14
الفصل الرابع عشر
هبطت الطائرة في مطار "جدة" ومن ثم استقلوا الحافلة التي ستقلهم إلى "مكة المكرمة" مع الفوج السياحي الذاهب لأداء مناسك العمرة.
وعندما وصلت إلى الأراضي المقدسة.
غمرتها السعادة وهي تخطو خطواتها على تلك الأرض المباركة ، خير بقاع الأرض،فكانت البقعة التي بُنِيَ عليها البيت، وأن يختار له أشرفَ البلدان، فكانت مكة المكرمة؛ لذا هي أشرف البلدان وأكرمها؛ لاحتوائها على بيت الله الحرام، ومن ثَمَّ كانت مكةُ (البلد الحرام) خيرَ البقاع وأحبَّها إلى الله تعالى، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك عدة أحاديث منها:
عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَكَّةَ: (مَا أَطْيَبَكِ من بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إليَّ! وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ؛ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)
جرت عادة البشر أنهم إذا كان لديهم شيء ثمين ونفيس، فأرادوا حفظه، فإنهم يختارون له أولاً أفضلَ الأوعية وأحسَنَها لاحتوائه، ثم يختارون له أفضل الأماكن وآمنَها لحفظه وصيانته، ويحتاطون له ما لا يحتاطون لغيره، وهذا واقع مُمارس من أنفسنا، ومُشاهد من غيرنا.
فما الظن ببيت نَسَبَه الله تعالى إلى نفسه الشريفة، وجَعَلَه مباركاً وهدى للعالمين، وخصَّه دون غيره بأن ضمَّنه من أحجار الجنة حجرين؛ الحجر الأسود ومقام إبراهيم، وجَعَلَه قِبلةً لعباده المؤمنين في صلاتهم، وجَعَلَه مقصداً لشعيرة من أعظم الشعائر، وهي شعيرة الحج.
لفحتها نسمات الهواء العليل ، أقشعر جـ سدها بالروحنيات التي طغت على المكان، شعور بالراحة والهدوء والسكينة والطمأنينة التي تسكن الروح وتطمئن النفس، أنشرح صـ درها عندما رأت البيت الحرام ، أحتاج جـ سدها قشعريرة طفيفة من رهبة تلك البقعة المباركة أحب أرض الله إلى الله .
أنسابت دموعها من عظمة الخالق سبحانه وظلت عينيها متعلقة بالكعبة الشريفة، نست نفسها وكل ما مرت به من معاناة ، لا تسمع ولا تنطق بكلمة ، فقط تنظر لجمالها الأخذ للعيون، تنهمر دموعها دون توقف لا تعلم بماذا تتفوه ، لسانها عاجز عن البوح، غمرتها السعادة والطمأنينة بقربها لذلك المكان.
أما عن سليم فلم تقل رهبته عن رهبة حياة ، فتلك هي المرة الأولى التي يأتي بها إلى البيت الحرام ويؤدي مناسك العمرة ، أنسابت دموع الخزي أنها لم يأتي قبل ذلك، شعور بالحزن على ما اقترفه والده من ذنب، ظل لسانه يردد بألحاح وأستغفار بأن ربه يقبل توبة والده ، ظل يناجيه ويلح عليه بالدعاء بأن يغفر لوالده كل ما اقترفه بحق الأبرياء الذين كانوا يُعالجون بالمشفى الخاص به تحت رحمته وأفعاله المشبوهة مع تلك المافيا.
كما أنه لم ينسى شقيقه من الدعاء له بالشفاء وأن يقر عينيه برؤية قطعة مصغرة منه وتشبه بملامحه الهادئه ، وتكمل به سعادة شقيقه.
❈-❈-❈
بالقاهرة ..
داخل المشفى بعدما استردت "نور" وعيها وعلمت بكل ما حدث لها، لم تجد سوا خديجه هي التي ترافقها ، أنسابت دموعها وهمست قائلة بانكسار:
- كل اللي حصلي أنا السبب فيه
تطلعت لها خديجة دون أن تتفوه بكلمة
أردفت نور قائلة بحزن دفين:
- أنا تمنيت الطفل ينزل لم عرفت أن ممكن يكون ورث الصرع من أسر، غصب عني ماكنتش هقدر أتحمل، لكن ما اتمنيتش أيدا أن استئصال الرحم ، زرفت الدموع وعادت تهتف بأسي:
- أنا كدبت على أسر ، وأوهمته أن الطفل مش منه
شهقت خديجة بصدمة وهتفت بحزن:
- أوعي تكوني شككتيه في أخوه
نكست برأسها أرضًا وهتفت قائلة بانفعال:
- سليم أذاني كتير وكنت حابه انتقم منه ، هو اللي تخلى عني قبل كده بعد ما علقني بيه ، قبل جو ازي من أسر اتمنيت يصلح غلطته ونتـ جوز هو رفضني، أتجـ وزت أسر بس عشان أكون جنب سليم ، هو اللي دمر حياتي كلها ، ماعرفتش أشوف أسر ولا أحبه في وجود سليم؛ وكمان هو السبب في وفاة جدو ، هو دمر حياتي وحبيت أدمره زي ما دمرني
هزت راسها بأسى وهتفت قائلة:
- منك لله ، كنت بحاول اداري عمايلك السودة عشان خاطر ولادي ما يعدوش بغض، شوفت منك كتير واتحملت تصرفاتك أكتر وكنت بقول معلش هي وحيده دلوقتي مالهاش حد، اعتبريها بنتك يا خديجه ، اقفي جنبها وفي ضهرها ، جيت على ابني كتير عشان خاطرك ، لكن يا خسارة كنت غلطانه، هو ده جزات المعروف يا نور ، مش هقول غير كفاية اللي انتي فيه
وتركت خديجة الغرفة بقلب مكلوم وعيناها تزرف الدموع بصمت يقتل روحها على ما أصاب أبنها ، تخشى بأن يكون قد صدقت زو حته في الكذب والافتراء على شقيقه الأكبر ، وضعت كفها مكان قلبها الذي ينبض بصخب وكأنه سيخرج من بين أضلعها تخشى القادم .
أما عن نور فظلت وحيدة ، حطام أنثى بعد ما جنت ما زرعته من حقد وكره ، وقررت ترك المشفى والعودة إلى فيلا جدها ، هذا ملجاءها الأخير الذي ستحتمي بجدرانه المتبقي من عمرها ..
عندما وصلت خديجة الفيلا هرولت مسرعة لغرفة "أسر " تتفقده بعدما قصت الخادمة ما حدث قبل ساعات ، طرقت باب الغرفة ودلفت على الفور
وجدته ممدد بفراشه يبكي بصمت وزو جته بجواره تمـ سد على ذراعه بحنو ولا تعلم ما سبب حزنه الصامت والقاتل لروحه، أما عن خديجة فقد علمت الان سبب ما يحدث لصغيرها ، أقتربت منه بقلب منفطر وهمست بجانب أذنه قائلة بحنو:
- لو كنت مصدق "نور" في اللي قالته مش هدافع عن اخوك ، هحـ س بالقهرة وأقول يا خسارة تربيتي فيكم يا ولادي
انتفض بذعر من فراشه وصوب أنظاره على والدته وهو يهتف بتسأل:
- حضرتك كنتي تعرفي أن في بينهم
قاطعته بحسم:
- اسكت .. أنت أزاي تفكر في اخوك كده، أخوك اللي ضحى بعمره كله عشانك وعشان يشوف بس الفرحة في عينيك، سليم مستعد يديك عمره كله ، أزاي يفكر في مراتك ، سليم قالي فعلا شافها في اخر سفرية قبل الحادثه ومافيش بينهم حاجه من ناحية اخوك ، لكن هي اتعلقت بيه وحبته هو مالوش ذنب وعشان كده مش عرفك بحاجه عشان شافك بتحبها ، نور بنفسها حكتلي كل حاجه دلوقتي ، هي حاولت تنتقم من سليم عشان مفكرة أن هو تخلى عنها وعشان هو السبب في موت جدها، لكن جدها مات لم تراكمت عليه الديون وسليم مش ساعده ، اخوك مالوش ذنب في كل اللي بيحصل
صرخ منفعلا:
- وأنا عارف ومتأكد أن سليم ماقربش منها ، لكن موجوع أن كنت مغفل ، كنت اتمنى اخويا مايخبيش عليه حاجه حصلت زمان ويسبني انا أقرر أكمل مع نور ولا لا ، ماكناش وصلنا للنقطة دي يا أمي، وعارف أن حملها مني انا وكان ضعيف وعشان كده نزل، والحمدلله أن نزل ، عشان ده اللي كان رابطني بيها وهتصل بالمحامي يخلص كل إجراءات الطلاق
ربنا على كتفه برفق :
- أنت وأخوك هتفضلوا سند لبعض العمر كله ، أوع تظلمه يا أسر أو تيجي عليه يا بني ، سليم ده ابوك وأخوك ومالوش غيرك يا حبيبي ، أوع حد يدخل بينكم ويهد علاقتكم الاخ يا حبيبي ما يتعوضش
أرتمى باحضـ ان والدته وظل يبكي بحرقة وهمس بحزن:
- تعبان أوي يا أمي
ظلت تمـ سد على ظهره برفق وقالت:
- كل حزن الدنيا كله يهون يا حبيبي مدام كلنا ايـ د واحده وماحدش يقدر يبعدنا عن بعض مهما كان مين
"إن أخاك من يسعى معك ومَن يَضر نفسه لينفعك، ومَن إذا ريب الزمان صدعك، شتت فيك شمله ليجمعك"
"يبقى الأخ أمن لا يشوبه خوف وسند لا يميل ولا يهتز، وحب لا يخيب. الاخ سند عظيم، قوة وضلع ثابت لا يميل. قيل في حب الأخ هو ذلك الجبل الذي أُسند عليه نفسي عند الشدائد، وكيف لا أحبه ورب الكون قال فيه "سنشد عضدك بأخيك".
❈-❈-❈
بمنزل فاروق ..
عمت الفرحة بالمنزل وتعالت أصوات الزغاريد ، فرحًا بخطبة فريدة وسراج ، فاليوم قراءة الفاتحة وتم تحديد موعد الخطبة عندما يعود سليم وحياة من الخارج..
شعر فاروق بالسعادة من أجل سعادة بناته فهو لن يتمنى أكثر من ذلك ، وعندما كان منشغلا بالحديث مع والد سراج أتاه اتصالاً هاتفياً من شقيقه.
انقبض قلبه ونهض عن مقعده ، سار بخطوات مضطربه وولج لداخل غرفته ثم اغلق الباب خلفه واجاب على شقيقه بلهفة:
- سلام عليكم يا حج شريف
أتاه صوته منكسرًا خجلاً من تصرفاته معه
- وعليكم السلام يا اخويا
استشعر الحزن والانكسار بنبرة صوت شقيقه فهتف متسائلا بقلق:
- خير يا أخويا مال صوتك؟
زفر انفاسه بضيق ثم قال:
- سامحني يا فاروق، حقك عليا ،انا جيت عليك كتير يا اخويا ثم انهمرت دموعه وقال بصوت متألم:
- ام طارق صابها المرض الوحش وبقالها شهر راقدة في السرير ، ومافيش في أمل في علاجها ، الدكاترة كلهم قالوا هي في أخر أيامها ، وهي عرفتني بكل اللي عملته في حق بنتك ، خلى حياة تسامحها وام حياة تسامحها ، وانت حقك على راسي يا حبيبي ، ومن يوم سفر طارق وأحمد البيت فضي علينا والمرض صابها ومابقاش لينا حد ، كنت عشمان تيجي عاوز اشوفك واديك ورثك وكل حقوقك بشرع ربنا ، انا ياما ظلمتك وانت كنت مسامح ، عاوز أوجه رب كريم وان خفيف ، الدنيا دي كلها ماتستهلش أن الاخوات تقطع في بعضها عشان ورث وفلوس ، كله رايح وفاني ولن يبقى إلا وجهه ربنا
زرفت دمعة هاربة من عين فاروق تأثرًا بحديث شقيقه وهتف قائلا بحب:
- مافيش بين الأخوات زعل ولا عتاب يا اخويا، ربنا يقوملك مراتك بالسلامه ،وأنا أن شاء الله هكون عندك ، وماتشلش هم ام حياة وحياة أحنا أهل والمسامح كريم ، ربنا يديمك في حياتي
هكذا أفصح وأعفا فاروق عن أذية شقيقه وزو جته له ولابنته فيبقي شقيقه مهما حدث فالقدر لا يغير شيئا.
" الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي يرتكبها غيرنا في حقنا أو في تغذية روح العداء بين الناس"
العائلة هي اللفظة التي لا يمكن للإنسان أن يحيا سويًا من دونها ولا يمكنه أن يعيش إلا في أحضـ انها مهما تظاهر بغير ذلك، لهذا فإن خير ما يفعله الإنسان مع عائلته هو أن يسامحهم ويعفو عنهم ويصفح عن أخطائهم، فالعتاب لا يجر معه سوى الضغائن والأحقاد.
عاد فاروق بعدما اغلق الهاتف مع شقيقه وظل يتطلع لأفراد عائلته بحب ، وتنفس الصعداء .
أما عن سراج فقد كان يرمق فريدة بنظرات عاشق ولهان ، يشعر بسعادة لا توصف بوجود عائلته جانبه في تلك اللحظة كما تنمى وحصل على مبتغاه من الحب الذي سكن فؤاده، كما وعد والدها بأنه سيكون جديرًا بابنته ولن يعود لطريق النزوات ثانياً فقد توج قلبه بِحُبها ولن يخسرها بعدما حصل بالاخير عليها..
وتتطلع له فريدة بخجل كما أنه عشق خجلها وابتسامتها الرقيقه التي تظهر عن غمزاتها المحببة لقلبه فتلك الفتاة تصيبه بالجنون كلما تعلقت عيناه بعينيها وتاه في ملامحها يود لو يفر بها هاربًا من حصار العائلتين والبوح له بمشاعره الدفينة ويتمنى أن يكسب ثقتها ويكون لها الامان والكتف التي تستند عليَّ ، ولكن العيون محاطة بهما من كل جانب، كان يختلس بعض النظرات العاشقة في صمت تام، عيناه تفضحه فالعين لغة القلب ومرآة الروح ، تفصح عن كل ما يخفيه القلب بالداخل ..
بعد مرور شهرًا
انقضى منه أسبوعين داخل الحرم المكي والاسبوعين الآخرين بالمدينة المنورة، فقد كانت زيارة لن تنسى ، كانُ يقضون يومهم داخل الحرم المكي ولن يعودون للفندق إلا لنوم بضع ساعات فقط ثم يعاودن استكمال ما بدءو من طقوس رحلتهم المقدسة داخل الحرم المكي وبعد إنتهاء مناسك العمرة ، توجهوا إلى المدينة المنورة لزيارة البيت النبوي الشريف والصلاة في الروضة الشريفة أو الروضة المباركة، هي موضع في المسجد النبوي واقع بين المنبر وحجرة النبي محمد بن عبد الله ﷺ. ومن فضلها عند المسلمين ما قاله النبي محمد: « ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي ».
وزيارة الحجرة النبوية الشريفة، وتسمى أيضا المقصورة الشريفة، هي حجرة السيدة عائشة بنت أبي بكر التي كانت تسكنها مع الرسول محمد، وهي التي دُفِن فيها بعد وفاته. ثم دفن فيها بعد ذلك أبو بكر الصديق وكان قد أوصى عائشة أن يدفن إلى جانب رفيقه محمد بن عبد الله، فلما توفي حفر لهُ وجعل رأسه عند كتفي محمد بن عبد الله، ودُفن أيضا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأصبحت تلك الحجرة هي قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ورفاقه ابي بكر وعمر...
روحانيات المدينة ونفحاتها الطيبة التي ابكت حياة عندما أت موعد رحيلهم عن تلك البقعة المباركة ، وازداد نحيبها فهي لا تريد تركها بعد ما قضته من أيام لا تنسى.
وعدها سليم بتكرار تلك الزيارة كل عام ، وودعوا المسجد النبوي الشريف وتوجهون إلى الحافلة لتعود بهم إلى جدة ومن ثم يستقلون الطائرة العائدة إلى القاهرة..
❈-❈-❈
أما عن أسر فقد تم تطليق نور رسميًا وأرسل لها مستحقاتها وقرر أن يطوي صفحتها ويفكر في حياته مع زو جته ميلانا فقط، يكفي ما مر به من حزن ، وعاد يباشر عمله بالشركة مع صديقه سراج ريثما يعود سليم .
وفي ذلك الوقت كان سليم أخبرهم بأنه تم شفاءه واصطحب زوجته لأداء مناسك العمرة ولكن رفض الإفصاح عن ما حدث ب لندن ومازال على وعده لا يريد بأن يفشي سر والده ويفضحه بعد مامته وخلال ساعات سيكون أمام والدته.
لم تصدق خديجة فرحتها بأن ابنها تماثل الشفاء وقررت بأن تستقبلهما بحفل بسيط وساعدتها ميلانا في ترتيب ذلك الحفل بحديقة الفيلا ،كما أن تم أخبار عائلة حياة وعائلة سراج لكي يشاركونهم الاحتفال بعودة العروسان وشفاء سليم ..
وتم تزين الحديقة خصيصًا بالإضاءة الخافتة وزينت الحديقة باقواس من البالونات الملونه وعلى جانبي الاقواس وضع شريط طويل بالإضاءة المنبعثة باللون الذهبي لتشعل جو من البهجة والسرور.
وأكاليل من الورود البيضاء والبنفسج والزهور العطرة الملونة التي طغت رائحتها بالمكان.
وتزين الكراسي الموضوعة لاستقبال أفراد العائلة ، زينت ميلانا الكراسي بالتل الأبيض
وظلت خديجة واقفة على قدم وساق لإنهاء أعباء الاحتفال وبين الحين والآخر تنظر لساعتها تتفقد مرور الوقت
في ذلك الوقت أتت عائلة حياة متلهفين لرؤية ابنتهم وات سراج هو الآخر بصحبة والديه وجدته .
بينما على مرم البصر وقف القناص الذي يرتدي ثيابه السوداء ولم يظهر من ملامحه سوا عينيه التي يصوبها بحدة اتجاة ذلك الاحتفال المقام بفيلا سليم السعدني ، وهو على الجهة الأخرى يقف أعلى الفيلا المقابلة لفيلة السعدني ويشهر بندقية القناصة وينتظر قدوم هدفه
بعد لحظات كانت السيارة تدلف لداخل الحديقة وترجلا منها سليم مسرعًا وهو محاط بكتف زو جته التي لم تصدق تلك المفاجأة ووجود عائلتها التي ركضت إليهما ترتمي باحضـ ان والدها الذي التقفها بحنانه وطوقها بذراعيه بشوق كبير ، يرؤي عطش اشتياقه لها فلم يراها منذ شهر ولن تتحمل والدتها فراقها أكثر من ذلك فجذبتها من بين ذراعي والدها وضـ متها هي باحضـ انها الدافئة وتهمس لها بجانب أذنها عن مدا اشتياقها لها وأن المنزل لم يعدا مبهجًا بعدما تركته.
وسليم أيضا الذي شعر بالسعادة بما فعلته والدته من أجلهم، اقترب منها بخطوات متلهفة يُقـ بل كفيها ثم ضـ مها لصـ دره وهي تشبثت به لم تصدق عينيها بأنها تراه واقفاً على قدميه بعد ما مر به من أعوام شداد وهو قعيد لذاك الكرسي المتحرك .
وعندما انضـ م إليه شقيقه ، تلاقت أعينهم بلحظات من الصمت أبلغ من الكلام ، فقد كانت عينهما تشكي للآخر مدا أشتياقهما
وقبل أن تتعانق أجـ سادهم
أخرجت طلقة مدوية بالمكان ، تعرف هدفها وطريقها المحتوم وقد كانت تلك الفاجعة الكبرى ..
لحظات فاصلة من الزمن ، لحظات تحبس فيها الأنفاس ، لحظات قاسية على هتان العيون المتشتة ، والهلع الذي أصاب الجميع وهم يرؤن بركة الدماء ، شلت الصدمة حواسهما وأتسعت أعينهم عندما دوت الرصاصة الثانية تعرف طريقها .
لتجعل من الصدمة كارثة اصابة العائلة كلها بل اصابت كل من حضر الحفل
هبطت الطائرة في مطار "جدة" ومن ثم استقلوا الحافلة التي ستقلهم إلى "مكة المكرمة" مع الفوج السياحي الذاهب لأداء مناسك العمرة.
وعندما وصلت إلى الأراضي المقدسة.
غمرتها السعادة وهي تخطو خطواتها على تلك الأرض المباركة ، خير بقاع الأرض،فكانت البقعة التي بُنِيَ عليها البيت، وأن يختار له أشرفَ البلدان، فكانت مكة المكرمة؛ لذا هي أشرف البلدان وأكرمها؛ لاحتوائها على بيت الله الحرام، ومن ثَمَّ كانت مكةُ (البلد الحرام) خيرَ البقاع وأحبَّها إلى الله تعالى، وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك عدة أحاديث منها:
عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَكَّةَ: (مَا أَطْيَبَكِ من بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إليَّ! وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ؛ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)
جرت عادة البشر أنهم إذا كان لديهم شيء ثمين ونفيس، فأرادوا حفظه، فإنهم يختارون له أولاً أفضلَ الأوعية وأحسَنَها لاحتوائه، ثم يختارون له أفضل الأماكن وآمنَها لحفظه وصيانته، ويحتاطون له ما لا يحتاطون لغيره، وهذا واقع مُمارس من أنفسنا، ومُشاهد من غيرنا.
فما الظن ببيت نَسَبَه الله تعالى إلى نفسه الشريفة، وجَعَلَه مباركاً وهدى للعالمين، وخصَّه دون غيره بأن ضمَّنه من أحجار الجنة حجرين؛ الحجر الأسود ومقام إبراهيم، وجَعَلَه قِبلةً لعباده المؤمنين في صلاتهم، وجَعَلَه مقصداً لشعيرة من أعظم الشعائر، وهي شعيرة الحج.
لفحتها نسمات الهواء العليل ، أقشعر جـ سدها بالروحنيات التي طغت على المكان، شعور بالراحة والهدوء والسكينة والطمأنينة التي تسكن الروح وتطمئن النفس، أنشرح صـ درها عندما رأت البيت الحرام ، أحتاج جـ سدها قشعريرة طفيفة من رهبة تلك البقعة المباركة أحب أرض الله إلى الله .
أنسابت دموعها من عظمة الخالق سبحانه وظلت عينيها متعلقة بالكعبة الشريفة، نست نفسها وكل ما مرت به من معاناة ، لا تسمع ولا تنطق بكلمة ، فقط تنظر لجمالها الأخذ للعيون، تنهمر دموعها دون توقف لا تعلم بماذا تتفوه ، لسانها عاجز عن البوح، غمرتها السعادة والطمأنينة بقربها لذلك المكان.
أما عن سليم فلم تقل رهبته عن رهبة حياة ، فتلك هي المرة الأولى التي يأتي بها إلى البيت الحرام ويؤدي مناسك العمرة ، أنسابت دموع الخزي أنها لم يأتي قبل ذلك، شعور بالحزن على ما اقترفه والده من ذنب، ظل لسانه يردد بألحاح وأستغفار بأن ربه يقبل توبة والده ، ظل يناجيه ويلح عليه بالدعاء بأن يغفر لوالده كل ما اقترفه بحق الأبرياء الذين كانوا يُعالجون بالمشفى الخاص به تحت رحمته وأفعاله المشبوهة مع تلك المافيا.
كما أنه لم ينسى شقيقه من الدعاء له بالشفاء وأن يقر عينيه برؤية قطعة مصغرة منه وتشبه بملامحه الهادئه ، وتكمل به سعادة شقيقه.
❈-❈-❈
بالقاهرة ..
داخل المشفى بعدما استردت "نور" وعيها وعلمت بكل ما حدث لها، لم تجد سوا خديجه هي التي ترافقها ، أنسابت دموعها وهمست قائلة بانكسار:
- كل اللي حصلي أنا السبب فيه
تطلعت لها خديجة دون أن تتفوه بكلمة
أردفت نور قائلة بحزن دفين:
- أنا تمنيت الطفل ينزل لم عرفت أن ممكن يكون ورث الصرع من أسر، غصب عني ماكنتش هقدر أتحمل، لكن ما اتمنيتش أيدا أن استئصال الرحم ، زرفت الدموع وعادت تهتف بأسي:
- أنا كدبت على أسر ، وأوهمته أن الطفل مش منه
شهقت خديجة بصدمة وهتفت بحزن:
- أوعي تكوني شككتيه في أخوه
نكست برأسها أرضًا وهتفت قائلة بانفعال:
- سليم أذاني كتير وكنت حابه انتقم منه ، هو اللي تخلى عني قبل كده بعد ما علقني بيه ، قبل جو ازي من أسر اتمنيت يصلح غلطته ونتـ جوز هو رفضني، أتجـ وزت أسر بس عشان أكون جنب سليم ، هو اللي دمر حياتي كلها ، ماعرفتش أشوف أسر ولا أحبه في وجود سليم؛ وكمان هو السبب في وفاة جدو ، هو دمر حياتي وحبيت أدمره زي ما دمرني
هزت راسها بأسى وهتفت قائلة:
- منك لله ، كنت بحاول اداري عمايلك السودة عشان خاطر ولادي ما يعدوش بغض، شوفت منك كتير واتحملت تصرفاتك أكتر وكنت بقول معلش هي وحيده دلوقتي مالهاش حد، اعتبريها بنتك يا خديجه ، اقفي جنبها وفي ضهرها ، جيت على ابني كتير عشان خاطرك ، لكن يا خسارة كنت غلطانه، هو ده جزات المعروف يا نور ، مش هقول غير كفاية اللي انتي فيه
وتركت خديجة الغرفة بقلب مكلوم وعيناها تزرف الدموع بصمت يقتل روحها على ما أصاب أبنها ، تخشى بأن يكون قد صدقت زو حته في الكذب والافتراء على شقيقه الأكبر ، وضعت كفها مكان قلبها الذي ينبض بصخب وكأنه سيخرج من بين أضلعها تخشى القادم .
أما عن نور فظلت وحيدة ، حطام أنثى بعد ما جنت ما زرعته من حقد وكره ، وقررت ترك المشفى والعودة إلى فيلا جدها ، هذا ملجاءها الأخير الذي ستحتمي بجدرانه المتبقي من عمرها ..
عندما وصلت خديجة الفيلا هرولت مسرعة لغرفة "أسر " تتفقده بعدما قصت الخادمة ما حدث قبل ساعات ، طرقت باب الغرفة ودلفت على الفور
وجدته ممدد بفراشه يبكي بصمت وزو جته بجواره تمـ سد على ذراعه بحنو ولا تعلم ما سبب حزنه الصامت والقاتل لروحه، أما عن خديجة فقد علمت الان سبب ما يحدث لصغيرها ، أقتربت منه بقلب منفطر وهمست بجانب أذنه قائلة بحنو:
- لو كنت مصدق "نور" في اللي قالته مش هدافع عن اخوك ، هحـ س بالقهرة وأقول يا خسارة تربيتي فيكم يا ولادي
انتفض بذعر من فراشه وصوب أنظاره على والدته وهو يهتف بتسأل:
- حضرتك كنتي تعرفي أن في بينهم
قاطعته بحسم:
- اسكت .. أنت أزاي تفكر في اخوك كده، أخوك اللي ضحى بعمره كله عشانك وعشان يشوف بس الفرحة في عينيك، سليم مستعد يديك عمره كله ، أزاي يفكر في مراتك ، سليم قالي فعلا شافها في اخر سفرية قبل الحادثه ومافيش بينهم حاجه من ناحية اخوك ، لكن هي اتعلقت بيه وحبته هو مالوش ذنب وعشان كده مش عرفك بحاجه عشان شافك بتحبها ، نور بنفسها حكتلي كل حاجه دلوقتي ، هي حاولت تنتقم من سليم عشان مفكرة أن هو تخلى عنها وعشان هو السبب في موت جدها، لكن جدها مات لم تراكمت عليه الديون وسليم مش ساعده ، اخوك مالوش ذنب في كل اللي بيحصل
صرخ منفعلا:
- وأنا عارف ومتأكد أن سليم ماقربش منها ، لكن موجوع أن كنت مغفل ، كنت اتمنى اخويا مايخبيش عليه حاجه حصلت زمان ويسبني انا أقرر أكمل مع نور ولا لا ، ماكناش وصلنا للنقطة دي يا أمي، وعارف أن حملها مني انا وكان ضعيف وعشان كده نزل، والحمدلله أن نزل ، عشان ده اللي كان رابطني بيها وهتصل بالمحامي يخلص كل إجراءات الطلاق
ربنا على كتفه برفق :
- أنت وأخوك هتفضلوا سند لبعض العمر كله ، أوع تظلمه يا أسر أو تيجي عليه يا بني ، سليم ده ابوك وأخوك ومالوش غيرك يا حبيبي ، أوع حد يدخل بينكم ويهد علاقتكم الاخ يا حبيبي ما يتعوضش
أرتمى باحضـ ان والدته وظل يبكي بحرقة وهمس بحزن:
- تعبان أوي يا أمي
ظلت تمـ سد على ظهره برفق وقالت:
- كل حزن الدنيا كله يهون يا حبيبي مدام كلنا ايـ د واحده وماحدش يقدر يبعدنا عن بعض مهما كان مين
"إن أخاك من يسعى معك ومَن يَضر نفسه لينفعك، ومَن إذا ريب الزمان صدعك، شتت فيك شمله ليجمعك"
"يبقى الأخ أمن لا يشوبه خوف وسند لا يميل ولا يهتز، وحب لا يخيب. الاخ سند عظيم، قوة وضلع ثابت لا يميل. قيل في حب الأخ هو ذلك الجبل الذي أُسند عليه نفسي عند الشدائد، وكيف لا أحبه ورب الكون قال فيه "سنشد عضدك بأخيك".
❈-❈-❈
بمنزل فاروق ..
عمت الفرحة بالمنزل وتعالت أصوات الزغاريد ، فرحًا بخطبة فريدة وسراج ، فاليوم قراءة الفاتحة وتم تحديد موعد الخطبة عندما يعود سليم وحياة من الخارج..
شعر فاروق بالسعادة من أجل سعادة بناته فهو لن يتمنى أكثر من ذلك ، وعندما كان منشغلا بالحديث مع والد سراج أتاه اتصالاً هاتفياً من شقيقه.
انقبض قلبه ونهض عن مقعده ، سار بخطوات مضطربه وولج لداخل غرفته ثم اغلق الباب خلفه واجاب على شقيقه بلهفة:
- سلام عليكم يا حج شريف
أتاه صوته منكسرًا خجلاً من تصرفاته معه
- وعليكم السلام يا اخويا
استشعر الحزن والانكسار بنبرة صوت شقيقه فهتف متسائلا بقلق:
- خير يا أخويا مال صوتك؟
زفر انفاسه بضيق ثم قال:
- سامحني يا فاروق، حقك عليا ،انا جيت عليك كتير يا اخويا ثم انهمرت دموعه وقال بصوت متألم:
- ام طارق صابها المرض الوحش وبقالها شهر راقدة في السرير ، ومافيش في أمل في علاجها ، الدكاترة كلهم قالوا هي في أخر أيامها ، وهي عرفتني بكل اللي عملته في حق بنتك ، خلى حياة تسامحها وام حياة تسامحها ، وانت حقك على راسي يا حبيبي ، ومن يوم سفر طارق وأحمد البيت فضي علينا والمرض صابها ومابقاش لينا حد ، كنت عشمان تيجي عاوز اشوفك واديك ورثك وكل حقوقك بشرع ربنا ، انا ياما ظلمتك وانت كنت مسامح ، عاوز أوجه رب كريم وان خفيف ، الدنيا دي كلها ماتستهلش أن الاخوات تقطع في بعضها عشان ورث وفلوس ، كله رايح وفاني ولن يبقى إلا وجهه ربنا
زرفت دمعة هاربة من عين فاروق تأثرًا بحديث شقيقه وهتف قائلا بحب:
- مافيش بين الأخوات زعل ولا عتاب يا اخويا، ربنا يقوملك مراتك بالسلامه ،وأنا أن شاء الله هكون عندك ، وماتشلش هم ام حياة وحياة أحنا أهل والمسامح كريم ، ربنا يديمك في حياتي
هكذا أفصح وأعفا فاروق عن أذية شقيقه وزو جته له ولابنته فيبقي شقيقه مهما حدث فالقدر لا يغير شيئا.
" الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي يرتكبها غيرنا في حقنا أو في تغذية روح العداء بين الناس"
العائلة هي اللفظة التي لا يمكن للإنسان أن يحيا سويًا من دونها ولا يمكنه أن يعيش إلا في أحضـ انها مهما تظاهر بغير ذلك، لهذا فإن خير ما يفعله الإنسان مع عائلته هو أن يسامحهم ويعفو عنهم ويصفح عن أخطائهم، فالعتاب لا يجر معه سوى الضغائن والأحقاد.
عاد فاروق بعدما اغلق الهاتف مع شقيقه وظل يتطلع لأفراد عائلته بحب ، وتنفس الصعداء .
أما عن سراج فقد كان يرمق فريدة بنظرات عاشق ولهان ، يشعر بسعادة لا توصف بوجود عائلته جانبه في تلك اللحظة كما تنمى وحصل على مبتغاه من الحب الذي سكن فؤاده، كما وعد والدها بأنه سيكون جديرًا بابنته ولن يعود لطريق النزوات ثانياً فقد توج قلبه بِحُبها ولن يخسرها بعدما حصل بالاخير عليها..
وتتطلع له فريدة بخجل كما أنه عشق خجلها وابتسامتها الرقيقه التي تظهر عن غمزاتها المحببة لقلبه فتلك الفتاة تصيبه بالجنون كلما تعلقت عيناه بعينيها وتاه في ملامحها يود لو يفر بها هاربًا من حصار العائلتين والبوح له بمشاعره الدفينة ويتمنى أن يكسب ثقتها ويكون لها الامان والكتف التي تستند عليَّ ، ولكن العيون محاطة بهما من كل جانب، كان يختلس بعض النظرات العاشقة في صمت تام، عيناه تفضحه فالعين لغة القلب ومرآة الروح ، تفصح عن كل ما يخفيه القلب بالداخل ..
بعد مرور شهرًا
انقضى منه أسبوعين داخل الحرم المكي والاسبوعين الآخرين بالمدينة المنورة، فقد كانت زيارة لن تنسى ، كانُ يقضون يومهم داخل الحرم المكي ولن يعودون للفندق إلا لنوم بضع ساعات فقط ثم يعاودن استكمال ما بدءو من طقوس رحلتهم المقدسة داخل الحرم المكي وبعد إنتهاء مناسك العمرة ، توجهوا إلى المدينة المنورة لزيارة البيت النبوي الشريف والصلاة في الروضة الشريفة أو الروضة المباركة، هي موضع في المسجد النبوي واقع بين المنبر وحجرة النبي محمد بن عبد الله ﷺ. ومن فضلها عند المسلمين ما قاله النبي محمد: « ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي ».
وزيارة الحجرة النبوية الشريفة، وتسمى أيضا المقصورة الشريفة، هي حجرة السيدة عائشة بنت أبي بكر التي كانت تسكنها مع الرسول محمد، وهي التي دُفِن فيها بعد وفاته. ثم دفن فيها بعد ذلك أبو بكر الصديق وكان قد أوصى عائشة أن يدفن إلى جانب رفيقه محمد بن عبد الله، فلما توفي حفر لهُ وجعل رأسه عند كتفي محمد بن عبد الله، ودُفن أيضا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأصبحت تلك الحجرة هي قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ورفاقه ابي بكر وعمر...
روحانيات المدينة ونفحاتها الطيبة التي ابكت حياة عندما أت موعد رحيلهم عن تلك البقعة المباركة ، وازداد نحيبها فهي لا تريد تركها بعد ما قضته من أيام لا تنسى.
وعدها سليم بتكرار تلك الزيارة كل عام ، وودعوا المسجد النبوي الشريف وتوجهون إلى الحافلة لتعود بهم إلى جدة ومن ثم يستقلون الطائرة العائدة إلى القاهرة..
❈-❈-❈
أما عن أسر فقد تم تطليق نور رسميًا وأرسل لها مستحقاتها وقرر أن يطوي صفحتها ويفكر في حياته مع زو جته ميلانا فقط، يكفي ما مر به من حزن ، وعاد يباشر عمله بالشركة مع صديقه سراج ريثما يعود سليم .
وفي ذلك الوقت كان سليم أخبرهم بأنه تم شفاءه واصطحب زوجته لأداء مناسك العمرة ولكن رفض الإفصاح عن ما حدث ب لندن ومازال على وعده لا يريد بأن يفشي سر والده ويفضحه بعد مامته وخلال ساعات سيكون أمام والدته.
لم تصدق خديجة فرحتها بأن ابنها تماثل الشفاء وقررت بأن تستقبلهما بحفل بسيط وساعدتها ميلانا في ترتيب ذلك الحفل بحديقة الفيلا ،كما أن تم أخبار عائلة حياة وعائلة سراج لكي يشاركونهم الاحتفال بعودة العروسان وشفاء سليم ..
وتم تزين الحديقة خصيصًا بالإضاءة الخافتة وزينت الحديقة باقواس من البالونات الملونه وعلى جانبي الاقواس وضع شريط طويل بالإضاءة المنبعثة باللون الذهبي لتشعل جو من البهجة والسرور.
وأكاليل من الورود البيضاء والبنفسج والزهور العطرة الملونة التي طغت رائحتها بالمكان.
وتزين الكراسي الموضوعة لاستقبال أفراد العائلة ، زينت ميلانا الكراسي بالتل الأبيض
وظلت خديجة واقفة على قدم وساق لإنهاء أعباء الاحتفال وبين الحين والآخر تنظر لساعتها تتفقد مرور الوقت
في ذلك الوقت أتت عائلة حياة متلهفين لرؤية ابنتهم وات سراج هو الآخر بصحبة والديه وجدته .
بينما على مرم البصر وقف القناص الذي يرتدي ثيابه السوداء ولم يظهر من ملامحه سوا عينيه التي يصوبها بحدة اتجاة ذلك الاحتفال المقام بفيلا سليم السعدني ، وهو على الجهة الأخرى يقف أعلى الفيلا المقابلة لفيلة السعدني ويشهر بندقية القناصة وينتظر قدوم هدفه
بعد لحظات كانت السيارة تدلف لداخل الحديقة وترجلا منها سليم مسرعًا وهو محاط بكتف زو جته التي لم تصدق تلك المفاجأة ووجود عائلتها التي ركضت إليهما ترتمي باحضـ ان والدها الذي التقفها بحنانه وطوقها بذراعيه بشوق كبير ، يرؤي عطش اشتياقه لها فلم يراها منذ شهر ولن تتحمل والدتها فراقها أكثر من ذلك فجذبتها من بين ذراعي والدها وضـ متها هي باحضـ انها الدافئة وتهمس لها بجانب أذنها عن مدا اشتياقها لها وأن المنزل لم يعدا مبهجًا بعدما تركته.
وسليم أيضا الذي شعر بالسعادة بما فعلته والدته من أجلهم، اقترب منها بخطوات متلهفة يُقـ بل كفيها ثم ضـ مها لصـ دره وهي تشبثت به لم تصدق عينيها بأنها تراه واقفاً على قدميه بعد ما مر به من أعوام شداد وهو قعيد لذاك الكرسي المتحرك .
وعندما انضـ م إليه شقيقه ، تلاقت أعينهم بلحظات من الصمت أبلغ من الكلام ، فقد كانت عينهما تشكي للآخر مدا أشتياقهما
وقبل أن تتعانق أجـ سادهم
أخرجت طلقة مدوية بالمكان ، تعرف هدفها وطريقها المحتوم وقد كانت تلك الفاجعة الكبرى ..
لحظات فاصلة من الزمن ، لحظات تحبس فيها الأنفاس ، لحظات قاسية على هتان العيون المتشتة ، والهلع الذي أصاب الجميع وهم يرؤن بركة الدماء ، شلت الصدمة حواسهما وأتسعت أعينهم عندما دوت الرصاصة الثانية تعرف طريقها .
لتجعل من الصدمة كارثة اصابة العائلة كلها بل اصابت كل من حضر الحفل