29بين أحضاني

دراجون
لم أعطها فرصة للرد إذ سرعان ما شهقت بفزعٍ عندما نقلتُ قدماً فأصبح جسدها محتجزاً بين ساقيا ، ومن ثَمَّ أمرتُها بنبرة خشنة ،

- " اتركي ذراعي " .

امتثلت باستسلام ، وهي تعتقد أنني قد تخليت عن فكرة إنقاذها ، ولكن ما إن فعلت شعرت بيدي المحاطة لخصرها تضغط بقوةٍ على جانبها فتألمت بأنينٍ مكتوم ، فزجرتها أقول بجفاء ،

- " اديري وجه قدمك اليمنى مع حركة يدي وحاولي أن تجدي موطئاً لها ، وثبتي قدمك اليسرى بموضعها "

استدارت أعينها بتشتت ، تنظر إلي بدهشة ، وأخذ منها الأمر الذي أعطيتها إياه ثوانٍ لتستوعبه ، ولكنها ما إن استدركت ما قلته ، نفذت على الفور ، وهي تستند براحتيها إلى الصخرة أمامها وهذا جعلها تضغط جسدها إلي ، ولكنني لم أستاء بل إنني كنت أكثر من مُرحب .

ومع تحريكي لجسدها ، وتنفيذها لما قلت ، أصبحت تقابلني بزاوية ، وغريزة البقاء جعلتها تطوق عنقي بكلا ذراعيها ، تتشبث بي بقوة فأصبحت بين أحضاني حرفياً .

دقات قلبينا تصم الآذان مع اختلاف الأسباب ، فقرع خاصتي تترنم بشوقي المخلوط بالاستمتاع وربما هناك شيء آخر لا أريد الاعتراف به ، أما هدر قلبها كان رعباً وخجلاً .

أخذت أنقل قدم فالأخرى ، أتسلق الربوة بحذر وبطئ مهلك ، وكلما استشعرت حركتي يزيد تعلقها بي ، فأتوقف لبرهة كي أستمتع بعناق لم أطلبه ، أدفن وجهي بين خصلات شعرها المتمردة كصاحبته .

وعندما ارتقيتُ بها أعلى التبة ، تمسكتُ بحافتها بيساري ، بينما التفت يميني حول خصرها ، أرفعها لتأخذ وضعية الجلوس .

ابتسمت بخبث ، وبقفزة وفي لمح البصر ، أصبحت متسطحة على ظهرها ، وأنا أعتليها مثبتاً جسدها بثقلي .

تلاقت نظراتنا لبرهة ووجهينا عن قرب ، نظراتي لها كانت تشع رغبة ، وخاصتها متفحصة متمعنة ، ومن ثَمَّ تدحرجت معها ، وأنا احتضنها فجأة بعيداً عن الهوة الفاغرة فمها ، وانقلب الوضع فأصبحت هي أعلاي .

زمجرت تقول باستياء ،
-" لقد خلعت ذراعي ، وقدمي تؤلمني بشدة !"

قالتها وترقرقت الدموع الحبيسة بمقلتيها ، وعلى ما يبدو أنها لم تعد قادرة على إدعاء القوة .

تساءلتُ بتهكم ،
- " وهل كنتِ تفضلين أن تقعي ؟ "

لم ترد ، بل لم تستطع أن تجِب بسبب الألم ، وتحشرج صوتها إثر إختناق مدامعها بالعبرات .

استدعيت غضبي من بذائة لسانها ، تعلقي بها ليس في صالحي ، أنا لا أعرفها ومن كثرة علاقاتي أصبحت لا أثق بأي أنثى ، وهذا ما جعلني أعاملها بخشونة ، وكأنني أعاقبها على انجذابي إليها ، إذ حركتُ لها ذراعها دون لطف ، فتأوهت بألمٍ مضاعفٍ ، ومال رأسها ليقع على صدري ، ولكنني لم أشفق عليها بل زجرتها ، أقول بإزدراء ،
- " لم أخلع لكِ شيئاً ، أرأيتِ ؟ ذراعكِ بخير .
، ولا يعود الفضل لكِ في ذلك " .

لم تتمكن من التفوه بكلمة إذ كانت في حالة يرثى لها ، أشعر بذلك وگأنها جزء مني .

ما بها من ضعف لم يمنحها القدرة على التحرك بل ظلت جامدة ، تضغط وجنتها على صدري ، تستمع إلى دقات قلبي المرتفعة ، والمريح في الأمر أنها أرجعت السبب إلى الجهد الذي بذلته تواً .

فقط لو تعلم ما حل بي ريثما رأيتها بهذا الوضع الخطير وإحساسي بفقدها أشبه بخنجر ذو حدين غُرِز بشراسةٍ بين ضلوعي ، حتى كادت أن تزهق روحي ، وما بصخب دقات قلبي سوى رعب تملكني عندما أشرفت على الوقوع من أعلى الأفريز الصخري ، وظنيتُ أنها النهاية .

رق قلبي لها حالما بدأت في النشيج ، ورأيتُ الدموع تترقرق بعينيها ، فكوبت وجهها بكلا راحتي ، أرفع رأسها إلي ، ومن ثَمَّ قلتُ بمشاكسة ، مستغرباً تبدل حالي لأجلها ،

- " دراجون ، اسمي دراجون يا غليظة ، وعلى ما أعتقد إنكِ تدينين لي بشكرٍ وإعتذار "

حبست شفتها السفلية بين ناب وقاطع في حرج كي تحول دون تساقط حبات اللؤلؤ خاصتها ، ولكن قد فات الأوان إذا تندت وجنتيها بماء عينيها ، فاستشعرتُ دفء قطرتها الغالية بقلبي .

تمتمت تقول بعرفان ، "أعتذر منك دراجون ، فأنت حقاً تستحق الشكر ولا يوجد كلمات ...........

استوقفتها، أقول باستياء ،
- " ما عاد الشكر كافياً ، ولا إعتذاركِ منصفاً ".

ابتلعت ، ومن ثم أضافت ظناً منها أنني أطالبها بمقابلٍ مادي نظير مساعدتي لها ، فأضافت ،
- " أنا بالطبع مستعدة لأن أدفع أي أجر تراه مناسباً ".

غامت عيناي برغبتي بها ، وسألتها هامساً بإغواء،
- " أي شيء ؟! "

وافقت بتهورٍ ، غافلةً عن مغزى استفساري ،
- " أي شيء "

قالتها وهي لا تعتقد أنني سأطالبها بمقابل خرافي ، ثم أدركت مدى سذاجتها ، فأضافت ،
- " ضمن المعقول طبعاً ".

شملتها بنظرات مشتاقة ، أقول باشتهاء ،

- " وإن لم أكن متعقلاً ؟!"

وصلها مغزى حديثي ، وفهمت فجأة أن هذا المقابل لا يتمحور حول المال أو ما شابه ، لذا أردفت أقول بتشجيع ،
- " العائد من الموت حياته ملك للمنقذ "

بعد أن ضغطت ذراعاي المحاوطان لها على خصرها ، أُقرب جسدها إلي ، شرعت في الإبتعاد ولكنها عجزت عن التحرك فعلى ما يبدو أن ساقيها خذلاها، مما يدل على أن الألم بكاحلها لا يحتمل ، أشعر بها .

لاحت على ثغري ابتسامة تسلية ، وأنا اقترب برأسي إليها ، مجبراً إياها على رفع بصرها إلي والتراجع بجذعها العلوي بضعة إنشات قدر المستطاع ، إذ لم أفرج عن حصارها ، لم قد أفعل وأكثر أمنياتي في هذه اللحظة أن ظل أنا وهي على تلك الحالة ؟!

رفعت إحدى يديّ عنها ، أتلمس عنقها بطرف سبابتي ، وحاجبيَّ يرتفعان بتسلية تزامناً مع إحساسها بالقشعريرة التي تسري بأوردتها كلما خطَّت أناملي انحناء عنقها ، وكأنما أرسم مساراً محدداً ، ونظراتي تتابع ردة فعلها.

تمتمتُ ، ما إن لاحظتُ استجابتها للمساتي ، أهمس بوقاحةٍ ،
- " يا لها من لهفة ترضي الغرور !! "

أسرتُ عينيها بخاصتي ، بينما تابعت سبابتي طريقها ببطئ مهلك ، فتسارعت أنفاسها بحدة مع تعاظم انكماش بشرتها ، ولكنها انتبهت على حالها، تنهرني بشدة قائلة بصوت متحشرج،
- " كيف تجرؤ على ......"

قاطتعها، متسائلاً بسخرية ، - " أجرؤ ؟!"

قلتها ومن ثم سحبتُ يدي عن فتحة قميصها الحريري الملتصق بجسدها والذي يبرز تقسيماته بسخاء ، فاستطاعت أن تتنفس من جديد ، ثم استكملتُ حديثي ،
- " لأجل وقاحتكِ ولسانكِ السليط هذا ؛ أجرؤ ، ولي الحق في المطالبة بالكثير ، أما من حيث الجرأة كمعنى ، فأنا أجرؤ على ما لا يتخيله عقلك .

خفضت رأسها بخزي بعد أن شعرت بفداحة ما تلفظت به سابقاً ، وأدركت من جديتي بالحديث أنني لن أتهاون في عقابي لها ، لذا تململت بين ذراعاي ، تتمتم باستمالة ،

- أرجوك دراجون أنا لم ..............

بترتُ عبارتها عندما غامت السماء بغتة بشكل مهيب ، واستقمتُ سريعاً وعيناي ترصد ما يدور بالمكان حولنا ، احتضنها بذراعٍ واحد ؛ وذلك ما إن استدركتُ الخطر الذي يحيط بنا، وفي هذه اللحظة كان خوفي من أن تنالها أيد أعدائي من قطعان الآلهة أكبر من خوفي على حياتي ، فعلى ما يبدو أن أحدهم يستعد لشن غارة .

طوقتُ خصرها بكلا يديّ ، أرفعها على صهوة جوادي ، وقفزتُ وراءها أمطتيه بخفةٍ ورشاقة .

غمزتُ جوادي ، فعدى بنا وسط الأشجار، والغيوم التي غزت السماء أعلنا بدت ، وكأنها تتابعنا ،
إذ خيمت سحبٌ سوداء فوق رؤسنا ، ومن ثم تلاشى ضوء الشمس فأصبحت الرؤية متعسرة في ظل تلك الأجواء الغريبة كلياً .

وميض أضاء خلفنا ، وظل يقترب حتى أصاب خُفّيّ الفرس ، فانكفأ بنا ، ووقعا كلنا على الأرض ، نتدحرج ما بين العشب ، فصرخت خوفًا عليها .

أخذت عيناي تدور بالمكان وإذا بي في غرفتي على فراشي ، ويبدو أنني غفوتُ ، أخذت نظراتي تدور بكل ركن بالغرفة بعدم تصديق ، وعقلي لا يستوعب أن ما عايشته منذ قليل لم يكن سوى أضغاث أحلام.

نظرت بيأس إلى يدي التي جعلتها حائل بين رأسها وبين تلك الصخرة التي أوقفت تدحرجنا ، فوجدت أن الألم بها حقيقي .

حالة من الجنون انتابتني ، ولا أريد أن أتخيل أن ما رأيته كان وهماً بعقلي الباطن ، فركت جبيني بأناملي ، فانتفضت عندما تذكرت وشماً أعلى ذراعها الأيمن ، إنه على هيئة تاج ملكي يعلوه اسم صوفيا وقلادتي التي كنتُ قد أهديتها لرفيقة ألكساندر تتطوق عنق تلك الحسناء التي لم أعرف اسمها بعد ، وسؤال يتردد بذهني ،
- " ما علاقة صوفيا بتلك الفتاة ؟!"

والأهم، "مَن هي؟ وأين يمكنني إيجادها؟"
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي