3

صوفيا
تلك كانت أول مرة أراه فيها على هذا النحو ، لقد جن جنونه وأخذ يحطم كل ما تقع عليه عيناه ، وبالأخير قرر أن يصب جم غضبه علي ، ولكن لِم أشم رائحة هيلا كسببٍ رئيسي لتحوله المفاجئ هذا ؟!

حركت رأسي بذعر أنفي ما أردفتُ به منذ قليل ، أقول بتلعثمٍ ، ويديَّ تحاول فك قيد قبضته التي استماتت ، تطوق عنقي بقسوة ،
- " صديقي ... أقصد صديقي .. أقسم ! " .

لا أعلم لم بررت له ما قلت ؟! فأنا لا أخاف شيئاً ، ولكن نظراته التي كانت تخفي بداخلها خوفاً لا أعرف سبباً له جعلتني أحاول إصلاح ما أفسدته .

سمعته يشتم بهمس ، وهو يحدق بي بنظرات غريبة بدت لي وكأنه لا زال يوازن بين شكوكه ومصداقية ما أقريته تواً .

لانت قبضته ببطئ يسدلها بتروٍ ، وفي هذه اللحظة انتبهتُ إلى مدى قربه الشديد مني إذا كان جسده مشرف علي حتى أصبح ملاصقاً لي.

اهتزت حدقتيَّ ، وارتجف قلبي ، فابتلعت كلماتي التي كادت أن تخرج من فمي عندما رأيتُ أعينه تضوي بلون أصفر ذهبي ثم عادت للونها الأزرق الطبيعي ، وانعقاد حاجبيه ينم عن مقاومته لشيء ما بداخله ...

رمشت عدة مرات فأنا أعلم تلك النظرات جيداً ، رأيته يبتلع ريقه بصعوبة وكأنه فقد النطق تماماً وهو يحاول قمع ريد من الظهور .

رفعت عيني وحدقت بخاصته مباشرةً بعنادٍ زاد من هياج ريد بداخله فما كان منه إلا أن زأر يكبح لجام هذا الثائر ، وهو يزفر أنفاسه الحارة بوجهي قبل أن ينهض عني مستقيماً بجسده ، عاقداً ذراعيه أمام صدره .

رجفة شريان ينبض إلى جانب فمه تدل على تخبطه وكأنه يقمع نفسه من عقابي أو بالأحرى التوقف عن الشروع في تنفيذ رغباته هو وريد ، فحمحم قبل أن يردف ببرود وإنزعاج ،
- " صديقك إذاً ؟ " .

عقفت يديَّ ، أضمهما إلى صدري بهلعٍ ، أومأ برأسي في إيجابٍ ، فرأيت عيناه تحدقان بي بقوةٍ مما جعلني أشيح بوجهي عنه سريعاً ، أقول متصنعةً الخوف ،
-" لا تنظر لي هكذا . فعيناك تبدو مخيفة " .

جز على أنيابه بغيظٍ ، يكور قبضتيه بغضب ، يقول بعدائية ،
- " حقاً مخيفة ؟! ولكن لم أركِ خائفة من دراجون عندما كنتِ معه . "

أردفت بهدوء قاتل ،
- " أنا لا أخاف من دراجون ولكنني أخاف منك ، أخاف من أن تؤذيني .
- هو لطيفٌ معي عكسك تماماً ، أنت دائماً تصرخ بوجهي ، وتعاملني بتقليل " .

ما أن أنهيتُ حديثي حتى استمعتُ إلى زمجرة تخرج من بين شفاهه ، وقبل أن يندفع ألكساندر نحوي ، هرولتُ بتوعكٍ أنهض عن السرير الذي كنت متكورةً على طرفه ، أحاول أن أجد لي مخرجاً قبل أن تطالني قبضته مرةً أخرى ، ولكنه أسرع يحتجز جسدي بينه وبين الحائط اللعين خلفي ، يرتكز بباطن يده على الجدار يحاصرني من كلا الجانبين .

شهقتُ بفزعٍ ، أحدق فيه برجاء يشوبه الخوف ، وإذا بلكمة قوية من يده تصدع لها الجدار خلفي ، جعلتني انتفض بذعر ، فهتفتُ بتوتر ،
" ماذا تفعل ؟! ابتعد ! " .

اصطكت أنيابه ببعضها في نوبة غضب جحيمي ، فمن المؤكد أنه مستاء لوصفي الذي يبرز مدى لطف دراجون معي ؛ وذاك ما جعله يبدو بهذه الهيئة المروعة.

ثم هتف في وجهي يقول بزئير ،
- " اخرسي صوفيا ، لا أريد أن أفقد سيطرتي . "

قررتُ التزام الصمت فهو الحل الامثل في موقف كهذا ، زممتُ شفاهي أكمم فمي بيميني ، ورأيته  يضرب الجدار ثانية وكأنه يحاول كبح جماحه عني .

أشعر بما يعتمل بداخله ، إنه يريدني بشدة ولكنه يقاوم رغبته بصعوبة .

بقي يحدق بعيوني للحظات مستمتعاً بضعفي أمامه ، ودون مقدمات مال رأسه إلي يشم رائحتي بعمق ، فارتجف أوصالي بسبب فعلته التي صدمتني بالكامل .

ضغطت على شفتي أكتم شهقاتي عندما شعرتُ برأسه يندس بين عنقي وكتفي ، وأنفاسه الساخنة تحرق بشرتي تبعث الدفء إلى شراييني.

فتحت عيني أرمش بصدمة وقلبي أخذ يخفق بقوة ، أنكمش على نفسي بسبب الإحساس الغريب الذي استيقظ بداخلي لأول مرة .

لم أجرؤ على التفوه بكلمة ، وبقيتُ انتظر في حالة من التوتر ، استمع إلى أنفاسه المتسارعة ، وشعور بدغدغة لذيذة سيطر علي جراء وخز لحيته النامية لبشرتي.

رفع ألكساندر رأسه عن جوف عنقي ، ببتسم بثقة عندما رنت نبضات قلبي المتسارعة لتلتقطها مسامعه ، أخذت نظراته تتنقل بين ملامح وجهي الذي من المؤكد أنه تخضب بالحمرة يمكنني تخيل ذلك إثر شعوري بالحرارة التي تصهد بها وجنتي .

ثوان وتلاشت ابتسامته ، ثم أردف بصوت هادئ ومنتشٍ ،
- " هل أنت مُصرِّة على احتفاظك بقلادة دراجون ؟ " .

ضغطتُ جفنيّ بقوة أحاول أن استعيد سيطرتي على نفسي بعد تلك العاصفة من المشاعر التي اجتاحتني جراء قربه الموتِّر ، ثم أردفتُ بتصميم ،
- " أجل ؛ فهو صديقي " .

لم تريحني تلك النظرة التي رأيتها بعينيه ، ولكنه سرعان ما أخفاها ، وهو ينحني نحوي حتى بات وجهه أمام وجهي مباشرة ، يتمتم قائلاً ، 
- " لا بأس حمقائي يمكنك الإحتفاظ بها ولكن هذا لا يعني بأنني سأتغاضى عن هذا ، لذا عليكِ أن تعلمي بأن أي فعل خاطئ لا يعجبني سيجلب لكِ عقوبة " .

ضحكتُ وقلتُ له أتصنع اللا مبالاة ،
- " عقوبة ؟! " .

أوماً لي وعينيه الحادة تلتمع بخبث ثم قرب وجهه من وجهي أكثر . يبتسم وهو يحدق بعيني ثم همس لي بخفوت ،
- " هذا سيكون عقابكِ ، طفلتي الخرقاء " .

ما إن أنهى كلامه حتى عض شفتي مكان قبلة دراجون فصرختُ بألم وقبل أن أتحرك أمسك بكتفي مثبتاً إياي، وغرز أنيابه ملتقطاً لساني بغرض عقابي .

فغرتُ فاهي أئن بألم فابتلع اعتراضي بجوفه وذلك بعد أن فقد السيطرة على حاله وتحول العقاب إلى لذة انتقلت إلي ، وهو يدير قُبلتنا التي تحولت من الضراوة إلى اللين تدريجياً، يهمهم باستمتاعٍ .

رفعتُ يميني أدفعه بعيداً عني بمقاومةٍ واهية ، فحرر شفتيَّ على مضض ، ولكنه لم يبتعد وإنما خفض بصره حيث كفي المستند إلى صدره ومن ثم رفع رأسه إلي بعد أن قبض على راحة يدي يرفعها إلى ثغره ونظراته معلقة بأعيني .

أخذتُ أتأمله بشرودٍ ، وأجفلتُ حالما شعرتُ برطوبة شفاهه اللتان لثمتا باطن كفي بعمقٍ بعثر كل إرادة بداخلي لإبعاده ، بل على العكس فقد جذبني إلى مجاله وتهت بجاذبيته .

همس بإغواءٍ ، - " آاااااااااهٍ صوفيا !! كم أنتِ دافئة !! شفاهكِ المزدانة بشهد قبلتنا تدعوني لإلتهامهما مجددًا " .

قالها وهو يعيد يدي إلى موضعها على صدره جهة اليسار يثقلها بيساره ، ورفع يده الحرة يحرك إبهامه على ثغري برقة يزيل عنها آثار غزوه ، لاعقاً إياه وهو مغمض العينين يتنهد بنشوى .

أنفاسه العطرة جعلتني أترقب المزيد ، ظل يقترب وما إن تتعال وتيرة أنفاسي المشتاقة لهواء زفيره يبتعد بتلاعبٍ ، فلم أشعر سوى بكياني الذي تمرد على كبريائي وذلك ريثما حسمت أمري أتوق عنقه بذراعي اللذان ارتفعا دون وعيٍّ يقربانه إلي وبادرتُ باحتجاز شفته العلوية بين خاصتيّ .

زأر بخشونة يشدد من حصار خصري يلصقني به ، يرفعني عن الأرض .

عالمٌ وردي حلقتُ بسماءه ، وهو يستدير حاملاً إياي ، يستند بظهره إلى الحائط ، وذئبه يهمس ،
- " مُهلكة ألكس !! مارقتنا تغوي الناسك " .

ابتعد عني بعد أن طبع عدة قبلات مكان أنيابه الظاهرة آثارها حتماً ، وكأنه يعتذر مني عن قسوته معي .

ولكن تحول انتابه وهو يدفعني بعيداً عنه بمهانة، يرمقني بسخرية، يقول بتهكمٍ،
- " أرجو أن أكن قد أمتعتك أكثر من دراجون "

تجمدت  من الصدمة إثر فعلته المفاجأة وكلماته الوقحة ؛ فلم يخطر ببالي أبداً بأنه سيفعل ذلك كعقاب ، لذا قررت أن أرد له الصفعة بأخرى .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي