الفصل الثالث عشر السم يسري في عروق الملكة

غادر السجان الزنزانة بعد أن طمئن الملك سليمان بأنه سوف يتخذ الإحتياطات اللازمة حتى لا يفتضح أمره.

جلس الملك يصلي ويبتهل إلى الله بالدعاء بأن يجعل له من أمره مخرجا.

جلس الملك وأسند ظهره إلى الجدار
ثم تذكر زوجته الملكة شفق وابنه الأمير عزالدين.

تلألأت الدموع في عين الملك سليمان وهمس قائلًا:
-أتمنى من الله أن يجمعني بكما على خير كاد القلق أن يقتلني من الخوف عليكما، ولكنني اثق أنكما في عناية الله.

في غابة الأحلام.

تجلس أسيل (الوصيفة المقربة للملكة) بجوار الملكة شفق التي تعاني من المرض الشديد منذ عدة أيام ولا تقوى على الحركة.

نظرت الوصيفة فيروز إليها وقالت:
-أسيل، لا يمكننا أن نترك الملكة بهذه الحالة دون أن نقوم بإستدعاء طبيب لها.

نظرت أسيل إلى فيروز نظرة مليئة بالحزن ثم علقت قائلة:
-فيروز، لا يمكننا المجازفة بذلك؛ أخشى أن يكتشف أحد هويتها ويعلم المنصور ورجاله بذلك فيقومون بقتلها.

تلألأت الدموع في عين فيروز ثم قالت:
-لا استطيع أن أرى الملكة شفق بهذه الحالة السيئة، سوف اتخفي واذهب إلى الطبيب عرفان الطبيب الخاص بها وسأحضره إلى هنا إنني على يقين من ولاءه للملك سليمان والملكة شفق.

وبالفعل ذهبت فيروز إلى مملكة النيروز قاصدة منزل الطبيب عرفان.

ما إن دلفت الوصيفة فيروز إلى داخل منزل الطبيب عرفان وأزاحت غطاء الرأس الذي كانت تضعه لتخفي به هويتها، نظر إليها الطبيب عرفان وقال:
-فيروز، لقد ظننت أن المنصور قام بالقضاء على جميع من بالقصر إما بالقتل أو السجن.

نظرت الوصيفة فيروز إلى الطبيب عرفان وقالت:
-سيدي الطبيب، عندما حدث الإنقلاب قام المنصور بالقبض على الملك سليمان ووضعه في سجن الجحيم، ولكننا تمكنا من الخروج من القصر من السرداب السري ومعنا الملكة شفق.

نظر الطببب عرفان إلى الوصيفة فيروز وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
-هل لازالت الملكة شفق على قيد الحياة؟!

أومئت الوصيفة فيروز برأسها وقالت:
-أجل سيدي ولكنها طريحة الفراش منذ عدة أيام لا تشعر بمن حولها، لذلك جئت إليك لتأتي معي وتقوم بفحصها لعل الشفاء يأتي علي يدك.

أسرع الطبيب عرفان وقام بأخذ حقيبته  ثم تحدث قائلًا:
-لا يمكنني أن اتأخر عن الملكة شفق هيا بنا.

غادر الطبيب عرفان منزله، نظر إلى الوصيفة فيروز وقال:
-فيروز، عليكي بوضع الوشاح الخاص بكِ حتى لا يفتضح أمرك.

اسرعت الوصيفة بوضع الوشاح على وجهها ولكن كان هناك من يقف مترقبًا لما يحدث، إنه أحد رجال المنصور، وما إن غادر الطبيب والوصيفة حتى أسرع الرجل إلى المنصور ليخبره.

رافق الطبيب الوصيفة فيروز إلى غابة الأحلام وعندما وصلت إلى كهف العرافة توقفت فيروز وأشارت له بالدلوف إلى داخل الكهف.

نظر إليها الطبيب وقد بدى عليه التعجب ثم تحدث قائلًا:
-هل تريدين مني أن ادلف إلى داخل هذا الكهف المهجور؟!

أومئت الوصيفة فيروز برأسها وقالت:
-أجل سيدي، فالملكة بداخل هذا الكهف.

اسرع الطبيب بالدلوف إلى داخل الكهف ففوجيء بوصيفات الملكة وهن يلتففن حولها وهي غائبة عن الوعي.

تذكر الطبيب عرفان ما كانت عليه الملكة منذ عدة شهور وكيف تبدل بها الحال لينتهي بها الأمر طريحة الفراش داخل هذا الكهف المهجور.

تلألأت الدموع في عين الطبيب عرفان وأسرع بفحص الملكة ثم بدى عليه الصدمة والذهول.

نظرت إليه الوصيفة أسيل وقالت:
-سيدي هل يمكنني أن اعرف ما الذي اصاب الملكة شفق؟!

نظر الطبيب عرفان إليها وقال:
-الملكة تعاني من التسمم، يبدو أنها تناولت عشبة سامة أدخلتها في غيبوبة.

تبادلت الوصيفات النظرات فيما بينهن وقد بدى عليهن التعجب والذهول.

إلتفتت اسيل إلى الطبيب وعلقت قائلة:
-سيدي، كيف حدث ذلك لقد رافقنا الملكة طوال الوقت ولم نراها تتناول أي عشبة سامة؟!

علق الطبيب عرفان وقال:
-هناك الكثير من الأعشاب السامة الموجودة بداخل هذه الغابة لا يعلمها الكثير لابد أنها استنشقت أو تناولت إحداها. 

وبملامح بدى عليها الخوف والقلق تحدثت أسيل وقالت:
-سيدي لابد أن تقوم بأعطائها عقارًا يبطل مفعول هذا السم.

اومىء الطبيب عرفان برأسه نافيًا وقد بدى عليه الحزن والأسى ثم علق قائلًا:
-السم الذي يسري في جسد الملكة ليس له علاجًا عندي ولكنني سوف أذهب واحاول جاهدًا لعلي استطيع أن اتوصل إلى الترياق.

غادر الطبيب عرفان وهو حزين بينما انفجر الجميع في البكاء حزنًا على ما أصاب الملكة شفق.

بعد عودة الطبيب عرفان إلى منزله لم يذق طعم النوم وظل يبحث ويجرب لعله يتوصل إلى الترياق الشافي.

في النهاية توصل الطبيب عرفان إلى دواء، فشرع في الذهاب إلى الملكة ليعطيها إياه لعله يجدي نفعًا ويبطل مفعول السم، لكنه فوجىء برجال المنصور يقتحمون المنزل ويقومون بإلقاء القبض عليه.

حاول المنصور أن يعرف من الطبيب عرفان المكان التي تختبيء بداخله الملكة شفق ولكن دون جدوى.

اشتد تعذيب المنصور للطبيب عرفان ولكنه لم يستطيع الحصول منه على أي معلومة عن المكان الذي تختبيء به الملكة فلم يجد أمامه سوى أن قام بقتله، ثم امر رجاله قائلًا:
-خذوا هذا الخائن وقوموا بتعليق جثمانه على أبواب المملكة ليكون عبرة لمن تسول له نفسه خيانة المنصور والتستر على الملكة شفق.

داخل كهف العرافة.

وقفت أسيل تتحدث إلى فيروز وتقول:
-فيروز، الوقت يمضي والطبيب لم يعود، أشعر بمزيد من الخوف والقلق بشأن ملكتنا.

نظر فيروز إليها وقالت:
-سوف أذهب إليه لأعرف ما الذي منعه من أن يأتي ويتفقد الملكة حتى لو لم يستطيع الوصول إلى الترياق.

أسيل وقد بدى عليها القلق علقت قائلة:
-لا تذهبِ فذهابك هذه المرة سوف يلفت الأنظار إليكِ، سوف أذهب أنا.

نظرت إحدى الجواري وتدعى نور وتحدثت قائلة:
-أسيل،  الجميع يعرف أنك الوصيفة المقربة من الملكة شفق وربما تثيرين الشكوك حولك فيتتبعك رجال المنصور ويعرفون المكان الذي تختبيء فيه الملكة شفق، سوف أذهب أنا.

وبالفعل ذهبت نور قاصدة منزل الطبيب عرفان، ولكنها سرعان ما عادت بوجه شاحب ويدان ترتجفان.

نظرت إليها أسيل وقد بدى عليها التعجب وتسائلت قائلة:
-نور، ما الذي أصابك، هل اكتشف أحدًا من  رجال المنصور أمرك؟!

نظرت نور إلى أسيل وقالت بصوت مرتجف:
-لقد قتل المنصور الطبيب عرفان وقام بتعليق جثمانه على أبواب المملكة؛ بعد أن فشل في أن يجعله يعترف بمكان الملكة شفق.

وضعت أسيل يدها على فمها من هول الصدمة، وقالت:
-رحمة الله عليه لقد كان شديد الولاء للملك سليمان وأدعوا الله أن ينتقم من المنصور وابنائه أشد انتقام.

انهمرت الدموع من عين فيروز وعلقت قائلة:
-أنا التي تسببت في قتله، لولا ذهابي إليه لما عرف المنصور وقام بقتله.

دنت أسيل من فيروز وقالت:
-هوني عليكِ ما ذهبتي إلى هناك إلا بهدف انقاذ ملكتنا شفاها الله وعفاها.

نظرت نور إليهم وقالت:
-ما الذي علينا فعله الآن؟! هل سنترك الملكة هكذا حتى تنتهي حياتها؟!

إلتفتت أسيل إليها وقالت:
-ليس أمامنا سوى الله نبتهل إليه وندعوه أن يكتب النجاة للملكة شفق ويرسل إليها من ينقذها.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي