33حفل ملك أطلنتس

صوفيا
تحدثت ريتشي إلى الكسندر وتعمدت أن تتجاهلني تماماً ، فقررت تركهم والتجول في المكان قليلاً .

استوقفني أحدهم ، يقول لي بتهذيب ،
- " مرحبا يا جميلة ، هل تشرفيني بهذه الرقصة ؟! "

كنت سأهم بالرفض ولكن بطريقة منمقة ، إلا أنني استمعت إلى الكسندر يهمس بسخرية ،
- " أنت السبب ريد، أنت من أقنعتني بحضورها إلى الحفل يا رقيق القلب . هل أنت سعيد الآن بنظرات الجميع إليها ، حتى النساء لم تُرْفَع عنها نظراتهن ؟! سأنفجر من الغضب ، أوكان ينقصني أن يطلبها إڤان للرقص ؟! سأذهب وأحطم فك هذا الوغد . "

ريد بعقلانية ،
- " تحكم في غضبك ، لا نريد مشاكل في حفلة ملك مملكة أطلنتس ، كما أنك تعرف أن إڤان لا شغف له بغير إناث عشيرته من الجن ، هل تعتقد أن ملك ملوك الجان سيعجب بمستذئبة ؟! الجان يتجنبون الذئاب أيها الغيور الساذج " .

وما إن أنهى ريد تعقببه الساخر ، ابتسمتُ لإڤان الذي ذُكِر اسمه بحديثهما السري .

- " بالطبع يسعدني ذلك ." ، أردفت بها وأنا أضع يدي بخاصة إڤان الممدودة لي كتلبية لدعوته ، نتقدم إلى الساحة المخصصة للرقص .

أخذتُ أتمايل مع الموسيقى بعقلٍ مسلوب ونسيت كل شيء من حولي .

صحيح أن جسدي على الأرض ولكن روحي تحلق في السماء، وشعرتُ بخفة ثُقلي وكأنني فراشة تهيم في الجِنان، وزاد إحساسي بالثقة فستاني الأنيق الذي أعدته لأجلي لوسيا ، وشعري الأشقر ينساب على كتفي كالشلال.

وبعد ثوانٍ قليلة، كنت في عالم خاص بي ، كما لو كنت أنتظر هذه اللحظة منذ سنوات ، أجل .... كنت أنتظرها منذ أكثر من عامين .

أفتقدتُ الرقص كثيرًا ، فمنذ طفولتي ونشأتي في قطيع المارقين وكان الرقص أسلوب حياتنا، تلك هي حياة المارقين سلب ونهب وقتل وغنائم ثم احتفالات لا تنتهي لمجرد نصر رخيص على جثث ضحايانا ، بل ضحاياهم ... أنا أبداً لم تستهويني أعمالهم الماجنة ، الرقص فقط كان شغفي في مخططاتهم .

اختفت الأصوات المحيطة، ولم يبقى سوى إيقاع الموسيقى وحركات جسدي المتناغمة.

بدأت أنا وإفان ننسجم مع رتم العازفين ، وكانت خطواتنا متناسقة إلى حد أبهر الجميع وكأننا على اتفاق مسبق أو كفريق تمرن على اللحن مراراً وتكراراً . حركات إيفان قوية وواثقة ، أما خاصتي فكانت رشيقة وأنثوية ومثيرة.

لم أهتم بالوقت الذي مضى أو بمَن حولي ، ولا حتى ألكساندر . لوهلة تلاشى الجميع ولن أبالغ حتى رفيقي بالرقص كان أمام ناظري صورة مشوشة ، كل ما أهتم به هو الرقص الذي أشتاق إليه تلك هي جنتي على الأرض ... هوسي ... صخب حياتي الذي أتمنى أن يدوم حتى أنهار فاقدة للوعي بعد أن تنفذ طاقتي ؛ لأفيق وأعاود استمتاعي الجنوني هذا .

في الماضي كان الرقص بالنسبة لي هروبًا من الواقع ، ورحلة إلى عالم مليء بالجمال والحب .

لقد نسيت كل مخاوفي ومشاكلي مع ألكساندر ، ونسيت كل شيء إلا شعور السعادة والحرية الذي غمرني .

رمقتُ ألكساندر بطرف عيني ، ولم يخفَ علي نظراته التي تموج بالغضب ، دقائق مرت وهو يحاول التحكم بثورته ، ولكن على ما يبدو أنه فشل في ذلك ؛ إذ رأيته يتحرك بخطوات ناقمة في اتجاهنا .

تنفستُ الصعداء عندما علا صوت التصفيق معلناً انتهاء الرقصة ، وعدتُ إلى الواقع الذي أكرهه بشدة ، فرسمتُ البسمة على وجهي وقلت لإڤان :
- " شكرًا على دعوتك ، لقد استمتعتُ كثيراً بالرقص معك " .

ابتسم لي إڤان ، وأردف قائلاً ،
- " ابقي هنا وسأحضر العصير لي ولكِ ."

قررتُ الابتعاد ، فخرجت قاصدةً حديقة القصر ، وأنا أتلفتُ حولي ؛ أتوقع ظهور ألكساندر أمامي في أي لحظة وبالطبع سيقع بينا شجار عنيف كالمعتاد ، ففضلتُ أن أُجنب حالي الخزي أمام الجميع حتى لا يضعني رفيقي المتهور بموقفٍ محرج .

- " هل الآنسة تحتاج إلى شيء ؟ " ، استمعتُ إلى تلك الكلمات بصوت ذو نبرة خشنة ، فنظرتُ خلفي ورأيتُ رجل أسمر البشرة بعيون بنية حادة دب لرؤياها الرعب في قلبي ، وابتسامته الخبيثة أصابتني بالقشعريرة .

ابتلعتُ ريقي وأنا أضع يدي على صدري استعيد رباطة جأشي قبل أن استدير بكامل جسدي إليه ، ثم أردفت بترددٍ ،
- " عفواً ؟! "

تقدم هذا الغريب مني وهو يقول لي ،
- " رأيتكِ وحيدة ؛ فأردتُ أن أقدم لكِ المساعدة آنستي . "

رمقته بنظرات متوجسة ، ثم أجبته بتلبكٍ ،
- " أشكرك أيها السيد ، ولكنني بخير ، فقط انتظر صديق لي ، سيأتي بعد قليل " .

ألقيتُ عليه كلماتي الموجزة ، وأنا أتحرك مبتعدة ؛ فهيئته بأكملها جعلتني أشعر بالتوتر وعدم الراحة ، إلا أنه استوقفني متسائلاً ،

- " ماذا تكونين يا آنسة ؟ فأنتِ تبدين غريبة عن أي مخلوق قابلته طيلة حياتي المديدة . "

تقطب جبيني عندما استمعتُ إلى سؤاله الغريب هذا ، فالتفتُ إليه عاقدةً حاجبيّ ، أنظر إليه بدهشة ، ولا أدرك ما الذي يعنيه هذا الرجل المخيف ، ماذا أكون ؟! ماذا من المفترض أن أكون غير مستذئبة !! .

تردد سؤاله بذهني ، وقبل أن أجيب استفساره بآخر ، صدح صوت ألكساندر ، وهو يقول بجفاء ،
- " ما الذي أتى بك إلى الحفل سيت المبجل ؟ وما دخلك بها ؟! إنها رفيقتي .

تعالى صوت قهقة هذا ال "سيت" الذي أخذ يصفق بحماسة ، وهو يقول بأعين تلمع بدموع الضحك ،
- " انظروا مَن يتحدث ؟! الزاهد ألكساندر !! ألكساندر الذي كرس حياته لصالح قطيعه ويسعى لجمع شمل القطعان الأخرى تحت لواءه ، يتحدث عن إحداهن برجعية ، رفيقتي ؟!
وهل قائد قطيعكم المقدس الذي زوَّجك ابنته يعلم بشأن رفيقة القمر ؟! "

تجاوزه ألكساندر ليعترض طريقه قبل أن يقترب من مكان وقوفي ببضعة أمتار، يرمقه بتحدٍ ،
" سييييت !! إياك وأن تتعدَ حدودك .
وكذلك لا تتلاعب معي بالألفاظ ، ولا تقحم أنفك المدبب هذا فيما لا يخصك ، ثم من أخبرك بأنها رفيقة القمر ؟! أنا لم آتي على ذكر شيء كهذا !! ما قلته أنها رفيقتي ، فقط رفيقة " .

جحظت عيناي بصدمة حينما تبلور جسد سيت فيما يشبه الدوامة الرملية السوداء التي تناثرت حبيباتها في الجو ، ومثلما تلاشت اجتمعت ليتمثل صاحبها أمامي مباشرةً في تحدٍ سافر لإلكساندر وكأنه يُبلِّغ رسالة ضمنية بأن ألكساندر غير قادرٍ على منعه عني مُبرزاً قدراته باستعراضٍ فما كان من ألكساندر إلا .... .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي