42

أماندا
عم الصمت بالأرجاء حالما تراجعتُ بتفاجئ جراء ما وصل إلى مسامعي من حكيٍّ يشيب له شعر الوليد ، وأمي تحيك خطة الخلاص من صوفيا بجبروت وكأنها شيطان تمادى في شره ولا رادع له ، بل هي كذلك .

ثوانٍ وبدأ وقع أقدامهن يقترب من باب الغرفة الذي استتر خلفه ، بعد أن اصطدمت قدمي عن غير قصدٍ بإحدى الطاولات وسقط ذاك التمثال الذهبي الموضوع أعلاها فَرَنَّ مُحدثاً ضجيجاً توقف له دقات قلبي .

نسيتُ أن أخبركم أنا أماندا . الأخت المنبوذة للألفا ألكساندر . هو الوحيد الذي أبقاني بالقرب منه بالرغم من تجاهل الجميع لي .

لقد تعلمت بالطريقة الصعبة أن أخي هو الاستثناء عندما يتعلق الأمر بمجتمعنا الذكوري .

أعلم إنه يحبني كثيراً ، ولذلك لا يوجد شيء لن أفعله لأجله إذا تطلب الأمر ، لكنني لن أستطيع إنقاذه مما سيمر به ، لا يمكنني إنقاذ أيّ منا الآن ،
وذلك بعد أن اقتحمت أمي الغرفة كالعاصفة ، تقبض على خصلات شعري بقسوة ، تقول بأعين بالرغم من ارتجاف بؤبؤيها خوفاً إلا أنها تحمل من الإزدراء ما يجعلني أتسائل عن سبب سوء معاملتها لي ،

- " أنتِ !! ماذا تفعلين هنا ؟ اجيبي قبل أن اقتلع شعركِ هذا خصلة خصلة بعد أن أغمس رأسك بقدح ماء مغلي " .

حسناً ... إذا كانت تمتلك كل هذا القدر من التبجح ، فلن التزم الخنوع بعد الآن ، لذا نفضتُ يدها عني بتقزز ، أقول بعنادٍ وأنا أمطرها هي وهيلا مثيلتها في الشر بنظراتي التي تفيض نفوراً ، تلك النظرات التي رأيت انعكاسها بحدقتي هاتين الماكرتين المترقبتين لما ستنطق به شفاهي ،

- " أوه ... الملكة ريتشي تهدد وتدبر !! حقاً صُدمتُ بل لن أبالغ ، ليس كثيراً .. كان يجب علي أن أتوقع ما هو أسوء من أُمٍّ چاحدة مثلكِ ، كنت أظن أن كراهيتك موجهة لي وحدي ، ولكن فكرة أنكِ تخططين لإيذاء كل من حولكِ حتى ألكساندر ، ذلك شيء أصابني بالغثيان مولاتي الملكة " .

اقتربت مني أمي بخطواتٍ غاضبة ، ترمقني بوعيدٍ ، ترجمَته إلى كلماتٍ تقول ،
- " نعم أكره أن يكون لي ابنة ضعيفة مثلكِ ، أما ألكساندر فما أفعله الآن هو الأصلح له ، وإن نطق لسانكِ بحرفٍ مما سمعته سأقتلكِ بيدي وتكوني بذلك قد ارحتيني من رؤية معالم وجهكِ التي تذكرني ...... " .

ابتلعت باقي جملتها ، ولكنني سأكمل عنها إذ أردفتُ أقول ،
- " تذكركِ بمن جلالة الملكة الأم ؟! " .

لم تُجِب بل وظهر عليها الارتباك ، رفعتُ يميني أفرك جبيني بأناملي وأنا أحاول التركيز ؛ فما سأُصرِح به الآن سيأجج بركان خامد ،
- " أذكركِ بويلسون ، أليس كذلك ؟! ترى هل يعلم أنني ابنته أم أخفيتِ عنه الحقيقة مثلما خدعتِ زوجكِ يا جلالة الملكة ؟ " .

لم أشعر سوى براحة يدها التي لطمت خدي بقوة كادت أن تطيح بي ليخترق جسدي الحائط المجاور ، ولكنني تشبثت بأرضي أدعي الثبات وداخلي ينهار ، وهي تتسائل بصوتٍ اهتزت نبرته ،
- " أي هراءٍ تقولين أيتها المعتوهة ؟! كيف تجرؤين على إدعاء شيء كهذا ؟! أتريدين أن تشعلي نار الفتنة بيني وبين ألكساندر ؟! ترغبين في تشويه سمعتي ؟! أي عدوة أنجبت ؟! " .

وجهتُ بصري إليها ، وأنا أزيل عني الدماء التي شعرت بحرارتها وهي تسيل على جانب فمي بظهر يدي ، أقول بجمودٍ ،

- " ليس إدعاء مولاتي ، هذا ما أدليتِ به وأنتِ مخمورةٌ بالأمس بعدما عدنا من حفل الملك شيكار ، وها قد اكتملت الرؤيا ، ليتكِ استمعتِ إلى ما كنتِ تهزين به من كلماتٍ ، ولكني سأتلو عليكِ بعضاً منها " .

دنوت إليها أجز على أنيابي أحاول تمثيل تلك الضغينة التي ارتسمت على ملامح وجهها بالأمس وهي تتحدث بسُكرٍ ، ولكن ما بي أبعد ما يكون عن الضغائن والكراهية ، وما اصطكاك أسناني سوى لما ينمو بداخلي من قهرٍ ، أقول مستكملةً بشراسة ،
- " سأقتلك ويلسون ... بل وسأحرق قلبينا على ابنتك التي كلما نظرت بوجهها أرى ملامحك بها أيها الحقير ، لكن تُرى مَن الذي أستغل فيكما الآخر ؟! أنتِ كي يخلصكِ من أبناء أدريان ؟! أم هو ليحافظ على حياته بعد أن كان مطارداً ومهدورًا دمه ؟! " .

أقسم أنني رأيتُ الخوف بعينيها ولأول مرة ، ولكنها صرخت بي في قوة ،
- " كاذبة ... أنتِ كاذبة ... لا أعلم كيف وصلت بكِ الحقارة لتنسجي كذبة گ ...... " .

قاطعتها أقول ، وأنا ابتسم بسخرية ،
- " هاااااي ... هاااااي على رسلك جلالة الملكة !! لدي دليلٌ قاطع ، وأنتِ من سلطتِ الضوء عليه بغباء في حفل تتويج ألكساندر كملك على قطيعنا ... أعني على قطيعكم ... إذ أنني بتُ الآن على يقين بأنني ابنة المارق " .

لم أشغل بالاً لما ظهر على وجه تلك الكريهة هيلا ، منذ البداية وأنا لا أشعر بالراحة لوجودها ، وبعد مجارتها لما تخطط له أمي زاد إحساسي بالكراهية نحوها ، وللحقيقة هي لم تخييب ظني بها إذ صاحت تقول بإيثار ،
- " توقفا ... هناك ما هو أهم " .

ومن ثم خصت أمي بحديثها مردفةً ، وهي تشير إلي بتقليل ،
- " افيقي ريتشي .. إذا أخبرته أي مَن كانت هي بما دار بالخارج ، لن يرحمنا ألكساندر ، يجب عليكِ أن تتصرفي في تلك الكارثة ، خاصة وأن ابنكِ يثق بها كثيراً " .

نظرات الغدر صُوِّبت من عينيّ أمي التي رمقتني بغلٍ ، وهي تندفع نحوي ، مطوقةً ذراعي بيمينها تهزني بخشونة ، متسائلة بحزم ، متجاهلة ما أردفت به هيلا ،
- " انطقي عن أي دليل تتحدثين ؟! " .

أجبتها بتهكم ،
- " أنسيتِ عندما وقفتِ وسط حشود القادمين من أجل مباركة ألكساندر ، تقولين بتباهٍ إنه الألفا ألكساندر سليل العائلة الملكية ذو الدماء النقي ومن نقى نسبه زادت قوته التي تسري في عروق نسل الملوك كمجرى الدم ، أما أنا فلا ... أماندا ضعيفة ، أليس كذلك ؟! " .

زمجرت بحدة ، تقول بفحيحٍ ،
- " ما دمتِ الآن على علم بكل شيء ... فعليكِ أن تعرفي أن مَن سيحاول التفرقة بيني وبين ابني ستكون نهايته الموت ، ولن أوفر الجهد في القصاص ممن يمدون إليه بِِصلة " .

بدت وكأنها على استعداد لقتلي الآن ولكنني لم أعبئ لتهديدها وكنت سأهم بالرد عليها لولا دخول ألكساندر الذي أصابنا جميعاً بالارتباك ، وهو يرسم على ثغره تلك الابتسامة الحنونة وعلى ما يبدو أنه لم يستمع إلى شيء مما حدث منذ قليل ، إذ تمتم يقول بلطفٍ ،
- " لا أمي ... ألن ننتهِ من شجاركما على أمورٍ تافهة ؟! تعالي أماندا واخبريني عن سبب آخر نزاعاتكما ؟! " .

شحب وجه أمي على الفور ، ولكنها أردفت تُحدث ذيل الأفعى هيلا بصوت عالٍ متعمدة ،
- " هيلا ... اخبري كبيرة الأوميغا بأن تستدعي تلك الفتاة المارقة التي أُسِرت في هجومنا على قطيع ويلسون ، أجل تذكرت ... اسمها لوسيا .... لوسيا ويلسون دعيها تحضر إلى هنا وعلى الفور كي تقم بترتيب تلك الفوضى التي أحدثتها أماندا وإلا سأضطر إلى تفريغ شحنة غضبي بتلك المسكينة التي ستكون ضحية تهور ابنتي العزيزة " .

همستُ دون صوتٍ ، أردد ،
- " لوسيا ويلسون ... أختي !! لي أخت لا أعلم عنها شيئاً ؟! اللعنة حتماً ستؤذيها هي الأخرى ، ولن يستعص على سيت خطف صوفيا ولوسيا وقتلهما معاً ، كما دبرت أمي ، ولسوء حظي لم أستمع إلى خطة استدراج صوفيا " .

رفعتُ صوتي على الفور وأنا ارتمي بأحضان أخي بحثاً عن داعم ، بينما تحلقت عينا كلاً من ريتشي وهيلا وتوقفتا عن التقاف أنفاسهما ،
- " أخي أريد أن أتحدث معك في أمرٍ هام ، دعنا نرحل من هنا " .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي