١٦

الفصل السادس عشر
بعد أن تحسنت حالة الطقس داخل العاصمة "برلين" ودع "ألبرت" عائلته وتوجهًا إلى ميناء "هامبورج" ليستقل الباخرة المتوجهة إلى ميناء "السويس" القابع في المملكة المصرية ومن هُناك سوف يذهب إلى أرض الكنانة ومهد الحضارة الإسلامية والفرعونية، أرض المحروسة "القاهرة"

عندما ولج "ألبرت" الباخرة وخط بقدمية داخلها، سار إلى حيث المقصورة خاصته وضع حقيبته أعلى الفراش الصغير ونزع عن جسده المعطف الشتوي ثم غادر مقصورته متوجهًا صعودًا إلى سطح الباخرة ليستنشق الهواء العليل ويطالع السماء والنجوم اللامعة التي تلتف حول السُحب البيضاء في صورة متناغمة والقمر الساطع الذي يُنير عكمة الليل في ذلك الوقت، فهو يعشق السفر ليلًا يُفضل الهدوء والسكون والتأمل بذهن صاف، رغم الضوضاء المنبعثة حوله من ثرثرة الاناس؛ فجأة أنتشله من حالة تأمله لزرقة المياه القاتمة عزف البيانو الذي يهواه ولكن كان العزف نشازًا منما جعله يشمئز من تلك الضجة المصاحبة مع أحاديث وهمهمات الفتيات وصوت العزف.
نزع قبعته وأمسك بها ثم ارتكز بساعدية على سياج الباخرة الخشبيه وما زال يطالعها وهي تُبحر داخل المياه الزرقاء وتتمايل في حركتها المُثقلة صعودًا ونزولا، تشق طريقها وسط ظلمة أمواج البحر الثائرة و النجوم المتلألأة أعلاها في السماء والقمر ينبعث من ضوءه وهج فضي يُنير غسق الليل.
لم يعد يتحمل الضجيج فقرر ترك سطح الباخرة والعودة إلى مقصورته لعله يأخذ قسطًا من الراحة.
مرت الثلاث ليال على وجود ألبرت في الباخرة بجهد وتكبل، فقد عان بهما كثيرًا بسبب الضوضاء المرتفعة والجلبة التي لا تنتهي، سأم ذلك الوضع، عندما اقتربت الباخرة على ميناء السويس وها هُنا موعد اقترابه للأراضي المصرية وتنفس الصعداء لشعوره بالراحة، وعندما صدح بواق الباخرة من عبورها الميناء تبسم في هدوء واستنشق الهواء البارد الذي الفح وجهه وخصلاته السوداء التي تطاير على اثرها، تداعبه برقة طفل صغير تستقبله والدته بالاحضان وتداعب وجنته الملساء باناملها الرقيقة..
أسرع بخطوات واسعة يدلف داخل المقصورة ثم سحب حقيبته وارتدى المعطف الشتوي وقبعته ثم حمل حقيبته مُغادرًا إياها في تهابي وأستعداد لمغادرة الباخرة..
وبعدما انهي خروجه من الميناء بسلاسه تسأل كيفما يذهب إلى قاهرة المعز، أخبره إحدى العاملين بالميناء باقلاع مركب سوف تُبحر إلى نهر النيل بعد ساعة اذا كان يود الذهاب فعليه دفع الرسوم وأنتظار المركب التي تقله إلى أرض المحروسة..
❈-❈-❈

جلس ألبرت بمقعده فوق القالب الصغير الخاص بالصيد وبدأ الصياد في التجديف بذراعي الخشبية ولفحت نسمات الهواء العليل وجهه وشعر بالارهاق فلم يغمض له جفن تلك الليالي الماضية مما جعل جسده يشعر بالاسترخاء، نزع قبعته واخفى بها وجهه ثم مدد بجسده وضم المعطف الشتوي على جسده واغمض عيناه ليذهب في ثبات عميق..

غردت العصافير وحلقت الطيور في الأفق وأدلت الشمس أشعتها الذهبية التي تُدفئ مياه نهر النيل وجريان الرياح فتح ألبرت عيناه على جمال وسحر المنظر البديع الطيور التي تتناغم وكانها تعزف سمفونية والأشجار الخضراء التي تقع على ضفاف النيل وسحر ميائه العذبة وجمال ورونق الطبيعة الخلابة التي تجعل من يتطلع لذلك المنظر الساحر كأنه يرا لوحة فنية رُسمت بفن وأبداع وليس إي أبداع أنه من أبداع الخالق.
هتف الصيد مُرحبا به وقال بصوت ودود :
-مصر نورت يا خواجة
طالعه ألبرت ببسمة طفيفة وقال باللغة العربية الفصحى الذي كان يدرسها ويُدقنها جيدًا :
- مصر دائما مُنارة بأهلها.
التقط حقيبته ولوح بكفه مودعًا ذاك الرجُل وتطلع للمارة حوله يتفقد الاناس في هذا الصباح وعندئذ وقعت عيناه على "عربة حنطور" أشار إلى سائقها الجالس بمقعده ويمسك باللجام ثم ضرب الخيل بالسياط ليتحرك خطوتين للأمام حيث يقف البرت
قال ألبرت بلكنة الجيدة:
-تسمح لي أن تصلني إلى خان الخليلي
فهم الرجُل لحديثه وهبط في خفة عن مقعده ليلتقط الحقيبة من يد ألبرت وهو يقول بلغته العامية البسيطة :
-أتفضل يا خواجة، وعاد على مسامعة الترحاب الشديد بوجوده وبعدما استقل الحنطور انطلق الجواد في تهادي وتطرق السائق لعدة أحاديث وكأنه مُرشدًا سياحيًا يخبره عن القاهرة وشعبها وملكها "الملك فؤاد الأول"
وللعجيب أنه لن يمل من ثرثرة السائق فقد كان مُستمع جيدًا له ويطلع هنا وهناك بنظرات ثاقبة يشاهد معالم مصر الحبيبة.
ألي أن وصل للخان ولم يشعر بالطريق، ترجل من الحنطور وأعطى الرجُل "مارك ألماني" عملته في ذلك الوقت، وسار بخطوات واسعة منبهرًا بجمال خان الخليلي، أحد أحياء القاهرة القديمة، وهو يتمتع بجذب سياحي كبير بالنسبة لزوار القاهرة.
يتميز بوجود بازارات ومحلات ومطاعم شعبية.
سار "ألبرت" في شارع طويل يوجد به عِمارات مُربعة القوائم تصِل بينها ممرات جانبية تقاطع الشارع الأصليّ، وتزحُم جوانب الممرات والشارع نفسه بـ " الدكاكين"؛ فدُكان للساعاتي وخطاط وأخر أسكافي الاحذية المصنوعة من الجلد الطبيعي، ورابع للسجاد وخامس للتُحف وهكذا. بينما يقع هُنا وهناك مقاهي لا يزيد حجم الواحدة منها عن حجم (الدُكان) الصغير، وقدّ جلسَ الصنَّاع أمام الدكاكين يكبون على فنونهم في صبر.

ويحيط الخان بفناء يُشبه الوكالة، فيما تضُم الطبقة الوسطى منهُ المحلات، أما الطبقات العليا فتحتضِن المخازن والمساكن العتيقة.
وتتصدر الخان "مقهى الفيشاوي" التي تستطيع أن تحتسي الشاي والقهوة ، وتثرثر في أي شيء كيفما شئت، قبل أن تبدأ الجولة في الحي العتيق وليس هناك ماهو أمتع من التجوال سيراً على الأقدام داخل أزقة وحواري تحتاج إلى عبقرية في فك ألغازها، وإلى حاسة سادسة لمعرفة طلاسمها، فالأزقة متراصة كحبات عقد، متداخلة كقوس قزح متعدد الألوان، ولايعرف أحد حتى الآن الفلسفة المعمارية التي بني على أساسها خان الخليلي، فالأرض مبلطة بحجر بازلتي أسود لامع، والسوق مسقوف بخشب تحدى الزمن وعوامل التعرية، والشمس تتسلل إلى حوانيت عديدة تشكل مع بعضها سراديب مليئة بالكنوز والتحف النادرة، والمصنوعة بمهار
وإذا بدأت الرحلة في الخان فلابد وأن تلقي نظرة على ماتبقى من (مشربيات) مطلة على الشارع أو الحارة، وأسبلة جميلة مشغولة واجهاتها بالنحاس وفيها أحواض الماء التي كانت تروي العطشان وعابر السبيل.

والمقاعد الخشبية التي رصها أصحاب المقاهي لجذب الرواد، وبمجرد أن تدخل الشارع يتناهى إلى الأسماع عبارات الترحيب المصرية خفيفة الظل، وكلمات أولاد البلد المرحبة تدعو الزائرات والزائرين للفرجة، «واللي مايشتري يتفرج». ولو دخلت أحد الحوانيت فإن البائع يستقبلك بعبارة «مصر نورت» ويرد الزائر الذي له خبرة بعالم القاهرة السحري ومفرداتها اللغوية «مصر منوره بأهلها»، ويبدأ في عرض ما لديه من بضائع، لاتفارقه ابتسامته، وكلماته المتدفقة حول جودة بضاعته، وأنها صنعت خصيصاً لعشاق الفن اليدوي. وتجار الخان خبراء في فن البيع، ورثوا التجارة والشطارة عن الأجداد، وهم يعرضون الأصيل والمزيف من البضائع، ولهم ولع عجيب بالمساومة، كما يتسمون بصبر وجلد على إقناع الزبون..
كرنفال الزائرات والزائرين لحي خان الخليلي يتداخل مع ملابس مزركشة رصها أصحاب الحوانيت"الدكاكين" كنوع من العرض والإغراء والجذب على واجهة المحلات، وتتدلى مئات وربما آلاف (المسابح) داخل فترينات العرض، أو في أيدى صبية صغار يعرضون أنواعاً شتى من المسابح، بعضها مصنوع من بذر الزيتون والبلاستيك وتسمى (نور الصباح)، وبعضها الآخر ينتمي لفصيلة الفيروز والمرجان والكهرمان واليسر، ومنها مايصنع من خشب الصندل، ويقول أحد الصناع المهرة إن المسبحة تصنع على آلة يدوية صغيرة ودقيقة اسمها (المخرطة).

وفي خان الخليلي تحرص النساء من كل الجنسيات على شراء (العقد) الذي تتدلى منه (عين حورس)، وتصنع العقود من خامات شتى، وما على الزبون إلا تحديد طلبه وفق إمكاناته المالية، وهنا يخرج له البائع (تحفة فنية) ربما مر على صناعتها مئات السنين،
وأهم مايلفت النظر في مشغولات خان الخليلي هو دقة الصناعة اليدوية، هناك محلات تعرض قلادة أو أسورة عليها نقوشات ومنمنمات قضى في نقشها صانع ماهر أياماً وربما شهور. والذهب هو الذهب مهما مر الزمان أو تغيرت الأوطان، والسياح الأجانب يحرصون على شراء المشغولات الفضية، لكن السياح العرب يحبون الذهب، وقد زحفت محلات من شارع الصاغة الشهير إلى خان الخليلي بحثاً عن (زبون) رفيع الذوق، يقدر ما بين يديه من نفائس
كلما سار خطوة داخل الخان تتسع عيني أنبهارًا وسحرًا من منظره العريق وجماله الأخذ للعيون، وجد مقهى قرر أن يستريح على أحدى مقاعدها الخشبية ووضع حقيبته لياتي شخصًا من خلفه يلتقط الحقيبة ويفر هاربًا ركضًا بسرعة كبيرة، نهض مصدومًا من مجلسه وراءه بعض المتواجدين بالمقهى فلحق بذلك الشاب وحاصره من الجهة الأخرى شابًا أخر وأمسك به ولكن فلت من بين يديه، عاد الشاب يحمل الحقيبة بيده ويضعها أمام ألبرت قائلا:
-ماتخفش يا خواجة قدرت ألحقه
تبسم له ألبرت وشكره بأمتنان
اقترب منه الرجُل الثاني وجلس على نفس الطاولة التي يجلس عليها ألبرت وقال هامسًا بودية:
- نورت مصر يا خواجة
مد يده يصافحه وقال بلباقة:
-ألبرت أرثر
صافحه الآخر بمحبة وقال:
-عبدالله السعدني، ثم أشار بكف يده لمحل سكنه ودكانه الذي يبتاع به السلع الغذائية، وأخبره أيضا بأنه يمتلك شقة في الطابق الأرضي فارغة أذا أراد أن يستأجرها تلك المدة التي سيقضيها بالمحروسة، واستحسنت الفكرة ألبرت وشكره بأمتنان على مساعدته وأصطحبه "عبدالله" وسار جانبه يأخذه المسكن خاصته ويعطيه الشقه ولم يعترض ألبرت الأمر وجدها فرصة مناسبة للقضاء أكثر فترة مُمكنة داخل الخان ريثما ينهي العمل الذي جاء من أجله..
❈-❈-❈
داخل المقهى..
الاناس المتواجدين على مقاعدهم الخشبية كل منها سارح في ملكوته؛ منهم من يحتشي الشاي وبعضهم يلعبون الدومنة وأخرين يلعبون الشطرنج، أما على الجانب الاخر يجلس مجموعة من الشباب المُثقف مرتدين حلتهم ويضعون الطربوش الأحمر أعلى رؤسهم في مرحلة البكالوريا وشاب منهم يمسك بالجريدة يتحدث عن أخبار الملك فؤاد الأول وحاشيته وانه سوف يُقام حفل في قصر عابدين بسبب عيد مولد ولي العهد الامير فاروق الأول.


والمذايع يصدح داخل المقهى على نغمات المحطة الإذاعة بصوت المطرب "محمد عبدالوهاب" ..
وفي هذا الاثناء جاءت أحداهما تتبخطر في خطواتها بملابسها المزركشه الكاشفة عن ذراعيها وتضع الملاءة اللف السوداء لتواري جسدها الغض وكلما تحركت كشفت عن ساقيها الجميلتين المرمريتين ملفوفة القوام، مرتدي شبشب بكعب عالي باللون الأسود وعليه من كل جانب وردة؛ والخلخال يرن ويصدح صوته كلما سارت خطوة، مما جعل العيون تترصد لها وتطالعها بشهوة ورغبة في ألتهامها.
هتف شابًا ينفث في دخان شيشته "الارجلة" وهو جالسًا على المقعد الخشبي داخل المقهى:
- مافيش نهارك سعيد ولا انا هواء يا ست الحُسن والجمال
دارت وجهها ثم رمقته بنظرة شامخة وقالت بلامبالاة وهي تلوي ثغرها الرقيق أسفل اليشمك التي تضعه على وجهها :يا سم
عاد يهتف ببسمة طفيفة وهو يهندم من شاربه الرفيع :
- أموت أنا في الثمنة البلدي
اكملت خطواتها المتهادئة لتصل إلى صانع النحاس، وقالت بصوت هادئ:
-نهارك سعيد يا معلم
رفع الرجُل أنظاره عن عمله الذي كان يدقنه بصبر وتفاني ورد باسمًا؛
- نهارك سعيد يا ست الكل، أومريني
-ما يؤمرش عليك عدو ، خلصت الصينية النحاس اللي قولتلك عليها
-من بدري يا ست الكل
أخرجت دلاية النقود من داخل صدرها وهي تقول :
- وهتاخد عليها كام بقى يا معلم
-مليمين "النقود" في تلك الفترة
وضعت بكفه مليمًا واحدًا وقالت بفصال:
-هو مليم واحد مافيش غيرة
تبسم لها في ود ثم قربه من شفتاه يقبله وهو يقول :
-من يد ما نعدمها يا ست الكل، و عبقال المرة الجاية..
عادت تسير في هوداء لتطالع فتوة الخان "شاب اسمراني بجسد ضخم البنية وعريض المنكبين يرتدي جلباب بنية ويحمل النبوة بيدة ويلف العمامة السوداء أعلى رأسه، بعيون حادة كالصقر نظر خلسة لمن يتطلع لمحبوبته، ملكيته الخاصة فمن يجرؤ على النظر إليها والجميع في حي الخان يعلم بأنها تخصه وحده، رفع النبوة وأسقطه بكل قوته أعلى الطاولة التي يجلس عليها الشاب الذي يتغزل معشوقته ويتفرس ملامحها بنظراته وهتف بصوت أجش :
-عيونك دول هخرجهم في أيدك المرة الجاية لو رفعت عينك على ستك وتاج رأسك
أبتلع ريقه بتوتر ووقف يرتجف أمامه قال معتذرًا يخشى غضب الفتوة "سلطان" وساقية كادت أن تلتصق ببعضهما أثر خوفه وتخبطة وجاهد في أخراج صوته ثم قال هامسًا بهلع:
-أمرك يا معلم
لكمه "سلطان" لكمة قوية أطرحته أرضًا وقال وهو يحمل نبوته ويغادر المقهى:
-قرصة ودن لامثالك العرة
ثم قبض بقوة على رسغها وسار بخطوات غاضبة يجرها جرًا خلفه وهو يقول بصوت غليظ :
-كلامي يتسمع يا "سمارة" مفيش خروج من مطرحك وكل طلباتك هتكون عندك
ضحكت له بدلع وقالت بهيام:
-أمرك يا فتوة قلبي
❈-❈-❈
عودة إلى المشفى ولا زال "سليم" شاردًا بأفكاره يتذكر جيدًا الشجار الذي أندلع بينه هو ووالده عندما أنكشف أمر عمله داخل المافيا العالمية لتجارة الأسلحة والأعضاء البشرية ويضع بعض من أمواله ببنوك أخرى خارج البلاد ويدخل أمواله في غسيل الأموال بسبب أعماله المشبوهة وكما أنه حاول إقناعه بأنه يفعل الصواب داخل مشفاه، فبعض رجال الدولة والاعمال منهم بحالة مرضية حرجة وبحاجة لزرع كبد وأخر كليه وثالث لزراعة قلب ويستغلون الموتة مجهولين الهوية في ذلك لكي لا يثيرون الشبهات حولهم.
تذكر غضبه وثورته التي قامت ولم تقعد وغادر شركة والده وعلى أثر أنفعاله وغضبه جاءت سيارة مُسرعة أصطدمت به وقلبت له سيارته رأسًا على عقب ونجى من هذه الحادث المروع بأعجوبة وأثناء وجوده بالمشفى وبعدما فاق من غيبوبته تصنع هو بأنه لم يعد يحرك قدميه لكي يُعطي والده درسًا لن يُنسى ويُحمله ذلك الذنب، يعلم بأنه هو شقيقه نقطة ضعفه وكان يود أن يترك عمله داخل المافيا ويعود كما كان وبالفعل وعده "توفيق" بذلك..
تنهد "سليم" بعمق وتذكر مُقدم الشرطة الذي أتى لزيارته داخل المشفى وأعلمه بخبر أغتيال والده بطلق ناري ولم يُعلم أحد بذلك الخبر المشئوم الذي هبط عليه كالصاعقة.
وأسترسل المُقدم قائلا بأنه يريد منه أن يدخل هو مكان والده بعالم المافيا لينكشف جميعهم ويعاقبون على كل ما أقترفوه من أخطاء وحان وقت المُحاسبة لذلك وعده سليم بأن يفعل ما يأمره به ولكن يخفي سبب وفاة والدته ولم يُعلم أحدًا أنه يعمل مع المافيا وقُتل على يديهم الملوثة ووعده المُقدم بأخفاء سر والده والحافظ عليه.
أنتشله من شروده طرقات متتالية على باب الغرفة تلح بالدخول وصوت رخيم يستأذن بالدلوف :
-سليم باشا ممكن أدخل، أنا المقدم "حازم الجيار"
طالع سليم باب الغرفة المُغلقة بتسمر لا يعرف كيف أتى به في ذلك الوقت العصيب وما هي خطته القادمة ولكن كل ما يعلمه علم اليقين أنه يُريد الانتقام ولن يقبل بتدخل أي كأن في ذلك فكل ما تعرض له شقيقه يتحمل ذنبه ويدركه جيدًا ولن يتهاون فيما فعل به ذاك ولو كلفه الأمر حياته لن يخضع ولن يستسلم ويجلس ينتظر تدخل الشرطة بالأمر فمنذ تلك اللحظة أصبحت مسئلة حياة أو موت ولن يقبل بالهزيمة يكفي ما حدث.
هتف بصوت أشج يسمح له بالدخول وحاول ان يظهر بثبات لكي لا يشك بأمره..
❈-❈-❈
بينما في قارة أوروبا
تحديدا في الولايات المتحدة الأمريكية "نيويورك"
قصر الكابو "الزعيم"
كان داخل قصره العريق ذا افخم الطراز ولكنه يشطاط غيظًا بسبب فشل عمليته الأخيرة والأمور التي لم يعقب لها حسابًا فقد خسر الكثير من رجاله منهم من قُتل على يد الشرطة الفيدرالية وأخرين تم الزج بهم داخل السجون.
دلف مكتبة بخطواته غاضبة وجلس خلف مكتبه ثم دار بالمقعد عدة مرات وتوقف فجأة يسكب مشروبه من الكحول داخل كأسه ثم تجرعة مرة واحدة وعاد يعود الكورة ثانيًا وثالثًا بنظرات غامضة ثاقبة حادة وعيون براقة، وهج من الغضب واللهيب المُستعر، نظرات جامحه تطلع للفراغ بغموض قاسي وجسد مُتصلبًا.
استمع لطرقات متوترة تقرع باب مكتبه بتردد علم من صاحبها ودون ان ينبس بكلمة وأعطى القادم ظهره بعدما أشعل غيلونته البنية وسكب مشروبه.

دلف الشاب بخطوات مضطربة وجسده يرتجف وهو يطالع جسد الزعيم الضخم الذي يظهر جالسًا على المقعد الوثير خلف مكتبه ويعطي ظهره للشاب الذي يقف مذعورًا رغم عمله گ قناص مُحترف إلا أنه يرتجف خوفًا من بطش الزعيم بسبب ما فعله من خطأ وجيم، لن يصفح عنه زعيمه، فقد كلفه بمهمة لم ينجزها على أكمل وجه.
ولم يظهر منه إلا جسده العريض وقبعته السوداء التي يرتديها أعلى رأسه.
قال بصوت جشي بعد أن نفث اللفافة المُشتعلة بين أطراف أنامله يعبئ رئته من دخانها الحارق وباليد الأخرى يمسك بكأس المشروب ثم قال بلكنته الإنكليزية :
-هل أنهيت مُهمتك بـ مصر؟
أبتلع الشاب ريقه بتوتر وقال بصوت مُهتز أثر رجفته:
-أعتذر يا فاخمة الزعيم فقد أرتجفت أناملي وأخطئت التصويب بالهدف، أرجوك أن تصفح لي خطئي هذه المرة وأعدك لن أفعلها ثانيًا.
عاد ينفث دخان سيجارته بتلذذ وبرود ثم قال أمرًا:
- لن أقبل الصفح، عاقب نفسك العقاب الذي يليق بك
لاح أمام اعينه طيف زوجته وطفلته الصغيرة ثم زرفت عينيه بالدموع الساخنة وأخرج من جيب بنطاله الخلفي سلاحه، صوبه على جبينه بعدئذ أغمض مقلتيه بقوة، ثم ضغط الزناد لتخرج طلقة مدوية تعرف طريقها وتطرحه أرضا في الوقت والحال وأنسابت الدماء حوله ولم يرف لذلك القابع خلف مكتبه طرفة عين بلا أبتسم بنشوة وتلذذ على ما فعله القناص بيده وهمس يحدث نفسه:
- هذا هو الانتصار الحقيقي؛ أن تجعل من أخطأ يُعقاب نفسه بالطريقة التي وضعتها أنت.
ثم دار بمقعده عدة مرات متتالية وهو يكركر ضاحكًا ويتوعد بأن القادم سيكون جحيم وهو لن يرحم أحد...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي