الفصل التاسع عشرقبل الأخير

وافقت ضحى، وذهبت إليها للاطمئنان عليها، لكنها وجدتها نائمة، سألت ابتسام عن حالتها:
-  أمل حالتها سيئة، فاطمة عرفت بشأن زواجها
من خالد والأسوأ أنها فقدت جنينها اليوم.
صُعقت ضحى عندما علمت بأمر الجنين:
-  جنين.. ماذا تقولين؟
-  هذه هي الحقيقة، أمل كانت تحمل جنينا في
بطنها، واليوم فقدته.
-  خالد يريد الاطمئنان عليها.
-  أين هو؟ أمل بحثت عنه كثيراً؛ لتخبره بأمرها؛
لكنه اختفى.
-  اليوم أتى إلى الجامعة؛ ليبحث عنها، وأخبرني
أنه كان بالخارج وعاد منذ يومين.
أخرجت ضحى من حقيبة يدها الهاتف الذي أعطاه
لها خالد:
-  هذا الهاتف لأمل؛ حتى يستطيع خالد الاطمئنان عليها.
-  حسناً، سوف أعطيه لها.
غادرت ضحى منزل أمل لتجد خالد ينتظرها على أول
الحي، انتفض جسدها عندما وجدته أمامها:
-  ما الذي تفعله هنا؟
-  كيف حال أمل؟ هل رأيتها؟
أخبرته ضحى بكل ما حدث، وعن أمر حملها وفقدانها للجنين صباح اليوم، سقطت دموعه:
-  أريد رؤيتها يا ضحى، فأنا فعلا أحبها.
-  غدا سوف أذهب إليها ثانيةً.
عاد خالد إلى منزله بقلب مكلوم يتمنى فقط
الاطمئنان على أمل، ولكن كيف سيطمئن عليها؛ لذا قرر أن يطلب من والده أن يتقدم لطلب يدها والزواج منها.
بحث خالد عن والده داخل أرجاء الفيلا، لكنه لم يجده، سأل أحد العاملين بالفيلا:
-  أين أبي؟
-  ماهر بيه ذهب إلى المكتب.
تركه ثم صعد إلى غرفة والدته ليخبرها بما يريد،
لكنها كانت منشغله بعالمها الخاص مع سيدات
المجتمع والنادي الذي تقضي به أغلب يومها؛ فقد كانت تستعد للمغادرة أوقفها خالد:
-  أريدكِ في أمرٍ هام.
نظرت له وهي تُعد حقيبتها الرياضة:
-  لاحقا يا خالد؛ فأنا لديَّ موعد هام الآن، إن أردت مالا سوف تجده داخل درج والدك، خذ ما يكفيك.
قالتها، ثم غادرت دون أن تسمع منه شيئا آخر، لم يجد أحدا يسمعه أو يساعده سوى مربيته، ذهب إلى
غرفتها وعيناه تترقرقان بالدموع، مسدت على رأسه
بحنان وهي تردد بعض الآيات القرآنية، هتف من بين دموعه:
-  لا أعرف لمَ يعاملني الجميع هكذا؟! فأنا بالنسبة لهم غرض يتباهون به وقت الحاجة، لا أحد يشعر بي، مشاعري ورغباتي لا يهتم بها أحد.
-  لمَ تقول هذا؟؛ والديك يحبانك كثيرا.
-  الحب اهتمام، وليس مالا فقط.
-  أزح ما يقلقك، وتحدث معي؛ علك تجد عندي ما
يخفف عنك حيرتك.
وضع رأسه على فخذها، ليكمل:
-  لطالما شعرت معكِ بالراحة، حنانكِ وعطفكِ
الدائم يجعلني أشعر أنكِ أمي.
ما إن سمعت هذه الكلمة حتى قبَّلت رأسه:
-  أنت ابن قلبي، ما الذي يحزنك هكذا؟
-  سوف أخبركِ، أنا أحب فتاة معي بالجامعة، لكن والدي لن يقبل بها زوجة لابنه، وأنا أحبها فعلا، ولن أقبل أن أتخلى عنها مهما حدث.
-  طالما فتاة طيبة ومن عائلة والدك سوف يقبل؛
فسعادتك الأهم بالنسبة له.
-  لن يوافق؛ لأنها من عائلة بسيطة؛ تسكن داخل
حي شعبي؛ وأنتِ تعرفين ماهر بك المال والمظاهر
الأهم عنده من أي شيء آخر.
-  إذا أخبر والدتك وهي تقنعه.
-  لن تقبل هي الأخرى؛ فسيدة المجتمع الراقي لن تقبل بفتاة مثل أمل لتكون زوجة لابنها.
-  هل تحبها فعلا؟
-  أنا أعشقها، لا أستطيع العيش بدونها؛ فهي
الهواء بالنسبة لي.
-  إذا دافع عن حبك، وحاول إقناع الجميع بتقبلها،
أخبرهم بمدى حبك لها، لا تدعها تندم أنها أحبتك
في يوم ما.
-  سوف أفعل ذلك.
غادر خالد غرفتها بعدما شعر ببعض الراحة لسماعها شكواه، أغلقت الباب وراءه جيدا، ثم أخرجت من تحت وسادتها صورة لا تفارقها أبداً قبلتها، وضمَّتها إلى
صدرها، وهي تردد:
-  لقد اشتقت إليك كثيراً.
*******
داخل سرايا النيابة أمر وكيل النيابة بالإفراج عن كل
من تامر وصابر؛ لعدم وجود أدلة تدينهما، بينما أمر
بحبس عمارة أربعة أيام على ذمة التحقيق مع مراعاة التجديد في الميعاد.
وصل الخبر إلى فاطمة التي كانت تنتظر أمام سرايا
النيابة، فظلت تلطم خديها على حبس زوجها، تنفس فؤاد بأريحية بعدما سمع هذا القرار، شعر أن القضية
انتهت، اقترب محمد من آسر ليهنئه، لكنه كان عابس الوجه، فسأله:
-   لِمَ هذا العبوس؟ من المفترض أن تكون سعيدا؛ لأنك وجدت القاتل؛ وأنهيت القضية.
-   إحساسي يخبرني أنه ليس القاتل، كما أن أداة
الجريمة حتى الآن مفقودة.
رد عليه فؤاد:
-  لقد اعترف أنه ذهب إلى سوزي ليلة الحادث،
كما أننا وجدنا خاتما يحمل اسمه داخل غرفة القتيلة وبجوار الجثة، والكاميرات أثبتت وجوده هناك
ودخوله متخفيا إلى الفيلا.
-  لكنه لم يعترف أنه القاتل.
-  الاعتراف سوف يأتي لا محالة، كلما ضاق عليه
الخناق لن يجد سبيلا أمامه سوى الاعتراف.
رد محمد:
-  لكن القانون لا يعترف بالإحساس؛ هو يعترف
فقط بالأدلة؛ وكل الأدلة تدينه حتى الآن.
-  وظيفتي هي البحث عن الحقيقة، ولن أهدأ حتى أجد القاتل الحقيقي.
تركهم فؤاد، وغادر بينما محمد نصح آسر بالراحة
والحصول على قسط كافٍ من النوم؛ حتى يستطيع
التفكير جيداً.. تركه آسر ثم ذهب إلى منزل حماه
للاطمئنان على زوجته وابنه، وما إن رأته ريم حتى
سألته:
-  ما الذي تخفيه؟ هل أنت مريض؟ أم هناك شيء يقلقك؟
حاول إخفاء الأمر عنها وإقناعها أن كل هذا مجرد
إرهاق من العمل، لكنها لم تصدقه، بل ضمَّت وجهه
بين كفيها، وطلبت منه أن ينظر في عينيها ويخبرها
الحقيقة وما يخفيه، رفع عينيه ليقابل عينيها:
-  أشعر أن القاتل الحقيقي لازال حرا طليقا، يسخر مني.
-  لمَ تقول هذا؟ ألم تخبرني أنك ألقيت القبض
على عمارة، وأن الكاميرات سجلت وجوده داخل الفيلا وقت وقوع الحادث؟
-  أعلم كل هذا، ولكنني أشعر أنه برئ، فقط كان هناك في الوقت الخطأ.
-  أنا أثق بحدسك، اذهب إلى الفيلا مرة أخرى، ومن المؤكد أنك سوف تجد هناك ما يساعدك على إثبات الحقيقة.
-  سأفعل ذلك.
قبَّل رأسها، ثم غادر إلى منزله وبداخله إصرار على
استمرار التحقيق والقبض على القاتل الحقيقي، ما
إن وصل إلى منزله حتى وجد بواب العمارة يستقبله:
-  آسر بيه..
-  نعم يا عم أيوب.
-  اليوم وصل طرد باسم السيدة ريم، لكن موظف
التوصيل رفض تسليمه لي، وترك عنوان الشركة،
وطلب مني إخبار السيدة ريم بضرورة الذهاب إلى
الشركة لاستلام الطرد.
شكره آسر، ثم صعد إلى شقته، وهو يفكر ترى ماذا
يوجد بهذا الطرد؟ ومَن الذي أرسله؟
**************
ظل رجال فايز يبحثون كثيرا عن نرجس، كما طلب
منهم رئيسهم، لكن بلا فائدة؛ فمنزلها مغلق كما
هاتفها وهي مختفية، لكنهم لم ييأسوا، بل تفرقوا
للبحث عنها في عدة أماكن؛ علهم يجدونها بأحد
العناوين التي أخبرهم بها فايز..
جلست نرجس تنتظر شريكها؛ لإحضار خط الهاتف
لإكمال خطتهما، ما إن وصل حتى استخدمت شريحة الهاتف الجديدة للاتصال بفايز الألفي:
-  فايز بيه، توجد أوراق تحت يدي تدينك.
-  مَن المتصل؟
-  هويتي لا تخصك، عليك دفع مليون جنية
للحصول على هذه الأوراق، وإلا سوف أقوم بتسليم
هذه الملفات إلى الشرطة، وأخبرهم بمَن قتل
سوزي.
أنهى المكالمة قبل أن يتحدث فايز؛ على الجانب
الآخر استشاط فايز غضبا من هذه المكالمة؛ فقد
تأكد أن هذه الأوراق تحت يد نرجس، وعليه التخلص
منها فوراً حتى وإن كان المتصل رجلا.

*****
داخل قصر عزام رنَّ هاتفه برسالة كُتب فيها (انتهت قضية سوزي، بقي العثور على سلاح الجريمة، وهذا
ما سيتم قريباً)، ما إن قرأها حتى رسمت على وجهه
ابتسامة خلاَّبة لفتت نظر هنادي التي كانت تقف
أمام المرآة تعدل هندامها، وترتب خصلاتها الثائرة،
فسألته:
-  ترى مَن صاحب هذه الرسالة؟ وما بداخلها حتى
ترسم السعادة على وجهك هكذا؟
اقترب يزيح خصلات شعرها، ليُقبل عنقها، قائلا:
-  قضية سوزي انتهت.
التفتت تلف ذراعيها حول عنقه، لتسأله:
-  هل تمَّ القبضُ على القاتل؟
ضحك، وهو يجيبها:
-  عمارة زوج شقيقتها مَن قتلها.
نظرت له بتعجب، قائلة:
-  مستحيل، سوزي أخبرتني أكثر من مرة أنه كان
يحبها، وأنه كان يتوسل إليها أن تقبل حبه وتقبله،
وأنه على استعداد أن يترك كل شيء خلفه فقط
ليصبح بجانبها.
غمز لها، وهو يكمل قائلا:
-  ومِن الحب ما قتل، ثم إن القانون له الأدلة،
والأدلة تدينه.
حاولت مقاطعته، لكنه أسكتها بإبهامه، وهو
يستطرد بحزم:
-  يكفي هذا، علينا الانتهاء من الصفقة الجديدة؛
فالباشا بالخارج مستاء بسبب توقف العمل.
-  لا داعي للقلق؛ فأنا جهزت شحنة جديدة سوف
ترضيه كثيراً.
-  هل أخبرتهن بطبيعة العمل؟
ضحكت هنادي، وهي تجيبه:
-  أنا لديَّ أسلوبي الخاص في العمل، لقد قمت
بإنشاء فرقة استعراضية، وتقدم لها العديد والعديد
من الفتيات، كل حلمهن فقط السفر والمال، وكل
الأوراق قانونية، وبعد السفر لن يجدن سوى خيارين
فقط، إما طاعه الأوامر أو..
-  يعجبني تفكيرك الشيطاني.
-  تلميذتك.
أرسل عزام إيميلا لجده يخبره أن الأمور في تحسن،
وقريباً سوف تصل إليه الدفعة الجديدة.

*************
جلس عصام داخل غرفته مع أحد أصدقائه المبرمجين (ياسر)؛ ليساعده في اختراق حسابات عزام وشركائه؛
أملا في الوصول إلى معلومات تفيده في تحقيقه
الصحفي؛ فبرغم فصله من جريدة الأمل إلا أنه لن
يتوقف عن النشر.. لحظات وصرخ بعدها صديقه فرحا، وهو من بعده عندما استطاع اختراق إيميل عزام،
اقترب من الحاسب الخاص به ليقرأ تلك الرسائل
فوجد رسالة عزام لجده، أمسك قلمه ليخط العنوان
الجديد لمقاله
(مافيا تجارة الرقيق) حية جديدة تبدل جلدها كل فترة وأخرى؛ حتى تستطيع الفتك ببناتنا، مرض يتفشى
بيننا ليقضي على زهورنا، حرب جديدة نخوضها أملا
في الفوز والنجاة من تلك الشرور.
سجل أولى كلمات مقالته الجديدة، بينما جلس ياسر صديقه لإكمال مهمته، استطاع ياسر التجسس على حساباتهم وهواتفهم:
-  عليك الحرص وإخبار الشرطة بكل هذه
المعلومات قبل نشرها، وإلا ستكون عرضة للخطر
أكيد.
-  وظيفتي عنوانها الخطر منذ البداية؛ فهي
وظيفة البحث عن المشاكل.
قالها وهو يضحك.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي