الفصل العشرونالأخير

وصل رجال فايز إلى عنوان والد نرجس الذي أخبرهم
به فايز، صعد إلى الأعلى ثلاثة رجال، بينما انتظر
بالأسفل باقي الرجال، لم يطرق أيٌّ منهم الباب، بل فتح أحدهم الباب بخفة، انتفض جسدها عندما رأت
أحد رجال فايز أمامها؛ فهي تعرفه من قبل، حاولت
الصراخ أو طلب النجدة إلا أنه كمم فمها، بينما
انقض زميله على متولي الذي حاول القفز من
الشباك المجاور له، إلا أنه أعاق تحركه فلم يستطع
الفرار، قام الرجال بتخديرهما، ثم حملاهما إلى أحد
المخازن المهجورة..
جلست نرجس ومتولي معصوبي العينين، كان
جسدها يرتجف كلما سمعت صوتا بجوارها، علا بوق سيارة من الخارج فُتح على إثره باب المخزن الضخم،
رحَّب الرجال بصاحب السيارة الذي أمر برفع الغطاء
عن أعينهما، ما إن رأته نرجس حتى ازدردت ريقها،
ظلت تتوسل له أن يرحمهما، ضحك فايز:
-  الآن تتوسلين أن أرحمك، وبالأمس كنتِ تبتزينني!
حاولت نرجس الدفاع عن نفسها وإنكار ذلك، إلا أن
فايز قاطعها آمراً:
-  لا تحاولي؛ فحيلتك وتوسلاتك لن تجدي نفعا.
زحف متولي عند قدميه لكي يستعطفه قائلا:
-  سامحني أرجوك؛ فأنا لم أفعل إلا ما أمرتني
بفعله، وأقنعتني أننا في أمان، أرجوك اتركني أعود
إلى زوجتي وأولادي؛ فهم بحاجة إليَّ كما أن والديَّ ليس لهما عائل غيري، هي المذنبة، هي مَن طلبت
مني الاتصال بك، كما أنها أعطتني نسخة من الأوراق قدمتها للصحفي مقابل عشرة آلاف من الجنيهات.
صرخت نرجس:
-  لا تصدقه، هو كاذب.
ثم نظرت لمتولي بتحذير:
-  اخرس، لا تتحدث أكثر.
لم يستمع لها متولي، بل أقسم لفايز أنها كاذبة:
-  صدقني فايز بك، هي مَن خدعتني حتى وقعت في شباكها، ادعت الحب ورسمته لأساعدها على تشتيت انتباه حارس الفيلا ليلة الحادث، حتى تستطيع الدخول وسرقة مجوهرات الفنانة سوزي، هي مَن قامت
بتعطيل كاميرات المراقبة الخاصة بالفيلا واحتفظت بها.
رد عليه فايز:
-  إذا هي مَن قتلت سوزي.
-  لا لم أقتلها، أقسم لك لم أقتلها؛ عندما دخلت
إلى الفيلا كانت لفظت أنفاسها.
-  الشرطة هي التي ستحدد إن كنتِ القاتلة أم لا؟
كما أنها سوف تحدد مصير متولى.
توسل إليه متولي:
-  أرجوك فايز بك لا تخبر الشرطة، إن أبلغتها سوف أفقد عملي وعائلتي وأطفالي، مَن سيقبل أن يتزوج
شقيقتي بعدما أصبح مجرما خلف القضبان؟ أرجوك سامحني؛ فأنا لم أفعل شيئا، أرجوك سوف أفعل كل ما تطلبه مني، فقط اتركني أعود لعائلتي.
نظر نحوه فايز، بينما يقبل هو قدمه:
-  هل أن متأكد أنك على استعداد أن تفعل أي شيء؟
-  بالتأكيد، أهم شيء لا تخبر الشرطة.
-  أخبرني إذا، أين تلك الأوراق؟
-  داخل شقة والد نرجس؛ فهي تحتفظ بها هناك.
-  حسنا سوف أسامحك، لكن بشرط واحد.
قبَّل قدميه ثم أكمل:
-  كل شروطك مجابة.
-  اقتل نرجس، واحضر الأوراق، إن فعلت ذلك سوف أسامحك.
جحظت عينا نرجس عندما سمعت ذلك، حاولت
الصراخ إلا أن رجال فايز كمموا فمها جيدا، ثم حرروا متولي الذي قام بنحر عنقها من الخلف، وهي تحاول الخلاص والفرار من قبضته.
أمر فايز رجاله بالذهاب مع متولي لإحضار الأوراق
والتخلص من جثة نرجس..
عاد فايز إلى قصره ليخبر ماهر أن مَن كان يهددهم
انتهى أمره، فاتصل بهاتفه عدة مرات إلا أنه في كل مرة كان يجده خارج نطاق الخدمة، اتصل على رقم
مكتبه فأخبرته السكرتيرة أنه غادر المكتب، اتصل
على رقم قصره آتاه صوت أنثوي من الجهة الأخرى جعل قلبه يسقط أرضاً:
-  ألو.. ألو.. مَن المتصل؟
دام صمته، لم تحصل منه على إجابة لذا أغلقت
الهاتف، أقترب منه أنور ليسأله:
-  ماذا حدث؟ هل أنت بخير؟
نظر له بوجه غامض وعيون حائرة تخفي بعض
الدموع:
-  يجب أن أذهب حالاً.
-  تذهب إلى أين؟
-  سوف أخبرك عندما أتأكد من ظنوني.
حمل مفاتيح سيارته، وغادر مسرعاً نحو فيلا صفوان،
وصل إلى هناك ليتأكد مع كل خطوة، كان يشعر أن
قلبه سيتوقف فقط لشعوره أنه سوف يقابلها بعد كل هذه المدة، فصوتها يحفظه عن ظهر قلب، مهما فرق بينهما الزمان لن يستطيع نسيانه، رنَّ جرس
الباب، وانتظر أن يتأكد، لحظات فتحت بعدها الباب سيدة تبلغ من العمر أربعين عاماً حنطية البشرة،
عيناها بندقية، شعرها أسود فحمي، اختل توازنه عندما وقعت عيناه عليها، لم تتبدل ملامحها برغم مرور الزمن، حاولت قفل الباب والاختباء إلا أنه أوقفها عندما نطق حروف اسمها:
-  فريدة، أين كنتِ طوال هذه السنوات؛ لقد بحثت عنكِ كثيراً، لم أصدق أذنيَّ عندما سمعت صوتك.
نظرت حولها لتتأكد من خلو المكان لتخبره:
-  لن أستطيع التحدث هنا، قابلني بالحديقة التي توجد خلف الفيلا.
وافق فايز بعدما وعدته أنها ستحضر خلفه، شعر أن الدقائق تحولت إلى ساعات، ظل يتلفت حوله حتى وجدها تتقدم نحوه، هرول مسرعا نحوها ممسكا يدها ليتأكد من وجودها فعلياً:
-  أين كنتِ طوال تلك السنوات؟ أين طفلنا؟ هل رُزقتِ بفتى أم فتاة؟ هل يشبهني؟ أم أنها فتاة وتشبهك؟ أعلم أنني أخطأت في حقك، سامحيني..
قابلت كلماته بصمت، جعله يتوسل إليها:
-  أرجوكِ، جاوبي على سؤالي..
نظرت إليه بعينين تغمرهما الدموع:
-  بعد أن تركتك بحثت كثيرا عن مكان أسكنه ومصدر للدخل أعيل به نفسي وطفلي، إلا أن جميع الأبواب أُغلقت في وجهي؛ فقط لأنني لم أقبل بعروضهم؛ فالجميع ظن أنني سهلة المنال، سوف أقبل ببيع جسدي فقط لأجل المال، سكنت أحد الفنادق البسيطة بالمال الذي كنت أملكه لكن بعد انتهائه طُردت منه، خارت قواي، وكدت أفقد حياتي من قلة الطعام، كنت أبحث عنه بين سلال القمامة كما القطط والكلاب، حتى قابلت السيدة ميلا زوجة السيد ماهر في أحد الأيام عندما حاولت التخلص من حياتي أمام سيارتها، أشفقت على حالي بعدما قصصت عليها قصتي كلها
بهتت ملامحه عندما أخبرته أنها أخبرتها بقصتها:
-  لا تخف؛ فأنا لم أذكر اسمك، تعاطفت وقتها مع قصتي، وعرضت عليَّ عرضا لم أستطع رفضه وقتها.
-  ما هو هذا العرض؟
-  أن ألد جنيني وأنسبه لها مقابل أن ترعاه وتمنحه حياة رائعة يستحقها.
-  هل قبلتِ هذا العرض؟
-  لا تنظر إليَّ هكذا، ماذا كنت سأفعل وأنا وحدي بلا مال، ولا أهل، وأنت رفضت منحه اسمك، كما رفضت وجودنا بحياتك، لم يكن أمامي أي خيار سوى أن أقبل بعرضها، وإن كان المقابل بعدي عنه.
-  هل ماهر يعرف بهذا الاتفاق؟
-   لا، حينها السيد ماهر كان مسافرا إلى الخارج لإنهاء قضية هامة، وقتها اتصلت به السيدة ميلا وأخبرته بأمر حملها، سعد كثيرا ولم يشك يوما في الأمر؛ لأنها أخبرته بعد سفره بشهر واحد فقط، عندما وضعت جنيني أخذته وسجلته باسمها، وساعدها على ذلك نفوذها وأموالها..
-  هذا يعني أن خالد..
بكت وهي تجيبه:
-  نعم خالد هو ابنك أنت.
-  أين هو؟ أريد مقابلته؟ أريد ضمه، سوف أخبره بالحقيقة فوراً.
-  عن أي حقيقة تتحدث؟ هل تريد تدميره؟ اتركه يعيش كما عاش طوال هذه السنوات، ثم إن السيد ماهر والسيدة ميلا يحسنان معاملته وأنا بجانبه، لا تجعله يكرهني، لا تدمر مستقبله؛ فهو يريد الارتباط والزواج، ماذا سيفعل إن عرف كل هذا؟ من المؤكد أنه لن يحتمل هذا الخبر.
-  لكن..
-  لا يوجد سبيل للاعتراض الآن؛ فأنت مَن قرر منذ البداية التخلي عنه وعني.
أنهت فريدة كلماتها، ثم غادرت عائدة إلى القصر قبل أن يلاحظ أحد غيابها.. أغرقت الدموع وجهها فذلك الجرح الذي ظنت أنه اندمل منذ سنوات فُتح اليوم من جديد ليغرقها بصديد يشوي جسدها وروحها.
عاد فايز إلى قصره مثقل الكاهل بكل ما عرفه من أخبار، فاليوم الذي ظن أنه سيحصد فيه السعادة لأنه سمع صوت فريدة لم يجنِ فيه سوى الشوك والعذاب، لم ينتبه لمَن يحدثه من العاملين داخل القصر؛ فعقله كان بعالم آخر نسجه وتمنى أن يعيش بداخله ولو للحظات، لكن..
قطع أنور شروده، وهو يربت على كتفه، ليسأله:
-  أين كنت؟ وماذا حدث؟
ارتمى بين أحضان رفيقه، وهو يبكي كما لم يبكِ من قبل:
-  ماذا حدث، أنا لم أرك في مثل هذه الحالة من قبل؟ هل أنت بخير؟
-  لقد وجدتها..
-  مَن التي وجدتها؟ هل تقصد تلك الفتاة التي أخبرتني عنها من قبل؟
-  أجل هي..
-  أين وجدتها؟ أين طفلك؟
-  لن تصدق، طوال تلك المدة وهي تعمل عند ماهر صفوان، وأنا لا أعرف.
-  أين طفلك؟
-  هذا ما يؤلمني، فأنا قابلته ولم أعرفه.
-  مَن هو إذن؟ هل يشبهك؟
-  خالد
-  خالد من؟!
-  خالد ماهر صفوان.
صُعق أنور عندما سمع ذلك
-  كيف حدث هذا؟ وهل ماهر يعرف بذلك الأمر؟
-  لا، فريدة أخبرتني أن ميلا فقط هي مَن تعرف بقصتها.
-  هل تعرف أنك والد خالد الحقيقي؟
-  لا، فريدة لم تخبرها باسمي.
-  هل أخبرت فريدة بمرضك؟
-  لا، لم أستطع أن أخبرها؛ خشيت عليها ذلك الألم؛ فأنا أحبها حقاً.
-  ما العمل إذاً، هل ستسلم بالأمر الواقع، وتترك ابنك؟!
-  لا أعرف، من الظاهر أن العيش وحيدا بعيدا عنهما هو جزائي على رفضي لهما منذ البداية، فأن أخبرت خالد الحقيقة سوف يتدمر مستقبله كما أن ماهر سوف يقتل ميلا وفريدة ومن المحتمل خالد أيضا، يجب أن أرضى بهذا القدر اللعين واتقبل بعدهما.
دعا له أنور بالراحة، وأن يهديه الله للتصرف الصحيح.



**********
استيقظ آسر على صوت رنين هاتفه ليجد رقم وكيل النيابة المسؤول عن قضية مقتل سوزي
-  صباح الخير آسر بك.
-  صباح الخير أيمن بك، كيف حالك؟
-  نحمد الله، أريدك أن تمر عليَّ في سرايا النيابة لأمرٍ هام.
-  حالاً مسافة الطريق.
أنهى آسر المكالمة؛ ليستعد لمقابلة وكيل النيابة.. بعد ساعة وصل إليه ليجد أمرا موقعا منه بتفتيش منزل عمارة، استعد آسر للخروج مع الحملة للتفتيش، وطلب من محمد مرافقته إلا أنه أخبره بوجود بلاغ عن وجود جثة لفتاة منحور عنقها، خرج آسر وفؤاد وقوة من القسم لتفتيش منزل عمارة وورشته..
علا صراخ فاطمة ولطمها:
-  كفى ظلماً، زوجي لم يفعل شيئا، زوجي برئ لم يقتلها.
-  دعينا ننهي عملنا، إن كان زوجك بريئا فدعينا نتأكد بأنفسنا.
أمر رجاله بالانتشار داخل الشقة وتفتيشها جيدا، وقف يتابع الموقف من بعيد، خرج بعض الرجال ليخبروا آسر بعدم وجود شيء، خرج فؤاد من داخل غرفة النوم ومعه منديل صغير ملفوف بإحكام، أخبر آسر أنه وجده خلف خزينة الملابس، فتح آسر المنديل ليجد بداخله مسدس صغير وضعه داخل كيس شفَّاف، وأمر بأرساله للمعمل الجنائي للتأكد من أن هذا السلاح هو سلاح الجريمة.


********
وصل وكيل النيابة وفريق من المباحث بقيادة محمد إلى مسرح الجريمة ليجد أمامه مفاجأة، كانت الجثة لنرجس، عاين وكيل النيابة مسرح الجريمة، ثم أمر بنقل الجثة إلى المشرحة وإجراء كافة التحقيقات اللازمة.. أمر محمد رجاله بالبحث عن كاميرات المراقبة وجمع معلومات عن نرجس، وهل يوجد أي عداوة بينها وبين أحد.
تحقق محمد من الكاميرات الموجودة في مكان الحادث، لكنها لم تظهر أي شيء، اتجه إلى عنوان نرجس المسجل عنده في التحقيقات لإجراء التحريات وسؤال الجيران، لكن الكل أجمع على عدم وجود أي عداوة بينها وبين أي شخص آخر، رجَّح محمد أن يكون القتل سببه السرقة أو أن شخصا ما حاول الاعتداء عليها وبعد ذلك قتلها، أمر رجاله بالبحث علَّهم يجدون دليلا يرشدهم للقاتل الحقيقي، عاد بعد التحقيق إلى القسم لإنهاء المحضر الأولي.. سأله آسر عن الحادث، فأخبره بكل شيء، ثم سأله:
-  ماذا حدث أثناء التفتيش؟ هل وُجد سلاح الجريمة؟
-  وجدنا سلاحا، وقمت بإرساله للمعمل الجنائي للتأكد من أنه السلاح المستخدم في الجريمة.
سأله محمد:
-  لِمَ ملامحك مضطربة هكذا؟ هل لازال لديك إحساس أن عمارة برئ بعدما وجدت سلاح الجريمة داخل شقته.
-  لا هناك موضوع يشغل بالي فقط، سوف أغادر الآن؛ تذكرت مشوارا هاما.
غادر آسر مكتبه متجهاً إلى شركة الشحن الذي أعطاه عنوانها بواب عمارته للسؤال عن الطرد الخاص بزوجته، سأل عن مكتب مدير الشركة فأشار له الساعي إلى مكان المكتب، دقَّ الباب ثلاثا، ثم دلف للداخل معرفاً نفسه للمدير الذي رحَّب به:
-  أهلا وسهلا بحضرتك، تحت أمرك، كيف أساعدك؟
-  يوجد طرد باسم زوجتي أريد استلامه.
-  أعتذر من حضرتك، صاحب الطرد فقط مَن يستطيع استلامه إنها قوانين الشركة.
-  لكن زوجتي لديها ظروف خاصة، ولن تستطيع القدوم بنفسها، إن أردت فهذه بطاقتها الشخصية وهذه بطاقتي لكي تتأكد.
-  أنا لا أشكك بك سيد آسر، لكنها قوانين لا أستطيع تغييرها، لكن يوجد حل وسط يرضي سيادتك.
-  ما هو هذا الحل؟
-  سوف أرسل أحد موظفي الشركة مع حضرتك لتسليم الطرد للمدام.
وافق آسر على هذا الحل؛ فكل ما يهمه هو الطرد؛ فحسه الأمني يخبره أن هناك خطبا هاما، شكر مدير الشركة، ثم اصطحب معه الموظف لتسليم الطرد، وصل إلى بيت حماه، وطلب من الموظف انتظاره حتى يحضر زوجته، أخبر ريم بشأن الطرد وشكوكه تجاهه، خرجت ريم للموظف، وقدمت له بطاقتها الشخصية، ثم وقعت على إيصال الاستلام، واستلمت الطرد، شكرت الموظف على تعاونه، ثم غادر، حملت الطرد بين يديها تقلبه يميناً ويساراً لمعرفة مرسله أو محتواه، لكن بلا فائدة..
فتحت ريم الطرد لتجد بداخله خطابا، مجموعة من حسابات البنوك، بعض الصور والأسماء وأسطوانة، فتحت ريم الخطاب لتدمع عيناها، سألها آسر:
-  مَن أرسل هذا الخطاب؟
-  سوزي..
جمع آسر محتويات الطرد، ثم غادر منزل حماه، بعدما طلب من زوجته الاهتمام بنفسها وطفلهما، أنهى بعض المكالمات، ثم اتصل بمحمد وفؤاد وطلب منهما الحضور إلى منزله لأمرٍ هام، وصل كل منهما إلى منزل آسر، ما إن رآه محمد سأله:
-  ماذا حدث؟ وما هو هذا الأمر الهام؟
-  لا داعي للقلق، لقد أردت فقط الاحتفال معكما.
سأله فؤاد:
-  ما سبب الاحتفال؟
-  نحتفل بانتهاء قضية سوزي.
-  هل أكد المعمل الجنائي أن السلاح الذي تم العثور عليه هو سلاح الجريمة؟
-  أجل.
ضحك ثلاثتهم، وقاموا بتهنئة بعضهم البعض على حل قضية أخرى، ومن المؤكد سوف يتم ترقيتهم على إثرها..
سأل آسر فؤاد:
-  لماذا فعلت هذا؟
نظر له بعدم فهم، وسأله:
-  ماذا فعلت؟ أنا لا أفهم شيئا.
-  سوف أوضح سؤالي، لماذا طلبت من اللواء محسن ضمك إلى فريق التحقيق الخاص بالقضية؟
بهتت ملامح فؤاد، إلا أنه حاول أن يظهر ثباته مجيباً:
-  لا يوجد سبب محدد، تمنيت فقط أن أعمل معك، وأتعلم منك؛ فأنت ضابط كفء؛ والجميع يشهد بذكائك وكفاءتك.
سأله محمد بحيرة:
-  ماذا حدث، أنا لا أفهم شيئا؟
ضحك آسر، ثم سأل فؤاد مجدداً:
-  هل ستجيب عن سؤال محمد؟ أم أجيبه أنا؟
جمع فؤاد أغراضه بغضب وهمَّ بالمغادرة:
-  سوف أتركك ترتاح، من المؤكد أن أعصابك مضطربة.
سأله آسر:
-  كيف حال منى؟ هل عادت من السفر؟
انتفخت أوداجه عندما سمع سؤاله، التفت نحوه بعصبية ليجيبه:
-  كيف عرفت هذا الاسم؟ مَن أخبرك به؟
نظر محمد لكليهما بعدم فهم، وسألهما:
-  مَن منى؟ ولماذا غضب فؤاد هكذا؟
أجابه آسر، وهو يعيد ظهره للخلف:
-  منى هي شقيقة فؤاد.
سأله محمد:
-  هل لديك شقيقات؟ لطالما عرفت أنك وحيد.
أكمل آسر:
-  هي شقيقته من الأب فقط، والده بعدما تركه هو ووالدته تزوج من أخرى، وأنجب منها منى وفرح.
زاد غضب فؤاد:
-  من أين لك بتلك المعلومات؟
ضحك آسر، وهو يجيب:
-  هل تظن أنك الضابط الوحيد هنا؟ أنا أيضا ضابط وجمع التحريات وظيفتي.
سأله محمد:
-  لحظة واحدة، ما دخل شقيقته بكل هذا؟
أكمل آسر:
-  سوف أخبرك الآن بكافة التفاصيل، منى هي شقيقة فؤاد من والده، تمنت أن تصبح عارضة أزياء، ثم تتجه إلى الإعلانات والتمثيل كما فعلت العديد من الممثلات، تعرفت على سوزي سالم بأحد الأستديوهات، وطدت علاقتها بها على أمل أن تساعدها وتقوم بترشيحها لأحد المخرجين، وهذا ما قامت به سوزي بالفعل، فرحت منى كثيراً، وظنت أنها أخيراً ستحقق حلمها، إلا أن هذا الطريق كان مفروشا بالأشواك الذي فقدت فيه...
قاطعه فؤاد صارخاً، وهو يمسكه من تلابيبه:
-  كفى، كلمة أخري زيادة عنها سوف أقتلك.
أكمل آسر، وهو ينزل يده عنه:
-  كما قتلت سوزي!
صُعق محمد عندما سمع ما قاله آسر، لينطق متعجباً:
-  قتل سوزي!
-  للأسف.. أقدم لك القاتل الحقيقي في هذه القضية السيد فؤاد أحمد.
لكمه فؤاد في وجهه، وهو يصرخ:
-  نعم لقد قتلتها، لكن لا يوجد أي دليل يثبت أقوالك.
مسح آسر قطرات الدم التي سقطت على جانب فمه إثر اللكمة ليكمل:
-  معك كل الحق؛ لقد خططت جيداً لإبعاد الشبهات عنك؛ فكل دليل أو خيط يشير إليك كنت تخفيه كما فعلت عندما أخبرني تامر بأمر رقم الشريحة التي قام شخص منها بتهديد سوزي، حينها قمت بإرسال بعض الرجال لإخفاء ذلك الدليل؛ حتى لا يدان والدك والأكثر من ذلك أنك تعاونت مع من هتك عرض شقيقتك، ولوَّث شرفك مقابل مبلغ مادي كبير حول على حساب خارجي باسم شقيقتك منى التي سافرت مع والدها للعلاج من الصدمة النفسية التي تعرضت لها عندما قام عزام بإرسال شريط فيديو لها، وقام بابتزازها..
-  كل ما تقوله ليس له إثبات.
-  في البداية فقط كنت لا أملك دليلا، لكن الآن أنا أملك كافة الأدلة التي تدينك، لقد نسيت أن أخبرك أن سوزي قبل وفاتها أرسلت لريم طردا أخبرتها فيه الحقيقة كلها، وأن هناك شخصا يهددها من رقم أرسلته كما أرسلت فيديو وصور لبنات قام عزام بابتزازهن، ومن بين تلك الأسماء اسم شقيقتك، كما أنها اعترفت أن ما فعله عزام كان دون علمها، وعندما علمت بكل ما يحدث من خلفها اعترضت وقررت إبلاغ الشرطة، فتم تهديدها بالقتل، وكان التهديد عن طريقك أنت ووالدك، وهذا مقابل مبلغ مالي وشريط الفيديو الخاص بأختك.
-  هذه المعلومات خاطئة، كما أن هاتفي أمامك تستطيع تتبع شريحتي ومكالماتي، لن تجد ما يثبت ادعاءك، قضيتك خاسرة آسر بك.
ضحك آسر، وهو يصفق له بشدة:
-  حقاً أنت رائع، لكن هناك هفوة سقطت منك، سوزي أرسلت رقم الشريحة التي هددتها، وعند الكشف عن اسم صاحب الشريحة ثبت أنها باسم شقيقتك، كما أن الرسائل التي كنت ترسلها إلى عزام ورده عليك معي نسخة منها.
زاغت عيناه عندما أنهى آسر كلماته، شعر أن الهواء يتقلص من حوله، ليكمل آسر:
-  لقد نسيت أن أخبرك أن عصام أمين بمساعدة مبرمج استطاعا أن يخترقا حسابات عزام وهاتفه، وحصلا على سجل مكالماته ورسائله، وكل هذا بعلمي طبعا، وبأمر من وكيل النيابة، ومن ضمن هذه الرسائل رسالتك التي أخبرته فيها أن دليل إدانة عمارة سوف يظهر للنور قريباً، وهذا مقابل مبلغ مالي تم تحويله على حساب شقيقتك، أنت الوحيد الذي عثرت على سلاح الجريمة داخل شقة عمارة برغم أن الأمين فاروق فتَّش الغرفة قبلك، ولم يجد شيئا، كما أن تفريغ كاميرات المراقبة كان عن طريقك حينها قمت برشوة الفني الخاص بالتسجيلات لحذف الجزء الذي يدينك، وعندما قام بابتزازك لأخذ مبلغ مالي أكبر وإلا سيخبرني الحقيقة قمت بقتله، ظننت أن الأمر انتهى، لكنه لم يكن يطمئن لك فأخبر زميله إن حدث له أي شيء يسلم لي مظروفا، وعندما فتحته وجدت به التسجيل الحقيقي واعتراف منه بما فعله بناءً على أوامرك.
رفع فؤاد سلاحه في وجه آسر، ثم أمر محمد أن يقيضه:
-  اليوم سوف أنهي تلك القضية، سوف أقتلك وأحرق الشقة كل الأدلة سوف تدمر، لن أضحي بمستقبلي، لقد قمت بقتل سوزي، وقبلت العمل مع عزام ورجاله فقط للحفاظ على سمعتي، ولن أدعك تفسدها اليوم.
حاول محمد تهدئته، وطلب منه أن يخفض سلاحه ليتحدثا إلا أنه أطلق عيارا بالقرب من قدم محمد محذرا إياه:
-  أي خطوة أو فعل متهور منك سوف تلاقي نفس مصيره، آسر عرف الكثير، ولابد من قتله.
ضحك آسر بصوت مرتفع، وهو يقول: الآن.
وما إن تفوه بكلمته الوحيدة حتى انطلقت رصاصة من خلف آسر، وأصابت يد فؤاد الممسكة بالسلاح، ليسقط منه المسدس، ليظهر بعدها أيمن بيه وكيل النيابة من الغرفة الموجودة خلف آسر، ومعه قوة كبيرة من رجال الشرطة الذين أحاطوا بفؤاد إحاطة السوار بالمعصم..
-  فؤاد أحمد زيدان.. أنت مقبوض عليك بعدة تهم، أولهم قتل الفنانة سوزي سالم، وإخفاء بعض الأدلة لتضليل العدالة، والعديد من الجرائم الأخرى، وسوف أخبرك بها في سرايا النيابة.
تراجع فؤاد للخلف، وقد تجسم الهلع في أبشع صوره فوق وجهه التي جفت منه الدماء، وتقلصت ملامحه بشكل غريب، وسط دموعه التي انهمرت بغزاره، وراحت تغرق خديه:
-  لأاااااااااا

تمت بحمد الله
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي