النهاية ولكن تستمر الحياة

الفصل الثالث والعشرون ... والأخير .


مرت ساعات قليلة ليتم بعدها نقل ورد إلى إحدى الغرف المخصصة لحالتها تحت إشراف أمنى، كان الجميع فى إنتظارها راغبين فى الأطمئنان عليها.

بعد أن أستعادت وعيها أتجهوا جميعاً إلى غرفتها، بمجرد أن فتحت عينيها وجدت الكل حولها حتى والدتها قد حضرت، كانت تتحدث بهدوء وترد على عبارات الأطمئنان ب وهن، ظلت تبحث عن ياسين لكنها لم تجده بينهم لتعلم أنه ينهى بعض الإجراءات اللازمة، بعدها سألت عن رياض ڤأخبروها بوفاته .

شعرت بصدمة فمنذ ساعات قليلة كان يهددها ويحاول فرض سيطرته عليها بقسوة، والآن .. لم يعد له وجود وقد فاضت روحه إلى بارئها و قد حان وقت الحساب .

ف ذلك حال الدنيا من حولنا، مهما تجبر الخلق، ف مصيرهم فى يد الخالق.
ف لا تأمن يا مخلوق لزمن ينقلب حاله بين عشية وضحاها .

دون إرادة منها نزلت دمعة شاردة على ما حدث، مهما كان ف هو ابن عمها .

فلم تدرى بأنه كان يخطط لقتلها لعلمه بما فعله عمه قبل وفاته، وأنه نقل ملكية أملاكه إليها، وهى لم تعلم بذلك بعد .

أقتربت منها سارة تواسيها وتحاول تهدئتها ف البكاء ضار فى حالتها، إلى أن سمعوا دقات خفيفة على باب الغرفة ليستأذن ياسين بالدخول موجهاً أنظاره عليها مبتسماً بقلب متألم.

لتهمس بإسمه بمجرد رؤيته .

أقترب منها فأفسحت سارة له الطريق ليقبل جبين ورد بهدوء .
_مالك يا روحى في حاجة بتوجعك دلوقت؟ أجيب الدكتور ؟

_أنا بس صعبان عليا الوضع ده ورياض مهما كان ف خبر موته زعلنى .

أقترب منها يمسح دموعها متألماً على حالها، ف بالرغم مما فعله رياض ومما كان سيفعله، سيظل قلب حبيبته نقياً كطفل برىء .

_ عمره كده الله يرحمه وده نصيبه وقدره، المهم فوقى أنتى وخفى بسرعة بقي علشان ترجعى بيتك .

_بجد هنرجع الڤيلا ؟

_اه، إن شاء الله.

_طيب نستأذن أحنا بقي، الحمد لله أطمنا على ورد، هنروح بقي علشان مالك مع أم عمر ونسيناه من الصبح .

قالها يزيد ليرد ياسين بهدوء:
_تمام وخد ريحان هانم معاك وأنا هقعد مع ورد أن شاء الله.

_لا يا ياسين، أنا هفضل مع بنتى.

ردت ورد تلك المرة على والدتها بضعف وألم .

_مامى، أنا تعبانه وحضرتك لسه هتاخدى علاجك ولو أتأخر ف ده غلط عليكى، يرضيكى تتعبى وأنا تعبانه كمان.

نزلت دموع ريحان لتخبرها بألم .
_أنا مليش لازمة فى الحياة يا بنتى، ياريتنى كنت أنا مكانك على الأقل أنتى تبقي بخير .

_بعد الشر عنك يا حبيبتى .

أقتربت سارة من ريحان تحتضنها ثم أردفت:
_بعد الشر عنك يا ست الكل، كده الكلام اللى يزعل ده.

ربتت ريحان على ذراع سارة الحاضن لها فأردف ياسين .
_يزيد، ريحان هانم يا تفضل معاك أو مع خالتى، إياك تسيبها لوحدها .

_حاضر إن شاء الله، بعد إذنكم.

خرج الجميع من الغرفة تاركين ورد وياسين خلفهم.

_ها، أميرتى الحلوة، تحبي أعملك إيه دلوقت؟

_أنا تعبانه يا ياسين وزعلانه على كل اللى حصل .

_كل ده مقدر ومكتوب، ونصيب لازم كلنا نشوفه، يعنى مثلاً أنا لو الإصابة محصلتش وفضلت فى الخدمة كنت هقابلك ؟

_لأ .

_طيب لو ماشتغلتش عندكم ومصطفى باشا حس إنى مش قد المسئولية وإصابتى القديمة أثرت على أختياره ليا، كان هيختارنى دراعه اليمين ويكتب فى وصيته إنى أبقي المسئول عنك ؟

_لأ.

_طيب الأهم من كل ده، كانت والدتك طلبت منى نكتب الكتاب فوراً علشان خايفة عليكى ونكتبه فى نفس الليلة قبل حتى ما حد من أهلى يعرف وتبقي مراتى وعلى ذمتى دلوقت وقاعد معاكى فى نفس الأوضة من غير ما أخاف ولا أحس بذنب .

_اه وكل شويه تمسك إيدى وتحضنى وتبوسنى من راسي، محسسنى إنى والدتك .

أقترب منها بهدوء يهمس لها مضيقاً عينيه :

_أنتى كده خفيتى صح؟ لسانك بدأ يطول أهو يبقي كده بقيتى أحسن مش كده ؟

نظرت لها بخوف مصطنع تفتعل السعال ثم أردفت :
_لا لسه تعبانه .

_أمممممم.

وصل يزيد مع الأخرين إلى منزله، أستقرت ريحان فى شقة أم عمر بعد أن عرضت سارة عليها المكوث فى شقتها لكنها أبت ذلك.

بمجرد دخول ياسين إلى شقته جلس على الأريكة بتعب واضح .

جلست سارة بجواره ثم سألته :
_ مالك يا حبيبي؟

_مفيش، كان يوم طويل أوى ومتعب .

_طيب أدخل خد دش وأحضرلك عشا بسرعة، ولا هتروح عند بناتك الليلة ؟

نظر إليها بحزن مبتسماً ثم أخبرها بهدوء غير ما بقلبه من حزن شديد:
_خلاص مبقاش فى بنات ولا فى بيت تانى ؟

تعجبت من جملته فأردفت:
_أنا مش فاهمة يا يزيد، قصدك إيه؟

تحدث بصوت هادىء ممتزج بالألم يقص عليها ما حدث، لا تصدق ما تسمعه.

صدمات متتاليه تسمعها تضع يدها على فمها بعيون دامعة تتألم لألم زوجها .

أهتز صوته فى نهاية حديثة معها ليخبرها بصدق:
_ودلوقت مطلعوش بناتى، طلعوا بنات رياض والنهاردة بعد ماعرفت الحقيقة وحكايتى معاهم تخلص والدهم يتوفى وبقوا أيتام قبل ما يعرفوه .

أقتربت منه سارة تبكي بعد أن لمحت دموعة، دقائق لتمر شعرت برجفته ف أشتدت فى أحتضانها له، ف وضع يده على بطنها وأكمل حديثه :
_شوفتى طلع ابنى الوحيد هو ابنك أنتى ومنك أنتى، شوفتى بقي حكمة ربنا أنه يخلصنى منها ومن أى حاجة تربطنى بيها وعوضنى بيكى يا حب عمرى وبمالك اللى باقى من ريحة الحبايب وابنى اللى مستنيه .

ضحكت سارة بعد جملته ثم أردفت:
_شوفت بقي ربنا ورحمته بيك، صبر قلبك إزاى بجزء منك جوايا، الحمد لله أنك ماتهورتش وعملت أى حاجة تضيع نفسك بيها .

_الحمد لله.

_يلا يا حبيبي قوم علشان تريح شويه .

أقترب منها يزيد مقبلاً جبينها ثم حمد الله على لطفه به وبأنه سيعوضه رغم عظم البلاء، أما سارة ف ظلت تبكى ألماً على زوجها المتألم وظلت تدعوا له بالصبر وأن يربط الله سبحانه وتعالى على قلبه .

تمت مراسم دفن رياض لكن حضر عدد قليل من الأهالى والأصدقاء المقربين، فمنذ أنتشار خبر تورط رياض فى شيء ما سىء وأبتعد الجميع عنهم .

أنتشر خبر تورط رياض فى أعمال غير قانونية بسرعة كبير بين جميع الفئات، مما أدى إلى فضيحة مدوية فى عالم رجال الأعمال أسفر ذلك عن سفر منذر مع أسرته إلى أحد الدول الأوربية ليؤسسوا حياة جديدة لا يعلم فيها أحد عن فضيحة ابنه الفقيد .

وقبل هروبه إلى الخارج قام المعلم شاهين برفع قضية إثبات نسب للطفلتين لرياض، وبعد أداء اللازم صدر الحكم بضم الأطفال إلى عائلة داوود لثبوت الفحوصات المقدمة منهم كما أثبتت المحكمة أن يزيد ليس الأب البيولوچى للطفلتين .

خرجت ورد من المشفى بعد فترة من العلاج، عادت أخيراً إلى ڤيلتها، رؤيتها لما حولها أختلفت عن سابقها.

بالرغم من عودتها لمنزلها التى نشأت فيه منذ ولادتها إلا أنها تشعر بالغربة والضياع به .

وحيدة، حزينة و منعزلة عن العالم .

ياسين عاد إلى غرفته فى الڤيلا، لكن تلك المرة بصفة أكبر بكثير من قبل .

فكان زوجها، فقد طلبت منه ريحان أن يعقد قرانه عليها سريعاً خوفاً على ابنتها مما سيحدث لها على يد ابن عمها وأهله، ف عقده فى نفس يوم أن طلب يدها.

يشعر ياسين بالحزن على حبيبته فقد حاول كثيراً إخراجها من تلك الحالة لكنها لا ترغب بذلك .

سمعت دقات خفيفة على غرفتها فأذنت لمن فى الخارج بالدخول .

دخل ياسين بإبتسامته المعهودة التى تخصها فقط .
_أنا لقيتك مش راضية تنزلى النهاردة تحت ف قولت أطلع أقعد معاكى أنا .

نظرت له نظرة خاوية ولم ترد .

_ طيب ممكن أفهم هتفضلى قافلة على نفسك كده قد إيه؟ علشان شركاتك كده ممكن تغرق وعلشان ريحان هانم حقيقي ممكن تنهار مننا فى أى لحظة، إيه وصلك للحالة دى ؟ أنا مش هقدر أمشي الشركات دى لوحدى وكمان أهل والدك أغلب الوقت بيعملوا مشاكل ف بجد محتاجك جنبى.

نظرت له نظرة حزينة لتنزل دموعها ثم نكثت رأسها إلى الأسفل .
_ أنا موجوعه أوى يا ياسين، حاولت كتير أفوق وحاولت أتخطى اللى حصل، أنا كنت عايشة حياة طبيعية وعادية فجأة بابا راح منى، فجأة أهلى اللى المفروض يكونوا سند ليا وضهر طمعوا فيا وبهدلونى، بين يوم وليلة ألاقى نفسي بين ناس معرفهاش وفى ظروف غريبة مش فهماها، ومطلوب منى أتكيف مع كل ده.

مسحت دموعها بحزن ثم أكملت لينصت لها ياسين بألم .

_وفى الأخر يطلع ابن عمى خاين وكان ناوى على قتلى علشان ياخد فلوسي وبعدها يموت قصاد عينى، أنا شوفته وهى بينضرب يا ياسين والله شوفته، أفوق إزاى وانا شوفت موتى بعينى؟

أقترب منها ليربت على كتفها بهدوء ثم أحتضنها .

_أنا عارف أنك مريتى بحاجات صعبة كتير وغريبة عليكي، ومن حقك تاخدى فترة علشان تفوقى فيها، لكن شوفى لوالدتك إلى ملهاش غيرك فى الدنيا، وشوفى أنتى بقيتى إزاى؟ أنتى أخدتى فترة حزن طويلة وجه وقت أن تحاولى تفوقى، ممكن ؟

همس لها برفق ضاحكاً:
_ تعرفى مين قاعده تحت منتظراكى ؟

نزلت ورد بصحبة ياسين إلى أسفل فوجدت والدتها تجلس برفقة أم عمر وسارة ومالك ويزيد، أقتربت منهم بفرحة ثم أحتنضت سارة بإحساس أخت طال شوقها لرؤية أختها، ثم نظرت إلى ياسين .

_كنت عارفه أنها سارة.

_بس أنا مقصدش سارة.

قالها ناظراً ناحية حمام السباحة لترى عبير جالسة على حافته وقدميها فى الماء .

لتقول بصدمة :
_عبير؟

ردت سارة بتوتر :
_أصلها أصرت تيجي معانا لما عرفت أننا جاين ليكى ومن وقت ما جات وهى قاعدة كده ونازلة تصوير.

ضحكت ورد على وضع عبير ف لمحتها عبير لتأتى إليها مهرولة

_وروده، عامله إيه يا حبيبتى، والله عايزه أجيلك من زمان بس أعمل إيه بقي المعلم مش بيسيبنى، ما صدقت نزل النهاردة زيارة لسعيد قومت خالعه.

_والله وحشتنى يا بيرو .

_بيرو؟ لا يختى أستغفر الله العظيم، أنا مليش فى المنكر.

ضحكت ورد على رد عبير ثم جلسوا جميعاً على السفرة لتناول الطعام .

بعدما رأى ياسين أن حالة ورد تحسنت قليلا بوجودهم أقترب منها ليهمس .
_ إيه رأيك ترجعى تعيشي معاهم ؟

نظرت له قليلاً ثم أردفت .
_طيب إيه رأيك هما اللى يعيشوا معايا هنا؟

فأشار لها بأن تعرض عليهم الأمر .

_يزيد، بما أنك المسئول عن الجماعة وطبعاً طنط أم عمر، ف إيه رأيكم تيجوا تقعدوا معايا هنا ؟

نظر يزيد لسارة ثم أردف بهدوء.

_دا صعب شوية .

_صعب ليه؟ طنط أم عمر وابن أختها قاعد هنا وهى هتقعد مع مامى علشان مامى أتعلقت بيها وهى كمان، وأنت وسارة مفيش ليكم أى حد هناك.

_بس أنا يا ورد عندى شغلى هناك .

_بصي يا سارة أنا قررت أكمل إدراة أعمال، فإيه رأيك تقدمى معايا ونذاكر مع بعض وبعدها أن شاء الله ممكن أفكر، أنا بقولك أفكر بس أنك تيجي تساعدينى ف الشركة .
قالتها مبتسمة تنتظر رد سارة، ف نظرت سارة ليزيد ف رد بهدوء:
_ هو عرض مغرى جداً يا ورد بس أدينى وقت أرتب أمورى وبعدها نشوف أن شاء الله.

أبتسمت ورد لياسين الذى رد إليها أبتسامتها داعياً الله أن يمنح قلبها السلام .

مر الوقت لتستقر أمور ورد قليلاً بعدما عادت إلى الدراسة برفقة سارة بعد أن ذهبت لتسكن مع زوجها فى غرفة ياسين فى الحديقة، وأستقر ياسين فى غرفة الضيوف فى الڤيلا من الداخل أما خالته ف أحضروا إليها فراش بجوار ريحان فى غرفتها لتلازمها طوال الوقت .

كانت ورد تشعر بالراحة والألفة معهم وذلك ساعدها لتتخطى جزء من أحزانها لكنها رفضت الزواج فى الفترة الحالية إلى أن تهدأ الأمور وتعود إلى حالتها الطبيعية .

أما عند سمر فقام والدها بمنعها من الخروج من المنزل نهائياً وسحب منها أمتيازات كثيرة كانت قد حصلت عليها سابقاً، وأرغمها على خدمتهم جميعاً بما فيهم دليلة التى ألتزمت شقتها طوال فترة سجن زوجها .

لتشعر سمر بالقهر والخزى حتى بعدما حصلت ابنتيها على اسم والدهم الحقيقي فلم تحصل على أى من أمواله بسبب حجز الدولة عليهم جميعاً.

والحسرة الحقيقية حينما سمعت بعلاقة يزيد وسارة وأنه فى أنتظار مولوده الأول منها وانتقاله للعيش مع ياسين فى ڤيلا مصطفى باشا داوود.

عاد ليلاً من إحدى شركاتها مرهقاً بعد سفر من مدينة أخرى، ف سمع صوت آله موسيقية معروفة لديه، تتبع مصدر الصوت ف كان فى الحديقة الخلفية .

ليجدها تقف تحت أحد الأشجار تعزف نفس مقعطعها الحزين بمهارة بالغة، أقترب منها بهدوء فلم يشىء أن يقطع إندماجها .

جلس على الأريكة أمامها لتنهى معزوفتها بعد دقائق لتسمع صوت تصفيق هادىء فنظرت أمامها لتجد مصدر التصفيق.

أقترب منها بتعب ثم سحب الكمان من يدها ووضعه على الطاولة ثم أحتضنها ليضع رأسه فى تجويف رقبتها ملتمساً منها بعض الهدوء والراحة .

أنتفضت قليلاً أثر فعلته ف تلك المرة الأولى التى يحتضنها فيها هكذا .

همس إليها بصوت يكاد مسموع.
_أنا عايز أنام، مش هتتجوزينى بقي؟

حاولت السيطرة على دقات قلبها ثم همست بخجل:

_ هفكر .

ليبتسم ثم يبتعد عنها بهدوء ناظراً إليها بتوسل .

_أنا سايبك براحتك خالص، لكن صبري بدأ يخلص، ف قررى يابنت السلطان علشان محسوبك الشاطر حسن مش قادر يصبر.

ضحكت على جملته ثم هربت من بين يديه لتصعد غرفتها وتغلق بابها خلفها بتوتر بالغ لينظر هو فى أثرها ويتنهد بتعب ثم يدخل غرفته .

فى مكان ما فى دولة أوربية يجلس بعض الأشخاص يتحدثون فى أمر مهم .

_حسناً سيدى، متى سنبلغ رجلنا التالى بمهمته الأولى؟

_قريباً .

_أريد أن أسألك سؤال مهم، ماذا سيحدث إن كانت الشرطة المصرية على علم بمخططنا التالى وستسقط رجل أخر من رجالنا فى الشرق الأوسط ؟

_لا يهم، فإن سقط رجل، سنجد غيره، تلك تجارة ولن نيأس إلى أن نشعل المنطقة ونجعلها تحت سيطرتنا بالكامل، وسنعتمد على ذلك ببعض النفوس الضعيفة هناك .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي