8

الفصل الثامن
كان طارق حبيس لغرفته، لا يتحدث مع احد، فقد زهد الدنيا وما فيها بعدما فقد حياة وتزو جة من آخر، لم يقدر على رؤيتها باحضـ ان غيرها، وهو يستحق ذلك بسبب كل مافعلته والدته، كما أن والده أيضا خسر شقيقه الأصغر، حاولت والدته إخراجه منما هو فيه ولكن كان رافضًا تمامًا منطوي على نفسه وكأنه ينتظر الموت الذي سيخلصه من هذه الدنيا الغرورة.
ولج شقيقه الأصغر يحاول ان يتحدث معه ويساعده في أخراجه من عزلته.
دنا من فراشه وجلس "محمد" على طرف الفراش ونظر لشقيقه بأسى:
-وبعدين يا طارق هتفضل كده رافض الاكل والشرب وحتى تخرج من اوضتك، ووقفت شغلك وحياتك، حرام عليك صحتك إللي بضيع كدة
رمقة بنظرات حزينة وظل صامتًا
ربت محمد على كتفه وقال باسف:
- مش عاوز اسافر وأنا قلقان عليك يا طارق، أنا مسافر هربان من والدتك واللي بتعمله، مش قادر اكمل حياتي بالشكل ده، مش هسمح ليها تدمر إللي باقي من حياتي، كفاية خسرتني خطيبتي وحب عمري، دمرت كمان حياتك مع حياة، والدتك دي لازم تحـ س بغلطها، انا مش راجع تاني يا طارق ان قررت الهجرة مافيش رجوع تاني، هعيش حياتي زي ماانا مختار، واول لم اموري تتحـ سن هبعت أخد أحمد اخوك هيكون خلص جامعه، وانت كمان فكر في نفسك وحياتك، لو لاقيت نفسك محتاجللي كملني يا حبيبي ابعتلي ورقك هلاقي ليك فرصة عمل كويسه انت محاسب في بنك لو خدت قرار السفر مش تتردد انا موجود جنبك، احنا اتوجعنا كتير ياطارق مش هفضل هنا محلك سر، فكر كويس في كلامي يا حبيبي، أشوف وشك على خير
جذبه طارق باحضـ انه وشدد في عناقه بقوة مودعًا شقيقه، فهم ثلاثتهم عانوا طوال حياتهم بسبب تسلط وتجبر والدتهما وتحكمها الزائد بادق تفاصيل حياتهم وهذا جعلهم يخسرون الكثير..
❈-❈-❈
بالمشفى..
شرد أسر بحديث الطبيب وذفرت دموعه بصمت، رأته ميلانا يبكي ومبتعدًا عن الجميع، يبدو عليه الشرود، أقتربت منه بقلق وجلست بجواره متسألة:
- شو في حبيبي؟ ليش عم تبكي نور صار ليها شيء؟
زفر أنفاسه بحرقة ونظر لها قائلا:
- لأول مرة أحـ س أن نور كان معاها حق انها ترفض تخلف مني
نظرت له مندهشة ثم قالت:
-ليش عم تحكي هيك؟
بتر كلماته بحزن:
-عشان البيبي معرض يحمل نفس مرضى،صعب اتحمل اشوف أبني او بنتي بتعاني من الصرع طول عمرها، بجد صعب وامتحان قاسي بالنسبالي مش هقدر اتحمله
ربتت على ذراعه برفق وقالت بهدوء:
- ما حدا بيعلم بالغيب، هون على حالك وضل واقف مع مرتك هي بحاجتك
ضـ مها بحنان وهمس قائلا:
- بحبك يا أطهر وأنقى قلب عرفته، ثم اردف باسف؛
- أنا آسف ان بعرضك لمواقف صعبه، بجد أسف
-لا تقول هيك، أنا اللي دخيلة على حياتكن
هتف معترضًا:
-لو قولتي كدة تاني هزعل منك بجد، ثم طبع قـ بلة أعلى خصلاتها وهمس بصدق:
-ربنا يخليلي أياكِ يا عمري
ثم نهض من جانبها متذكرًا رغبة زو جته في تناول الكريز فقرر ان يذهب ويجلبه لها، ويعود ثانيًا ليظل جوارها فهي ليس لديها احدًا غيره، ولكي تعود والدته إلى المنزل برفقة ميلانا..
❈-❈-❈
داخل منزل فاروق
التفت العائلة حول مائدة الطعام، بعدما عاد سراج وفريدة من الخارج، وكانُ يتبادلون النظرات الخلسة بينهما؛
انتابه الشعور بالراحة بعدما حصل على فتاة ك فريدة وهي حقًا فريدة من نوعها،كونها فتاة جميلة ورقيقة ولديها أيضا مخالب لن يستهان بها، كما انها لم يسبق لها التجارب وهو الشاب الأول الذي اقتحم حياتها وهذا ما يجعله يشعر بالانتصار انه حصل على فتاة مثلها "خام" كما يقولون لانه سبق له عدة تجارب سابقة وكان يخشى ان يقع بشباك فتاة لعوب كما هو، كان يفعلو ما يحلو له وعندما يمل من الفتيات يبتعد عنهن بدون سابق أنذار، ويبحث عن غيرهن لم يصدق بأن تلك المشاكسة الصغيرة هي من أستحوذت على قلبه وعقله، لابد بأنها ستصله للجنون يومًا ما بسبب جديتها معه.
شعور بالنشـ وة انه حصل بالنهاية على مبتغاه، سوف يتحدث مع جدته أولا ليخبرها بعشقه لفريدة وعليها ان تتولى جدته اقناع ابنتها بالعودة من أجل خطبته وحضور زفافه أيضا.
كلما تطلع إليها وتلاقت أعينهم تنكس براسها في خجل وهذا ما جعله يرقص فرحًا داخله.
قطع صمتهم على الطعام رنين هاتف فاروق، الذي أجابه بلهفة عندما وجد شاشته تنير بأسم أبنته الغائبة الخاصرة بقلبه، ازداد أشراق وجـ هه ببسمة هادئة وهو يجيبها قائلا بحنو:
- حبيبة أبوها واحشاني
❈-❈-❈
على الجانب الاخر في لندن..
كانت تشعر بالوحدة بعدما غادر سليم غرفته بالمشفى وتركها وحدها لا تعي شيء، لم تجد أمامها ألا ان تهاتف والدها لتستمد منه الأمان والقوة التي هي بحاجته.
عندما استمع لصوت والدها الحاني تماسكت لكي لا تذرف الدموع ويشعر بالقلق ويعرفها من نبرة صوتها، لذلك هتفت بصوت مجلجل وكانها في غاية السعادة:
-واحشني أوي يا بابا؛ عامل ايه من غيري يا روقه
ابتسم بحنان واجابها هامسًا:
- قلب روقه مش بيرتاح غير وبناته في حضـ نه، ثم اردف قائلا:
- طمنيني عنكم يا حبيبتي
ردت بهدوء :
- الحمد لله كله تمام واحنا بخير
- وسليم الدكتور حدد ميعاد العملية يا بنتي، ابقى طمنينا عليه ربنا يرده سالم معافى يا رب
ابتلعت ريقها بصعوبة وقالت بكذب:
- لسه يا بابا واكيد هطمنكم يا حبيبي اول بأول،
سلملي على ماما واخواتي
-وهم كمان بيسلموا عليكي يا قلبي، خلي بالك من نفسك، في رعاية الله وحفظه
أغلقت الهاتف ونهضت تغادر الغرفة بحثًا عنه، فلماذا تركها وحدها بهذا المكان.
ارتدت الجاكت أعلى ملابسها وغادرت الغرفة بضيق وعندما سارت بخطوات مسرعة اصطدمت بشاب يرتدي المعطف الأبيض الخاص بالاطباء، وهتف معتذرة :
- اعتذر
تطلع لها الشاب بدهشة ثم تحولت الدهشة لابتسامة هادئة على محياه وهو يردد أسمها :
- حياة... مش معقول ايه الصدف الجميلة دي
كانت تنظر له بصدمة، لم تصدق وجوده
عاد يهاتفهًا قائلا:
- انتي هنا بتعملي أيه؟ ثم ضيق حاجبيه وهتف بقلق :
- أنتي هنا مع باباكي؟
هزت راسها نافية لياتي من خلفها سليم يجذبها أليه من خصرها وشدد على قربها منه ليجعلها ملتصقة بجـ سده وقال بصوت حاد:
- لا حياة هنا مع زوجها “سليم السعدني"
ثم تطلع لها بنظرة باسمة :
- مش تعرفينا يا حبيبتي
هتفت بتوتر وهي تشير إلىز ذاك الشاب قائلة:
- دكتور" أدم" كان مسئول عن حالة بابا وهو إللي عمل العملية لبابا
أوما سليم براسه ثم مد يـ ده يصافحه ويقبض على كفه بقوة قائلا
- تشرفت بمعرفتك يا دوك
جف حلقه عندماعلم بهويته، فهو زو ج الفتاة التي تمنى أن تصبح زو جته ولولا سفرته المفاجأة لكان صارح والدها بأمر الارتباط، خرج صوته مبحوح أثر صدمته وقال:
- أنا هنا في تدريب مهم تبع شغلي، وسعيد أن شوفتكم، لو محتاج لحاجه أنا موجود
ثم اكمل حديثه قائلا:
- بس وجودهم هنا في المستشفى في حد تعبان اقدر أساعد
هز سليم راسه رافضًا وقال:
-شكرا يا دكتور، أحنا هنا في زيارة مريض، احنا زي ماانت شايف عرسان جداد وهنا لشهر العسل، بس صديق لي تعبان وكنت لازم اطمن عليه، فرصة سعيدة ان التقيت بحضرتك
أوما له ادم بتفهم ثم سار في طريقه اما سليم فبعد ان تأكد من اختفاء ادم، جذب حياة بقوة ودلف بها إلى الغرفة ثم خرج صوته غاضبًا:
- أنتي أيه اللي خرجك ممكن افهم، كان ناقصنا اللي اسمه أدم ده كمان
ابتعدت عنه بغضب وقالت:
- والمفروض افضل محبوسه هنا ومش فاهمة اللي بيحصل حواليه، وانت كمان سبتني لوحدي هنا ومش عارفه روحت فين
زفر بضيق وقال؛
- لازم نسيب المستشفى فورًا، يلا مافيش وقت، هنروح نقعد في شقتي
- شقتك؟
رفع سماعة هاتف الغرفة وتحدث لطلب المساعدة في حمل الحقائب وإيجاد سيارة تقلهم إلى شقته الخاصة ثم أغلق الهاتف.
بعد لحظات كانُ يغادرون المشفى وعانقته كريستينا مودعة اياه، لوت حياة ثغرها بضجر وولت لداخل السيارة، لحق هو بها واملئ العنوان المنشود على السائق.
في غضون دقائق كان يعطي السائق نقوده ثم ترجلا من السيارة وحمل الحقائب يدلفون داخل العقار الذي يوجد به الشقة الخاصة بسليم، فتح بابها وولج لداخل وهي خلفه تشعر بالتعب والإرهاق ولم يعد جـ سدها قادرًا على التحمل، ألقت بجـ سدها على أقرب أريكة بتعب
كان يود ان يتسال عن ذلك الطبيب المصري ولكن اشفق على حالتها المتعبة فتسال بهدوء :
- هطلب أكل، تحبي تاكلي إيه؟
نظرت له بنعاس وهزت راسها وهي تريح جـ سدها على الاريكة بملابسها واغمضت عيناها في ثواني، اخرج تنهيدة عميقة ثم لاحت ابتسامته وحمل حقيبته ودلف بها احدى الغرف، ابدل ثيابه وعاد إليها حملها برفق وتوجهًا بها إلى غرفته اراحها على الفراش بهدوء ونزع عنها حجابها وظل يتطلع لها بشرود إلى أن نام هو الآخر بجوارها..
❈-❈-❈
في القاهرة.
آت السائق الخاص بسليم بعدما هاتفه أسر وطلب منه الحضور إلى المشفى ليقل والدته وزو جته ميلانا إلى الفيلا، وبعد عدة دقائق كان يودعهم ويطلب من والدته الاهتمام ميلانا.
ثم عاد ادراجه إلى حيث غرفة نور لكي يهتم بها وجلب لها ما تريد .
طرق باب الغرفة ودلف وهو يحمل بيـ ده حقيبة بلاستيكية داخلها طبق من الكرز الذي اشتهته ، دلف أولا ليغسله تحت المياه الجارية ثم جفف حباته بالمحارم الورقية ودنا منها يجلس أمامها على طرف الفراش وبدأ في اطعامها ولكن نظرات عيناه حزينة ، مشتتة ، ظل يطالعها بصمت لا يعلم هل يخبرها بما عرفه من الطبيب أم يصمت ولا يزعجها بتلك الأفكار ولكن داخله متردد فهي من حقها أن تعلم بالأمر الذي سيلحق الضرر بجنينها.
قطع شروده صوتها الهامس وهي تقول بصوت شجن:
- أنت ملاك أوي يا أسر ، أنا أسفه بجد أن غلطة في حقك كتير، أنت ما تستحقيش مني كدة
ربت على وجنتـ ها بحنو وقال بأسي:
- أنا اللي ظلمتك معايا يا نور ، سامحيني انتي كان معاكي حق، أو ليكي حق أنك تأجلي موضوع الحمل والأطفال
أخرج تنهيدة حارقة وبتر كلماته بحزن شديد:
- الدكتور قالي الحمل في خطر، وأحتمال كبير الجنين يحمل مرضي الوراثي ، وفي تحليل لازم يتعمل ليكي وياخدو عينة دم من الحبل السُري عشان نتأكد إذا معرض للإصابة بنفس مرضي أو لا
كانت تتطلع له بصدمة وتزداد عيناها إتساعًا غير مستوعبة لما يتفوه به أسر، هي حقًا كانت رافضة لذلك الطفل ولا تريد أنجاب أطفالاً يحملون نفس مرض والدهم ولكن عندما شعرت بنمو الطفل داخل رحمها وهي تعلق به وإرادة أن تنتقم من زو جها وشقيقه بذلك الطفل، وسوف تنفذ أنتقامها عند يعود سليم ويعلم أسر بالفاجعة الكبرى لتقلب حياتهما رأسًا على عقب، ستتحمل ذلك الوضع فقط لحين عودة سليم و زو حته المصون وستهدم سعادة الجميع ..

❈-❈-❈

عودة إلى لندن ، داخل شقة سليم، أنتفض من نومه بفزع، فقد راوده كابوساً مفزعًا، أسترد أنفاسه بهدوء وتطلع جواره ليجدها مازالت تغط بنوم عميق ولم تشعر به ، تنهد بارتياح ونهض عن الفراش ثم التقط هاتفه وأجرا مكالمة فيديو لكريستيا.
أبتسم لها عندما فتحت هي الكاميرا لتستقبل مكالمة، وهتف قائلا:
- هاي كريست.. ،كيف حالك الآن
إجابته بهدوء:
- على ما يرام سيدي
ألقى نظرة على تلك النائمة ثم عاد ينظر لكريست قائلا بجدية:
- هل تم تحديد الموعد مع الزعيم ؟
- أعتذر عزيزي لم يتحدد بعد
قال بضيق:
- لما كريست؟ أرجوكِ لا تدعيني أنتظر أكثر من ذلك ، فلدي أمر جاد للغاية ، أنها مسئلة حياة أو موت .
ابتسمت له بمراوغة وهي تلف خصلاتها الشقراء على أطراف أصابعها وهمست له برقة قائلة:
- ومتى يحين لقاءنا عزيزي ؟
حاول أن يظل مبتسمًا وهو يطالعها بود مرغمًا على ذلك ثم أجابها بتصنع:
- أتشوق لكِ حقًا ، ولكن يقتحم عقلي الكثير من المشاكل اود حلها والخلاص منها أولاً
- حسنًا عزيزي سوف أجعلك تنتهى من كل متاعبك لتتفرغ لي
- حسنًا أتفقنا ، إلى لقاء حلوتي
رمشت بعيناها عدة مرات لم تصدق بأنه يتحدث مع تلك الفتاة ويتودد لها، شعرت بالاشمئزاز منه ومن أفعاله الحمقاء ، ونهضت عن الفراش وكأنها كانت نائمة على جمر ، تريد التخلص منه، ركضت لخارج الغرفة ، لحق بها ظن بأنها روادتها تلك الكاوبيس الماضية فهي مازالت تعاني منهما إلى الآن ، وهتف مناديا لها:
- مالك يا حياة ؟
نظرت له بغضب وهتفت بأنفعال:
- هو أنت ايه بالظبط؟ بنى ادم زينا وعندك قلب بيقدر يحـ س بالناس ، ولا شيطان وعايش في هيئة ملاك ، أنت أزاي قادر تعيش بالشكل ده، إزاي قادر تبص لشكلك في المرايا ، انت شايف نفسك إزاي بجد نفسي أعرف ؟
أجابها ببرود:
- أعتبريني كل دول ، وبلاش تسألي وتعرفي أكتر عن حياتي عشان مش تتأذي
- يا ريت تقتلني وتريحني من العذاب إللي أنا فيه، مش قادرة أتحمل أكثر من كدة، كنت فاكرة أن أكتر حد أذاني مرات عمي بالسحر ، بس السحر قدرت اتعالج منه بالقرآن والخير اللي جوايا قادر يبطله بإرادة ربنا، لكن الحقيقه أن أكتر حد أذاني هو أنت يا سليم ، أذتني لدرجة أن كاره نفسي ومش قادرة أبص في وشي في المرايا وأنا عارفة كل اللي بتعمله وساكته ، الحقيقة المرة أنا كمان بقيت شيطان أخرس ، الساكت عن الحق شيطان أخرس ، أنت نجحت تخليني شيطان زيك وأنا بقيت مجرمة زيك بالظبط
أنسابت دموعها قهرًا وخرت قواها ركدت على ركبتيها وظلت تبكي بمرارة ، لم يتحمل رسم الجمود جلس على ركبتيه أمامها وقال بصوت حاني:
-لو متخيلة أن أقدر أاذيكي يا حياة تبقي غلطانه، أنا بحاول أحميكي ، لو عرفت الحقيقة الكاملة هتكون حياتك في خطر ، والافضل أنك تفضلي كدة مش عارفة حاجة ولا فاهمة حاجة
تطلعت له بعينان مُغرقة بالدموع وخرج صوتها مبحوح قائلا بحيرة:
- هو لسه في حقيقة أكتر من اللي شوفته وعرفته
هز رأسه نافيا وقال:
- للاسف مش هقدر أجوبك دلوقتي.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي