الفصل السادس عشر عودة الأمير

القلوب حزينة والعيون قد تلألات بداخلها الدموع، إلتفتت الوصيفات حول الملكة شفق وقد بدأ اليأس يتسلل إلى قلوبهن بعد أن فشلن في العثور على الترياق.

لقد بدأ لون جلد الملكة يتغير فشعر الجميع أن الأجل قد اقترب، تزايد الحزن بداخلهن، فقررت كلًا منهن الخروج إلى غابة الأحلام لعلها تحدث المعجزة وتعثر على الترياق بأي وسيلة.

اسرعت أسيل (الوصيفة المقربة للملكة شفق) بالبحث عن أي شخص يمكنه مساعدة الملكة ولكنها لم تجد أحد فقررت العودة إلى كهف العرافة.

وفي طريقها للعودة إلى الكهف استوقفتها هالة كبيرة من الضوء.

لن تستطيع أسيل النظر إلى تلك الهالة من ج شدتها فوضعت يدها أمام عينيها.

فوجئت أسيل بشيء يخرج من تلك الهالة، فأسرعت بالإختباء خلف الأشجار  وتطلعت لترى ما الذي يحدث.

نظرت فإذا برجل يخرج من الفوهة، كاد قلبها أن يتوقف من الخوف فأغمضت عيناها وحاولت التماسك ثم همست قائلة:
-لا أعرف هل ما رأيته شيء واقعيًا أم إنه مجرد خيال؟!

أسرعت أسيل بفتح عيناها فإذا بالرجل يسير نحوها.

إزدادت نبضات قلبها من الخوف الذي اعتلاها ولكن سرعان ما تبدل ذلك الخوف إلى سعادة وفرح عندما اكتشفت أن هذا الرجل هو الأمير عزالدين.

أسرعت إليه وقامت بمعانقته وهي تقول:
-مولاي الأمير عزالدين، حمدًا لله على سلامتك، لم أكن اتوقع رؤيتك مرة أخرى.

نظر الأمير عزالدين إلى أسيل وتحدث قائلًا:
-أسيل أين أمي؟

نظرت أسيل إلى الأمير عزالدين وفاضت عيناها بالدموع، ثم علقت قائلة:
-سيدي، يصعب على لساني أن أخبرك بأن مولاتي الملكة تحتضر.

أمسك الأمير عزالدين بيد أسيل وقال:
-أسيل، لا تقلقي سوف يصبح كل شيء على ما يرام فقط أخبريني أين أمي.

أومئت أسيل برأسها ودموعها المنهمرة على وجنتيها لم تتوقف، أسرعت بالركض صوب الكهف وخلفها الأمير عزالدين.
دلفت أسيل إلى داخل الكهف بوجه غير الذي غادرت به.

نظرت فيروز إليها وقد بدى عليها التعجب خاصة عندما رأت الابتسامة عاى وجه أسيل، لكنها سرعان ما ذهب عنها الدهشة والتعجب عندما تنحت أسيل جانبًا لتظهر عن الأمير عزالدين خلفها.

نظرت فيروز إلى الأمير عزالدين وهمست قائلة:
-هل حقًا ما أرى؟ كيف استطاع الأمير العودة؟!

أسرع الأمير عزالدين إلى والدته، نظر إلى جسدها الممدد على فراش المرض وتلألأت الدموع في عينيه ثم همس قائلًا:
-أمي، أعتذر إليكِ لترددي في العودة، لقد كدت أن افقدك للأبد.

نظرت أسيل إليه وقد بدى عليها التعجب ثم قالت:
-مولاي الأمير، إن مولاتي الملكة في حالة متأخرة وتحتاج إلى معجزة لتستعيد وعيها.

لم يهتم الأمير بما تقوله أسيل وأسرع برفع رأس والدته ثم جلس خلفها ووضع رأسها على صدره.

جميع الوصيفات وقفن يرتقبن ما يحدث، فإذا بالأمير يخرج من جيبه قارورة ويقوم بوضع ما بها من سائل في فم الملكة، وبعدها أعادة الملكة إلى حالة الإسترخاء مرة أخرى.

لم يمضي وقت وبدأت الملكة تستعيد وعيها.

قامت الملكة بفتح عينيها فعلت الابتسامة وجه الجميع وأسرع الأمير عزالدين إليها وقام بضمها إلى صدره وهو يقول:
-أمي، حمدًا لله على سلامتك.

نظرت الملكة إليه وتهلل وجهها من السعادة ثم تحدثت بصوتٍ خفيض وقالت:
-بني، لقد عدت إلي من جديد.

علت الابتسامة وجه الوصيفة أسيل وقالت:
-مولاتي، حمدًا لله على سلامتك وسلامة مولاي الأمير عزالدين الذي جاء ومعه الشفاء.

أمسكت الملكة بيد الأمير عزالدين وقامت بتقبيلها ثم قالت:
-بني، بعودتك إلي عادت إلي روحي.

عانق عزالدين والدته وعلق قائلًا:
-حبيبتي، لم أكن لأعيش لحظة واحدة إن. اصابك مكروه.

اعتدلت الملكة في فراشها ونظرت إلى وصيفتها وقالت:
-أسيل، منذ متى وأنا على هذه الحالة؟!

دنت الوصيفة من الملكة شفق وبعد أن قبلت يدها علقت قائلة:
-مولاتي، لقد مضى ما يقرب الشهر وأنتِ غائبة عن الوعي، لا تشعرين بمن حولك، ولا حتى بالطبيب عرفان عندما جاء إلى هنا وقام بفحصك.

نظرت الملكة إليها وقد بدى عليها التعجب ثم قالت:
-هل جاء الطبيب عرفان إلى هنا؟! كيف حدث ذلك؟!

روت أسيل للملكة ما حدث منذ أن غابت عن الوعي إلى أن استردت وعيها مرة أخرى.

تأثرت الملكة بعد أن علمت بما حدث للطبيب عرفان ثم علقت قائلة:
-رحمة الله عليه، عاش وفيًا ومات شريفًا، لا بد أن ينال المنصور أشد العقاب على ما فعله.

أسيل وقد دفعها الفضول إلى أن تسائلت قائلة:
-مولاتي، لقد أخبرنا الطبيب عرفان أن ما حدث لكِ كان بسبب شيء تناولتيه أو قمتي بإستنشاقه، هل يمكنني أن أعرف كيف وصل السم إليكِ؟!

شردت الملكة قليلًا فتذكرت..

كانت الملكة تتجول في غابة الأحلام في ثياب بسيطة حتى لا يتعرف عليها أحد.

لقد أصرت على أن تتجول بمفردها وألا يتبعها أحد من الوصيفات.

ظلت الملكة تتجول في الغابة وهي شاردة مهمومة تفكر في ابنها وزوجها تتمنى لو تستطيع أن تطمئن عليهم.

ظلت الملكة تتجول في الغابة وتتذكر ابنها الأمير عزالدين فأخذها الشوق لرؤيته وضمه إلى صدرها.


لاحظت الملكة وجود حركة غريبة خلف إحدى الأشجار العملاقة.

اتجهت الملكة شفق صوب هذه الشجرة فإذا بالعرافة العجوز تجلس هناك.

نظرت الملكة إلى العرافة وأسرعت إليها ثم تحدثت إليها وقالت:
-أيتها العجوز أين أنتِ؟ لقد بحثت عنكِ كثيراً.

نظرت العجوز إلى الملكة وقالت:
-كنت أنتظر قدومك لأخبرك بما يسعد قلبك.

علت الابتسامة وجه الملكة وعلقت قائلة:
-هل تعلمين شيء عن أبني أو زوجي؟!

ابتسمت العجوز وقالت:
-سوف يعود أميرك إليكِ قريبًا وسوف يجتمع شتاتكم.

علت الابتسامة وجه الملكة وشعرت بالإرتياح فهي تثق فيما تقوله هذه العجوز، وتحدثت قائلة:
-متى سيعود ابني؟

علقت العجوز وقالت:
-سوف يعود قريبًا ولكن عليكِ أخذ هذه الزهرة والإحتفاظ بها فهي التي ستجعل الأمير يعود إليكِ.

أمسكت الملكة شفق بالزهرة وقامت بإستنشاقها، فجأة شعرت بدوار شديد فنظرت إلى العرافة العجوز وقالت:
-إنني أشعر بدوار شديد.

علت الابتسامة وجه العجوز وعلقت قائلة:
-هذا الذي سيجبر الأمير على العودة إليكِ.

انهت العجوز حديثها ولم تشعر الملكة بشيء بعد ذلك فقد فقدت وعيها وسقطت على الأرض.

عادت الملكة من شرودها وتحدثت قائلة:
-لقد اعطتني العجوز زهرة ما إن قمت بإستنشاقها حتى فقدت وعيِ، لقد تعمدت العجوز ايذائي يا لها من شريرة.

تبادلت أسيل وفيروز النظرات ثم تحدثت إلى الملكة قائلة:
-مولاتي، لقد أتت إلينا عجوز وأخبرتنا أنكِ فقدت وعيك في الغابة فأسرعنا وقمنا بإحضارك إلى هنا.

علت الابتسامة وجه الأمير وعلق قائلًا:
-أمي، تلك العجوز ليست بشريرة، إنها تعرف ما الذي تفعله، لقد فعلت الشيء الذي أجبرني على العودة إلى هنا.

نظرت الملكة إلى الأمير عزالدين وقد بدى عليها الغضب ثم تحدثت إليه بنبرة حادة وقالت:
-عزالدين، هل كنت ترفض العودة لذلك قامت تلك العجوز بوضع السم في الزهرة حتى تجبرك على العودة؟!

أمسك الأمير عزالدين بيد الملكة شفق وقام بتقبيلها، ثم علق قائلًا:
-أمي ومولاتي وحبيبة قلبي، لقد مررت بأشياء كثيرة وبمغامرات ومواقف صعبة للغاية وقاسية ربما سأقص عليكِ كل شيء ولكن في الوقت المناسب.

تذكر الأمير الفارس زورو والأميرة آيلا وامتلأت عيناه بالدموع ثم واصل حديثه قائلًا:
-لقد فارقت خلال رحلتي هذه أحبابًا لي كان لهم كل الفضل فيما وصلت إليه اليوم، لم تود العجوز إيذائك ولكنها رأت انجذابي للعالم الآخر وتعلم مدى تعلقي بكِ فأعطتني الترياق وطلبت مني العودة لإنقاذك.

نظرت الملكة إلى الأمير عزالدين ودفعها الفصول إلى أن تتسائل:
-عزالدين، هل دق قلبك لأحد خلال رحلتك هذه؟!

أومىء الأمير عزالدين برأسه وتلألأت عيناه بالدموع وعلق قائلًا:
-أجل واتمنى أن تكون بخير، فهى أيضاً كانت تسارع الموت.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي