111111111111111111111

عيون مبتسمة, تنطلق من مقلتيها نظرات فرح وسعادة, مع شعور بالرضا يغزو صدور أصحابها, تتأمل في هدوء, ثم ما تلبث أن تخرج عن صمتها قائلة:
ـ الحمد لله الذي من علينا بالعودة إلى هنا.
ـ هل أنتِ سعيدة يا سمية؟
ـ بالطبع يا محمد, فقد أكرمنا الله بالعودة إلى بيتنا, البيت الكبير الذي نشأت فيه أجمل ذكرياتنا.
ـ يا ليت أمي كانت موجودة, لم تحتمل الصدمة, وقتلها العشم في فلذة كبدها كما كاد أن يقتلني.
تنظر له سمية في خوف قائلة:
ـ لا تقل ذلك يا محمد, فالحمد لله الذي أنجاك, وأعادك إلينا سالمًا, التم شمل الإخوة بعد حادث يوسف, وها نحن ذا نعيش كأسرة واحدة كما تمنت الحاجة زينب ـرحمة الله عليهاـ لم تتخيل بأن المرأة التي دخلت بيتها كانت كالأفعى, لم يسلم أي منا من شرورها, وكانت هي ضحيتها الأولى.
نظرا لبعضهما البعض للحظات, فساد الهدوء خلالها, وكأنه معهود بين أي حبيبين, فلم يكن الصمت من نصيبهما وحدهما, لتقول نور لزوجها:
ـ توقف عن النظر إلي بذلك الشكل يا إبراهيم.
إبراهيم في حب قائلًا:
ـ ولكن الأمر ليس بيدي يا نور, فالمحب لا تقر عيناه إلا برؤية حبيبه جواره, وما أن يراه يتوقف الزمان والمكان من حوله.
ـ دعني كي أذهب يا إبراهيم, فأمامنا يوم حافل بالعمل.
ـ أنا أم العمل يا نور.
نور في مزح:
ـ وهل تخيرني يا إبراهيم؟
ـ لا أستطيع فعل ذلك يا نور.
ثم شرد بعيدًا, وأخذته الذاكرة إلى الماضي, وهي تسأله في حدة قائلة:
ـ أنا أم نور يا إبراهيم.
فأجابها في استنكار قائلا:
ـ لا أصدق بأنك تقومين بتخييري يا أمي, فأنا أحب كلاكما, ولكن أنتِ أمي, ونور ستكون شريكة حياتي.
ـ ولكني لست بموافقة على هذا الزواج.
ـ تأخر الوقت يا أمي, فقد حُسم الأمر, ولم يعد هناك رجوع أبدًا.
السيدة منال في استنكار:
ـ هل تتحداني يا إبراهيم؟, لا أصدق ذلك, كيف طاوعك قلبي لتقف أمامي بذلك الشكل؟
إبراهيم في حزن:
ـ بل هذا السؤال يجب علي أنا توجيهه إليكِ, فقد أخبرتني مي بما فعلتيه في السابق, حرام عليكِ يا أمي تفعلين ذلك بأبنائك.
تركها إبراهيم وغادر بعد أن أخبرها بموعد زفافه, لم يستطع والدي نور الرفض, فقد كان إبراهيم هو اليد الحنونة التي امتدت إليهم لتساعدهم في محنتهم, ولم تتخل عنهم قط, فكيف لهم أن يرفضوه!, تم الزواج, وكانت المفاجأة بعروسين آخريين جوارهما ألا وهم مي ووائل, تنظر له مي في سعادة قائلة:
ـ هل أنت سعيد معي يا وائل؟
ـ الحمد لله الذي رزقني بك يا مي, فأنت خير نعمة حباني الله بها.
تنظر له مي في امتنان, وما لبثت دموع الفرح أن ترقرقت في عينيها, ليُقبل يديها بكل حب, وتنعكس في عينيه نفس النظرة, وهو يُكمل قائلًا:
ـ أدام الله وجودك جواري يا مي, فأنا حقًا كنت كالطفل الصغير الذي آلمه فراق أمه, ولولا ابتعادك عني لما أدركت مقدار حبي العظيم لكِ.
لا تُصدق مي ما تسمعه بأذنيها, فكم كان أليمًا حبها له, ذلك الحب من طرف واحد كما ظنت, وما من أمل يُرتجى منه, لتشكره من بين دموعها قائلة:
ـ شكرا لك يا وائل, فأنا والله لم أكن أعلم كيف أحيا وحدي بذلك الحب الذي ينبض في قلبي لأجلك.
تزوج وائل بمي, وعاد إلى الحياة بوجه آخر غير الذي خسر بسببه أملاكه, يقف على قدميه من جديد, ويفتتح متجره بما تبقى له من مال, وتعاونه مي في ذلك, تقف جوار زوجها كحال أخيها, فقد تخلى عن وظيفته, وذهب للعمل مع نور في مطعمها, يقف كالحصن لها يحميها من شرور العالم بأجمعه, ولم تجرؤ والدته حينها على الاقتراب منها, فقد حاولت أكثر من مرة الكيد لها, لم تتعظ من رحيل أبنائها عنها, مضى كلا منهما في طريقه, فهي لم توافق على هذه الزيجة قط.
في المطعم .....
ـ لمَ تنظر إلي بذلك الشكل؟
ـ لا أصدق بأنك أمامي.
فتبسمت وهي تقول له:
ـ وأنا أيضًا, فمن ذا الذي يُصدق بأننا معا؟, ولكن لعل الحب الصادق هو الذي جمعنا.
فأومأ برأسه في إيجاب, وهو يُجيبها في امتنان:
ـ نعم, فقد وقعت أسيرًا لسحر عينيك منذ النظرة الأولى, ولم أتخيل حياتي قط في غيابك, فقد كاد ذلك الأمر أن يُفرق بيننا.
فقالت في ألم:
ـ لطالما آمنت بوجود الحب, ولكن جاء زوجي وقتل ذلك الأمر بداخلي, فلم أعد أصدق بأن الحب موجود حتى رأيت تضحياتك لأجلي.
ـ أنا أحبك يا سهيلة.
ـ وأنا كذلك يا عمر, فقد أعطاني حبك القوة لمواصلة الطريق الذي جئت لأجله, انفصلت عن زوجي, ليبدأ فصل جديد في حكايتي بزواجي منك, فقد عوضني الله بخير رجل قد تتمناه أي فتاة, أن يكون شريكًا لحياتها.
ـ هل أنتِ سعيدة معي؟
تنظر له في امتنان, وهي تقول له في حب:
ـ بالطبع نعم, وكيف لا أكون سعيدة؟, وأنت تحمل لي كل ذلك الحب في داخلك.
ـ هل سيتناول العملاء في الخارج الحب؟
يُقاطع حديثهم دخول شخص ثالث, فيضحكان عند رؤيته, وتحمر وجنتي سهيلة من الخجل, تسأله في حرج قائلة:
ـ العم قدري منذ متى وأنت هنا؟
ـ أنا هنا منذ زمن يا سهيلة.
فركضت سهيلة نحو المطبخ, فتبسم العم قدري, وهو يقول لعمر في لطف:
ـ أدام الله نبض قلوبكما يا بني, فالحب جميل.
عمر في سعادة:
ـ نعم يا عم قدري, صحيح, فهل قمت بتجربته؟

سرح العم قدري بعيدًا, وبدأت الصورة تقرب أكثر فأكثر, تلك الفتاة التي أحبها منذ الصغر, ترتدي الفستان الأبيض, تُزف العروس إلى فارس أحلامها, ولكن مع الآسف هو ليس الشخص الذي جوارها, إنه صديقه إبراهيم من تزوج حبيبته زينب, ولكن كيف كان ليعرف ذلك؟, وذلك الحب احتفظ به قدري في داخله, ولم يصرح به قط, لتسقط دمعة سهوًا من عينيه عند التذكر, فغير الموضوع قائلا:
ـ أمامنا يوم حافل بالعمل يا بني, فهيا بنا لنرى ما لدينا اليوم من طعام بالقائمة؟
تعمل العائلة معًا في اتحاد, فقد ضم المطعم الجميع, فتحت نور أبوابه على اتساعه, ووقف جوارها أختيها فريدة وهدى, وشخص ثالث أخذ يُراقب من بعيد, فهو لا يجرؤ على الاقتراب, يتذكر حديث جدته, وهي تحاول إخراجه من وقع الماضي الأليم.
ـ الحب جميل يا كريم, لا تعش وحدك يا بني.
ـ الحب قتل أمي في الماضي يا جدتي, وأبي في الحاضر.
ـ لم يكن لك ذنبًا في ذلك, فالموت هو أكبر حقيقة في الحياة.
يُقاطعها كريم في ألم:
ـ ولكن أبي مات على يداي بعد رؤيتي بلحظات, وكأن روحه كانت معلقة بي, وأنا الذي حرمته من رؤيتي طوال هذه السنوات.
الجدة سميرة في حزن:
ـ لا ذنب لك يا بني, فهذا هو أمر الله, والمؤمن مصاب, يجب عليك تجاوز الحزن يا بني, لا تجعله ينغص عليك حياتك بذلك الشكل, وعيش ما تبقى لك في رضا وسعادة مع تلك الفتاة.
يهز كريم رأسه في نفي, وهو يقول في استنكار:
ـ لا, لن أتزوجها, فقد أكون كوالدي, وأتسبب لها بالحزن, وأكون سبب في انطفائها, بل أسلب منها الحياة كما حدث بأمي.
ترقرقت العبرات في عيني الجدة, وهي تقول له في حزن بالغ:
ـ لا تقل ذلك يا بني, فأنت خير شاب قد تتمناه أي فتاة, لا تحكم على نفسك بغير ذلك.
تُفكر فيه فريدة هي الأخرى, تتمنى لو بادلها الشعور, وإن كان قلبها يُحدثها بأنه فعل, إلا أن ابتعاده عنها, يثبت لها عكس ذلك, هنيئًا له لم يشغله الحب كما فعل بقلبها, تتألم وحدها, فالحب ذو اتجاهين رائع, ويصبح وبالًا على صاحبه ما لم يفعل ذلك، تنظر إلى الأحبة حولها في سعادة بالغة، نور مع إبراهيم، مي مع وائل، وكذلك والديها، تستمد منهما الأمل، لعل فصل جديد يُكتب في قصتها هي الأخرى في يوم من الأيام.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي