كشف هوية

الفصل السادس عشر .....

فى اليوم التالى ذهبت سمر فى الصباح الباكر إلى منزل والدها.
_ شوفتى يا ماما حصل اللى قولتلك عليه والباشمهندس بيروح الهانم بتاعته وده سبب تأخيره .

_ يا بت أفهمى وإيه يعنى لما يروحلها خليكي أنتى الناصحة وأربطيه بالعيال وهاتيله الولد .

_ ماهو عنده بنتين أهو يا ماما وأنا مش عايزة أبوظ جسمي تانى.

_ يا بت مفيش راجل ما بيحلمش بولد من صلبه يرفع راسه ويشد ضهره، سيبك من اللى بيروحلها، فاكرة كلام أخوكى لما قالك تطاوعى جوزك وتسايسيه وتحسسيه أنك عروسة كل يوم وتدلعيه وان ده بيجي أوى مع الرجالة، خليكي بقي على نصايحه.

_ بس مش قادرة نفسي أربيها الجاهله دى .

دخلت دليلة عليهم الغرفة دون إستئذان بإبتسامة غريبة لم يروها من قبل، نظرت مهجة إلى سمر بتعجب بعد أن جلست دليلة على المقعد أمامهم بكل أريحية، لترد مهجة .
_ ودا إيه أصله ده، مالك يا دليلة؟

_ مالى يا ماما أنا خلصت اللى ورايا قولت أقعد معاكم شويه .

ردت سمر بسخرية:
_ ومن أمتى بتدخلى تقعدى معانا، قومى أدخلى شقتك ولا شوفى حاجة أعمليها .

قامت دليلة بهدوء تنظر إليها نظرات تشفى وألتفتت لتخرج من الغرفة، حينها وجدت الطفلتين فى جانب الغرفة مع ابنها .

_ إلا قوليلى يا مدام سمر، هما البنات دول شبهك ولا شبه الباشمهندس أكتر؟

نظرت إليها سمر بتعجب أكثر لترد بغيظ وسخرية :
_ أنتى أول مرة تشوفيهم يا حبيبتى ولا ايه ؟

_لا أبداً، بس هما مش شبهك خالص، ممكن أخدين عنيكي بس، لكن مفيش أى حاجة من الباشمهندس.

ألتفتت بعد أن قالت جملتها ثم أكملت فى طريقها إلى الخارج ساخرة:
_ أبوهم .

تاركة سمر ومهجة فى حالة تعجب من طريقتها الغريبة عليهم .

_ مالها دى يا ماما؟

_سيبك منها، المهم عملتى إيه لما جوزك رجع امبارح؟

_ ولا حاجة كنت عايزه أخنقه بس مسكت أعصابى لغاية ما أجيلك أشوف حل .

_ جدعة يا بنت أمك، خليكي على الحال دا ومتتجنيش حاكم أنا عرفاكى .

نظرت سمر أمامها ساهمة تنوى فى عقلها فعلة قد تهدأ من إشتعالها قليلاً لتبتسم بخبث عازمة تحقيقها .

جالسة على السطح أمامها غارقه فى التفكير ليقطع ذلك التفكير صوت مالك.

_ حبيبي لوكا.

_ سرحان ف إيه يا جميل ؟

تنهدت ورد بعد جملة سارة لتتحدث بحزن .

_ بابا وحشنى أوى، ومش عارفه الشغل وضعه إيه حالياً وغير كده مش عارفه هفضل متخبيه هنا قد إيه.

_ زهقتنى منا ؟

_ لا والله يا سمر، ربنا يعلم إنى بفكر هسيبكم إزاى لما أرجع إن شاء الله ، وقررت أخدكم معايا كلكم، حتى عبير بشعرها الأصفر العجيب ده .

ضحكت سارة بعد جملة ورد .

_ طيب وراكى حاجة هنا؟

_لا طنط إم عمر قاعده مع ماما من بدرى.

_ طنط أم عمر لقت الونس فى والدتك وفرحانه بوجودها.

_ وماما كمان بتستناها تطلع، شوفتى بقى دا اللى بقولك عليه، أحنا لقينا بينكم ونس زى ما بتقولى مش لقينه بين أهلنا وبيتنا، بقيت أحس أن هناك اللمة كدابه أوى، جنبكم عرفت يعنى إيه لمة وعيلة وناس تخاف عليكي، يمكن علشان كده حبيت ياسين لأنه منكم وشبهكم وأخد طباعكم.

_ بس ماتنسيش يا ورد أن كل مكان فيه الحلو وفيه الوحش وأنتى شوفتى هنا نماذج ل ده ول ده وأكيد عندك ناس حلوة هناك .

_ موجودين بس أصحاب المصالح أكتر.

_هونى على نفسك يا روحى يا عالم لسه إيه هيحصل وحطى فى أعتبارك أن أى مكان ربنا بيحطك فيه أكيد فيه الخير ليكى، تعرفى أنا مكنتش أتخيل فى يوم إنى أتجوز يزيد، أنا كنت معجبه بيه ف صغرى بس بعد ما أتجوزت أحمد خلاص كل ده أختفى، لكن لما قرب منى تانى حبه أتجدد فى قلبي كأن ربنا عوضنى بيه وبحبه ليا، كنت فى الأول رافضه تماماً لكن دلوقت بحمد ربنا على وجوده وبدعى وجوده يستمر فى حياتى للأبد، ف ربنا له حكمة فى كل حاجة بتحصل وهو واحده الأدرى بيها سبحانه وتعالى، ممكن نفهمها أوقات، أوقات تانية مش بنعرفها، لكن الحمد لله فى كل حين .

أبتسمت ورد لحديث سارة ثم أردفت.
_ ونعم بالله .

_ تعالى بقي ندخل مالك لجداته علشان تيجي معايا المحل نستلم البضاعة الجديدة ونرصها .

تحمست ورد للفكرة فصفقت بيديها لتتحرك فوراً.

ترتدى بنطال من الچينز يعلوه تيشيرت قطنى طويل الأكمام ترفع كميه قليلاً عاقدة شعرها كالضفيرة تعمل بجد وفرحة غامرة مع صديقتها، بعد الأنتهاء من تجهيز المحل ورص البضاعة وقفت ورد تنظر لعملها بفخر بادٍ على وجهها ما جعل سارة تبتسم من تلك اللطيفة التى أمامها .
_ الحمد لله خلصنا شغل، شايفه الديكوريشن اللى عملته حلو إزاى ؟

أبتسمت سارة وهزت رأسها بتعب .
_جميل يا ورد .

_بيتهيئلى لو جبنا الحاجات دى هنا هيبقي أشيك .

_ لا لا لا كده خلاص أحنا غيرنا أماكن الحاجات كلها، أنا تعبت، ثم المغرب قرب يأذن وعايزه أطلع أطمن على مالك .

_ تمام تعالى يلا وناكل مع ماما وطنط زمانهم عاملين أكل حلو .

_ تمام .

دون أستئذان، دون إلقاء سلام، دخلت سمر المحل بملابسها باهظة الثمن الأنيقة التى لا تليق على تلك الأماكن تنظر بتعالى إلى المكان حولها .

حينها رأتها الأخرى أنقبض قلبها وعلمت أن دخولها إلى هنا لن يمر على خير، لتتحدث الثالثة بجهل هويه الواقفة أمامها .
_ أيوه يا فندم محتاجة إيه ؟

إلتفتت إليها سمر تنظر إليها بتمعن وتعالى وترد بغرور.
_محتاجة اللى مشغلاكى .

ردت ورد ببلاهة وتعجب :
_مشغلانى ؟

همست سارة ل ورد :
_ أهدى يا ورد، أفندم يا سمر يلزم خدمة؟

_أنتى شغلتى حد فى المحل أمتى؟ عامله نفسك مهمه وليكي صبيان .

هنا بدأت ورد تفهم إهانه سمر المتعمدة لها ول لسارة .

_ مين دى يا سارة ؟

_ ملكيش دخل بيها يا سمر، أنتى جايه ليه ؟

أقتربت منها سمر متخطية ورد بتجاهل لتهمس بالقرب من وجهها بتحدى .
_جوزى، إياك تقربيله ولو فكرتى تسحبيه ليكي تانى ...

نظرت إلى صورة مالك فى المحل ثم أكملت مهددة .
_ مش هتشوفى ابنك تانى.

قالتها مبتسمة بسخرية لتستشيط ورد غضباً بعدما سمعت حديثها .

_مين دى يا سارة ؟

_ أنا سمر شاهين ابقى الزوجة الأولى للباشمهندس يزيد، اللى الهانم عايزه تخطفه منها.

نظرت إلى سارة بنفس التكبر والغرور لتكمل بسخرية .
_ اللى الجاهلة عايزه تساوى رأسها بيها، اللى كنت مديرة علاقات عامة لشركة من أكبر شركات مصر .

أستشاطت الأخرى غضباً من حديث سمر لتجذبها من شعرها ضاربة بأمانها وتخفيها وسبل الهدوء النفسي عرض الحائط .

صرخت سمر من فعلة ورد التى رمتها على الحائط بعد أن أبعدتها سارة عن سمر بصعوبة لتصرخ ورد معلنة عن نفسها أمامها .
_ وأنا بنت أكبر رجل أعمال فى مصر بل تقدرى تقولى الشرق الأوسط كله، بنت مصطفى داوود اللى شركتك اللى فرحانه بيها مهما كانت متجيش نقطة فى بحر شركاته وشركاتى والجاهلة اللى بتتكلمى عنها دى أنضف منك مليون مرة ومن أهلك كلهم، فلما تنوى تتنططى أعرفى مين واقف قصادك الأول يا حلوة .

ب عيون مصدومة متسعة سمعت سمر كل تلك المعلومات عن ورد، لتلملم حقيبتها وتهرب نحو الخارج خائفة بل مرتعبة مما سمعتها ومن ثورة الغاضبة التى أمامها .

_ أنتى أتجننتى ؟ إزاى تقولى كده وقدام دى ؟

قالتها سارة صارخة لترد ورد بصريخ مماثل .
_ أنتى مش حاسة بحجم الإهانه اللى أهانتها ليكي؟

_ ولو، أنتى كده بتضحى بنفسك دى أخت سعيد وصدقينى لو سعيد تِعبان ف ميجيش فى بحر أخته حاجة، دى ممكن تبلغ ابن عمك عنك .

عادت سمر إلى منزلها مسرعة لا تدرى ماذا تفعل، شعرت لوهلة أن حياتها ستنهار بعد أن حلت تلك المصيبة على رأسها، تصول وتجول فى غرفتها لتبحث عن حل لمعضلتها لتجد صوت رسالة نصية على هاتفها من نفس الرقم المجهول صاحب الصورة " قوليلي بناتك دول مين أبوهم ؟ "
لتتسع عيناها بصدمة جلية فتلك مصيبة أخرى حلت على رأسها لم تحسب لها حساب، حاولت الأتصال بالرقم لكنه مغلق، بحثت عن اسم صاحبه ولكن لم تجد شيء، أمتلئت بالخوف إلى أن أستقر عقله على فكرة فأبتسمت بشر بعد أن تذكرت خبر اختفاء ورد مؤخراً على مواقع التواصل الأجتماعى، فهى تعلم حق المعرفة بعائلة داوود ونفوذهم، ومن أكثر منها يعرف وقد كانت تعمل فى إحدى شركاتهم يوماً ... وحملت داخلها جزءًا منهم يوماً.

حل الليل سريعاً بعد يومٍ طويل، صعد إليها مسرعاً بعد أن علم ماحدث منها وكشفها لهويتها أمام سمر.

لمحها تجلس فى مكان على السطح مغطاه منكثة رأسها فى الأرض عاقدة ذراعيها على رأسها، ذهب إليها معنفاً إياها بغضب .
_ أنتى أتجننتى، أزاى تعملى اللى عملتيه ده ؟

لم تستجب له وظلت على حالها فقام بجذبها لتقف أمامه، كم يرغب فى صفعها الآن لكن رؤيته لها فى تلك الحالة جعل قلبه يشفق عليها، تبكى بصمت والحزن يكسو ملامحها، أنفها الأحمر الصغير عيناها المنتفختان من أثر البكاء نظرتها الضعيفة الهزيلة التى كشفت كم تلك الواقفة لا حول لها ولا قوة.

تركها متألماً ليردد بهدوء عكس عاصفته السابقة .
_ ليه؟ عملتى كده ليه ؟

رفعت عينيها لترد بهدوء مماثل .
_ علشان دى حقيقتى ودى أنا، أنا زهقت وعايزه أكمل حياتى، وإمبراطورية بابا اللى شقى سنين لغاية ما بناها أخواته قاعدين ينهبوا فيها و أحنا مرمين هنا، ياريتنى سمعت كلامه وكان إيدى بإيده مكانش ده كله حصل .

أكملت جملتها ببكاء مرير بصوت عال .
_ أنتى مش عارفه أن دى فترة مؤقته بس لغاية ما كل شيء يتحل أن شاء الله.

نظرت إليه بعينين غاصبتين صارخة .
_ وده هيتحل أمتى هه ؟ ومين هيحله أن شاء الله ؟

حاول السيطرة على غضبه لعلمه بجهلها بما يفعله ولسرية المعلومات قرر أن يظل صامتاً . ف
وكزته فى كتفه
بعنف صارخة مكملة عتابها القاسي له .
_ رد مين ؟ أنت؟ اللى بتختفى طول اليوم او طول اليوم ومعرفش بتروح فين ولا بتعمل ايه ومش بشوفك غير بالصدفة ؟ مين؟

أمسك بيديها التى تضربه بعنف ثم جذبها إلى حضنه ضاغطاً على جسدها برفق ليهدىء من ثورتها، لم تهدأ فى البداية ثم أستكانت رويداً رويداً.

هادئة، تبكى فى صمت، تتشبث فى ملابسه بقوة، تستمد منه قوة ضعفها.

دقائق لتبتعد عنه بهدوء ماسحة دموعها بطريقة طفولية تنظر له كطفل مذنب.
_ هى اللى مستفزة وخلتنى رديت عليها كده .

نظر بعتاب ماسحاً وجهه بتعب ساندا ظهرة على سور البلاكون.

_ طيب إيه هيحصل دلوقت؟

قالتها بهدوء ليشير لها لأعلى بأن " الله أعلم "، ليسمع صوت خالته صارخة بالأسفل بإسم سارة .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي