الفصل التاسع والعشرون النهاية

يظن البعض أن الابتعاد عن الدين والحرية المطلقة تجلب لصاحبها السعادة.
لقد اعتقد مازن عندما قرر اعتناق الفكر الماسوني أنه بذلك سوف يكون سعيدًا فلأ أب يأمره بالصلاة ويعنفه عندما يهملها ولا خضوع لأحد سوى الشيطان الذي يسول له فعل كل ما يريد بأنه مباح.

انهت سلوى حديثها مع چيلان بهذه الكلمات، التي علقت عليها چيلان وقالت:
-ولكنني لم ألاحظ ذلك عندما تعاملت مع  شقيقك مازن.

علقت سلوى على حديثها وقالت:
-عندما تحدثت مع مازن علمت أن جلال هو الذي دفعه إلى الإنضمام إلى تلك الجماعة، ولكنه عندما عرف ما يفعله جلال وجماعته قرر الإنشقاق عنهم والإبتعاد عنهم، بل كان لديه الأمل في أن يبعد جلال أيضًا عن تلك الجماعة.

فجأة شعرت سلوى بحركة قريبة من باب المنزل فهمست إلى چيلان وقالت:
-چيلان، علينا بالإختباء حتى لا يرانا أحد.

أسرعت چيلان بالإختباء واختبأت سلوى في مكان آخر.

كانت چيلان تتطلع صوب باب المنزل لترى من الذي سيغادر المنزل، فإذا برجلان يحملان صندوقًا أشبه بالمبرد المحمول ويضعانه في سيارة.

لاحظت چيلان أن الرجلان لا يرتديان شيئًا على الجزء العلوي من جسدهما وأن كلاهما كان يحمل نفس الوشم الذي تحدثت عنه شقيقتها وعد في مذكراتها،  ما وصفته الممرضة ليلى عندما شاهدت ظهر مازن.

غادر المنزل رجل آخر واستقل تلك السيارة التي تم وضع المبرد بداخلها وغادر المكان، بينما دلف الرجلان مرة أخرى إلى داخل المنزل.

اسرعت چيلان إلى سلوى وهمست إليها وقالت:
-من هؤلاء الرجال؟!

نظرت سلوى إلى چيلان وقالت:
-هل لديكِ الشجاعة للدلوف إلى داخل هذا المنزل ورؤية ما يحدث بالداخل؟

تذكرت چيلان ما ذكرته شقيقتها وعد في مذكراتها عما رأته بداخل هذا المنزل من بشاعة، في بداية الأمر ترددت في الدلوف ولكنها عندما في نهاية الأمر قررت الدلوف قائلة:
-لابد أن أرى بنفسي جلال بالداخل، لابد أن انهي ما بدأته.

قررت چيلان الدلوف إلى داخل المنزل بمرافقة سلوى فتحدثت إليها وقالت:
-سلوى، كيف نستطيع الدلوف إلى داخل المنزل؟!

علقت سلوى وقالت:
-سوف نذهب إلى الذي من خلاله يتخلصون من عظام قتلاهم، فهذا المكان الوحيد الذي يمكننا الدلوف من. خلاله.

نظرت چيلان إلى سلوى وقد بدى عليها الذهول وقالت:
-كيف استطعتي معرفة كل هذه المعلومات هل استخدمتي ذلك المكان للدلوف إلى داخل المنزل من قبل؟!

علت الابتسامة وجه سلوى ثم تحدثت قائلة:
-كما تعلمين فإن أخي قد تم استدرجه من قبل جلال كي تبع تلك الجماعة الحقيرة، لا تعلمين من أين جاءوا بتلك المعتقدات الدموية  الغريبة، ولكن رب ضرة نافعة، فعندما عرف مازن ما يفعلوه بداخل هذا المنزل قرر مغادرة الجماعة ولكنه كان يحاول طيلة الوقت أن يقنع جلال بضرورة الرجوع إلى الله واتباع أوامره والإبتعاد عن نواهيه.

چيلان وقد بدى عليها الإنتباه الشديد لما تقوله سلوى علقت قائلة:
-اعتقد أنه فشل في ذلك وهذا ما يبرر محاولة جلال التخلص منه.

علت الابتسامة وجه سلوى وعلقت قائلة:
-لا ليس الأمر كما تعتقدين، جلال يعلم أن مازن يحبه ولا يريد ان يؤذيه ولكنه يريد ان يفسد عليه أي محاولة هدفها التعرف على أية فتاة واستدراجها إلى هنا وقتلها.

نظرت چيلان إلى سلوى متعجبة وقالت:
-ما الذي جعله يقوم بطعن مازن إذن؟!

-أنتِ، أجل أنتِ لقد خشي جلال أن يقوم مازن بإبعادك عنه فأنت الفتاة الوحيدة التي احبها جلال ولا يريد أن يتنازل عنها مهما كلفه ذلك.

صمتت سلوى برهة ثم واصلت حديثها وقالت:
-لقد قص لي شقيقي كل ما رآه داخل هذا المنزل الملعون، وكان في كثير من الأحيان يأتي إلى هنا ويدخل من نفس المكان ويخرج منه دون أن يشعر به أحد.

اومئت چيلان برأسها ثم نظرت إلى ساعة اليد الخاصة بها وقالت:
-حسنًا هيا بنا، لا نريد أن نتأخر أكثر من ذلك

وبالفعل دلفت سلوى إلى ماسورة تشبه ماسورة المياه العملاقة متصلة ببئر تم حفره خصيصًا لإلقاء النفايات البشرية وبقايا العظام.

نظرت چيلان إلى سلوى وقالت:
-ما أبشع هذه الرائحة المكان أشبه بالمقبرة؟!

دنت سلوى وهمست إليها وقالت:
-چيلان، احرصي على عدم التحدث حتى لا يحدث صدى صوت فيكتشف أحدهم وجودنا.

أومئت چيلان برأسها وتابعت السير خلف سلوى.

في طريقهم داخل تلك المواسير عثرت سلوى على صندوق كبير، تمكنت من فتحه وما إن فتحته حتي سقطت مغشيًا عليها.

أسرعت چيلان بغلق الصندوق الذي كان يحوي جماجم بشرية وعظام محترقة.

أسرعت چيلان بجذب سلوى إلى الخارج وظلت تحاول معها حتى استعادت وعيها.

نظرت سلوى إلى چيلان وانفجرت في البكاء وهي تقو:
-ما هذه البشاعة؟! اتدرين لقد قص مازن لي ما يحدث ولكنني لم اتخيل أن تصل بشاعتهم إلى هذا الحد.

حاولت چيلان تهدأت سلوى ثم تحدثت إليها قائلة:
-سوف اساعدك للوصول إلى سيارتك وستظلين هناك حتى أعود إليكِ.

اصرت سلوى على عدم ترك چيلان تدخل إلى ذلك المكان الموحش بمفردها فعاودت چيلان التحدث إليها وقالت:
-كان خطأ كبير عندما دخلنا معًا،  لو حدث لنا شيء لما توصل أحد إلينا، يحب عليكِ الإنتظار هنا حتى أعود أو تقومين بأبلاغ الشرطة في حالة عدم عودتي.

اقتنعت سلوى بالفكرة، وجلست بداخل سيارتها، قبل أن تعود چيلان وصلت إليها رسالة هاتفية من والدتها تخبرها فيها:
-چيلان، لقد قمت ىالاتصال بكِ مرات عديدة، ولكن يبدو أنكِ في مكان ليست به تغطية، لقد عثرت على بعض اللوحات التي قامت وعد برسمها، ولكن هناك لوحة استوقفتني، فلم انتظر لحين عودتك وقررت إرسالها إليكِ، هل تعرفين ذلك الشخص الذي قامت وعد برسمه؟

تطلعت چيلان إلى الصورة التي أرسلتها إليها والدتها وفوجئت بأنها صورة جلال، عندئذ ايقنت چيلان أن جلال هو نفسه سليم، فهمست قائلة:
-سوف تدفع الثمن غاليًا أيها الحقير.

إلتفتت چيلان وارادت أن تعود إلى  المكان الذي من خلاله تستطيع الدلوف  إلى داخل المنزل ولكن سلوى تحدثت إليها وقالت:
-چيلان، انتظري.

اسرعت سلوى بفتح حقيبتها وأخرجت منها مسدسًا، أعطته لچيلان وقالت:
-خذي هذا ربما تحتاجين إليه، انتبهي على نفسك ولا تطيلِ بالداخل.

اومئت چيلان برأسها واخذت المسدس وأسرعت بالتوجه إلى المكان الذي من خلاله سوف تدخل إلى داخل المنزل.

استطاعت چيلان التسلل إلى داخل المنزل وهناك سمعت صوت جلال يتحدث إلى مهران ويقول:
-لابد أن نهدأ الفترة القادمة؛ أخشى أن يقوم مازن بالإبلاغ عنا.

ضحك مهران وعلق قائلًا:
-لا تكْ غبيًا لو كان يريد أن يبلغ الشرطة لما انتظر كل هذا الوقت، لا تنسى أنه مازال محتفظًا بالوشم الخاص بنا وهذا يعني أنه لا يستطيع إذائك.

نظر جلال إلى مهران وقال:
-ولكنه انشق علينا ولم يعد فردًا منا.

اومىء مهران برأسه وعلق قائلًا:
-لا داعي للقلق فهناك من يقوم بمراقبة ذلك المنشق وإن حاول ابلاغ الشرطة سوف يتم تصفيته على الفور لقد اصدرت أوامري بذلك.

غضب جلال غضبًا شديدًا وجذب مهران بقوة من ملابسه وقال:
-اسرع وقم بإلغاء ذلك الأمر، لا يمكنك أن تؤذي مازن إنه أخي الذي تبرع لي بدمائه عندما كنت بين الحياة والموت، مهران، لا يمكنك التخلص منه بأية حال من الأحوال فهو الشخص الوحيد الذي يحمل نفس فصيلتي النادرة، وإلا فإنك بذلك تتخلص مني.

نظر مهران إلى جلال وقد بدى عليه التعجب وعلق قائلًا:
-ألن يكفيك ما قمت بسحبه منه على مدار تلك السنوات، أصبح لديك بنك الدم الخاص بك ولم تعد بحاجة إليه.

جلال بغضب تحدث قائلًا:
-مهران، قم بإلغاء ذلك الأمر فورًا، لا أريد أن يتم إيذاء مازن بسببي مجددًا.

ضحك مهران وعلق قائلًا:
-لم أعهد عليك هذا اللين من قبل وأنت الذي قمت بقتل والدك وإلقاؤه بداخل المحرقة بنفسك.

نظر جلال إليه وقد تبدلت ملامحه من الغضب وعلق قائلًا:
-والدي، هو السبب فيما وصلت إليه اليوم، لقد قام بالتخلص من والدتي وكل شخص كنت اتعلق به، لقد كان يريدني شخصًا مثله لا مشاعر بداخله ولا تأخذه الرأفة بأحد، ألا تتذكر تلك الفتاة التي كنت أحبها، ما إن علم بحبي لها حتى قام بخطفها واحضارها إلى هنا.

انهمرت الدموع من عين جلال وواصل حديثه قائلًا:
-لقد أجبرني على ذبحها بنفسي، فتى لم يبلغ الثامنة عشر من عمره يجبره والده على ذبح فتاه لم تتعدى الخمسة عشر عامًا ويلقي بها بداخل تلك المحرقة اللعينة، لم أكْ لأرضخ لأوامره لولا أنه وضع السكين على رقبة أمي وساومني بين حياة أحدهما، ولكنها أمي وكان علي انقاذها من قبضته.

شعر مهران بالآسى وعلق قائلًا:
-جلال، لاداعي لتلك الذكرى الأليمة.

وبدموع لم تتوقف  تحدث جلال وقال:
-اردت انقاذ أمي فقتلت اول حب في حياتي وفي النهاية قام بذبح أمي أمامي لتلفظ أنفاسها الأخيرة بين ذراعي، حينها لم أشعر بنفسي إلا وأنا أقوم بطعنه بنفس السكين.

دنا مهران من جلال وحدثه قائلًا:
-أعلم أن، الأمر كان صعبّا عليك للغاية، ولكنه كان يعدك لتصبح أنت رئيس هذه الجماعة، فلابد أن يكون الرئيس اشبه بالشيطان الذي لا قلب له.

ازال جلال دموعه وعلق قائلًا:
-وهذا ما حدث اصبحت شيطانًا ولكن ظهرت في طريقي من جعلت قلبي ينبض بحبها من جديد إنها چيلان.

وقفت چيلان تسترق السمع ودموعها منهمرة على وجنتيها تأثرًا بما سمعته من حديث.

فجأة شعر جلال بوجودها عندما استنشق رائحة العطر الخاص بها، فعلت لابتسامة وجهه وتحدث قائلًا:
-يبدو أن تلك الهرة قد حضرت على سيرتها.

نظر مهران إلى جلال وقال:
-جلال، ما الذي تعنيه من ذلك؟!

واصل جلال حديثه وقال:
-چيلان، لقد سبقك عطرك إلي.

أيقنت چيلان أن جلال قد شعر بوجودها ولكنها ظلت مختبأة بمكانها.

أسرع مهران باصدار أوامره لرجاله بالبحث عن أي دخيل في المنزل او محيطه.

ما هي إلا لحظات وعاد الرجال ومعهم سلوى، فتحدث جلال وقال:
-كنت أعلم أن چيلان لم تأتي بمفردها فلابد من شخص ساعدها على الدلوف إلى هنا.

تحدث مهران بحدة وقال:
-چيلان، سوف أقوم بالعد إلى ثلاثة، إن لم تظهري أمامي سوف اطلق النار على صديقتك اللعينة، واحد اثنان...

لم تجد چيلان أمامها سوى الإسراع بالخروج من مخبأها قبل أن تتسبب في إلحاق الأذي بسلوى.

نظر مهران إلى چيلان وعلت ضحكته ثم قال:
-احسنتي صنعًا ايتها الفتاة المطيعة.

انهى مهران حديثه ثم اطلق النار على رأس سلوى لتسقط أرضاً وقد فارقت الحياة.

انهارت چيلان وأسرعت إلى سلوى ولكنها ما إن علمت بموتها حتى أسرعت إلى مهران وقد صوبت سلاحها إلى رأسه.

ضحك مهران وعلق ساخرًا:
-لم اعتقد أنكِ تجيدين الإمساك بسلاح كهذا ولكنني على يقين أنكِ لن تستطيعين استخدامه.

اسرع مهران بالإمساك بشعر چيلان وجذبه بقوة ثم نظر إلى جلال وقال:
-سوف نعيد الكرة مرة أخرى، ولكن مع بعض الإختلافات، فإما حياتك أو حياة هذه الفتاة.

نظر جلال إلى مهران وقد بدت عليه الصدمة ثم تحدث إليه وقال:
-مهران اترك چيلان فورًا.

ضحك مهران وقال:
-إن تركتها فحياتنا جمبعًا في خطر.

كرر جلال حديثه:
-اترك چيلان وإلا ستندم على ذلك.

احكم مهران قبضته على چيلان وعلق قائلًا:
-سوف أعد إلى ثلاثة إن لم تطلق النار على رأسها سوف أقتلها بيدي.

بدأ مهران العد:
-واحد، اثنان....

لم يستطيع مهران الإكمال فقد استقرت رصاصة صادرة من مسدس جلال برأسه فسقط قتيلًا.

وقفت چيلان متسمرة في مكانها من الصدمة، نظر إليها جلال وتحدث قائلًا:
-چيلان، أنا الشخص الذي كنتِ تبحثين عنه، أنا من تسبب في موت شقيقتك والعديد من الفتايات، أنا ذلك الشيطان الذي لا رادع له.

تظرت چيلان إليه وقد حركت رأسها من الأسف وقالت:
-لا أعلم كيف استطعت خداعي؟! كيف خدعت قلبي وجعلته ينبض بحبك، لا يمكنني أن أحب شيطانًا مثلك.

ضحك جلال وعلق قائلًا:
-إما أن ترضين بحبي وتظلين هنا أو انهي حياتك الآن.

استدار جلال وقال:
-سوف اعد من واحد إلى ثلاثة، إما تخبريني بموافقتك أو أنهى حياتك على الفور.

ثم إلتفت جلال وقال:
-واحد، اثنان، ثلا..

اطلقت چيلان النار فسقط جلال أرضا وتحدث قائلًا:
-لا بأس في أن تتحقق العدالة على يدك. 
لقد اطلقتي رصاصة الرحمة عن طريق الخطأ.

أسرعت چيلان إليه لتجده قد تخلص من الرصاص الذي كان بداخل مسدسه عندما استدار، نظرت إليه وقالت:
-لماذا فعلت ذلك؟!

همس بصوت خفيض وقال:
-لإنني أحبك.

فارق جلال الحياة وفوجئت چيلان بالمقدم مروان يقف خلفها فتحدثت إليه وقال:
-جئت متأخر كعادتك.

علت الابتسامة وجه المقدم مروان وعلق قائلًا:
-بل جئت في الموعد المناسب، هل تعتقدين أنك من قمتي بقتل جلال؟! لقد قمتي بإطلاق الرصاص ولكنها اخترقت الحائط.

غادرت چيلان المنزل لتجد أمامها مازن، أغمضت عيناه وقد بدى عليها الحزن.

نظر مازن إليها وقال:
-چيلان، هل أصابك مكروه؟

نظرت چيلان إلى جثمان سلوى وقد بدى عليها الحزن.

اسرع جلال إلى جثمان شقيقته وظل يحتضنها ويصرخ.

دنت چيلان من مازن وربتت على كتفه ثم قال:
-كانت تأمل في عودتك إلى رشدك وابتعادك عن جلال.

نظر مازن بدموعٍ منهمرة إلى شقيقته وهمس قائلًا:
-أعدك بإنني سأعود أفضل مما كنتِ تريدن.

وبالفعل عاد مازن إلى دينه واصبح محبًا في كل ما يقربه من الله.

أما چيلان فقد قررت عدم السفر وبقائها في مصر بجوار والدتها وتم تعينها بالنيابة الإدارية.

وفي النهاية وقفت چيلان في شرفة منزلها تطلع إلى السماء وتقول:
-ربما حدث وحيد، قادر على تغير حياتك بأكملها، لايهم إن كان جيدًا ام سيء المهم ألا يؤلم، ولسوء حظي كان حدثي مؤلمًا للغاية.

النهاية
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي