الفصل الثامن عشر

استلم منه البواب الإيصال، بعدها غادر الشاب ومعه
الطرد إلى مقر الشركة الخاصة بالتوصيل.
*******
اجتمع أهل ريم مع والدة آسر لمساعدتها على الخروج من المشفى استعدادا للعودة لمنزلها؛ فآسر مشغول بسبب قضاياه، ولن يستطيع القدوم لاصطحابها
للمنزل، تمنت والدة آسر أخذ ريم وطفلها إلى
منزلها؛ للاهتمام بهما؛ وتتمتع بقرب حفيدها؛ فمنذ قدومه بدَّل ألوان حياتها، وأعاد لها الأمل في الحياة من جديد بعدما فقدته منذ وفاة ابنها الصغير، إلا أن
والدة ريم طلبت منها أن تصطحب هي ريم وابنها
لترعاهما؛ فهي الأحق برعاية ابنتها وطفلها، و
بمجرد أن تستعيد صحتها سوف ترسلهما لمنزلها
بالتأكيد، وافقت والدة آسر على مضض، لكن ليس
بيدها حيلة، ضمَّت حفيدها لصدرها بقوة لتبقي
رائحته بين ذراعيها على أمل بالاجتماع به عن قريب..
حاولت ريم إقناع والدتها بأن تتركها تعود لمنزلها،
لكنها رفضت، وقامت بالاتصال بآسر تستأذن منه أن
تصطحب ابنتها لمنزلها؛ حتى تستعيد قوتها.. وافق
آسر ووعدها بزيارتها كل يوم، وبعد انتهاء قضيته
سوف يعودا مع طفلهما إلى منزلهما.
*******

داخل قصر الألفي اتجه أنور نحو غرفة فايز، وهو
يحمل بيده مظروفا كبيرا مدونا عليه من الخارج اسم معمل تحاليل شهير، لم تكن ملامحه هادئة كعادته، بل كانت ملبدة بالحزن، عيناه تسكنها الدموع،
وكأنها ستمطر خلال لحظات، طرق الباب ثلاثا، ثم
دلف إلى الداخل لإيقاظ فايز، لكنه وجد فراشه مرتبا
لم يمسسه جسد، دار بعينيه داخل الغرفة بحثا عن
فايز فوجده يقف أمام النافذة يتطلع إلى الفراغ أمامه ببال شارد، يزفر دخان سيجاره الكوبي مشكلا أمام
عينيه دوائر، لم يشعر بأنور ولا وجوده؛ فقد كان عقله محملا بالعديد من الأسرار.. تقدم أنور يُربت على كتفه قائلاً:
-  نتائج التحاليل الخاصة بك، وصلت منذ قليل.
لم يلتفت إليه، بل أجابه وهو بنفس حالة الجمود
التي كان عليها قبل دخوله:
-  كم تبقى لديَّ من وقت؟
سقطت دموع أنور تلقائياً متحررة من محبسها:
-  لا تقل هذا، فالطب تقدم كثيرا هذه الأيام، دعنا
نسافر إلى الخارج ثانيةً، ومن المؤكد أن هناك أطباء متخصصين في حالتك، وسوف يقومون برعايتك جيدا حتى تتماثل للشفاء.
ضحك فايز قائلا، وهو يتألم:
-  هل تظن أنني لم أحاول سابقاً، لقد قالها لي
الطبيب أثناء رحلتي الأخيرة.
-  ماذا قال لك؟
-  أخبرني أنني وصلت إلى المرحلة النهائية، وأن
المرض تمكن مني، واحتل أغلب خلايا جسدي.
صُعق أنور عندما سمع هذا، فأكمل فايز:
-  لا يغرك ثباتي ووقوفي هكذا، فأنا أحيا على
المسكنات القوية؛ حتى لا يلحظ أحد مرضي، وإلا
ستكون نهايتي على أيديهم ضربا بالنار مثل خيل
الحكومة.
-  اعتزل، دعك من كل هذا وسافر للبحث عن علاج، لا تفقد الأمل.
-  لن أستطيع، هذه الشبكة لها أذرع في كافة
أنحاء العالم، ولا تسمح لأي شخص بالاعتزال مهما
أقسم لهم على الولاء وإبقاء أسرارها محفوظة.
-  كيف هذا؟ لابد من وجود حل يرضي جميع
الأطراف.
-  الحل الوحيد هو وجود بديل لك من صلبك.
-  دعني أحمل هذا العبء عنك لتتمكن من السفر والحصول على العلاج.
سقطت دموع فايز، ليكمل:
-  أنت رفيقي يا أنور، وأنا أعاملك مثل أخي، لكنهم لن يقبلوا بك.
-  لماذا إذا؟
-  لأنك لستَ من دمي.
أكمل، ودموعه تنهمر من عينيه:
-  مع سباق الزمن والبحث عن المال نسيت نفسي،
تخليت عمَّن أحبوني؛ لأنني ظننت أنهم سيكونون
عقبة في طريقي أو نقطة ضعف يستغلها أعدائي
ضدي، عشت وحيدا كالطير أتنقل بين الزهور،
أستمتع برحيقهم، ثم أبتعد لأستمتع برحيق زهرة
أخرى، أظن ما يحدث لي الآن بسبب دعائهنَّ علىَّ.
نظر له أنور بتعجب، ليسأله:
-  لا أفهم ماذا تقصد من قولك هذا؟
أزاح دموعه بكف يده ليخبره:
-  سوف أخبرك؛ لعل بوحي يزيح ذلك الحمل عن
كاهلي؛ وأنعم ببعض الراحة؛ قبل عشرين عاماً أو
أكثر عندما كنت شاباً تعرفت على فتاة أحبتني،
وتمنت فقط حبي ورضائي، كانت تفهمني دون أن
أتحدث، في أحد الأيام أخبرتني أنها تحمل بأحشائها طفلا من دمي، حينها ثُرت وغضبت، ثم خيَّرتها إما أن
تتخلص من ذلك الجنين وتستمر معي، أو تبتعد به،
وأنني لن أعترف به مهما حاولت، حاولت إثنائي عن
هذا القرار، ركعت تُقبل يدي وقدمي أن أسجل فقط
الجنين باسمي، وبعدها سوف تأخذه وتختفي، لكنني رفضت أيضا هذا الاختيار، لم تجد أملا في إقناعي لذا هربت، وتركت لي رسالة مكتوبة بدموع عينيها
تخبرني فيها أنها أحبتني، ولن تستطيع التخلي عن
قطعة مني.. شعرت حينها أن جبلا أزيح عن صدري،
انغمست داخل مافيا العمل؛ لتزداد قوتي ونفوذي
أكثر وأكثر، بعد عدة سنوات تزوجت من زوجتي
الأولى، كانت أخت شريك لي، كنت أظنها كباقي
النساء تتمنى العيش وإنجاب الأطفال وتربيتهم،
لكنها كانت ترفض الفكرة نهائيا؛ خوفاً من إفساد
قوامها الذي يعتبر رأس مالها؛ لأنها عارضة أزياء،
بعد عامين من المشاكل انفصلنا، بحثت عن زوجة
أخرى؛ لأكمل الشكل الاجتماعي، لكنني لم أحصل
منها أيضا على أمنيتي، سافرنا معا للخارج لمناقشة
أفضل أطباء النساء وهناك طلب الطبيب تحاليل
منها ومني، وعندما قمنا بعملها صدمني الطبيب
أنني عاجز عن الإنجاب..
اندهش أنور وسأله:
-  كيف؟ هل صديقتك الأولى كانت تخونك؟
أجابه فايز:
-  ألم أقل لك أنه ذنبها، الطبيب أخبرني أن شرب
الكحوليات بكميات كبيرة وحقن تضخيم العضلات
التي اعتمدت عليها كليا؛ لأحصل على جسد جذاب
يلفت الأنظار هما السبب في عدم قدرتي على ذلك.
ربَّت أنور على كتفه قائلا:
-  كيف تحملت كل هذا العبء وحدك طوال تلك
السنوات؟
-  إنها لعنتي، وعليَّ تحملها وحدي.
-  لماذا لم تبحث عن طفلك الحقيقي إذا؟
-  بحثت كثيرا عنه، لكن كان أشبه بالبحث عن إبره
داخل كومة من القش.
-  دع حملك على الله، سوف نبحث عنه وعن والدته حتى نجدهما وتجتمع بهما.
وقف فايز ينظر للفراغ ثانية، وبجانبه أنور الذي هَام
في ماضيه المظلم هو أيضاً.
*******
داخل منزل عثمان، وبالأخص في غرفة أمل دلفت
ابتسام، وهي تحمل بين يديها صينيه وضعت عليها
طعاما وكوبا من العصير الطازج لشقيقتها:
-  عليكِ إنهاء هذا الطعام كله؛ لكي تتحسن
حالتكِ سريعاً؛ فوالدك سوف يخرج اليوم من
المشفى وعليكِ استقباله.
أزاحت يدها بعيدا:
-  لا أريد أي شيء، دعيني أموت؛ لكي أرتاح ويرتاح
الجميع من وجودي.
-  ما هذا الهراء الذي تتفوهين به؟ أظن أنكِ
بحاجة لطبيب نفسي.
ظلت أمل تضرب بطنها بكلتا يديها، وهي تصرخ، حتى سقطت الدماء من بين ساقيها بغزارة، صرخت ابتسام مستنجدة بفاطمة، أسرعت لتجدها تنزف ساعدتها
على تبديل ملابسها؛ لاصطحابها إلى الطبيبة
الموجودة بالحي المجاور، بينما طلبت من ابتسام
تنظيف الغرفة ومسح الدماء لحين عودتهما، نفذت
ابتسام ما طلبته منها شقيقتها، بينما ذهبت فاطمة وأمل للطبيبة التي أخبرتها بفقدان الجنين، حمدت
فاطمة ربها في سرها؛ فقد ستر شقيقتها من ظهور هذه الفضيحة، قامت الطبيبة بتنظيف الرحم و
إعطائها المضادات الحيوية وبعض الأدوية التي
ستساعدها على التماثل والشفاء.
شكرتها فاطمة، ثم غادرت مع شقيقتها، وصل عثمان إلى منزله مع زوجته بعدما كتب له الطبيب الدواء
الخاص بحالته.
*********
عاد خالد إلى الجامعة لمتابعة دراسته على أمل أن
يجد ضالته التي فقدها منذ شهر، بحث بعينيه عنها
في كافة أنحاء الجامعة، وأماكن جلوسها، لكنه لم
يجدها، سأل صديقتها الوحيدة وكاتمة أسرارها ضحى عنها:
-  كيف حالكِ ضحى؟ هل رأيتِ أمل اليوم؟
نظرت له ضحى بتعجب لتجيبه:
-  أمل مختفية منذ شهر، وعندما ذهبت للسؤال
عنها أخبرتني شقيقتها أنها مريضة.
شحب وجهه؛ خوفا عندما سمع خبر مرضها، سأل
ضحى مجدداً:
-  أين عنوانها؟ أريد الذهاب إليها للاطمئنان على حالها.
-  لن تستطيع الذهاب إلى منزلها.
-  لماذا؟
-  أمل تسكن أحد الأحياء الشعبية، وذهابك إلى
هناك سوف يسبب لها العديد من المشاكل، عليك
الانتظار لحين عودتها للجامعة.
-  لن أستطيع.
-  ما رأيك ٌإذا أن تتصل بها بالهاتف؟
-  هاتفها مغلق؛ فمنذ عودتي من السفر، وأنا
أحاول التواصل معها، لكن بلا فائدة.
-  أظن وفاة شقيقتها سبب اختفائها.
نظر لها خالد برجاء ليطلب منها:
-  أريد منك الذهاب إليها للاطمئنان عليها
وإعطائها هذا الهاتف حتى أستطيع التواصل معها.
وافقت ضحى، وذهبت إليها للاطمئنان عليها، لكنها وجدتها نائمة، سألت ابتسام عن حالتها:
-  أمل حالتها سيئة، فاطمة عرفت بشأن زواجها
من خالد والأسوأ أنها فقدت جنينها اليوم
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي