الفصل السادس عشر

-  أمل حامل...
-  ماذا؟ ما هذا التخريف؟ كيف؟ ومن والد الطفل؟
دفعت ابتسام بعيدا عنها متجهة نحو أمل الملقاة
على السرير تحارب كوابيسها التي تهاجمها منذ
فقدت وعيها، لترجها وتصرخ بوجهها:
-  من فعل بكِ هذا؟ كيف سمحتِ له بلمسكِ؟
أسرعت ابتسام تمسكها من الخلف لتهدئها:
-  اخفضي صوتك، والداكِ بالخارج، إن عرفا فسوف
يقتلانها.
-  القتل هو الحل لغسل شرفنا، لن أتركها تعيش وينمو بداخلها ذلك الطفل، لن أدعها تحيا، سوف
أقتلها بيدي.
-  كفى.. أمل متزوجة، كما أن سوزي رحمة الله
عليها عرفت، وكانت ستحل الموضوع لولا أنها قُتلت.
-  مَن فعل هذا؟ انطقي.
-  صديق لها بالجامعة، والده رجل أعمال كبير، هذا كل ما أعرفه.
شعرت فاطمة بغليان في رأسها، لا تعرف ماذا تفعل؟ هل تخبر والديها؟ مؤكد سوف يموتان لو عرفا ما
فعلته ابنتهما؟ من تخبر وزوجها تم القبض عليه
بتهمة قتل شقيقتها؟ صابر شقيقها مختفٍ: يا رب،
العون منك.
نظرت نحو ابتسام لتأمرها: لا تخبري أحدا بأي شيء، ابحثي جيدا بين أغراضها عن اسم ذلك الشاب، يجب
أن ننهي هذا الموضوع فوراً.
-  حاضر.
صرخة والدتها باسم عثمان جعلتها تخرج راكضة،
ومن بعدها ابتسام لمعرفة ماذا حدث؟
وجدت والدها ملقى على الأرض لا يستطيع التنفس
، بينما دقات قلبه تكاد تختفي، وجهه شاحب، أسرعت ابتسام بطلب النجدة من رجال الحي ليحملوه ويذهبوا فورا إلى المشفى العام وسط حوقلت الجيران على حال هذه الأسرة المنكوبة التي انقلب حالها بين ليلة وضحاها، فالمشاكل لم تتركهم منذ وفاة ابنتهم، بل أصبح كل يوم تحدث كارثة تؤكد حظهم العسر.
*****
نشرت الجريدة المقال الصحفي الخاص بعصام أمين
بالصفحة الأولى كما أمر السيد مرزوق، وبجانب الخبر صورة شخصية لعصام، حمل عصام الجريدة بسعادة لا توصف، قرر أن يحتفظ بها، وأن يعرضها على والده
ليسعده بما آل إليه؛ انتشر الخبر كالنار في الهشيم،
لم تمر إلا ساعة واحدة وانهالت المكالمات لمنع هذا الخبر، لكن مرزوق رفض ذلك، لحظات وبدأت رسائل
التهديد تصله عله يتراجع عن قراره.
وصل عصام إلى منزله والفرحة لا تكاد أن تسعه؛
فهذا السبق الصحفي أولى خطوات نجاحه؛ فمنذ
صدور الخبر على الموقع الإلكتروني للجريدة، والأعداد الورقية والعديد من الرسائل تصل له حاملة الدعاء
بالتوفيق والنجاح من أصدقائه، أقاربه، من أرقام
مجهولة لا يعرف أصحابها، لكن كلماتهم تدل على
وجعهم، وفقدانهم لبناتهم دون معرفة مصيرهم،
تخطى الدرج مسرعا ليصل إلى والده، فتح الباب وهو ينادي عليه بأعلى صوته:
-  أبي، انظر اسم ابنك وصورته يتصدران الصفحة
الأولى بجانب أكبر سبق صحفي.
حمل الجريدة بين يديه ليطالع صورة واسم ابنه
الوحيد اللذين ينيران الصفحة الأولى، قبَّلها وهو
يدعو له بالتوفيق وصلاح الحال، ضمَّه إلى صدره
مقبلا رأسه، وهو يدعو له بطول العمر والصحة، ثم
استأذن منه أن يدخل غرفته ليرتاح وينال قسطا من
الراحة؛ فهو لم ينم منذ ليلة أمس، بدل ملابسه، ألقى بجسده على الفراش ليغط بعدها في سُبات عميق.
رنين هاتفه المستمر جعله يتململ في نومه، يلعن مَن يتصل به في هذا الوقت، وضع الوسادة فوق رأسه لتحجب عنه الصوت، لكن بلا فائدة، رفض المكالمة
لكن المتصل أعاد الكرة مرة أخرى، ردَّ بضيق على هذا الرقم المجهول ليصله من الجهة الأخرى صوت
جهوري خشن يحذره من الاستمرار في هذا التحقيق، وإلا ستكون العواقب وخيمة، ردَّ عليه بنبرة تحمل
الثقة:
-  لن أتوقف مهما حدث.
-  إذا لا تلم غير نفسك؛ فحياتك وحياة مَن تحب
ستكون الثمن.
قالها ثم أنهى المكالمة، حاول يغمض عينيه مرة
ثانية، لكن هيهات؛ فقد تملك الخوف من قلبه و
عقله، توجه إلى غرفة والده للاطمئنان عليه، لكنه لم يجده، شبَّ الخوف بداخله، ونهش قلبه، بحث عنه
بغرف الشقة كلها حتى وجده يصلي داخل غرفة
مكتبه، حمد الله أنه بخير، ثم تأكد من الأبواب و
النوافذ، ثم عاد إلى غرفته وبداخله ينوي أن يذهب
صباحا إلى قسم الشرطة لتقديم شكوى.
******
داخل قصر الألفي، وقف موليا ظهره لأتباعه، وهو
يصرخ بهم:
-  أريد أن أعرف الآن مَن سرَّب تلك الأوراق إلى هذا
الصحفي؟ أريد الفاعل وأن تنتهي هذه القصة ،وإلا
فلن تأمنوا غضبي.
نظر الرجال بعضهم لبعض في قلق، ليردف كبيرهم:
-  تحت أمرك فايز بك.
أشار لهم بيده أن يرحلوا، فمنذ الأمس والجميع
قلقون، أطاح بكل ما يقابله، حطم صورتها، وهو
يصرخ:
-  ملعونة يا سوزي؛ حتى بعد وفاتك تتسببين في
إثارة المشاكل، ترى لمَن أرسلتِ الأوراق، هل أرسلتها إلى الصحفي مباشرة؟ أم أن هناك شخصا آخر فعل
ذلك؟
وصلته رسالة على هاتفه جعلته يستشيط غضباً..
(حياتك أمام هذه المستندات)
ألقى هاتفه أرضاً من فرط غضبه، ظل يدور حول نفسه علَّ عقله يصل إلى الفاعل، اتصل بهنادي عدة مرات،
لكن هاتفها في كل مرة يضعه على الرد الآلي، اتصل على الهاتف الأرضي أخبرته الخادمة أنها لم تعد إلى المنزل منذ ليلة أمس.
-  أين اختفيت أنتِ أيضاً؟
اتصل بماهر يسأله عنها، لكنه أخبره أنه لا يعرف أين ذهبت، أغلق الهاتف، ثم اتصل بأحد رجاله ليخبره:
-  احضر فوراً، لقد تذكرت أمرا هاما.
وصل رجله المنشود بعد اتصاله بنصف ساعة:
-  أمرك فايز بك.
-  أريد نرجس خادمة سوزي، مؤكد هي مَن سرَّبت
تلك الأوراق.
-  أمرك سيدي.
-  فرّق رجالك للبحث عنها، هذا عنوان منزلها.
-  حاضر سيدي.
-  انتظر، لقد تذكرت شيئا.
أخرج من أحد أدراج مكتبه ورقة قديمة، ثم أعطاها له قائلا:
-  ابحث عنها في هذا العنوان أيضا.
-  حاضر.
تابع فايز رجلَه، وهو يغادره لتنفيذ الأمر، قبل أن يلقي
بجسده -في قوة- فوق مقعده، وكل ذرة بداخله
تنتفض من الغضب.
******
داخل قسم الشرطة، وبالأخص داخل الزنزانة التي
يحتجز فيها كل من عمارة وتامر وصابر، جلس كل
واحد منهم بزاوية يرمق الآخرين بنظرات نارية يملأها الشك والغضب؛ فكل منهم يظن الآخر هو القاتل..
حاول تامر التحكم في غضبه نحوهما؛ فسوزي
أخبرته من قبل كيف كان يعاملها صابر بسوء؛ وأيضاً كم من مرة اعتدى عليها بالضرب، وقام بتهديدها
بالقتل.. ترى أهو
-فعلا- مَن حرمه من حب حياته؟ أم ذلك العمارة
مجنونها منذ الصغر؟
تمنَّى أن يقبض روحه عندما تذكر ذلك اليوم الذي
كان يزور فيه سوزي لمراجعة أحد المشاهد الخاصة بفيلمهما الجديد داخل فيلتها، وقتها زارها عمارة،
استأذنت من تامر لبضع دقائق، لكنها تأخرت، ثم علا صوتها مع مَن تتحدث، توجه نحو الصوت ليجده
قابضا على ذراعها بقوة، وهو يخبرها أنه يحبها،
وعلى استعداد أن يترك شقيقتها والحارة وكل شيء فقط من أجلها، لكنها نهرته، وقامت بطرده مما
دفعه للطمها على وجهها وهو يتوعدها بأنها
سوف تندم، وتعود لتقبل قدميه ليقبل بعرضها.
غلت الدماء بعروقه عندما تذكر دموعها المنهمرة،
وآثار أصابعه الآثمة تدنس يدها، هبَّ من موضعه
ليمسكه من تلابيبه، ويسدد له الضربات قائلاً:
-  سوف أقتلك، أنتَ من حرمتني من حبيبتي، لن
أعفوَ عنك، لم تتحمل رفضها لك، وإهانتك؛ لذا قررت الانتقام منها، أنتَ منَ حرقت قلبي، لن أرحمك اليوم.
اقترب صابر وبعض الرجال للفض بينهما، سأله صابر:
-  ماذا تقول؟ ماذا فعل عمارة؟
-  هدد سوزي، كما أنه لطمها على وجهها، لأنها رفضته.
-  حقير.
قالها وهو يسدد له اللكمات أيضاً، ارتفعت الأصوات وزادت اللكمات، هرول أحد المحتجزين نحو الباب
ليستدعي العساكر لفض الاشتباك؛ فكل من عمارة و
تامر يخنقان بعضهما البعض، وكل منهما يرفض ترك الآخر..
أسرع أحد العساكر إلى مكتب آسر ليخبره بما يحدث
داخل غرفة الحجز، بينما دلف باقي العساكر لفض
الاشتباك..
-  ماذا هناك يا أمين أحمد؟
-  يوجد اشتباك بين المتهمين في قتل الفنانة
داخل غرفة الحجز.
-  فُكْ الاشتباك، وأحضرهم إلى هنا.
قالها محمد..
-  أمرك سيدي.
قالها الأمين، ثم انصرف مسرعا لتنفيذ الأمر، بينما
آسر يتابع ما يحدث في صمت، اقترب فؤاد ليسأله:
-  ما كل هذا الهدوء؟ هل ستتركهم يقتلون
بعضهم البعض؟
-  لن يقتل أحدٌ الآخر، كل ما يحدث الآن هو تفريغ
لغضبهم.
نظر كل من محمد وفؤاد له دون فهم، ليردف قائلاً:
-  سوف أخبركما بما حدث بالأمس، عندما ذهبت
مع تامر إلى شقته وجد كل ما يخصه مع سوزي
اختفى، وهذا آثار غضبه، والآن هو تقابل مع غريمه
في حبها لذا سوف يحاول الانتقام منه.
سأله فؤاد:
-  هل تظن أنه القاتل؟
-  هناك شخص ظهر بالتسجيلات يشبهه لذا هو
أحد المشتبه بهم.
-  أعرف هذا، أنا اسألك عن حدسك الأمني..
قبل أن يجيبه دلف العسكري ومعه كل من تامر
وعمارة، أمر آسر العسكري أن يصطحب تامر ليضمد
جرحه ويترك عمارة، نفذ العسكري ما أُمر به
-  اجلس يا عمارة.
جلس على الكرسي المقابل لمكتب آسر، بينما عيناه
تدور بالغرفة خشيه أي غدر من الموجودين، اقترب
محمد من خلفه واضعا يده على كتفه، فانتفض
جسده:
-  اهدأ. لِمَ أنت خائف هكذا؟
ازدرد ريقه ليحيب:
-  لماذا قبضت عليَّ، أنا لم أفعل شيئا؟
ضحك آسر ليجيبه:
-  أين كنت ليلة الحادث؟
-  كنت في منزلي.
-  مَن كان معك؟
-  زوجتي وأطفالي.
-  لكن الكاميرات الخاصة بفيلا سوزي أثبتت
عكس ذلك، كما أنها أظهرتك هناك عند منتصف
الليل، ماذا كنت تفعل هناك؟
صمت بضع ثوانٍ، ثم أجاب:
-  لم أذهب إلى هناك، ولن أتحدث سوى في حضور المحامي الخاص بي.
-  حقك، لكن المحامي سوف يحضر معك أمام
النيابة وليس هنا؛ لذا من الأفضل أن تنطق قبل أن
أغضب وأجعلك تعترف بأسلوبي.
قالها فؤاد، وهو يضغط على كتف عمارة، ويغرز به
سنا مدببا يحمله بين أصابعه مما جعله يتأوه من
الألم، نظر له آسر بغضب؛ فهو لا يحب هذا الأسلوب، وكثيرا ما تشاجر مع فؤاد بسبب عنفه ضد المتهمين، أرخى قبضته قليلا فتنفس عمارة قليلا، ثم عاد ليجلس على الكرسي بطريقة صحيحة بعدما انكمش جسده، وكاد يسقط أرضا هروبا من فؤاد،
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي