3

الفصل الثالث

لاول مرة منذ عدة أسابيع تنام قريرة العينين دون أن يعكر صفوها الكاوبيس المزعجة، غط بنوم عميق وهادئ فلم تغمض لها جفن منذ عدة أيام فقد كانت تخشى النوم وظلمة الليل وتكره حلول الظلام ولكن اليوم شعرت بالسكينة تسري بأوصالها .
رأت نفسها تقذف كالاطفال داخل حديقة خضراء وهي ترتدي ثياب بيضاء وحجاب ابيض أيضاً وتدور حول نفسها بسعادة غامرة وصوت ضحكتها تجلجل بالمكان
فتحت عيناها على صوت المؤذن ينشد التواشيح بعد صلاة الفجر، نهضت من فراشها والإبتسامة لازالت تنير وجـ هها ،همت بمغادرة الغرفة وتوجهت إلى المرحاض لتتوضى لصلاة الفجر وتقرا سورة البقرة كما نصحها الشيخ عبدالله بالمواضبة على قراءتها يوميًا ..
❈-❈-❈
أما على الجهة الأخرى بڤيلا السعدني..
ظلت نور بغرفتها ولم تعطى أسر ردًا فيما قررته من أجل حياتهم الزو جية ،كل ما يشغلها الان هو الانتقام والخلاص من سليم الذي قـ تل جدها وأسر الذي تخلى عنها وتز وج من غيرها ،تريد الثأر لكرامتها فقد هُدرت كرامتها بذلك المنزل وعليها الآن أخذ حقها من كل من أذاها ..

وميلانا أيضا شاردة بحياتها، تشعر بالضيق بسبب الوضع التى هي به الآن
هي حقًا تكن مشاعر صادقة لأسر ولم تريد الابتعاد عنه، ولكنها تشعر بالذنب وتأنيب الضمير بسبب زو جته الأولى فهي الان تحمل طفلاً منه وإذا لم تكن موجودة بحياته الآن فكانت عادت حياتهم كالسابق وهذا الطفل سيقربهما من بعضهما مرة أخرى..
أنسابت دموعها عجزًا على اتخاذ القرار

أما عن أسر فقد جفاه النوم وكان يدور بغرفة القديمة قبل زو اجه من نور ؛ يزرعها ذهاباً وإياباً كالاسد الجريح ، داخله ثورة مشتعلة من الغضب ، وبعدما غلبه الإرهاق جلس أرضا وضم قدميه لصـ دره ينظر للفراغ وأصوات أنفاسه تحرق بداخله كأنها جمرات مشتعلة، لم يريد ابقاء نور بمكان واحد هو فيه، بعدما جرحت كرامته كرجل ورفضت الانجاب منه بحجة مرضه وهو لم يعد متقبلها بحياته مرة أخرى ، فهي من كسرت قلبه
وتحملها كثيراً لانه احبها بصدق ولم يجد منها تبادل لمشاعره ، على مدار العام كان يشعر منها بالنفور حتى بعلاقاتهم الخاصة، كان دائما يتسأل بينه وبين نفسه لماذا إذا قبلت بتلك الزيـ جة وهي لا تُحبه مثلما هو يُحبها
وإلى تلك اللحظة لم يجد بعينيها نظرة حب أو غيرة بسبب ما فعله، وجدها مثارة وغاضبة فقط من أجل كرامتها ونست تماماً أمر الطفل التي تحمله وشعر بأنها لم تتقبله .
نكث رأسه وهطلت دموعه دون توقف وظل يكظم غضبة داخله إلى أن خدر جـ سده وأسبلت عيناه وهاجمته نوبة حادة صرعيه وظل جـ سده ينتفض أرضاً

في ذلك الوقت غادرت ميلانا غرفتها وقررت أن تذهب لغرفة أسر تحاول التحدث معه وأقناعه بأن يتقبل عودتها ويحافظ هو على حياته مع نور من أحل طفلهم القادم .
طرقت الباب ودلفت بتوجس تبحث عنه صرخت بلهفة منادية بإسمه وركضت إليه بهلع تحاول أن تساعده على تخطي تلك النوبة ، احتـ ضنته بقوة وأنسابت دموعها هي أيضا وهمست بإذنه:
أسر حبيبي عم تسمعني ، أني هون جنبك ما راح أتركك يا عمري
لم يجد راحته إلا بين يـ دي تلك البريئة التي تعشقه دون قيود ولن تنتظر منه مقابل لذلك العشق ..
هذا هو الحب الحقيقي الذي يعطيك الامان ويغدق عليك بحنانه ، مشاعره تحتويك وحتى إذا كنت غافلاً فقلبك يشعر به ويطلب المزيد من ذاك الاحتواء، المشاعر الصادقة، اللحظات الجميلة التي تشعركما بالوجود في تلك الحياة..
كانه يصارع الموت ولكن ليس وحده ، يـ دها تتشبث بيـ ده ، حضـ نها يرفض أبتعاده ، عيناها تصرخ باحتيـ اجه تذرف الدموع خوفًا من فقدانه، هو امانها، سندها، بطلها وزو جها، هو كل عائلتها لم يتبقى من الدنيا سواه ولا تريد إلا إياه ، تمـ سكت به بكل ما اوتيت من قوة أقسمت على إلا يتفرقًا فهو بحاجتها ولن تبتعد عنه مهما حدث..
أستكان جـ سده بعد دقيقتين فقد كانت نوبة صراعية مميته ، يواجه الموت بعينه في كل نوبة تهاجمه ولكن وجودها جانبه وتمـ سكها به تجعله ينسى معاناته ويظل صامداً من أجلها ، نظر لها بعينين مغرقة بالدموع يطلب منها الارتواء فهو بأمس الحاجة لمشاعرها، هي وحدها قادره على أن تنسيه الألم.
دنت منها تمطره بقـ بلات متفرقة على صفيحة وجـ هه وهو أيضا يبادلها تلك المشاعر بجموح ، يطلب منها المزيد .
وبعد لحظات ابتعد عنها تذكر وعده له بإقامة الزفاف أولا ، أبتسم لها بحب وهمس بنبرة عاشق :
- هعملك أكبر عروس وهنجهز فيه من دلوقتي
قررت أن تتخلى عن حلمها من أجله ولكن رفض أسر وأصر على أقامة حفل زفاف وارتداها ثوب زفاف يليق بها ..
وسيفاتح شقيقه فيما هو نوى عليه ،وبالفعل ترك الغرفة وقرر الذهاب الى غرفة شقيقه بعدما نظر لساعته وعلمًا بأنها تجاوزت الساعة الثامنة ولابد وان شقيقه مستيقظًا الآن ..


❈-❈-❈
بالمنصورة ..
أنتهت حياة من تلاوتها للقرآن الكريم الذي يشعرها الطمئنينة والراحة النفسية ، كما أنها عادة حياة النشيطة وتركت الكسل والوهن وقررت أن تتوجه للمطبخ تعد طعام الإفطار بنفسها..

عندما أستيقظت والدتها توجهت أولا لغرفة ابنتها لكي تطمئن عليها ولكن تفاجئت بفراشها خالي، دب الرعب أوصالها وغادرت الغرفة بلهفة وقلق تهتف باسمها، ولكن ابتسمت بسعادة وهي تجدها أمامها تضع الصحون على مائدة الطعام وتهتف بصوت مجلجل :
- صباح الخير يا دودو
أسرعت إليها بخطوات واسعة تلتقفها داخل أحضـ انها وتشبثت بها بقوة منما جعل حياة تمزح معها قائلة:
- بشوش عليه يا دودو ، هتفرمي عضمي
ابتعدت عنها بضحكة واسعة ثم عادت تضـ مها ثانياً ودموعها تنساب فرحًا من أجلها
كان يقف يتطلع لهما بحنان ولسانه يذكر الله ويردد الحمدلله دائما وأبدا ، الحمدلله على بلاءه وعطاءه ، الحمدلله في كل وقت وحين.
عندما لمـ حت والدها ابتعدت عن احضـ ان والدتها وركضت إلى والدها الحبيب ترتوي منه عطش الاحتياج إليه، هو بئر امانها ومنبع حنانها، هو حبها الاول والاخير ، عشقها الابدي الذي لا يتبدل
ظل فاروق يربت على ظهـ رها بحنان ويهمس بجانب أذنها يردد الحمد لله والثناء على رسول الله ، فلم يصدق بأن ابنته بين احضـ انه بعدما كانت تصارع الموت البطيء
ابتعد عنها قبل أن تذرف دموعه وهتف لها بصوت حاني:
- عاملة ايه يا روح قلب ابوكي
ربتت على وجـ نته بكفها وقالت بهمس:
- الحمدلله في أفضل حال يا ابو حياة
أتت سناء وهي تتطلع لهم بحب وسعادة من أجل سلامة حياة ثم هتفت قائلة:
- يسعد صباحكم يارب وينور قلوبكم بطاعة الرحمن
ركضت حياة إليها تلتقط كفيها وتقـ بلهما وتنظر لها معتذرة:
- عمتو تعبتك جدا معايا ، ماتحرمش منك يا أجمل واطيب قلب عرفته
فردت لها سناء ذراعيها لتستقبلها باحض-ا نها وقالت:
- أنا جدتك وانتي حتة مني بنت الغالية بنت أخويا، وتعبك كان تعبي يا روح ستك ثم زفرت بهدوء وقالت:
- ننسى كل اللي حصل ونفكر في دلوقتي وبس
هتف فاروق مؤيدًا لكلمات الجدة سناء ولكن زفرت دلال بضيق فهي تتعود لبثينة سلفتها على ما فعلته لابنتها ومُ صرة على تلقينها درسًا لن ينسى..

التفت العائلة بسعادة حول مائدة الطعام وقرر فاروق أن يصطحب حياة بعد الفطار ليذهب إلى أستخراج جوازات السفر خاصتهم ثم الذهاب لشركة خاصة برحلات العمرة والتقديم على عمرة هو وابنته كما نصحه الشيخ عبدالله..

أما عن الوضع بڤيلا السعدني.
بعدما أستمع سليم للحديث الذي دار بينه هو وشقيقه قرر هو الآخر أن يتز وج من حياة في ذلك اليوم وأخبر صديقه عن نية الارتباط بفتاة قريبة لسراج وتعمل لديه بالشركة وفرح أسر لأجله وطلب منه أن يلتقي بها ، أخبره سليم بأنهم سيذهبون جميعاً إلى منزلها بالمنصورة وطلب يـ دها وانهاء الزواج سريعًا لكي تسافر معه لندن وإجراء العملية الخاصة به.
وبعد ذلك الحديث الذي طال بينهما لأكثر من ساعة ، أتت إليهما الخادمة تخبرهم بتناول طعام الإفطار وان والدتهم تنتظرهم..
غادر أسر غرفة شقيقه وذهب إلى غرفته ليصطحب ميلانا معه إلى الأسفل ، بينما استقل سليم المصعد الكهربائي ليهبط به إلى الأسفل
وتوجها إلى غرفة الطعام، أقترب من والدته يـ قبل يـ دها وهو يقول:
- صباح الخير يا ست الكل
ابتسمت بحنو وهي ترد:
- يسعد صباحك يا حبيبي
ات أسر في ذلك الوقت وهو محتـ ضن بكف ميلانا ودنا من والدته طبع قـ بلة على جبينها وأخره على كف يـ دها:
- صباح الخير على روح قلبي
- صباح الخير يا حبيبي
طبعة ميلانا قـ بلة رقيقة على وجنتها ثم قالت مبتسمة:
-صباح الخير إمي
دق قلبها بصخب عندما هتفت ميلانا بتلك الكلمة وتلاقت أعينهم همست ميلانا على استحياء قائلة:
- إذا بتسمحي لي أقولك إمي
أشفقت خديجة عليها وترقرقت الدموع في محجرها ، ما كان منها إلا أن تنهض عن مقعدها وتفرد لها ذراعيها تريد أن تضـ مها لصـ درها وتشعرها حقًا بأنها والدتها
ارتمت ميلانا بأحضـ ان تلك السيدة الحنونة وهمست لها خديجة قائلة بود:
- طبعا يا حبيبتي أعتبريني والدتك وانتي هنا وسط عيلتك

رمقتهما نور من اعلى الدرج وتصاعد الغضب داخلها وهبطت الدرج مسرعة لتشاهد ذلك العرض المسرحي..
وقفت تنظر لهما بضيق ثم خرج صوتها حادًا:
- صباح الخير
رمقها سليم بنظرات غاضبة، أم أسر فلا يعنيه وجودها وهمست خديجة قائلا:
- صباح الورد يا حبيبتي ، تعالي عشان تفطري
جلست على مضض بجانب خديجة فقد كان سليم يتريس المائدة وبجانبه يجلس أسر على يمينه وميلانا بالمقعد المجاور لأسر ومن جهة اليسار جلست خديجة وهي بجانبها .
وبدء الجميع في تناول الطعام أما عن نور فأرادة أن تعكر صفو تلك اللحظة السعيدة بالنسبة إليهما.
نظرت إلى أسر قائلة:
- أسر من فضلك عاوزة أروح لدكتور أطمن على البيبي
رفع عيناه ينظر لها بدهشة فلم يصدق ما قالته ولاحت شبه ابتسامة جانبية وقال:
- أنا تعبان ممكن تستني لبكرة
لوت ثغرها بضجر وهتفت بصوت غاضب :
- يعني مش مهتم بابنك ولا عاوز تطمن عليه ، مش هو ده اللي كنت بتترجاني عشان نخلف ، أيه اللي حصل ولا الست هانم هتغيرك حتى على ابنك من دلوقتي امال لم يجي الدنيا هتعمل فيه ايه
هتفت خديجة قائلة:
- أهدي يا بنتي مش كده، هو قصده
قاطعها أسر بحدة:
- ماما بعد اذنك أنا خلاص رديت عليها ، انا فعلا تعبان ونأجل الدكتور لبكرة أو يوم تاني ، ثم نهض عن مقعده وقال وهو ينظر لنور بغضب:
- ومش هسمحلك تتجاوزي حدودك معايا،ولازم تعرفي علاقتي بابني ده هيكون خاص بيني انا وهو
ثم نظر لميلانا قائلا:
- أنا نازل الشركة مع سليم
هتف سليم من خلفه قائلا:
- لا بقولك ايه اسبقني أنت على الشركة وانا محتاج ميلانا معايا في كام مشوار الاول ثم أرسل غمزة لشقيقه ففهم الاخير تلميحاته
همس سليم باذن ميلانا قائلا:
- ممكن تساعدي اخوكي الكبير لأن محتاج اخد رأيك في حاجات كتير
نظرت لأسر الذي أوما برأسه دليلا على موافقته فعادت تنظر لسليم قائلة بحماس:
- أيه فيني
اشطات نور غاضبة ونهضت عن مقعدها وتركت المكان وعادت إلى غرفتها تتطلع للحديقة من شرفة غرفتها وعيناها ترمقهم بنظرات مشتعلة من الحقد والغضب ..


اصطحبها سليم في جولة بين متجرات المجوهرات يريدها أن تنتقي هدية لحياة وتنتقي أيضا شبكتها ، ثم ذهبوا بعد ذلك إلى متجر ملابس وأخبرها بمواصفات حياة وأنها ترتدي الحجاب لكي تساعده في انتقاء ملابس خاصة بها،
كانت ميلانا سعيدة بذلك الود الذي يحدثها به سليم وحقا شعرت بأنه شقيقها، أراد أن يخرجها من الحزن ويشعرها بأنها من عائلته كما تشاركه أيضا الذؤق في انتقاء اشياء خاصة بزو جته ولمست الجانب الإنساني لديه ، غمرتها السعادة من أجله فهو من حقه أن يكمل حياته ويتز. وج رغم عجزه فهو بحاجة لفتاه تأخذ بيـ ده
انتهى اليوم باختيار قاعة خاصة من أجل يوم الزفاف المحدد بعد أسبوع من الآن ...
❈-❈-❈
وفي الشركة جلس أسر مع سراج يقص عليه الوضع الذي هو فيه وبعدما استمع له سراج بانصات
افلتت ضحكته الصاخبة لوضع أسر المضحك من وجـ هة نظره وليس مُحزن كما يظن أسر
شعر أسر بسخريته وسخافته وهم بأن يغادر مكتبه غاضبًا من أسلوب صديقه، لكنه استوقفه سراج قائلا:
- استنى يا أسر والله ماقصدي حاجة ، أقعد بس ما تقفش أوي كده
جلس الاخير على مضض
هتف سراج بجدية:
- طيب وانت منكد على نفسك ليه بس ، عندك بدل الزو جة اتنين ، المصرية والسورية يا عم عيش وفكك من الهم، دة انت محظوظ
فرغ فاة وردد:
- محظوظ
- أه طبعا محظوظ عشان لم واحدة تنكد عليك تسبها وتروح التانيه ، دة انت هتعيش هارون الرشيد ، هتبقى السلطان وهم يتخانقوا عليك
أنهى كلماته بضحكة مجلجله
نهض أسر عن مقعده ونظر له بغيظ وقال وهو يهم بمغادرة الغرفة:
- تصدق أن غلطان أن جبتلك أصلا ولا قاعد بحكي معاك عن حياتي ، أنت ولا صاحبي ولا اعرفك
ثم صفع باب مكتبه بقوة وظل سراج يضحك باعلى طبقات صوته ويردد :
- هعمل ايه مش قادر أمـ سك نفسي من الضحك، انا متخيل المنظر والاتنين بيتخانقوا عليك هتقضي الليلة عند مين يا عمدة هههه

أخرجه من نوبة الضحك الهستيري رنين هاتفه باتصال من سليم ، استرد أنفاسه ثم اجابه بهدوء؛ ليخبره الأخير بأنه يريد الذهاب إلى المنصورة صباح الغد
ولم يخبر أحد فعندما يصلُ إلى هناك سيتفاجئون بزيارتهم الغير متوقعة..

تلك هي الحياة فرص فأن لم تغتنمها فلم تستطيع تعويض ما فاتك من فرص ضائعة..

الفرصة الذهبية التي تبحث عنها توجد بداخلك أنت؛ وليست في البيئة المحيطة بك ولا في ما تتلقاه من الآخرين من مساعدات ولكنها بداخلك.

أوريسون سويت ماردن
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي