12
الفصل الثاني عشر
توقف فجأة عن هزها بين ذراعيه وألجمته الصدمة بسبب ما تفوهة به هذه المجنونة،حقًا مجنونة فمن يصدق ما تقوله سيكون بالفعل مجنونًا هو الآخر ، هدر صوته الغاضب :
- أنتي أكيد اتجننتي ، مابقاش فيك عقل بيفكر خلاص
قاطعته بحدة وأنفعال:
- ليك حق ما تصدقش الملاك البريء ، صاحب الوقار اللي لابس قناع الغدر وأول حد بيغدر بيه هو أنت، أخوه اللي من لحمه ودمه ومستكتر عليه تعيش حياة طبيعية وسعيدة معايا
صفعها بقوة ليخرسها ولكن هذا ما جعلها تتاجج كالنيران المشتعلة فعادة تصرخ بوجـ هه ولا تبالي لأفعاله:
- سليم كان يعرفني قبل ما أشوفك ، كان بيحبني وبحبه وأتجوزتك بس عشان أكون جنبه، أنا عمري ما حبيت غيره وكنت يشوفه فيك ، في ملامحك في تفاصيلك، كنت بتمنى اكون مع سليم وبس ، وعشان كدة عمري مااديت نفسي فرصة أحبك يا أسر ، عارف ليه عشان سليم كان بينا ، واقولك اللي حصل بينا حصل أزاي؟
وضع كفيه يصم بها أذنية لا يريد سماعها
ولكن هي لم ترأف بحالته تلك فظلت تضعط على جرحه وهتفت كاذبة:
- كنت بروحله أوضة لم كنت بتاخد الدوا تنام ، ويوم البسين بالليل كنت معاه فاكر اليوم ده
صرخ منفعلا بصوت عالِ غاضبًا وخرج صوته كذئير الاسد الجريح :
-بس كفايا مش عاوز أسمعك تاني، أسكتي بقولك أسكتي
وتجمدت أوصاله وظل مكانه هبط بقدمية أرضاً وظل محاوط كفيه بإذنه وجـ سده يرتجف وعيناة تزرف دمًا يغزو بروحه وصـ دره وظل يهمس بخفوت بعدم تصديق إلا أن أسبلت عيناه وفقد الحراك تمامًا وأرتخت أعصابه وتصلب جـ سده
بالاسفل كانت تجلس بجانب السيدة خديجة وعندما أستمعت لصراخ أسر ، ركضت مسرعة إليه ولحقت بها والدته بخطوات متلهفة، ونبضات قلبها في تسارع تخشى من القادم .
وعندما فتحت ميلانا باب الغرفة تسمرت مكانها بصدمة عندما وجدت أسر متوقعًا على نفسه بأرضية الغرفة وفاقد لوعيه ونور تقف أمامه دون حراك لم تتحرك ساكنة لكي تحاول أنقاظة من تلك الحالة التى هاجمته.
أنسابت دموعها وفاقت من صدمتها وركضت إليه لتحاول إيفاقته واتت خديجة من خلفها تحاول فهم ماذا يحدث ...
❈-❈-❈
وقف سراج على أعتاب الباب ثم دق الجرس وهو يحمل بين يـ ديه باقة الزهور ، فتحت له دلال بابتسامة عريضة ترحب به ثم دعت للدخول وسارت جانبه ترشده إلى غرفة الصالون
- اتفضل يا حبيبي ، عمك فاروق بيصلي العشاء وجاي ، تحب تشرب أيه؟
- تسلم ايـ دك يا طنط ، مالوش لازمة تتعبي حضرتك
- تعبك راحة يا سراج، هو هيجيلي اعز منك يا حبيبي ، انت لازم تتعشا معانا الأول ، نخلي الشرب ده لبعدين
شعر بالألفة داخل ذلك المنزل ولمـ س الدفئ والحنان النابع من قلبها ، تمنى لو برا والدته تغدقه بحنانها الذي هو بحاجته فهما كبر الابن فسيظل بحاجة لاحضـ ان والدته ، فهي بئر أسراره ومنبع حنانه ، ياليتها تشعر بأنه حقا يريدها أن تشاركة فرحته فهو لم يشعر بطعم الفرحة بدون وجود عائلته.
بعد لحظات أقترب فارق بخطوات بطيئة يصافحه بود ثم جلس بالمقعد المقابل له:
- شرفتنا ونورتنا يا بني
- ده بنور حضرتك يا عمي
تنحنح ثم أردف قائلا بتوتر:
- عمي أنا متوتر شويا
ضحك فاروق وربت على أرجل سراج قائلا بود:
- ما فيش داعي لتوترك ده يا بني أحنا أهل ، والحجة سناء بلغتني بطلبك وأن كان عليه موافق طبعا عليك انت شاب محترم واصل طيب
قاطعة سراج معتذرًا:
- بعد أذنك يا عمي تسمحلي أفتحلك قلبي وأتكلم معاك بصدق
- أكيد يا بني أتفضل
ابتلع ريقه بتوتر ثم أخرج زفيرا هادىًا وقال:
- الحقيقة أنا مش زي ما حضرتك شايف الوجـ ه الخارجي ده مجرد برواز لتجميل الصورة ، لكن الداخل غير تمامًا
ثم استرسل حديثه قائلا:
- أنا كنت شاب طايش وبعمل كل حاجه وسبق وكان ليه علاقات قبل كده وكنت بتسالي ما أخدتش اي علاقة جد
قاطعه فاروق بتسال:
- حالك أية مع الله يا سراج، لو حالك مع ربنا صالح هتكون زوج صالح في بيتك وهتصون مراتك وتتقي ربنا فيها ، لكن ماناخذنيش يا بني لو أنت لسه على حالك ومافيش رضا وقبول من ربنا ليك فمش هتقدر تتحمل مسؤولية كبيرة زي الزو اج وأنك تصون بنتي وتتقي الله فيها ، خلى بالك يا بني طول ما بتراعي ربنا في حياتك وكل خطوة بتخطوها عارف رايحه فين وهدفها ايه ربنا هيحافظ على أهل بيتك في غيابك، دائن تدان والديان لا يموت يا بني
تنهد بعمق ثم قال بصدق:
- ماكنتش شايف كل ده يا عمي، مافكرتش غير أن أبسط نفسي ونسيت الأهم والأكبر هو رضا ربنا عليه وازاي ربنا شايفني كده، قعدت مع نفسي كتير ولاقيت حياتي غلط ولازم اصلح منها وبدأت بالفعل اصلح علاقتي بربنا في صلاتي ومحتاج لدعم من حضرتك أكمل في طريقي وماتسبش أيـ دي ولا تتخلى عني
هز رأسه نافيا ثم قال:
- لا يا بني ، ثق في كرم ربنا وطول ما باب التوبة موجود ربنا بيقبلك في كل منجاه وصلاه ودعوة طلبتها لا يمكن يرد أيـ دك ، وإذا كان الرب سبحانه وتعالى بيغفر وبيسامح العبد الفقير والضعيف إلى الله مش هيسامح ولا يقبلك في حضـ نه ، أنا معاك وهناخد بأيـ د بعض ،بس أياك الكلام اللي بينا ده حد يعرف بيه وبالأخص فريدة
- ليه يا عمي؟ انا كنت ناوي انهاردة اصارح فريدة بكل اللي جوايا مش عاوز اخبي عليها حاجه ، عاوزها تثق فيه أن ماكدبتش عليها وأن سراج اللي حبها واختارها بقا أنسان تاني
- لا يا سراج غلطان يا بني ، الست مهما كانت مش بتعدي ولا بتفوت الحاجات دي وهتفضل تشك فيك والثقة اللي بينكم هتنعدم يا بني مع اول مشكلة تواجهوها في حياتكم، اصل الحياة مش دايما وردي ، في جانب تاني وهي المسئولية والمشاركة بينكم وان يكون في بينكم مودة ورحمة مش حب وبس لا حب ومودة ورحمه واهتمام ، تقدر تقولي لو صارحتها بكلامك ده مش بعيد اصلا مش تقبل بيك وهتفضل دايما شاكه فيك طول الوقت والحياة بينكم هتكون صعبه وهتضيعوها ما بينكم في مبررات واعذار
-يعني تنصحني بأية دلوقتي يا عمي، أنا بجد بحب فريدة ومش عاوز ازرع الشك جواها من ناحيتي ونفسي جوا زنا يكون ناجح وفي بينا تفاهم في كل حاجه
- يبقى ماتقولش حاجه عن حياتك زمان ، أنسى اللي فات وفكر في اليوم وصلح حالك كله مع ربنا عشان هو دة الباب اللي هتكسب منه سعادة زوجتك واستقرار بيتك ومش بس ترمي الماضي ولا ضهرك ، لا ده انت هتدفنه خالص اللي اندفن لا يمكن ننبش أحنا فيه وتكشف ستره.
أقترب منه يعانقه بسعادة حقيقية ليشدد فاروق على ظهره وقال هامسًا:
- ربنا ينورلك طريقك ويصلح حالك دايما يا بني
بعد لحظات هتف فاروق مناديا لابنته فريدة لكي تجلس مع سراج
استقام واقفًا عندما دلفت فريدة الغرفة ومد يده يصافحها ثم قدم لها باقة الزهور وقال باسمًا:
- الورد عشان الورد
توردت وجنـ تيها بحمرة الخجل ثم التقط منه الباقة وخرج صوتها الخافت قائلة : شكراً
رفع إحدى حاجبية وقال بمشاكسة:
- عفواً
ثم مال عليها قائلا بهمس:
- حمل وديع يا خواتي
ضحكت برقة ولم تعقب على كلماته
عاد سراج قائلا:
- مش واخد انا على الرقة دي يا ديدة
- مين ديدة دا
- أنتي، بدلعك يا قلبي أنا ، أنتي كمان مش هتدلعني
لوت ثغرها بضجر وقالت:
- وهو في راجل بيدلع
ضحك بخفة وأومى برأسه قائلا:
- لم حبيبتي وروحه وقلبه ومراته تدلعه بيكون مسموح عادي في قاموس الرجاله إنهم يدفعوا
- لم بقا أكون مراتك ابق أفكر
- ماشي يا شرس ثم أرسل إليها غمزة من عينيه اليسرى وتطلع لها بحب:
- قولتلك أن بحبك يا فريدة قلبي
هزت راسها وتبسمت قائلة:
- قول تاني كدة
ضحك مجلجلا على مشاكستها فهذه الفتاه سرقت لُب قلبه بعفويتها ومرحها، كما أنها بريئة ورقيقة رغم أنها قطة شرسة ببعض الاحيان وهذا ما جعله مُتم بها عشقًا..
❈-❈-❈
داخل المشفى بـ لندن..
عندما أسترد حياة وعيها تطلعت حولها بذعر بعدما تذكر أخر مشهد مر على ذاكرتها وهو حبسهم بغرفة والنيران تحيط بهما من كل جانب، همست بأسمه
-سليم
لتجده جانبها ممـ سك بكفها يجيبها بلهفة:
- قلبه
ثم رفع كفها وطبع قـ بلة على باطنه بنعومة وهتف قائلا بعدما أسترد أنفاسه وعاد النبض لقلبه يقرع داخله ، دبت الروح بجـ سده ثانيًا بعدما أستفاقت محبوبته وفتحت عيناها على الدنيا ثانيًا.
قبض بقوة على كفه وهمست بخوف :
- أنت بخير
لمعة عيناه بفرحة وأوما بخفة ثم أجابها قائلا ببسمة حانية:
- الحمدلله بخير وزي القرد قدامك
أنهى كلماته بضحكة هادئة ثم عاد يسترسل حديثة قائلا:
- حمدالله على سلامتك يا قلبي ، أنتي حاسة بأية دلوقتي
دلف في ذلك الوقت الطبيب ادم الذي تابع حالتها وعندما وجدها أستعادت وعيها ، علت الابتسامة وجـ هه ودنا منهما قائلا ببسمة الجذابة وهو يتفحص مؤشرات جـ سدها عبر جهاز القلب
- حمدالله على سلامتك
ابتلعت ريقها بتوتر واجابته بهدوء:
- الله يسلمك
عاد بتسال وهو يتفحص ارتفاع معدل الأكسجين في الدم:
- وحاسـ ة بخنقة جوة صـ درك ولا مش موجودة دلوقتي
مازالت تشعر بالاختناق وكأنها لازالت داخل الغرفة المحترقة واجابته:
- الحمدلله ، شعور بسيط بالخنقة
- معدل الأكسجين ارتفع عن الاول بكتير بفضل ربنا وحالتك دلوقتي مستقرة ، بس هتفضلي مشرفانا يومين كمان لم الصحة العامة تستقر
شعر سليم بالغيرة بسبب نظرات إدم الفاحصة لزو جنه وابتسامته التي اتسعت عندما رآها وتحدث معها وهي ترد على تسالاته وكان وجودة أصبح سربًا ، لم يشعر به أحد.
عاد ادم يتطلع لسليم بود ثم قال:
- حمدالله على سلامة المدام ، بكرة تخرج معاك وياريت تطمن أنت كمان على جرح دراعك
بعد أذنكم لو احتاجتوا لاي حاجة بلغوني وهكون عندكم ، الف سلامه
أومأ له برأسه وحدث نفسه :
- دلوقتي خد بالك أنها المدام ، ابتسم لها رغما عنه وبعد أن غادر أدم الغرفة ، خطى خطواته اتجاه محبوبته وعيناه تتطلع لها بشغف ثم مال عليها يهمس بجانب أذنها:
- لطيف دكتور ادم صح
لاحت ابتسامتها وقالت برفق:
- طمني الاول عنك حصلك ايه ؟ واحنا خرجنا إزاي
وعندما وقعت عيناها على ذراعه المحاطة بالشاش وهتغت بفزع:
- سليم مال دراعك؟
- حرق بسيط الحمدلله ربنا قدر ولطف
كادت أن تبكي اقترب منها حاوطها من ذراعه الأيمن وطبع قـ بلة حانية أعلى جبينها وهمس قائلا :
- بخير والله يا حياتي، الحمد لله ربنا نجانا من الموت محروقين
ثم ضحك بصخب وشدد في ضـ مها لصـ دره
وعاد بتسال بغيرة واضحة على تقاسيم وجـ هها :
- أدم مجرد دكتور عالج بابا بس ؟
ابتسمت برقة وقالت:
- لا وكان من تلمذة بابا وهو أنسان محترم
رفع حاجبه وضيق عينيه ثم قال بوجه عابث:
- اللي خلاني طلبته بالاسم أنه هو يعالجك عشان بس مش واثق في اي حد غيرة ، بس ده ما يمنعش أنك تتكلمي عنه بالرقة دي
هتفت بصدمة:
- انا بتكلم عنه برقة
هز راسة بالايجاب وقال بغيظ:
- أنا مش هسمحلك تتكلمي عن أي راجل تاني لا بحلو ولا بوحش يا حياة ، وعلى العموم مضطر أتحملة لحد بكرة وخلاص ، احنا اصلا هنسيب لندن بكرة
-هنروح فين؟
- مش عارف لسه كله هيتحدد بعد مقابلتي للشرطة الفيدرالية ، المهم عندي دلوقتي اطمن عليكي
قالت بتسأل:
- ما قولتليش خرجنا إزاي وايه اللي حصل ؟
همس بحزن وهو يُ قبل وجنتها:
- أنا أسف يا حياة ، عرضت حياتك للخطر بسببي
ربنا على ظهره برفق وقالت هامسة:
- أحنا متفقين هنواجه كل حاجة مع بعض
قص على مسامعها عندما استسلم للموت المحتوم وفجأة أتت كريستينا تنادي باسمه وأنقذتهم من ذلك الحريق المروع واتت بهما الي المشفى وافصحت عن هويتها الحقيقية وأنها تابعة للشرطة الفيدرالية
جحظت عيناها بصدمة وتذكرت حديثه معها وهو يتودد للقاءها فابتعدت عنه وقالت بصوت غاضب:
- كريست البنت الشقرا اللي كل لما تشوفك تقرب منك وتبوسك وتاخدك بالاحضـ ان مش كدة ، ممكن أعرف ايه علاقتك بيها اصلا؟
أبتسم بمراوغة على حديثها الثائر بغضب الغيرة ودنا منها يقرب وجـ هه من وجـ هها واسند جبينه بجبينها ومقلتيه البنيةُ تعانق عشبتها الخضراء وهمس قائلا بصوت دافئ ومشاعر صادقة:
- ولا يفرق معايا مليون واحدة شقرا ولا صفرا حتى، إللي يملئ عيني وقلبي هي حياة واحده وبس ، لا حد دخل القلب قبلها ولا في حد هيدخل بعدها، حياتي أنا وبس
ثم طبع عدة قُ بلات متفرقة على صفيحة وجـ هها يبث لها مدا حبه وشوقه لها فقط، مشاعر صادقة القلب هو المتحكم الرئيسي بهما..
❈-❈-❈
عودة إلى القاهرة
داخل المشفى الخاص بوالده ..
كان جـ سده مُمد على فراش المشفى الابيض وهو بعالم أخر لن يشعر بمن حوله، فقد كانت والدته وزو جته بالقرب من فراشه وعينيهم تزرف الدموع بصمت قاتل لمشاعرهم ، لا أحد يعلم بالذي حدث بينه هو وزو جته جعله يدخل بذلك الانهيار ، فقد كان بحالة يرثي لها بعدما هاجمته نوبة صرع قاتلة تكاد تودي بحياته ولولا أن لحقه الأطباء وتم إسعافه بالوقت المناسب ولم يفتح عيناه بعدها لأن تعرضت أعصابه لانهيار عصبي حاد ولا يستطيع أحد إخراجه من تلك الحالة سوا أن يخضع للمهدئات في الوقت الحالي ولابد من طبيب نفسي يتفقد حالته ويحاول معرفة سبب ذلك الانهيار..
أما عن نور فشعرت بالتعب يحتاج احشائها بقوة وعندما لحقت بهم للمشفى صرخت مستغيثة بالألم التي تشعر به وتم فحصها ونقله لغرفة العمليات على الفور فقد تعرضت لنزيف حاد وتوفي الجنين داخل رحمها ، والان يجب أن تخضع لعملية الإجهاض والخلاص من الجنين.
وهي من وقعت بنفسها على أوراق أجراء تلك العملية ...
إن الكره ليرتجف أمام الحبّ، وإن الحقد ليهتز أمام التسامح، وإن القسوة لترتعش أمام الرقة واللّين. إذا استسلمت للحقد والكراهية فسوف تهزم وتنتهي، سوف تهزم كإنسان، وسوف تنتهي كقضية.
❈-❈-❈
توقف فجأة عن هزها بين ذراعيه وألجمته الصدمة بسبب ما تفوهة به هذه المجنونة،حقًا مجنونة فمن يصدق ما تقوله سيكون بالفعل مجنونًا هو الآخر ، هدر صوته الغاضب :
- أنتي أكيد اتجننتي ، مابقاش فيك عقل بيفكر خلاص
قاطعته بحدة وأنفعال:
- ليك حق ما تصدقش الملاك البريء ، صاحب الوقار اللي لابس قناع الغدر وأول حد بيغدر بيه هو أنت، أخوه اللي من لحمه ودمه ومستكتر عليه تعيش حياة طبيعية وسعيدة معايا
صفعها بقوة ليخرسها ولكن هذا ما جعلها تتاجج كالنيران المشتعلة فعادة تصرخ بوجـ هه ولا تبالي لأفعاله:
- سليم كان يعرفني قبل ما أشوفك ، كان بيحبني وبحبه وأتجوزتك بس عشان أكون جنبه، أنا عمري ما حبيت غيره وكنت يشوفه فيك ، في ملامحك في تفاصيلك، كنت بتمنى اكون مع سليم وبس ، وعشان كدة عمري مااديت نفسي فرصة أحبك يا أسر ، عارف ليه عشان سليم كان بينا ، واقولك اللي حصل بينا حصل أزاي؟
وضع كفيه يصم بها أذنية لا يريد سماعها
ولكن هي لم ترأف بحالته تلك فظلت تضعط على جرحه وهتفت كاذبة:
- كنت بروحله أوضة لم كنت بتاخد الدوا تنام ، ويوم البسين بالليل كنت معاه فاكر اليوم ده
صرخ منفعلا بصوت عالِ غاضبًا وخرج صوته كذئير الاسد الجريح :
-بس كفايا مش عاوز أسمعك تاني، أسكتي بقولك أسكتي
وتجمدت أوصاله وظل مكانه هبط بقدمية أرضاً وظل محاوط كفيه بإذنه وجـ سده يرتجف وعيناة تزرف دمًا يغزو بروحه وصـ دره وظل يهمس بخفوت بعدم تصديق إلا أن أسبلت عيناه وفقد الحراك تمامًا وأرتخت أعصابه وتصلب جـ سده
بالاسفل كانت تجلس بجانب السيدة خديجة وعندما أستمعت لصراخ أسر ، ركضت مسرعة إليه ولحقت بها والدته بخطوات متلهفة، ونبضات قلبها في تسارع تخشى من القادم .
وعندما فتحت ميلانا باب الغرفة تسمرت مكانها بصدمة عندما وجدت أسر متوقعًا على نفسه بأرضية الغرفة وفاقد لوعيه ونور تقف أمامه دون حراك لم تتحرك ساكنة لكي تحاول أنقاظة من تلك الحالة التى هاجمته.
أنسابت دموعها وفاقت من صدمتها وركضت إليه لتحاول إيفاقته واتت خديجة من خلفها تحاول فهم ماذا يحدث ...
❈-❈-❈
وقف سراج على أعتاب الباب ثم دق الجرس وهو يحمل بين يـ ديه باقة الزهور ، فتحت له دلال بابتسامة عريضة ترحب به ثم دعت للدخول وسارت جانبه ترشده إلى غرفة الصالون
- اتفضل يا حبيبي ، عمك فاروق بيصلي العشاء وجاي ، تحب تشرب أيه؟
- تسلم ايـ دك يا طنط ، مالوش لازمة تتعبي حضرتك
- تعبك راحة يا سراج، هو هيجيلي اعز منك يا حبيبي ، انت لازم تتعشا معانا الأول ، نخلي الشرب ده لبعدين
شعر بالألفة داخل ذلك المنزل ولمـ س الدفئ والحنان النابع من قلبها ، تمنى لو برا والدته تغدقه بحنانها الذي هو بحاجته فهما كبر الابن فسيظل بحاجة لاحضـ ان والدته ، فهي بئر أسراره ومنبع حنانه ، ياليتها تشعر بأنه حقا يريدها أن تشاركة فرحته فهو لم يشعر بطعم الفرحة بدون وجود عائلته.
بعد لحظات أقترب فارق بخطوات بطيئة يصافحه بود ثم جلس بالمقعد المقابل له:
- شرفتنا ونورتنا يا بني
- ده بنور حضرتك يا عمي
تنحنح ثم أردف قائلا بتوتر:
- عمي أنا متوتر شويا
ضحك فاروق وربت على أرجل سراج قائلا بود:
- ما فيش داعي لتوترك ده يا بني أحنا أهل ، والحجة سناء بلغتني بطلبك وأن كان عليه موافق طبعا عليك انت شاب محترم واصل طيب
قاطعة سراج معتذرًا:
- بعد أذنك يا عمي تسمحلي أفتحلك قلبي وأتكلم معاك بصدق
- أكيد يا بني أتفضل
ابتلع ريقه بتوتر ثم أخرج زفيرا هادىًا وقال:
- الحقيقة أنا مش زي ما حضرتك شايف الوجـ ه الخارجي ده مجرد برواز لتجميل الصورة ، لكن الداخل غير تمامًا
ثم استرسل حديثه قائلا:
- أنا كنت شاب طايش وبعمل كل حاجه وسبق وكان ليه علاقات قبل كده وكنت بتسالي ما أخدتش اي علاقة جد
قاطعه فاروق بتسال:
- حالك أية مع الله يا سراج، لو حالك مع ربنا صالح هتكون زوج صالح في بيتك وهتصون مراتك وتتقي ربنا فيها ، لكن ماناخذنيش يا بني لو أنت لسه على حالك ومافيش رضا وقبول من ربنا ليك فمش هتقدر تتحمل مسؤولية كبيرة زي الزو اج وأنك تصون بنتي وتتقي الله فيها ، خلى بالك يا بني طول ما بتراعي ربنا في حياتك وكل خطوة بتخطوها عارف رايحه فين وهدفها ايه ربنا هيحافظ على أهل بيتك في غيابك، دائن تدان والديان لا يموت يا بني
تنهد بعمق ثم قال بصدق:
- ماكنتش شايف كل ده يا عمي، مافكرتش غير أن أبسط نفسي ونسيت الأهم والأكبر هو رضا ربنا عليه وازاي ربنا شايفني كده، قعدت مع نفسي كتير ولاقيت حياتي غلط ولازم اصلح منها وبدأت بالفعل اصلح علاقتي بربنا في صلاتي ومحتاج لدعم من حضرتك أكمل في طريقي وماتسبش أيـ دي ولا تتخلى عني
هز رأسه نافيا ثم قال:
- لا يا بني ، ثق في كرم ربنا وطول ما باب التوبة موجود ربنا بيقبلك في كل منجاه وصلاه ودعوة طلبتها لا يمكن يرد أيـ دك ، وإذا كان الرب سبحانه وتعالى بيغفر وبيسامح العبد الفقير والضعيف إلى الله مش هيسامح ولا يقبلك في حضـ نه ، أنا معاك وهناخد بأيـ د بعض ،بس أياك الكلام اللي بينا ده حد يعرف بيه وبالأخص فريدة
- ليه يا عمي؟ انا كنت ناوي انهاردة اصارح فريدة بكل اللي جوايا مش عاوز اخبي عليها حاجه ، عاوزها تثق فيه أن ماكدبتش عليها وأن سراج اللي حبها واختارها بقا أنسان تاني
- لا يا سراج غلطان يا بني ، الست مهما كانت مش بتعدي ولا بتفوت الحاجات دي وهتفضل تشك فيك والثقة اللي بينكم هتنعدم يا بني مع اول مشكلة تواجهوها في حياتكم، اصل الحياة مش دايما وردي ، في جانب تاني وهي المسئولية والمشاركة بينكم وان يكون في بينكم مودة ورحمة مش حب وبس لا حب ومودة ورحمه واهتمام ، تقدر تقولي لو صارحتها بكلامك ده مش بعيد اصلا مش تقبل بيك وهتفضل دايما شاكه فيك طول الوقت والحياة بينكم هتكون صعبه وهتضيعوها ما بينكم في مبررات واعذار
-يعني تنصحني بأية دلوقتي يا عمي، أنا بجد بحب فريدة ومش عاوز ازرع الشك جواها من ناحيتي ونفسي جوا زنا يكون ناجح وفي بينا تفاهم في كل حاجه
- يبقى ماتقولش حاجه عن حياتك زمان ، أنسى اللي فات وفكر في اليوم وصلح حالك كله مع ربنا عشان هو دة الباب اللي هتكسب منه سعادة زوجتك واستقرار بيتك ومش بس ترمي الماضي ولا ضهرك ، لا ده انت هتدفنه خالص اللي اندفن لا يمكن ننبش أحنا فيه وتكشف ستره.
أقترب منه يعانقه بسعادة حقيقية ليشدد فاروق على ظهره وقال هامسًا:
- ربنا ينورلك طريقك ويصلح حالك دايما يا بني
بعد لحظات هتف فاروق مناديا لابنته فريدة لكي تجلس مع سراج
استقام واقفًا عندما دلفت فريدة الغرفة ومد يده يصافحها ثم قدم لها باقة الزهور وقال باسمًا:
- الورد عشان الورد
توردت وجنـ تيها بحمرة الخجل ثم التقط منه الباقة وخرج صوتها الخافت قائلة : شكراً
رفع إحدى حاجبية وقال بمشاكسة:
- عفواً
ثم مال عليها قائلا بهمس:
- حمل وديع يا خواتي
ضحكت برقة ولم تعقب على كلماته
عاد سراج قائلا:
- مش واخد انا على الرقة دي يا ديدة
- مين ديدة دا
- أنتي، بدلعك يا قلبي أنا ، أنتي كمان مش هتدلعني
لوت ثغرها بضجر وقالت:
- وهو في راجل بيدلع
ضحك بخفة وأومى برأسه قائلا:
- لم حبيبتي وروحه وقلبه ومراته تدلعه بيكون مسموح عادي في قاموس الرجاله إنهم يدفعوا
- لم بقا أكون مراتك ابق أفكر
- ماشي يا شرس ثم أرسل إليها غمزة من عينيه اليسرى وتطلع لها بحب:
- قولتلك أن بحبك يا فريدة قلبي
هزت راسها وتبسمت قائلة:
- قول تاني كدة
ضحك مجلجلا على مشاكستها فهذه الفتاه سرقت لُب قلبه بعفويتها ومرحها، كما أنها بريئة ورقيقة رغم أنها قطة شرسة ببعض الاحيان وهذا ما جعله مُتم بها عشقًا..
❈-❈-❈
داخل المشفى بـ لندن..
عندما أسترد حياة وعيها تطلعت حولها بذعر بعدما تذكر أخر مشهد مر على ذاكرتها وهو حبسهم بغرفة والنيران تحيط بهما من كل جانب، همست بأسمه
-سليم
لتجده جانبها ممـ سك بكفها يجيبها بلهفة:
- قلبه
ثم رفع كفها وطبع قـ بلة على باطنه بنعومة وهتف قائلا بعدما أسترد أنفاسه وعاد النبض لقلبه يقرع داخله ، دبت الروح بجـ سده ثانيًا بعدما أستفاقت محبوبته وفتحت عيناها على الدنيا ثانيًا.
قبض بقوة على كفه وهمست بخوف :
- أنت بخير
لمعة عيناه بفرحة وأوما بخفة ثم أجابها قائلا ببسمة حانية:
- الحمدلله بخير وزي القرد قدامك
أنهى كلماته بضحكة هادئة ثم عاد يسترسل حديثة قائلا:
- حمدالله على سلامتك يا قلبي ، أنتي حاسة بأية دلوقتي
دلف في ذلك الوقت الطبيب ادم الذي تابع حالتها وعندما وجدها أستعادت وعيها ، علت الابتسامة وجـ هه ودنا منهما قائلا ببسمة الجذابة وهو يتفحص مؤشرات جـ سدها عبر جهاز القلب
- حمدالله على سلامتك
ابتلعت ريقها بتوتر واجابته بهدوء:
- الله يسلمك
عاد بتسال وهو يتفحص ارتفاع معدل الأكسجين في الدم:
- وحاسـ ة بخنقة جوة صـ درك ولا مش موجودة دلوقتي
مازالت تشعر بالاختناق وكأنها لازالت داخل الغرفة المحترقة واجابته:
- الحمدلله ، شعور بسيط بالخنقة
- معدل الأكسجين ارتفع عن الاول بكتير بفضل ربنا وحالتك دلوقتي مستقرة ، بس هتفضلي مشرفانا يومين كمان لم الصحة العامة تستقر
شعر سليم بالغيرة بسبب نظرات إدم الفاحصة لزو جنه وابتسامته التي اتسعت عندما رآها وتحدث معها وهي ترد على تسالاته وكان وجودة أصبح سربًا ، لم يشعر به أحد.
عاد ادم يتطلع لسليم بود ثم قال:
- حمدالله على سلامة المدام ، بكرة تخرج معاك وياريت تطمن أنت كمان على جرح دراعك
بعد أذنكم لو احتاجتوا لاي حاجة بلغوني وهكون عندكم ، الف سلامه
أومأ له برأسه وحدث نفسه :
- دلوقتي خد بالك أنها المدام ، ابتسم لها رغما عنه وبعد أن غادر أدم الغرفة ، خطى خطواته اتجاه محبوبته وعيناه تتطلع لها بشغف ثم مال عليها يهمس بجانب أذنها:
- لطيف دكتور ادم صح
لاحت ابتسامتها وقالت برفق:
- طمني الاول عنك حصلك ايه ؟ واحنا خرجنا إزاي
وعندما وقعت عيناها على ذراعه المحاطة بالشاش وهتغت بفزع:
- سليم مال دراعك؟
- حرق بسيط الحمدلله ربنا قدر ولطف
كادت أن تبكي اقترب منها حاوطها من ذراعه الأيمن وطبع قـ بلة حانية أعلى جبينها وهمس قائلا :
- بخير والله يا حياتي، الحمد لله ربنا نجانا من الموت محروقين
ثم ضحك بصخب وشدد في ضـ مها لصـ دره
وعاد بتسال بغيرة واضحة على تقاسيم وجـ هها :
- أدم مجرد دكتور عالج بابا بس ؟
ابتسمت برقة وقالت:
- لا وكان من تلمذة بابا وهو أنسان محترم
رفع حاجبه وضيق عينيه ثم قال بوجه عابث:
- اللي خلاني طلبته بالاسم أنه هو يعالجك عشان بس مش واثق في اي حد غيرة ، بس ده ما يمنعش أنك تتكلمي عنه بالرقة دي
هتفت بصدمة:
- انا بتكلم عنه برقة
هز راسة بالايجاب وقال بغيظ:
- أنا مش هسمحلك تتكلمي عن أي راجل تاني لا بحلو ولا بوحش يا حياة ، وعلى العموم مضطر أتحملة لحد بكرة وخلاص ، احنا اصلا هنسيب لندن بكرة
-هنروح فين؟
- مش عارف لسه كله هيتحدد بعد مقابلتي للشرطة الفيدرالية ، المهم عندي دلوقتي اطمن عليكي
قالت بتسأل:
- ما قولتليش خرجنا إزاي وايه اللي حصل ؟
همس بحزن وهو يُ قبل وجنتها:
- أنا أسف يا حياة ، عرضت حياتك للخطر بسببي
ربنا على ظهره برفق وقالت هامسة:
- أحنا متفقين هنواجه كل حاجة مع بعض
قص على مسامعها عندما استسلم للموت المحتوم وفجأة أتت كريستينا تنادي باسمه وأنقذتهم من ذلك الحريق المروع واتت بهما الي المشفى وافصحت عن هويتها الحقيقية وأنها تابعة للشرطة الفيدرالية
جحظت عيناها بصدمة وتذكرت حديثه معها وهو يتودد للقاءها فابتعدت عنه وقالت بصوت غاضب:
- كريست البنت الشقرا اللي كل لما تشوفك تقرب منك وتبوسك وتاخدك بالاحضـ ان مش كدة ، ممكن أعرف ايه علاقتك بيها اصلا؟
أبتسم بمراوغة على حديثها الثائر بغضب الغيرة ودنا منها يقرب وجـ هه من وجـ هها واسند جبينه بجبينها ومقلتيه البنيةُ تعانق عشبتها الخضراء وهمس قائلا بصوت دافئ ومشاعر صادقة:
- ولا يفرق معايا مليون واحدة شقرا ولا صفرا حتى، إللي يملئ عيني وقلبي هي حياة واحده وبس ، لا حد دخل القلب قبلها ولا في حد هيدخل بعدها، حياتي أنا وبس
ثم طبع عدة قُ بلات متفرقة على صفيحة وجـ هها يبث لها مدا حبه وشوقه لها فقط، مشاعر صادقة القلب هو المتحكم الرئيسي بهما..
❈-❈-❈
عودة إلى القاهرة
داخل المشفى الخاص بوالده ..
كان جـ سده مُمد على فراش المشفى الابيض وهو بعالم أخر لن يشعر بمن حوله، فقد كانت والدته وزو جته بالقرب من فراشه وعينيهم تزرف الدموع بصمت قاتل لمشاعرهم ، لا أحد يعلم بالذي حدث بينه هو وزو جته جعله يدخل بذلك الانهيار ، فقد كان بحالة يرثي لها بعدما هاجمته نوبة صرع قاتلة تكاد تودي بحياته ولولا أن لحقه الأطباء وتم إسعافه بالوقت المناسب ولم يفتح عيناه بعدها لأن تعرضت أعصابه لانهيار عصبي حاد ولا يستطيع أحد إخراجه من تلك الحالة سوا أن يخضع للمهدئات في الوقت الحالي ولابد من طبيب نفسي يتفقد حالته ويحاول معرفة سبب ذلك الانهيار..
أما عن نور فشعرت بالتعب يحتاج احشائها بقوة وعندما لحقت بهم للمشفى صرخت مستغيثة بالألم التي تشعر به وتم فحصها ونقله لغرفة العمليات على الفور فقد تعرضت لنزيف حاد وتوفي الجنين داخل رحمها ، والان يجب أن تخضع لعملية الإجهاض والخلاص من الجنين.
وهي من وقعت بنفسها على أوراق أجراء تلك العملية ...
إن الكره ليرتجف أمام الحبّ، وإن الحقد ليهتز أمام التسامح، وإن القسوة لترتعش أمام الرقة واللّين. إذا استسلمت للحقد والكراهية فسوف تهزم وتنتهي، سوف تهزم كإنسان، وسوف تنتهي كقضية.
❈-❈-❈