الفصل الثالث والعشرون الرجل الخفي

عندما تحب الفتاة فإنها تنتظر اللحظة التي يعبر لها حبيبها بحبه ويفصح عما بداخله، حينها تشعر بأنها كفراشة هائمة في سماء الحب.

أما مع چيلان فالوضع مختلف تماماً، فعندما صرح جلال بحبه لها على الرغم من إنها تبادله الحب خاصة بعد أن بدأت تتأكد من إنه ليس السفاح سليم، ولكنها حاولت كبح مشاعرها والسيطرة على قلبها.

وعلى الرغم من أن جلال أصبح على يقين من مشاعر چيلان تجاهه إلا إنه بدأ يضيق ذراعًا من أن يعترف هو بحبه لها في حين تتجاهل هي مشاعره وتتكتم مشاعرها.

فعندما اخبرها بحبه كان يأمل أن تثور مشاعرها كما تثور الحمم داخل البركان، ولكنه وجدها تتحدث إليه وتقول:
-اقدر لك مشاعرك نحوي ولكن علي أن اقيم مشاعري نحوك قبل البوح بها.

جلال وقد بدى عليه الضيق فليس من عادته أن يصرح بمشاعره لأحد وهو الشاب الوسيم الذي تتسارع الفتيات لنيل حبه والفوز بقلبه يقف أمام فتاة ويصرح لها بحبه فتترفع عن البوح بمشاعرها له
نظر إليها وعلق قائلًا:
-حسنًا، لا عليكِ كأنكِ لم تسمعي شيء.

نظرت چيلان إليه وشعرت بلوعة الحب تجتاح جسدها، لم تستطيع رؤية جلال وهو بهذه الحالة فتحدثت إليه وقالت:
-جلال، لن أخفي عليك فبداخلي مشاعر طيبة تجاهك ولكن هناك ما يشوش أفكاري، موت شقيقتي ومستقبلي الذي تمنيته وسعيت له سنوات عديدة في كفة وأنت في كفة أخرى.

نظر جلال إليها وقد بدى عليه الذهول ثم علق قائلًا:
-چيلان، المشاعر والحب لا يتم حسابهما بهذه الطريقة، هناك ما يسمى تنازل فكلا الطرفين يقوم بالتنازل عن بعض أحلامه
نظير الفوز بالطرف الآخر.

امسك جلال بيد چيلان ثم تابع حديثه وقال:
-ألا تجدين أنني استحق بعض التنازل عن بعض أحلامك چيلان؟!

وفي هذه اللحظة شردت چيلان في رحلة قصيرة مع الذكرايات فتذكرت سفرها لأمريكا ودراستها في الجامعة واجتهادها وتحملها الابتعاد عن أسرتها نظير تحقيق حلم والدها بأن تصبح محققة، فوجدت أنها قد أصبحت على بعد خطوات من حلمها.

وقفت چيلان بشكل مفاجىء، نظرت إليه وقالت:
-جلال، أنت تريد مني أن اتنازل عن حلمي الذي عملت طوال حياتي من أجل تحقيقه ألا ترى أن الأمر يستحق بعض التفكير؟

أومىء جلال برأسه وعلق قائلًا:
-چيلان، أنا لا أريدك أن تتنازلي عن حلمك أنا فقط أحبك وأعرف أنك تبادلينني هذا الحب، لذلك لن أكون عقبة في تحقيق أحلامك.

نظرت چيلان إليه وتحدثت بصوت خفيض وقالت:
-جلال، اعتذر إليك علي أن اغادر؛ أشعر ببعض التعب.

علت الابتسامة وجه جلال ثم قال:
-هل هناك مانع أن أقوم بتوصيلك إلى منزلك؟

ابتسمت چيلان ابتسامة هادئة وقالت:
-لا داعي لذلك سوف أعود بسيارتي.

نظر جلال في عينيها وقال:
-حسنًا، كما تريدين ولكن انتبهي جيدًا وأنتِ تقودين السيارة.

علت ابتسامة ممزوج بدموع الحزن وبنار الكتمان ولوعة الشوق وقالت:
-سوف أغادر إلى اللقاء.

غادرت چيلان إلى سيارتها التي استقلتها عائدة إلى المنزل، بينما جلس جلال يفكر
ويقول:
-ما الذي دفع چيلان إلى الشك في أنني السبب في موت شقيقتها، هذا أمر غريب للغاية؟!

سمع جلال صوت يأتي من خلفه يخبره قائلًا:
-إن لم تستجيب لي وتتناول الحبوب المضادة للحساسية لكان قد افتضح أمرك.

التفت جلال إلى الخلف ليجده ذلك الرجل ذو المعطف وغطاء الرأس الذي يخفي به وجهه.

نظر إلى وحدثه قائلًا:
-أعلم أنه لولاك لكنت في مأزق كبير اليوم، ولكن أريد أن أعلم كيف حصلت على كل هذه المعلومات؟! كيف استطعت أن تعرف فيما تفكر چيلان؟!

نظر الرجل المتخفي إليه وحدثه قائلًا:
-لقد اخبرتك من قبل أنني سوف أظل قريبًا منك لحمايتك، سوف أحميك حتى من نفسك لن أدع تؤذي نفسك أو توذي غيرك، ستجدني خلفك في كل مكان وإن لزم الأمر سأكون خصمك الذي يقف أمامك لردعك.

نظر جلال إلى الرجل المتخفي نزر حادة مقتضبة ثم علق قائلًا:
-لا ياخذك الغرور، انقذتني اليوم وأنا أقدر لك ذلك، لكن لا تتعدى حدودك معي.

ضحك الرجل المتخفي وعلق قائلًا
-لن أسمح لك بتعريض نفسك للخطر مرة أخرى ومن الأفضل لك الابتعاد عن چيلان بشكل نهائي.

دنا جلال صوب الرجل المتخفي وجذبه من ملابسه بقوة ثم تحدث إليه وقال:
-أنت لا تعلم مدى حبي لچيلان هذه الفتاة الوحيدة التي أحببتها، أنا لا أرغب في أي فتاة سواها.

واصل الرجل ضحكاته وقال:
-أنت لا تعرف الحب، أنت متمسك بچيلان لأنها الفتاة الوحيدة التي تأبى الأعتراف لك بحبها، هي مختلفة لذلك فأنت مغرم بها.

دفع جلال الرجل وحدثه بحدة قائلًا:
-أغرب عن وجهي، ولا شأن لك بچيلان، إن رايتك أمامي مرة أخرى اقسم لك لن اتردد في إيذائك.

دنا الرجل من جلال مرة أخرى وهمس إليه وقال:
-تهديداتك هذه لم تحرك لي ساكنًا، لن امتثل لهذه التهديدات الواهية، أما عن چيلان سوف أجعلها تبتعد عنك ولن تراها مجددًا اعدك بذلك.

منزل چيلان.

دلفت چيلان إلى داخل المنزل وما إن وضعت قدميها داخل المنزل حتى سقطت على الأرض فاقدة للوعي.

نظرت رضا إليها وصاحت على السيدة حبيبة وقالت:
-سيدتي، اسرعي لا أعلم ما الذي حدث لچيلان.

أسرعت الأم صوب چيلان ولكنها فوجئت بحراراتها مرتفعة للغاية.

وبعد عدة محاولات من الأم ورضا كي تستعيد چيلان وعيها ولكن دون جدوى أسرعت الأم بالإتصال بالإسعاف.

لم يمضي وقت طويل حتى حضرت سيارة الأسعاف وقامت بنقل چيلان إلى المشفى القريب من منزلها.

وقفت الأم بداخل غرفة الكشف تنتظر أن ينتهي الأطباء من فحص ابنتها؛ حتى تتمكن من الأطمئنان على ابنتها.

انتهى الأطباء من فحص چيلان، نظر الطبيب إلى الممرضة وتحدث إليها:
-ضغط الدم لديها منخفض للغاية، أسرعي بتعليق المحاليل الازمة مع اضافة هذه الأدوية إليها سوف تعمل على ضبط ضغط الدم لديها.

أسرعت الممرضة بإحضار المحاليل والعقاقير التي طلبها الطبيب، اسرعت الأم إلى الطبيب وتحدثت إليه وقالت:
-سيدي، هل يمكنني أن اعرف الحالة الصحية لأبنتي؟

نظر الطبيب إلى الأم التي بدى عليها الخوف والقلق على ابنتها، ابتسم الطبيب ابتسامة رقيقة تبعث بالأمل والطمأنينة وتحدث إليها قائلًا:
-سيدتي، لا داعي للقلق ابنتك بخير.

شعرت الأم. بالإطمئنان لحديث الطبيب فعلقت قائلة:
-ولكن ما الذي أصابها هي لازالت فاقدة للوعي حتى الآن؟!
تحدث الطبيب إلى الأم بثقة وقال:
-ابنتك تعاني من انخفاض في ضغط الدم لديها، يبدو أنها لا تهتم بغذائها بشكل جيد أو أنها تعرضت لضغط نفسي كبير، ولكن ما إن يتم تعليق المحاليل لها سوف تستعيد وعيها وتع لطبيعتها.

اومئت الأم برأسها وقالت:
-حسنًا سيدي، شكرًا لك.

إتجهت انظار الأم إلى ابنتها الممددة على فراش المرضى وتلألأت الدموع في عينيها ثم همست قائلة:
-كنت أشعر بذلك، كنت أرى القلق والإضطراب في عينيها ولكنني كنت أكتفي دائمًا بما تخبرني به إنها بخير.

غادرت الأم الغرفة ثم وقفت خارجها تمسح دموعها المتساقطة على وجنتيها، وتواصل حديثها قائلة:
-لقد فقد ابنتي الصغرى التى وصلت للدرجة التي تخلصت فيها من حياتها دون أن أعلم عنها شيء، لن أكرر هذا الأمر مرة أخرى مع چيلان.

قامت الممرضة بوضع المحاليل واضافة العقاقير اللازمة لها وما هي إلا لحظات واستعادت چيلان وعيها.

اسرعت الممرضة إلى الأم وقد علت الابتسامة وجهها ثم تحدثت إليها وقالت:
-سيدتي، لقد استعادت الآنسة چيلان وعيها.
سمعت الأم هذه الكلمات فأسرعت إلى
داخل الغرفة لتشاهد ابتسامة ابنتها فتسرع نحوها وتتحدث إليها:
-چيلان، حمدًا لله على سلامتك يا حبيبتي.

وبإبتسامة رقيقة علت وجهها تحدثت چيلان وقالت:
-أمي، اعتذر إليكِ لقد تسببت في قلقك علي.

انهمرت الدموع من عين الأم وعلقت قائلة:
-حبيبتي، لا عليكِ الأهم عندي أنكِ بخير الآن، احمد الله على سلامتك.

أرادت چيلان الاعتدال في جلوسها فأسرعت إليها الممرضة وقالت:
-سيدتي، لا تتحركي رجاءً حتى انتهاء المحلول.

نظرت چيلان إليها وعلقت قائلة:
-شكرًا لكِ ولكن لا داعي لهذه المحاليل لقد أصبحت بخير، وأريد أن أغادر المشفى.

علت الابتسامة وجه الممرضة وقالت:
-سيدتي، لابد أن تنتظري حتى انتهاء هذه المحاليل لقد تم اضافة إليها بعض العقاقير التي تعمل على رفع ضغط الدم لديكِ، وبعد انتهائها سوف يأتي الطبيب لفحصك مرة أخرى وهو الذي سيحدد خروجك أو بقائك.

أومئت چيلان برأسها وقالت:
-حسنًا سوف انتظر حتى يمر الطبيب.

دنت الأم من ابنتها وهمست إليها وقالت:
-ابنتي، لا تتعجلي الخروج حتى يستقر ضغط لديكِ.

نظرت چيلان إلى والدتها وقالت:
-أمي، أريدك أن تقومي بالأتصال على مازن وأخباره إنني أريده أن يحضر إلى هنا.

نظرت الأم إليها وعلقت قائلة:
-لقد قمت بالاتصال به بالفعل ولكنه لم يجيب على هاتفي.

أومئت چيلان برأسها وقالت:
-لابد أنه لم يرى اتصالك، من فضلك أمي أعيدي الاتصال به مرة أخرى.

حاولت الأم الأتصال بمازن ولكنه لم يجيب، فنظرت إلى چيلان وقالت:
-ربما يكون نائمًا او لديه ما يمنع رده على الهاتف.

دلف الطبيب إلى داخل الغرفة، نظر إلى چيلان وبأبتسامته المعهودة عليه تحدث قائلًا:
-كيف حال مريضتنا الآن؟

علت الابتسامة وجه چيلان وعلقت قائلة:
-الحمدلله اصبحت بخير والفضل يعود لك سيدي.

دنا الطبيب من چيلان وأمسك بيدها ليفحص ضغط الدم لديها ثم تحدث قائلًا:
-أنا لم أفعل شيء مجرد بعض العقاقير التي ألهمني بها الله، إذن فإن الفضل في الشفاء يعود لله عز وجل.

اومئت چيلان برأسها وقالت:
-ونعم بالله العلي العظيم، شكرًا سيدي، ولكنني أريد أن أغادر المشفى.

نظر الطبيب إليها وعلق قائلًا:
-لا يمكنني السماح لكِ بمغادرة المشفى الليلة، لابد أن تبقي الليلة تحت الملاحظة؛ ضغط الدم لديكِ غير مستقر.

أسرعت الأم وتحدثت إلى ابنتها وقالت:
-چيلان، لا داعي للعجلة انتظري حتى يستقر ضغط الدم لديكِ.

غادرت الأم الغرفة وأعادت الأتصال بمازن فقامت شقيقته بالرد عليها وعندما سألت الأم عن مازن علقت قائلة:
-سيدتي، مازن قد تعرضت لحادث طعن من قبل أحد الأشخاص ونحن الآن في المشفى.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي