتحت ذلك الكتاب لأعود إلى هنا، ظهرت الفجوة والهالة الضوئية التي جذبتني إلى داخلها، امسكت بالكتاب ولكنني عندما خرجت من الفجوة الزمنية وقع الكتاب من يدي، كأن هناك من أوقعه من يدي، وعندما  أردت أن ألتقطه وجدته يشتعل حتى احترق تمامًا.

صمت الأمير قليلًا ثم واصل حديثه قائلًا:
-أمي، لقد تعلمت الكثير من رحلتي هذه وتعلق بأشخاص وفراقهم لي أصابني بجرح غائر في قلبي.

ربتت الملكة على كتف الأمير وقالت:
-لابد أن نرضى بقضاء الله وقدره حتى نستطيع العيش والإستمرار،  حينها سوف تدرك الحكمة الإلهية من ذلك.

حاول الأمير التظاهر بالتماسك فتحدث قائلًا:
-مولاتي، لقد رضيت  بقضاء الله ولكن ماذا عن والدي الملك سليمان؟!

تلألأت الدموع في عين الملكة وتحدثت قائلة:
-لقد زج به المنصور في سجن الجحيم، بعد أن استولى على عرش المملكة.

قبض الأمير عزالدين على يده بقوة وعلق قائلًا:
-أعدك إنني لن أدع المنصور يفلت دون أن اعاقبه على جميع أفعاله.

نظرت الملكة شفق إلى ابنها الأمير عزالدين وقالت:
-كنت أخشى عليك دائماً من المنصور وابنائه، لقد تسبب خوفي الشديد عليك لأن ابعدك عن التدريبات القتالية العنيفة، لم أبني داخلك الفارس الشجاع الذي يواجه الأعداء بكل قوة وشجاعة، فكيف ستواجه المنصور وابنائه؟!

علت الابتسامة وجه الأمير عزالدين وتحدث قائلًا:
-أمي، لقد أرسل الله إلي من يقوم بتدريبي وحمايتي، من تعلمت على يديه فنون القتال وعرفت منه كيف تكون الشجاعة والباسلة في محاربة الأعداء.

تعجبت الملكة وعلقت قائلة:
-من يكون ذلك الفارس؟!

ابتسم الأمير عزالدين ابتسامة يملؤها الحزن الذي ملأ العيون بالدموع ثم قال:
-إنه صديقي الفارس الشجاع زورو.

شعرت الملكة بالإرتياح لما سمعته من الأمير عزالدين وقالت:
-بني، أليس هناك طريقة لمقابلة ذلك الفارس وشكره على ما فعله.

أومىء الأمير برأسه نافيًا وتحدث قائلًا:
-لا يمكنك لقاءه لقد ضحى بحياته وهو يدافع عني.

شعرت الملكة بالحزن لما يعانيه الأمير من حزن وأسى وعلقت قائلة:
-رحمة الله على الفارس الشجاع، اما الآن فعودًا حميدًا يا قلب أمك.

امسك الأمير بيد والدته وعلق قائلًا:
-سلمك الله من كل سوء أمي الغالية، والآن لم يعد لدينا مزيدًا من الوقت لابد من جمع المعلومات اللازمة عن المنصور وابناءه وجمع أكبر عدد من الذين يحملون في قلوبهم كرهًا للمنصور والذين تعرضوا لأذى وظلم من المنصور فأولئك هم الذين سيحررون المملكة من بطش المتصور وظلمه.

أومأت الملكة وقالت:
-كل ما تريده من معلومات سوف تقوم الوصيفات بجمعها لك.

نظر الأمير عزالدين إلى والدته وقال:
-أمي، لا يمكنني أن أعرض أيًا من الوصيفات للخطر، سوف أبحث عن الأمير نجم الدين وسوف أعقد معه اتفاقًا، اعتقد إنه سوف يرحب بهذا الإتفاق.

نظرت الملكة شفق إلى الأمير عزالدين وقد بدى عليها الضيق ثم علقت قائلة:
-عزالدين، لا داعي لعقد اتفاقًا مع هذا المتعجرف الذي يتعامل مع الناس على إنه من كوكب آخر، أرى أن ترسل رسولًا إلى الأمير عبدالله بن الوليد فهو من الأمراء المتواضعين الذين يولون بالولاء للملك سليمان لن يتردد في مساعدتك.

اوميء الملك عزالدين برأسه ثم قال:
-أمي، محاربة المنصور تحتاج إلى التعاون والمشاركة من الجميع، أن نكون يد واحدة في مواجهة هذا الظالم الذي لا يتقِ الله.

علت الابتسامة وجه الملكة وقالت:
-أشعر أنني أقف أمام شخص آخر غير ابني عزالدين الذي كنت أعرفه.

نظر الأمير عزالدين إلى والدته وقال:
-أمي، تلك الرحلة علمتني ما لم اتعلمه طوال حياتي، لقد كانت كالمغامرة المليئة بالمخاطر التي جعلت مني شخصًا آخر.

غادر الأمير الكهف واتجه لمقابلة الأمير عبدالله بن الوليد، اثناء مرور الأمير عزالدين داخل البستان الخاص بالأمير عبدالله بن الوليد توقف بشكل مفاجيء ووقف مذهولًا.
لقد لفت انتباه الأمير عزالدين رجل يشبه إلى حد كبير الفارس زورو.

أسرع الأمير عزالدين إلى رجل وصاح عليه في لهفة:
-زورو.

نظر الرجل إلى الأمير وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
-سيدي، من تريد؟!

امسك الأمير بيد الرجل وقال:
-زورو، ألا تعلم من أكون؟!

الرجل وقد بدى عليه الدهشة علق قائلًا:
-سيدي، من يكون زورو هذا؟! لست بزورو، إنني عبدالعزيز بن عمران الهادي.

هنا أيقن الأمير أن الشخص الذي يقف أمامه ليس بصديقه زورو بل شخص آخر شديد الشبه به.

علت الابتسامة وجه الأمير وعلق قائلًا:
-حسنًا يا عبدالعزيز، هل تمانع في أن ألقبك بزورو فهذا الأسم عزيز على قلبي.

علت الابتسامة وجه عبدالعزيز وعلق قائلًا:
-حسنًا سيدي، إن كان هذا الأسم قريب إلى قلبك فلست أمانع في أن تدعوني بزورو ولكن من تكون؟!

تحدث الأمير عزالدين وقال:
-إنني عزالدين سليمان بن الملك سليمان.
تلألأت الدموع في عين عبدالعزيز وعلق قائلًا:
-أنت ولي عهد ملكنا فك الله أسره واعزه وذل المنصور وانتقم منه أشد انتقام.

اعجب عزالدين بعبدالعزيز وتحدث إليه قائلًا:
-عبدالعزيز، ما رأيك في أن تصبح صديقًا لي؟

تعجب عبدالعزيز وعلق قائلًا:
-سيدي، لاينبغي ذلك؛ إنني من عامة الشعب وأنت ولي العهد.

علت الابتسامة وجه الأمير وعلق قائلًا:
-لم أعد وليًا للعهد، حتى إن كنت وليًا للعهد فهذا لا يمنع أن نكون اصدقاء.

نظر عبدالعزيز إلى الأمير نظرة اعجاب وعلق قائلًا:
-سوف تعود وليًا للعهد وسوف يعود الملك سليمان ملك مملكة النيروز، اليوم هو  عيد النيروز وكما ترى ليس هنا أي مظهر من مظاهر الأحتفال، ذلك الرجل قضى على أي احتفال للشعب يدخل على قلبه السعادة، لم يسمح بأي حرية في الحديث أو أي احتفالات بدون تصريحًا منه.

شعر الأمير عزالدين بالغضب وتحدث إلى عبدالعزيز وقال:
-عبدالعزيز، ما رأيك في أن تنضم إلي لمحاربة المنصور وعودة العدل والأمان إلى مملكة النيروز؟

علت الابتسامة وجه عبدالعزيز وعلق قائلًا:
-حسنًا موافق ولكنني لا أجيد القتال ولا أعرف المبارزة.

ابتسم الأمير عزالدين وقال:
-لا عليك سأعلمك يا صديقي مثلما علمني صديق لي من قبل.

علت الابتسامة وجه عبدالعزيز وقال:
-حسنًا، أوافق ولكن بشرط.

نظر الأمير عزالدين إلى عبدالعزيز وقد بدى عليه التعجب ثم قال:
-أي شرط هذا؟!

مازالت الابتسامة تعلو وجه عبدالعزيز وهو يقول:
-شرطي هو ألا تكف عن مناداتي بزورو.

ضحك الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
-حسنًا يا صديقي لن أدعوك إلا بالصديق زورو.

شعر عبدالعزيز بالسعادة وأخذه الحماس أن تحدث قائلًا:
-سيدي، اسمح لي سوف أذهب وأصطحب معي بعض من اهلي واقاربي وجيراني الذين يكرهون المنصور ويتمنون التخلص منه.

علت الابتسامة وجه الأمير عزالدين وقال:
-هذا شيء عظيم، اذهب ولنتقابل بعد ساعة في المدخل الخاص بغابة الأحلام.

اتجه الأمير عزالدين لمقابلة الأمير عبدالله بن الوليد بينما ذهب عزالدين لجمع كل من يستطيع لمواجهة المنصور.

استقبل الأمير عبدالله بن الوليد الأمير عزالدين سليمان استقبالًا يملأه الود والحب ثم تحدث إليه:
-لقد احزنني انقلاب المتصور على الملك  سليمان وما فعله بالشعب من ظلم وطغيان.

اومىء الأمير عزالدين برأسه وقال:
-لهذا السبب أنا هنا اليوم، أنني أحتاج إلى مساعدتك في مواجهة المنصور ورجاله.

فالبداية تردد الأمير عبدالله قليلًا وهمس في نفسه قائلًا:
-لو هزمنا المنصور فسوف يقوم بقتلنا جميعًا.

شعر العادل بن عبدالله أن والده دفعه الخوف من المنصور إلى التردد فدنا منه وحدثه قائلًا:
-والدي، إننا على الحق فالمنصور هو الذي أخطأ وانقلب على الحاكم الشرعي للبلاد ولابد أن ينال عقابه ويأخذ جزائه، تذكر يا ابتِ أنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا.

اومىء عبدالله بن الوليد برأسه وعلق قائلًا:
-أنت محق يا بني على بركة الله.

ثم نظر إلى الأمير عزالدين وقال:
-عزالدين، أنا ورجالي معك.

علت الابتسامة وجه الأمير وعلق قائلًا:
-حسنًا، لنجتمع عند المدخل الخاص بغابة الأحلام بعد ساعة من الأن ونحن على اهبة الاستعداد.

غادر الأمير عزالدين قصر الأمير عبدالله بن الوليد واتجه للقاء الأمير نجم الدين مهران.
وعلى عكس ما كان يتوقعه الأمير عزالدين من الأمير نجم الدين فقد رحب به ترحيبًا كبيرًا وأخبره أنه سيتعاون معه للقضاء على المنصور ولكنه اخبره بشيء آخر لم يكن يتوقعه.

لقد تحدث الأمير نجم الدين إليه وقال:
-ارحب بالتعاون معك لإسقاط ذلك المتقلب الحقيرالذي سولت له نفسه السيطرة على حكم البلاد ونشر الفقر والفساد بين أفراد الشعب، لقد قمت بتوفير جميع الأسلحة التي سنحتاج إليها اليوم إذا لزم الأمر.

نظر الأمير عزالدين إليه وقد بدى عليه التعجب وقال:
-نجم الدين، هل كنت على علم بقدومي إليك طالبًا مشاركتك معنا؟!

علت الابتسامة وجه الأمير نجم الدين مهران وعلق قائلًا:
-لم اكن أعلم إنك ستأتي إلى هنا بنفسك ولكنني قمت بالإتفاق مع الملك سليمان على كل شيء.

تعجب الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
-قمت بالإتفاق مع الملك سليمان، متي وأين حدث هذا الإتفاق؟!

علت الابتسامة وجه الأمير نجم الدين وقال:
-ألم تعلم أننا قمنا بإخراج الملك سليمان من السجن بالأمس وهو الآن في منزل الأمير فؤاد ينتظر اللحظة الحاسمة التي سنهاجم فيها قصر النيروز.

امسك الأمير عزالدين بيد الامير نجم الدين وقال:
-من فضلك أريد أن أرى والدي الملك سليمان.

ربت الأمير نجم الدين على يد الأمير عزالدين وعلق قائلًا:
-اطمئن والدك بأمان ولكنني إن قمت بإصطحابك إليه سوف نلفت أنظار رجال المنصور وربما تفشل الخطة التي قمنا بأعدادها.

أومىء الأمير عزالدين برأسه وقال:
-حسنًا، لنؤجل هذا الأمر الآن، ولكن عليك أن تخبرني بالخطة الني وضعتموها حتى لا تتعارض مع خطتي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي