40

هيلا
فركت كلا راحتي معاً ؛ أحاول منع ارتجافتهما ، وشردتُ بلقطة قريبة وأنا أجوب الحديقة بتوتر ، وتعلقت نظراتي ببوابة القصر انتظر خروج دراجون الذي أتى إلى هنا برفقة ألكساندر وتلك الملعونة صوفيا التي دمرت كل مخططاتي .

وها قد فشلتُ في الخلاص منها بعد أن أفرغت محتوى العلبة التي أعطتني أيها سيلا خادمتي التي أحضرتها معي إلى هنا لتكن تابعة لي وتوافني بكل ما يحدث داخل جدران قصر الألفا بالكأس الذي أعده إڤان من أجل تلك العقربة ودون أن يلحظ ذلك .

أجل ... فقد اعترضتُ طريق إڤان ، وذلك بأن ظهرتُ أمامه فجأة من العدم لحظة خروجه إلى حديقة قصر شيكار ، وتصنعت التعثر ؛ كي ألهيه عما دسيته بالكأس وهو منشغلاً في معاونتي على الاتزان برجولة .

سحبت قدراً من الهواء أزفره بتمهل ريثما لمحتُ دراجون على بعد ، وهو يسحب أحد المحارم من يد واحدة من خادمات الأوميجا التي خفضت رأسها باحترام ولم تعترض ، ليمزعها دراجون إلى قطعتين بالطول .

رمقته بإمعان أحاول أن أفهم ما الذي يحاول فعله ، وإذا به يهز رأسه باستنكار ، خافضاً بصره يدقق النظر بذراعه الذي ينزف دماً ، ومن ثم أخذ يلف قطعة القماش بإحكامٍ على موضع الجرح ، مستكملاً طريقه إلى الخارج عبر الممر المدرج الذي يتوسط الحديقة .

تسللت أحاذيه خلف الأشجار ولكنه توقف بعد بضعة خطوات ، يتخصر بكلا راحتيه ، ودون أن يلتفت يميناً أو يساراً ، تمتم يقول بنزق ،
- " أو تدرين ؟! كنت أعلم منذ البداية أنكِ لا تختلفين عنهن شيئاً ، لم أحزن على فراقكِ ، ولأُصدقكِ القول ، أنا لم أحبكِ ، كنتِ لي رفيقة فراش ليس إلا " .

قالها وهو يقفز عابراً السياج الحديدي الفاصل بيننا بعد أن مشط المكان بنظراته وتأكد من أنه لا وجود لمتابعٍ .

قبض على ذراعي بقسوة يعتصره بأنامله ، وهو يقودني معه إلى مكان بعيد عن الممر ، متعمقاً داخل الحديقة الفسيحة ، يجرني خلفه بطريقة مهينة .

نفضتُ ذراعي أحرره من قبضته ، أقول بتلبكٍ ، وأنا أحاول التحكم بأفكاري لا إلا يكتشف كذبي ،

- " دعني دراجون ، أنت لا تفهم شيئاً ، لقد كنتُ مجبورة على تلك الزيجة ، صدقني حبيبي " .

انقض يحكم قبضة يمينه على فكي ، يحدق بي بعدوانية ، يقول بفحيح من بين أسنانه المصطكة ،
- " اخرسي أيتها الملعونة ، أتحسبيني أبلهاً مثل مَن أوهمته بالحب ، ضحيتكِ بالأعلى يقاوم تأنيب ضميره تجاهكِ ، أتعلمين ؟! إنني أشفق عليه من حية مثلكِ لا يهمها سوى نفسها وليذهب الجميع إلى الجحيم " .

رفعت يساري اتلمس وجنته باستمالة ، أقول بنعومة ،
- " لا تدعِ المثالية ديجو ، كلانا متشابهان لذلك كنا ثنائي رائع حتى لو كنت ما تدعيه صحيحاً كونك لم تحبني ولكننا قضينا ليالٍ ممتعة وفراشك يشهد بدفء لحظاتنا معاً " .

زاد ما قلته من وتيرة أنفاسه ليس نشوى كما توقعتُ ، وإنما أطلت الكراهية من عينيه كألسنة اللهب ، وهو يزمجر ضاغطاً على فكي بقوةٍ أشد ، يقول بإزدراءٍ ،
- " نجسة ... ماذا سأنتظر من عاهرةٍ مثلكِ قضت ليلها بأحضاني ، لتفيق صباحاً وتبلغني بأنه يجب عليها التوقف عن مواعدتي لفترة ؛ بسبب اعتراضات أبيها على غيابها الغير مبرر ، وبعدها بأيام قليلة أعلم أنها تستعد للزواج ممن تعلم بعداوتي معه .. حقيرة !! " .

ابتسمتُ بسخرية وأنا أرمقه بتحدٍ وهذا بالرغم من الألم الذي يفتك بي جراء خشونته معي ، أتمتم بتشدقٍ ،
- " حقاً ؟! وماذا تفعل هنا بقصر عدوك ديجو ؟! هل جئت لتبارك زواجي به ؟! أم قررت أن تضربه في مقتلٍ ، وبعدما نلت مني ما أمتعك أدرت عطاءك باتجاه تلك الرخيصة ؟! " .

رأيت تقطيبة جبينه مما يدل على تشوشه اللحظي ، ومن ثم أردف بتهكمٍ مضاعف ،
- " صوفيا ... رخيصة !! ومَن التي تتحدث عن العفة ؟! أنتِ هيلا !!
- انصتي إلي جيداً ... إذ حاولتي إيذائها مجددًا سيكون حسابكِ معي أنا شخصياً " .

دفعته بقوة بعيداً عني ، وأنا أصرخ فيه دون أي اعتبار لوضعنا المخزي ، ولكن ضغينتي تجاه تلك البغيضة عمت عيني عن الاستماع لصوت العقل ،
- " صوفيا ... صوفيا ... صوفيا .... ماذا فعلت بكما ؟! هو لا يرى سواها ... وأنت الآن تهددني من أجلها !! أنا هيلا ... الأميرة هيلا !! مَن تكون تلك الحثالة لتضع كبريائي بكفة أمام كفتها الراجحة ؟! " .

أصبحتُ حينها على وشك الانفجار ، وهو يصفق هازئاً ، يقهقه بصوتٍ عالٍ ،
- " ممتاز هيلا !! أدمعت عيناي يا امرأة !! حِيَلكِ الرخيصة تلك مارسيها على المغفل ألكساندر .

- أما ديجو كما تقولين لن تفِدك تمثيليتكِ السخيفة هذه ولن تغير من رؤيتي لسواد قلبكِ في شيء ".

تمتمتُ باستجداءٍ ،
- " لا ديجو ... لا تكن ظالماً مثله ... ماذا تعرف عن إحساس الأنثى عندما يزهدها زوجها لأجل أخرى ؟! لو عاد بي الزمن مرةً أخرى ما فعلتُ ذلك معك ... ما تركتك ... جوارك كنت أشعر بأنني امرأة ، الآن أقولها صريحة ... أشتاقك ديجو .. دعنا نعود كسابق عهدنا ... سأغافلهم الليلة وآتي إليك " .

اندفع نحوي بخطوات ثائرة ، وإذا بمطرقة حطت بقسوة على خدي الأيسر ومن شدة قوتها هوى جسدي أرضاً أسفل قدميه ، رفعتُ بصري إليه أحدق فيه بوعيد ، وإذا به يبصق على وجهي ، يقول بغضب ،
- " لا تنسي أنني لا ألملم فُتات أحد ، أنتِ مخطئة هيلا ، نحن لسنا متشابهين ، وعداوتي لإلكساندر لن تمحِ صداقتي القديمة له ، ودراجون أبداً لا يخن صديقه ، ما لا تعلميه أن علاقتي بألكساندر أقرب من الصداقة ، الآن فقط علمتُ من كدر صفو علاقتي به ، أنت وأبيكِ السبب في كل هذا ، أليس كذلك ؟! انطقي قبل أن أفصل رأسكِ عن جسدكِ " .

ضممت شفتاي أكتم أنيني حالما رفع قدمه اليسرى ، يدعس بها على رأسي وأنا متكومة أرضاً لا أقوى على الحراك ، وخرجت كلماتي بضعفٍ حقيقي ،
- " أبي .. أبي هو السبب ... لا ذنب لي في ذلك ... واجهه إن استطعت " .

ارتجف جسدي جراء مباغتة أحدهم لي وإذا بها ريتشي تمسك بكتفي تهزني بقوة ، تنتشلني من بين أفكاري ، تقول بإصرار ،
- " لا تحزني هيلا ... معاً سننهي ابنة ريتا ولكن يجب أن نعثر على توأمها أولاً " .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي