13
الفصل الثالث عشر
أشعل الفتيل داخل قلبه وهو الآن لا حول له ولا قوة من أمره، ممد على الفراش جـ سدًا بلا روح، طعنته بخنجرًا مسموم في رجولته عندما أدعت عشقها لشقيقه،وأنها أتمت الزو اج منه فقط من أجل أن تظل أمام حبيبها ، كما أنها شوهة سمعة شقيقة الأكبر ، سنده في الحياة، الرفيق والصديق والاخ والاب، كيف عليه أن يتحمل كلماتها القاسية ولسانها اللازع والتهم البشعة التي أتهمت بها شقيقه الذي يعلمه جيدًا ويعلم أخلاقه ومن المستحيل أن ينظر لزو جته،كيف صور لها شيطانها بفعل ذلك، بسبب حقدها وكرهه لما فعله سليم بها تنتقم منهما بأشد الانتقام وتسول لها نفسها باتهامه بالباطل لكي تهدم حصون الترابط بين الإخوة ويصبحون بعد ذلك أعداء ، يا لها من خطة خبيثة ..
داخل غرفة العمليات لن ينجح الطبيب في السيطرة على النزيف بعدما أجهضت الجنين وليس بيده فعل شيء إلا أن يخبرهما بأنها يجب الخضوع لعملية إستىصال للرحم ، محاولة أخيرة بالنجاة بالام التي خسرت جنينها ولكن حياتها الان أهم
غادر الطبيب غرفة العمليات بأسف على حال تلك الشابة الصغيرة التي في مقتبل العمر وستفقد رحمها ، المكان الخاص بتكوين قطعة مصغرة تشبهها ، ولن تتحمل أي فتاة خسارة أمومتها ولكن هذا هو الحل الوحيد لإنقاذها ..
لم يجد الطبيب إلا السيدة خديجة ليتحدث معها واخبرها بما سوف يتم الآن داخل غرفة العمليات لإنقاذ حياة نور ، لم تجد خديجة إلا أن توقع على إقرار العملية الخاصة بنور ، لأن أسر بحالة يرثى لها وحياة تلك المسكينة بخطر، وقعت على الأوراق ودموعها تنهمر كالشلال وتنظر لابنها الراقد بفراشه بحزن واسف فالطفل الذي كان يتمناه لم يعد وحزينة على نور فهي فتاة صغيرة وسوف تفقد رحمها أيضا ،كما أنها تعلم بأن حياتها مع أسر كزوج وزوجه أصبحت مستحيلة فهو كان باقي عليها من أجل الطفل القادم فقط ، ولا تعلم ما سبب الشجار الأخير الذي قام بينهما ليرقدون الآن داخل المشفى كل منهما بعالمه الخاص ..
ولجت لغرفة أسر بعدما كفكفت دموعها ووجدت ميلانا جالسة بجواره تمـ سك بكفه ثم رفع مقلتيها لتلتقي بعينين خديجة الحزينتين على ما أودت بهم الأمور، تركت يـ د أسر ونهضت عن المقعد سارت بخطواتها لتقف أمام السيدة خديجة وهي تهتف بقلق:
- شو في يا إمي؟ أسر بيه شي ء؟
هزت راسها بالنفي وخرجت صوتها بحزن :
- نور فقدت الحمل ودلوقتي في العمليات هتشيل الرحم عشان يقدروا ينفذوا حياتها
شهقت بصدمة ووضعت كفها على فمها فهي لن تتمنى أن يصيب نور كل تلك الآلام وخاصة بأنها فتاة مثلها ، غمرها الحزن بسبب ما تواجهه نور الان ، يا ليتها تملك شيئا لتفعله لتلك الفتاة.
بينما في تلك اللحظة فتح أسر عينيه بوهن بعدما شعر بألام متفرقة تضرب بجـ سده وصداع قوي يفتك برأسه ، اغمض عيناه ثانياً فلم يطيق النظر إلى الإضاءة فخرج صوته غاضبًا
- أقفلوا النور ده
أسرعت ميلانا تغلق أضاءة الغرفة واقتربت منه والدته تمـ سد على وجـ هه بحنو ثم قالت:
-عامل أية يا حبيبي
أجابها بهدوء عكس ما يشعر داخله من صراع قوي يكاد يفقده عقله وثوابه:
- أنا بخير ما تقلقيش عليا يا ماما
رددت بارتياح:
- الف حمد وشكر إليك يا رب
تقدمت ميلانا تتطلع له بحب وقالت باسمة:
- شو عملت فينا يا قبضاي، أنتزع قلبنا
حاول جاهدًا رسم أبتسامته التى خرجت بصعوبة واجابها قائلا:
- بعد الشر عنكم ، اخرج تنهيدة حارقة من بين أضلعه ثم أردف قائلا:
- أنا بخير ومتعود على النوبات الصعبة دي
نكست برأسها أرضًا واخفت حزنها عنه أما والدته فلم تنبس بكلمة فيكفي عليه ما يشعر به ولا تريد أحزانه
تبادلات النظرات بينها وبين ميلانا بصمت منما لاحظ أسر الأمر يبدو مريبًا له ، لا يعلم إذا كانوا أستمعوا للشجار الذي قام بينه هو ونور أم لا ، ولكن هتف بفضول لمعرفة ما سبب توترهما بذلك الشيء الملحوظ:
- في أية يا ماما ؟ في حاجة حضرتك عاوزة تقوليها ؟ اتكلمي عادي أنا كويس واقدر اتحمل ما تخفيش
هتفت بتوتر وسردت عليه ما حدث لزو جته داخل غرفة العمليات وهي الآن ستخضع لعملية أخرى وسيتم إستىصال الرحم.
استقبل الخبر بجمود تام ونهض عن الفراش وهو يهتف بجدية :
- أنا عاوز أروح البيت مش هفضل في المستشفى اكتر من كدة
جحظت عين والدته وهتفت ميلانا بتسال:
- كيف فينا نسيب نور هلا
هتف بلامبالاة وكأن الأمر لا يعنيه بشئ:
- عاوزين تضلوا جنبها ضلوا ، أنا لأ
استقام واقفًا وارتدا ثيابه تحت نظرات والدته القاتمة فلم تصدق ما يفعله ابنها وزو جته في ذلك الوضع ويتركها ولم يهتم بها بظروفها تلك..
هتفت خديجة بقلة حيلة:
- روحي يا حبيبتي مع زو جك وانا هفضل جنب نور لم اطمن عليها
انصاعت ميلانا لحديث خديجة وبالفعل غادرت المشفى برفقة أسر عائدين إلى الفيلا وكل منهما شاردًا بملكوته الخاص..
❈-❈-❈
بـ لندن ..
تماثلت حياة الشفاء وغادرت المشفى بعدما شكر سليم أدم على كل ما فعله من أجلهم ، واتت "كريستينا" تصطحبهما بسيارتها الخاصة متوجهين بها إلى مركز الشرطة الفيدرالية أولاً ليخبرهما سليم بما حدث معه وتم اختطافه هو وزو جته من قبل زعيم المنظمة الدولية التي تورط بها والده سابقًا ، كما أن حياة سوف تخترق حساب سليم الخاص الذي كان يضع الملف مشفرًا على جهازه الحاسوب ونجحت في أختراقه ثانياً
كان ينظر لها منبهرًا وهو يراها تفعل ذلك بثقة عالية وفي غضون دقائق كانت تنسخ الملفات الخاصة بالصفقات التي تمت خلال الأعوام الماضية وكل المعلومات الخاصة بالمنظمة وأفرادها ، فقد كانت تضم العديد من الأسماء المشهورة من رجال الأعمال ورجال الدولة ،مافيا تجارة السلاح وتجارة سرقة الاعضاء أيضا ..
وبعد إنتهاء عملهما بالشرطة غادروا برفقة فريق حماية مشددة من الشرطة الفيدرالية وقرر سليم أن يقضي اليوم فقط باحدي الفنادق وفي الصباح سيتوجها إلى مطار لندن للسفر إلى المملكة العربية السعودية كما وعد والد حياة من قبل بأنه سيصطحب حياة بنفسه والتوجه إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة، لكي يتم شفاءها تمامًا من السحر الذي فعلته لها زو جة عمها..
عندما وصلا الفندق الان تنهد الصعداء فقد شعر بأن الجبال التي كانت على عاتقه انزاحت تمامًا وتبدل مكانها طمئنينه وسعادة بوجود زو جته التي لم تترك يـ داه كما تواعدًا بأن يظلان متماسكان مترابطان في السراء والضراء في الحزن قبل الفرح ، تواعدًا بألا يتفرقًا..
تتطلع لها سليم بحب وداخله يردد :
أتساءل في نفسي كيف لي أن أواجه صعوبات الحياة بمفردي، ولكن عندما تكون يـ دي بيـ دك أشعر بقوّة لا يمكن لإنسان أن يتخيّلها، أشعر وكأنّني قادرٌ على السّيطرة على كلّ العالم بوجودك معي
أما حياة فقد كانت تعانقه بعشبتيها الصافية وتبث له مشاعرها التي يعجز بها اللسان عن وصفها:
لغة العيون تصل أقرب للقلب، فعناق العينين ابلغ كثيراً من الكلمات
فالعين هي مرآة الروح وعندما يعجز اللسان عن البوح تتحدث العيون بمشاعر أبلغ من الكلام .
تبسم سليم وهمس ليقطع الصمت والسكون الذي حل بالمكان:
- طب أية؟
هزت كتفيها وردت:
- أية ..!؟
جذبها إليه بخفه لترطم بجـ سده وحاوط خصرها بذراعة الأيمن يقربها منه أكثر ثم مال بشـ فتيه يلتقط شـ فتيها في قُـ بلة عميقة ورفع ذراعه ليفك حجابها وتسلل بأنامله بين خصلاتها الحريرية يجذبها إليه لتلتصق أرواحهما كما التصقت أجـ ساهم ولغة العشق هي التي تقودهما لعالمهما الخاص بعيدًا عن كل ما مَرون به من صعاب...
❈-❈-❈
بعدما وصلا الفيلا، ترجلا مسرعًا من السيارة وسار بخطوات واسعة اشبه بالركض، وعندما ولج لداخل الفيلا صعد الدرج مهرولا إلى الجناح الخاص بـ "نور "
تحت نظرات "ميلانا" المندهشة صعدت خلفه تريد فهم ما يحدث له وعندما فتحت باب الغرفة علت الدهشة محياها وفرغت فاها بصدمة
فقد كان يصرخ بأنهيار ويبعثر كل ما طالته يـ ده ودموعه تنهمر دون توقف
اقتربت منه بقلق وامـ سكت بذراعه لكي لا يؤذي نفسه، تهربت نظراته واشاح بوجـ هه للجهة الأخرى، همست ميلانا بتسأل :
- شو فيك أسر، ما راح تحاكيني على جواك
تنهد بحرقة وقال بصوت ملتاع:
- أه يا ميلانا أه
ضـ مته لصـ درها كالطفل الصغير وهو دفن وجـ هه بأحضـ انها الدافئة الآمنة، حصنه الذي يحتمي به بعد كل العثرات التي يواجهها، مـ سدت على وجـ نته برفق وقالت بصوت هامس:
- أنا معك وراح أضل معك ، بس فيك تجاوبني شو فيك وليه موجوع ها القد؟
ازاح رأسه عن جـ سدها واستقام واقفًا ثم تجاهل حديثها وأسرع إلى خزانة الملابس الخاصة بـ نور اخرج ثيابها والقاه ارضًا وهتف مناديا بصوت جلي الخادمة لكي تصعد إليه وبعد ذلك أخبرها بطي الثياب داخل حقيبة وترسلهم مع السائق إلى فيلة "شاكر بدراوي" واي شيء متعلق بـ نور، لا يريد أن يرا شيء خاص بها بعد الآن.
تسمرت ميلانا مكانها وهي تنظر له بحزن ولن تستطيع أن تخفف عنه، وماذا تفعل من أجله.
عاد أسر إليها تطلع لها بمقلتي حزينين ثم القى بنفسه داخل أحضـ انه لتحتويه هي بين ذراعيها وفضلت ان تصمت ولا تلح عليه بالتسالات سوف تتركه ليهدئ وسوف يأتي هو ويتحدث معها عندما يحتاج لذلك.
همست بصوتها الرقيق قائلة:
- راح اتركك تهدأ بالأول، بس بدي إياك تعرف إن موجوده وراح أسمعك بأي وقت
شدد في عناقها وقال بصوت منكسر:
- اللي جوايا صعب يخرج، مافيش أي كلام ينفع يتقال بعد اللي عرفته
-شو اللي عرفته قلب حالك هيك؟
-مش قادر أتكلم يا ميلو مش قادر
رتبت على ظهـ ره برفق وأؤمت براسها بأنها تفهمه ولن تحاصره التساؤلات..
عودة إلى المشفى
بعد عدة ساعات من أجراء العملية غادرت نور غرفة العمليات ومكثت بغرفة عادية، ظلت خديجة بجوارها إلى أن تفيق وتطمئن على صحتها ثم تغادر بها إلى الفيلا لتكمل علاجها وتظل تحت راعيتها، فلن تتركها بتلك الظروف، كما أن عقلها شاردًا بسبب تصرفات أسر الأخيرة، وأثناء تفكيرها شهقت بصدمة خوفًا من أن تكون نور قد أفشت الماضي إلى أسر وهذا ما جعله على تلك الحاله
في ذلك الوقت فتحت نور عينيها بوهن وتطلعت حولها لتعلم أين هي، تذكرت عندما أخبرها الطبيب بأن الجنين لم يعد قلبه ينبض وعليها اجهاضه الان ووقعت ذلك الإقرار بنفسها، وضعت كفيها تحتضن بهما أحشائها وأنسابت دمعة هاربة وهي تعلم بأنها فعلت ما كانت تريده، فلم تكن تتحمل رؤية صغيرها يعاني الصرع طوال حياته وهي تقف أمامه عاجزه عن علاجه.
ربتت خديجة على كتفها مواسية اياها :
-حمدلله على سلامتك يا بنتي، قدر الله وما شاء فعل
أيماءة بسيطة فعلتها دون أن تنبس شـ فتيها بكلمة فقد كانت خجلة من فعلتها ولم ترف لها عينيها بعدما رأت انيهار أسر التام أمامها وهاجمة نوبة صرعيه كاد ان يفقد حياته على أثرها.
شعرت بألم حاد يضرب بأحشائها وظلت تتلوي وهي تصرخ متألمة، خرجت خديجة من غرفتها مستغيثة الطبيب الذي آت إليها على الفور وأمر نور بالهدوء وانه ألم طبيعي بعد أجراء العملية ثم أمر الممرضة اعطاءها أبرة مسكن ووقف بجانب نور يخبرها بما جرا داخل غرفة العمليات..
لم تستوعب ما يقوله ظلت تصرخ بأعلى طبقات صوتها لم تصدق بأنها أصبحت عاقر لم تنجب ثانيًا، فقدت أمومتها للأبد، يا ليتها فقدة حياتها كان اهون عليها منما هي تعيشه الان من لحظات صعبة لم يبلغها أي كلام، لحظات قاسية تمر بها أي سيدة عندما تفقد أنوثتها ومعالم الحياة بالنسبة إليها، خسارتها الفادحة التي لن ولم تعوض
اشفقت السيدة خديجة على حالتها وظلت تواسيها ببعض الكلمات، حزينه على ما تشعر به وتمر به، وغرزت الممرضة أبرة المهدئ وبعد لحظات من الصراخ المتواصل هدا فجأة واسبلت عينيها بسكون هادئ ..
❈-❈-❈
في المساء بمنزل الجدة سناء
صدح صوت رنين جرس الباب، نهض سراج من جانب جدته بعدما تطلع لساعه يـ ده التي تدق الحادية عشر مساءً
- مين هيجي دلوقتي
هتفت سناء بقلق:
- خير اللهم اجعله خير، أفتح يا بني شوف مين؟
اسرع سراج في خطواته يفتح باب الشقة لتتسع عيناه بجحوظ أثر المفاجأة التي لم يصدقها
ضحك مراد والده على هيئته وفرد ذراعه على كتف زو جته وهو يقول :
- واضح انها مفاجأة غير ساره يا روكا، ايه يا بني نرجع مكان ما جينا
تركت رقيه ذراع زو جها واقتربت من ابنها تعانقه بقوه وتخبره بمدا أشتياقها له ولن تتركه وحيدًا بعد أن، تعلم انها قصرت في واجباتها اتجاهه ولكن لم يبقى في العمر اكثر من الأعوام التي مضت وعليها ان تستقر ببلدتها بجانب والدتها وابنها وان ترا صغيرها وهو يأسس أسرته بنفسه وتنتظر رؤية احفادها، فالمال لا يعوض لحظات الحرمان الذي قضاها ابنهما وهو بحاجة لوجود والديه بكل تفاصيل حياته..
“أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً”.. هي حقا مقولة رائعة يؤمن بها عدد لا بأس به من البشر .. ولعل من يأتي متأخراً يصل قبل من حضر باكراً.. ما زال هناك أمل ..نعم سيظل هناك أمل ..بما أن أنفاسك لم تنقطع وحياتك لم تنتهي..فهناك أمل ..فكرة أن يكون لك وجود.. فكرة أن تحقق حلمك يوما ما حتى وإن تقدم بك العمر ، فقط عليك بالإستمرار في البحث عن الذات لا تتوقف إلا إذا توقفت انفاسك. فكل دقيقة لا تضيف إلى وجودك، فإنها تحط من قدرك.
أشعل الفتيل داخل قلبه وهو الآن لا حول له ولا قوة من أمره، ممد على الفراش جـ سدًا بلا روح، طعنته بخنجرًا مسموم في رجولته عندما أدعت عشقها لشقيقه،وأنها أتمت الزو اج منه فقط من أجل أن تظل أمام حبيبها ، كما أنها شوهة سمعة شقيقة الأكبر ، سنده في الحياة، الرفيق والصديق والاخ والاب، كيف عليه أن يتحمل كلماتها القاسية ولسانها اللازع والتهم البشعة التي أتهمت بها شقيقه الذي يعلمه جيدًا ويعلم أخلاقه ومن المستحيل أن ينظر لزو جته،كيف صور لها شيطانها بفعل ذلك، بسبب حقدها وكرهه لما فعله سليم بها تنتقم منهما بأشد الانتقام وتسول لها نفسها باتهامه بالباطل لكي تهدم حصون الترابط بين الإخوة ويصبحون بعد ذلك أعداء ، يا لها من خطة خبيثة ..
داخل غرفة العمليات لن ينجح الطبيب في السيطرة على النزيف بعدما أجهضت الجنين وليس بيده فعل شيء إلا أن يخبرهما بأنها يجب الخضوع لعملية إستىصال للرحم ، محاولة أخيرة بالنجاة بالام التي خسرت جنينها ولكن حياتها الان أهم
غادر الطبيب غرفة العمليات بأسف على حال تلك الشابة الصغيرة التي في مقتبل العمر وستفقد رحمها ، المكان الخاص بتكوين قطعة مصغرة تشبهها ، ولن تتحمل أي فتاة خسارة أمومتها ولكن هذا هو الحل الوحيد لإنقاذها ..
لم يجد الطبيب إلا السيدة خديجة ليتحدث معها واخبرها بما سوف يتم الآن داخل غرفة العمليات لإنقاذ حياة نور ، لم تجد خديجة إلا أن توقع على إقرار العملية الخاصة بنور ، لأن أسر بحالة يرثى لها وحياة تلك المسكينة بخطر، وقعت على الأوراق ودموعها تنهمر كالشلال وتنظر لابنها الراقد بفراشه بحزن واسف فالطفل الذي كان يتمناه لم يعد وحزينة على نور فهي فتاة صغيرة وسوف تفقد رحمها أيضا ،كما أنها تعلم بأن حياتها مع أسر كزوج وزوجه أصبحت مستحيلة فهو كان باقي عليها من أجل الطفل القادم فقط ، ولا تعلم ما سبب الشجار الأخير الذي قام بينهما ليرقدون الآن داخل المشفى كل منهما بعالمه الخاص ..
ولجت لغرفة أسر بعدما كفكفت دموعها ووجدت ميلانا جالسة بجواره تمـ سك بكفه ثم رفع مقلتيها لتلتقي بعينين خديجة الحزينتين على ما أودت بهم الأمور، تركت يـ د أسر ونهضت عن المقعد سارت بخطواتها لتقف أمام السيدة خديجة وهي تهتف بقلق:
- شو في يا إمي؟ أسر بيه شي ء؟
هزت راسها بالنفي وخرجت صوتها بحزن :
- نور فقدت الحمل ودلوقتي في العمليات هتشيل الرحم عشان يقدروا ينفذوا حياتها
شهقت بصدمة ووضعت كفها على فمها فهي لن تتمنى أن يصيب نور كل تلك الآلام وخاصة بأنها فتاة مثلها ، غمرها الحزن بسبب ما تواجهه نور الان ، يا ليتها تملك شيئا لتفعله لتلك الفتاة.
بينما في تلك اللحظة فتح أسر عينيه بوهن بعدما شعر بألام متفرقة تضرب بجـ سده وصداع قوي يفتك برأسه ، اغمض عيناه ثانياً فلم يطيق النظر إلى الإضاءة فخرج صوته غاضبًا
- أقفلوا النور ده
أسرعت ميلانا تغلق أضاءة الغرفة واقتربت منه والدته تمـ سد على وجـ هه بحنو ثم قالت:
-عامل أية يا حبيبي
أجابها بهدوء عكس ما يشعر داخله من صراع قوي يكاد يفقده عقله وثوابه:
- أنا بخير ما تقلقيش عليا يا ماما
رددت بارتياح:
- الف حمد وشكر إليك يا رب
تقدمت ميلانا تتطلع له بحب وقالت باسمة:
- شو عملت فينا يا قبضاي، أنتزع قلبنا
حاول جاهدًا رسم أبتسامته التى خرجت بصعوبة واجابها قائلا:
- بعد الشر عنكم ، اخرج تنهيدة حارقة من بين أضلعه ثم أردف قائلا:
- أنا بخير ومتعود على النوبات الصعبة دي
نكست برأسها أرضًا واخفت حزنها عنه أما والدته فلم تنبس بكلمة فيكفي عليه ما يشعر به ولا تريد أحزانه
تبادلات النظرات بينها وبين ميلانا بصمت منما لاحظ أسر الأمر يبدو مريبًا له ، لا يعلم إذا كانوا أستمعوا للشجار الذي قام بينه هو ونور أم لا ، ولكن هتف بفضول لمعرفة ما سبب توترهما بذلك الشيء الملحوظ:
- في أية يا ماما ؟ في حاجة حضرتك عاوزة تقوليها ؟ اتكلمي عادي أنا كويس واقدر اتحمل ما تخفيش
هتفت بتوتر وسردت عليه ما حدث لزو جته داخل غرفة العمليات وهي الآن ستخضع لعملية أخرى وسيتم إستىصال الرحم.
استقبل الخبر بجمود تام ونهض عن الفراش وهو يهتف بجدية :
- أنا عاوز أروح البيت مش هفضل في المستشفى اكتر من كدة
جحظت عين والدته وهتفت ميلانا بتسال:
- كيف فينا نسيب نور هلا
هتف بلامبالاة وكأن الأمر لا يعنيه بشئ:
- عاوزين تضلوا جنبها ضلوا ، أنا لأ
استقام واقفًا وارتدا ثيابه تحت نظرات والدته القاتمة فلم تصدق ما يفعله ابنها وزو جته في ذلك الوضع ويتركها ولم يهتم بها بظروفها تلك..
هتفت خديجة بقلة حيلة:
- روحي يا حبيبتي مع زو جك وانا هفضل جنب نور لم اطمن عليها
انصاعت ميلانا لحديث خديجة وبالفعل غادرت المشفى برفقة أسر عائدين إلى الفيلا وكل منهما شاردًا بملكوته الخاص..
❈-❈-❈
بـ لندن ..
تماثلت حياة الشفاء وغادرت المشفى بعدما شكر سليم أدم على كل ما فعله من أجلهم ، واتت "كريستينا" تصطحبهما بسيارتها الخاصة متوجهين بها إلى مركز الشرطة الفيدرالية أولاً ليخبرهما سليم بما حدث معه وتم اختطافه هو وزو جته من قبل زعيم المنظمة الدولية التي تورط بها والده سابقًا ، كما أن حياة سوف تخترق حساب سليم الخاص الذي كان يضع الملف مشفرًا على جهازه الحاسوب ونجحت في أختراقه ثانياً
كان ينظر لها منبهرًا وهو يراها تفعل ذلك بثقة عالية وفي غضون دقائق كانت تنسخ الملفات الخاصة بالصفقات التي تمت خلال الأعوام الماضية وكل المعلومات الخاصة بالمنظمة وأفرادها ، فقد كانت تضم العديد من الأسماء المشهورة من رجال الأعمال ورجال الدولة ،مافيا تجارة السلاح وتجارة سرقة الاعضاء أيضا ..
وبعد إنتهاء عملهما بالشرطة غادروا برفقة فريق حماية مشددة من الشرطة الفيدرالية وقرر سليم أن يقضي اليوم فقط باحدي الفنادق وفي الصباح سيتوجها إلى مطار لندن للسفر إلى المملكة العربية السعودية كما وعد والد حياة من قبل بأنه سيصطحب حياة بنفسه والتوجه إلى مكة المكرمة لأداء مناسك العمرة، لكي يتم شفاءها تمامًا من السحر الذي فعلته لها زو جة عمها..
عندما وصلا الفندق الان تنهد الصعداء فقد شعر بأن الجبال التي كانت على عاتقه انزاحت تمامًا وتبدل مكانها طمئنينه وسعادة بوجود زو جته التي لم تترك يـ داه كما تواعدًا بأن يظلان متماسكان مترابطان في السراء والضراء في الحزن قبل الفرح ، تواعدًا بألا يتفرقًا..
تتطلع لها سليم بحب وداخله يردد :
أتساءل في نفسي كيف لي أن أواجه صعوبات الحياة بمفردي، ولكن عندما تكون يـ دي بيـ دك أشعر بقوّة لا يمكن لإنسان أن يتخيّلها، أشعر وكأنّني قادرٌ على السّيطرة على كلّ العالم بوجودك معي
أما حياة فقد كانت تعانقه بعشبتيها الصافية وتبث له مشاعرها التي يعجز بها اللسان عن وصفها:
لغة العيون تصل أقرب للقلب، فعناق العينين ابلغ كثيراً من الكلمات
فالعين هي مرآة الروح وعندما يعجز اللسان عن البوح تتحدث العيون بمشاعر أبلغ من الكلام .
تبسم سليم وهمس ليقطع الصمت والسكون الذي حل بالمكان:
- طب أية؟
هزت كتفيها وردت:
- أية ..!؟
جذبها إليه بخفه لترطم بجـ سده وحاوط خصرها بذراعة الأيمن يقربها منه أكثر ثم مال بشـ فتيه يلتقط شـ فتيها في قُـ بلة عميقة ورفع ذراعه ليفك حجابها وتسلل بأنامله بين خصلاتها الحريرية يجذبها إليه لتلتصق أرواحهما كما التصقت أجـ ساهم ولغة العشق هي التي تقودهما لعالمهما الخاص بعيدًا عن كل ما مَرون به من صعاب...
❈-❈-❈
بعدما وصلا الفيلا، ترجلا مسرعًا من السيارة وسار بخطوات واسعة اشبه بالركض، وعندما ولج لداخل الفيلا صعد الدرج مهرولا إلى الجناح الخاص بـ "نور "
تحت نظرات "ميلانا" المندهشة صعدت خلفه تريد فهم ما يحدث له وعندما فتحت باب الغرفة علت الدهشة محياها وفرغت فاها بصدمة
فقد كان يصرخ بأنهيار ويبعثر كل ما طالته يـ ده ودموعه تنهمر دون توقف
اقتربت منه بقلق وامـ سكت بذراعه لكي لا يؤذي نفسه، تهربت نظراته واشاح بوجـ هه للجهة الأخرى، همست ميلانا بتسأل :
- شو فيك أسر، ما راح تحاكيني على جواك
تنهد بحرقة وقال بصوت ملتاع:
- أه يا ميلانا أه
ضـ مته لصـ درها كالطفل الصغير وهو دفن وجـ هه بأحضـ انها الدافئة الآمنة، حصنه الذي يحتمي به بعد كل العثرات التي يواجهها، مـ سدت على وجـ نته برفق وقالت بصوت هامس:
- أنا معك وراح أضل معك ، بس فيك تجاوبني شو فيك وليه موجوع ها القد؟
ازاح رأسه عن جـ سدها واستقام واقفًا ثم تجاهل حديثها وأسرع إلى خزانة الملابس الخاصة بـ نور اخرج ثيابها والقاه ارضًا وهتف مناديا بصوت جلي الخادمة لكي تصعد إليه وبعد ذلك أخبرها بطي الثياب داخل حقيبة وترسلهم مع السائق إلى فيلة "شاكر بدراوي" واي شيء متعلق بـ نور، لا يريد أن يرا شيء خاص بها بعد الآن.
تسمرت ميلانا مكانها وهي تنظر له بحزن ولن تستطيع أن تخفف عنه، وماذا تفعل من أجله.
عاد أسر إليها تطلع لها بمقلتي حزينين ثم القى بنفسه داخل أحضـ انه لتحتويه هي بين ذراعيها وفضلت ان تصمت ولا تلح عليه بالتسالات سوف تتركه ليهدئ وسوف يأتي هو ويتحدث معها عندما يحتاج لذلك.
همست بصوتها الرقيق قائلة:
- راح اتركك تهدأ بالأول، بس بدي إياك تعرف إن موجوده وراح أسمعك بأي وقت
شدد في عناقها وقال بصوت منكسر:
- اللي جوايا صعب يخرج، مافيش أي كلام ينفع يتقال بعد اللي عرفته
-شو اللي عرفته قلب حالك هيك؟
-مش قادر أتكلم يا ميلو مش قادر
رتبت على ظهـ ره برفق وأؤمت براسها بأنها تفهمه ولن تحاصره التساؤلات..
عودة إلى المشفى
بعد عدة ساعات من أجراء العملية غادرت نور غرفة العمليات ومكثت بغرفة عادية، ظلت خديجة بجوارها إلى أن تفيق وتطمئن على صحتها ثم تغادر بها إلى الفيلا لتكمل علاجها وتظل تحت راعيتها، فلن تتركها بتلك الظروف، كما أن عقلها شاردًا بسبب تصرفات أسر الأخيرة، وأثناء تفكيرها شهقت بصدمة خوفًا من أن تكون نور قد أفشت الماضي إلى أسر وهذا ما جعله على تلك الحاله
في ذلك الوقت فتحت نور عينيها بوهن وتطلعت حولها لتعلم أين هي، تذكرت عندما أخبرها الطبيب بأن الجنين لم يعد قلبه ينبض وعليها اجهاضه الان ووقعت ذلك الإقرار بنفسها، وضعت كفيها تحتضن بهما أحشائها وأنسابت دمعة هاربة وهي تعلم بأنها فعلت ما كانت تريده، فلم تكن تتحمل رؤية صغيرها يعاني الصرع طوال حياته وهي تقف أمامه عاجزه عن علاجه.
ربتت خديجة على كتفها مواسية اياها :
-حمدلله على سلامتك يا بنتي، قدر الله وما شاء فعل
أيماءة بسيطة فعلتها دون أن تنبس شـ فتيها بكلمة فقد كانت خجلة من فعلتها ولم ترف لها عينيها بعدما رأت انيهار أسر التام أمامها وهاجمة نوبة صرعيه كاد ان يفقد حياته على أثرها.
شعرت بألم حاد يضرب بأحشائها وظلت تتلوي وهي تصرخ متألمة، خرجت خديجة من غرفتها مستغيثة الطبيب الذي آت إليها على الفور وأمر نور بالهدوء وانه ألم طبيعي بعد أجراء العملية ثم أمر الممرضة اعطاءها أبرة مسكن ووقف بجانب نور يخبرها بما جرا داخل غرفة العمليات..
لم تستوعب ما يقوله ظلت تصرخ بأعلى طبقات صوتها لم تصدق بأنها أصبحت عاقر لم تنجب ثانيًا، فقدت أمومتها للأبد، يا ليتها فقدة حياتها كان اهون عليها منما هي تعيشه الان من لحظات صعبة لم يبلغها أي كلام، لحظات قاسية تمر بها أي سيدة عندما تفقد أنوثتها ومعالم الحياة بالنسبة إليها، خسارتها الفادحة التي لن ولم تعوض
اشفقت السيدة خديجة على حالتها وظلت تواسيها ببعض الكلمات، حزينه على ما تشعر به وتمر به، وغرزت الممرضة أبرة المهدئ وبعد لحظات من الصراخ المتواصل هدا فجأة واسبلت عينيها بسكون هادئ ..
❈-❈-❈
في المساء بمنزل الجدة سناء
صدح صوت رنين جرس الباب، نهض سراج من جانب جدته بعدما تطلع لساعه يـ ده التي تدق الحادية عشر مساءً
- مين هيجي دلوقتي
هتفت سناء بقلق:
- خير اللهم اجعله خير، أفتح يا بني شوف مين؟
اسرع سراج في خطواته يفتح باب الشقة لتتسع عيناه بجحوظ أثر المفاجأة التي لم يصدقها
ضحك مراد والده على هيئته وفرد ذراعه على كتف زو جته وهو يقول :
- واضح انها مفاجأة غير ساره يا روكا، ايه يا بني نرجع مكان ما جينا
تركت رقيه ذراع زو جها واقتربت من ابنها تعانقه بقوه وتخبره بمدا أشتياقها له ولن تتركه وحيدًا بعد أن، تعلم انها قصرت في واجباتها اتجاهه ولكن لم يبقى في العمر اكثر من الأعوام التي مضت وعليها ان تستقر ببلدتها بجانب والدتها وابنها وان ترا صغيرها وهو يأسس أسرته بنفسه وتنتظر رؤية احفادها، فالمال لا يعوض لحظات الحرمان الذي قضاها ابنهما وهو بحاجة لوجود والديه بكل تفاصيل حياته..
“أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً”.. هي حقا مقولة رائعة يؤمن بها عدد لا بأس به من البشر .. ولعل من يأتي متأخراً يصل قبل من حضر باكراً.. ما زال هناك أمل ..نعم سيظل هناك أمل ..بما أن أنفاسك لم تنقطع وحياتك لم تنتهي..فهناك أمل ..فكرة أن يكون لك وجود.. فكرة أن تحقق حلمك يوما ما حتى وإن تقدم بك العمر ، فقط عليك بالإستمرار في البحث عن الذات لا تتوقف إلا إذا توقفت انفاسك. فكل دقيقة لا تضيف إلى وجودك، فإنها تحط من قدرك.