28عالقة بأحضانه

دراجون
شهقت بفزع ما إن أحست بيدي تحاوط خصرها بتملكٍ فتوجه بصرها إلي تلقائياً ، تتأملني بدهشة .

تهتُ بسحرها ، فلا توجد أنثى على وجه الأرض أي كان جنسها ، بشرية ، جنية ، حتى ولو كانت من نسل الأبالسة تمتلك نصف جمالها ، عيونها السمراء الكحيلة لم أرى مثلهما ، وملامح وجهها الطفولية تشع براءة ، رائحة شعرها البني الذي يتوهج تحت أشعة الشمس كالآن جعلني أغمض عيناي استمتع بعطره ، بالفعل رأيتها مرة أو اثنين في أحلامي ولكننا أبدًا لم نكن بهذا القرب .

كان أحد ذراعي يلتف حولها كالكماشة كي أمنع سقوطها إلى الهاوية .

واليد الأخرى قابض بها على الحبل ، وقدمٍ ثابتةٍ على حافةٍ مدببة لأحد الصخور ، والقدم الآخر أرتكزُ بباطنها على موضع أعلى قليلاً .

كان منظراً ساحراً ، تمتمتُ أقول بهمسٍ ، أُلِحُ عليها ،
- " افلتي يمينك، لا تكوني عنيدة ، لن تستطيعي الصعود دون مساعدة " .

ولكنها أجابتني بهزة رأس رافضة ، وهي تزم شفتيها بقهرٍ ، وعينيها تتأرجح نظراتهما ما بين ملامح وجهي وبين سفح التلة ، ومن ثم رمقتني بنظرةٍ حائرة ، وبعدها أطبقت جفنيها بقوة .

عاودتُ الهمس ، أقول بحثٍ ،
- " افلتيها ولا تخافي "

تمتمت بضعف ، ولازالت مغمضة العينين ،
- " قلت لك دعني وشأني " .

ولكن كلماتها هذه المرة لم تتعد الهمس ، وعندما استشعرتُ خذلان ردها ، قلتُ بتهكمٍ ضاغطاً بقوة على كبريائها الذي سُحق ، وأنا أحرر خصرها ولكن عيني الصقر خاصتي تتابعها بإمعان فحتماً لن أسمح بأن يحدث لها أي مكروه ،
- " حقاً كلمات رائعة ... أنا مبهورٌ بكِ ... تذكريها ، هذا إذا ما عشت كفاية لتكرريها " .

هدرت غير عابئة بوضعها ،
- " هذا ليس من شأنك ، أستطيع تدبر ..... " .

وفجأة انقلب الصوت إلى صراخ ؛ إذ انزلقت يداها المبللتان عرقاً عن الصخرة الناتئة التي تمسكت بها .

وما إن أحست بجسدها يتهاوى إلى الخلف ، ضغطت جفنيها تتمتم بمخاوفها ، تتخيل ما سيحدث لها بأن ستنخلع قدمها المحشورة في شق الصخور وتسقط بعدها من هذا الارتفاع بلا أمل في النجاة .

كتمتُ ضحكاتي بصعوبة ، وهل سأدعها لمصير كهذا ؟!

جعلتها تشعر بألمٍ بالفعل ، ولكن لا قدمها هي التي تئن ، ولا هي فقدت الوعي ، وبات موضع الألم محيرٌ بالنسبة إليها !!

إذ اصطدم جبينها بحدة في الصخور ، عندما تأرجحت بعنف متوقفة عن السقوط وذلك ما إن أمسكتُ بمعصمها ، ثم جذبتها إلى صدري ، ولكن قبل أن تستقر بين أحضاني ، أضمها إلي ، وظهرها يقابل وجهي تلقيتُ كدمة قوية بمقدمة رأسي جعلتني أتألم بشدة .

هذه المرة لم أعطها خياراً للرفض إذ هدرتُ فيها بحدة ،
- " تمسكي بي وهذا أمر غير قابل للجدال ، واصمتي قليلاً كي أجد حلاً لقدمكِ العالقة " .

لا أعلم ما إذا كان رؤيتها للجحيم المطل من عيني عندما التفتت إلي من أعلى كتفها ، هو ما جعلها تومأ برأسها في إيجابٍ ، أم هناك سبب آخر!! ، في الحقيقة لا أعلم هناك ما يشغلني أكثر من اختراق أفكارها بالوقت الحالي .

مدت كلا راحتيها تقبض على ذراعي الممسك بالحبل ، وأنا استمع إلى قلبها الذي ينبض بقوة من شدة الرعب و الرهبة .

سرعان ما تخضبت وجنتيها بالحمرة ؛ وذلك عندما انحنيتُ ، ووجهي أخذ يتلمس ظهرها فمؤخرتها هبوطاً .

شهقت بتفاجئ حالما استشعرت حركة يدي الحرة ما بين ساقيها ، فمن شدة الارتياع الذي شوش على مراكز الإدراك لديها لم تستوعب بعد ماذا أفعل !!

همست بصوت غير مسموع ،
-"سحقاً لهذا المتحرش الوقح ".

قادني الفضول لأعرف ما تفكر به ، فابتسمتُ لسوء ظن تلك الحسناء التي قد أدركت مدى ضعفها وهي مثبتة ما بين الصخور وثقل جسدي ، ولا مساحة أو قدرة لها لتقوم بأي جهدٍ لتحرر نفسها ؛ فحتى وإن فعلت !! ماذا ستكون نهاية مقاومتها .

زفرت بارتياحٍ ريثما علمت أنني لا أستغل الموقف كما اتهمتني بعقلها ، وذلك عندما وجدتني أحل انعقاد رباط حذاء قدمها العالقة ، فخفضت بصرها إلي ، بينما ارتفعت نظراتي إليها أقول بتعنيفٍ مصطنع ،
- " ماذا تنتظرين ؟! سلي قدمكِ من تلك اللعنة حتى ننهِ هذه المهزلة ، لقد علق حذاءكِ ولا سبيل لخلاصك إلا بالاستغناء عنه ، أم تفضلين الموت عن فقده ؟! "

سحبت قدمها على مضضٍ بعد تهكمي المهين هذا ، بينما رفعتُ جسدي ، أقول بأنفاس تلامس جانب وجهها ،
- " اغمضي عينيكِ ، واستديري إليَّ " .

قلتها بنبرة أقل حدة ، بل أشبه بالهمس ، وجسدي ينجذب إليها بشكل أدهشني ، ولأول مرة أشعر بهكذا أحاسيس تجاه أنثى، فكل ما بي يريدها.

عاودتُ أحاوط خصرها بذراع واحد ، بينما وضعت هي إحدى قدميها بموطئ على الصخور وهي تحول الاستدارة إلي مُجبرةٌ لا مخيرة .

أمرتها ، عندما شعرتُ بترددها ،
- " هيا ، كيف لنا أن نصعد إذا ما أفلت خصرك ، لأتشبث بكلا يدي بالحبل ،  كي أتمكن من رفع جسدينا معاً لأعلى ، ولن يحدث ذلك إلا إذا تعلقت بي ولا حيلة أخرى لإنقاذ الموقف ؟! "

تمتمت تحدث نفسها ،
- " حديثه منطقي ، على أية حال الأمر لن يطُل كثيراً كلها بضعة خطوات " .

هذا ما حاولت إقناع حالها به ، ولكن ما ظنته سيستلزم ثوانٍ ليس إلا ، أخذ دقائق عدة وهي تحاول أن تلتفت بجسدها إلي .

تململها بين أحضاني بخجل شديد ، وحركتها المستمرة تلك جعلتني في حالة يرثى لها ؛ إذ سرى عطرها يتسلل إلى رئتيا مثيراً حواسي التي ماجت برغبةٍ قادتني إلى الجنون.

جسدها اللين بين ذراعي سحبني إلى أفكار وقحة كلها تدور عنها .

تركتها تحاول ولم أتدخل لمساعدتها متمنياً أن يستعصَ عليها الأمر وتبقى بين ضلوعي أكبر وقتٍ ممكن .

اقتربتُ استنشق أريجها ، أغمض عينيا باستمتاعٍ ، وهي تتمتم باستياء ،
- " اللعنة !! هل سأبقى عالقة بهذا الشكل المخزي ، ألا يمكنك أن تفعل شيئاً من فضلك ؟! "

همهمتُ بتيه ، ولم أنتبه لما قالت ، وعندما لم يأتِها ردي ، التف رأسها إلي ، مزمجرة ، تقول بإمتعاض وهي تقرض على أنيابها بغيظٍ :

- " أنت أيها الوقح !! هل أنت سعيد لما نحن به الآن ؟! افعل شيئاً .

رمقتُها بضيق ، فبالرغم مما يعتمل بداخلي لها إلا أنني لم أسىء إليها ولو بكلمة ، وكذلك لم يصدر عني لمسة غير مهذبة .

ولو كانت أخرى بموضعها وقالت ما قالته هي لأفلتُها بضميرٍ مستريح ، ولكن شراسة مَن تحتل أحضاني الآن ، قادتني إلى اتجاه آخر أبعد ما يكون عن سلاطة لسانها ، وسؤال تبادر إلى ذهني ،
- " كيف ستكون الحياة مع شرسة مثلها ؟!"

ناظرتها باستياء مصطنع ، أقول بحاجبٍ مرفوع ،
- " ما نحن به الآن أنت السبب به لا أنا ، وبدلاً من أن تشكريني ها أنتِ تمتعضين !!
ثم إنهاء هذا الوضع بيدكِ ، استديري وخلصينا ، أم أنكِ تستمتعين ؟!"

- وأخيراً أنا لست وقحاً يا عديمة الأدب !!

أجابتني بحدة ،

- " صدقت ، أنت لست وقحاً ، أنت حيوان عديم الإحساس ، ولا أعلم لأي فصيلة من الحيوانات يمكنني تصنيفك ؟!

إلى هذا الحد وكفى !! لن أسمح لها بالتمادي ، لقد تجاوزت كل الحدود .

اتقدت عيناي بغضب دمر ثباتها ، فأغمضت عينيها تنتظر ردة فعلي بعد تهكمها المبالغ به ، وبالرغم من ندمها لما قالت ولكنها لم تبادر بإعتذار .

مال رأسي إلى جانب وجهها ، أقول بفحيح وشفاهي تلامس جانب عنقها ووجنتيها ،

- " لا تتعجلي عقابكِ ، ننجو من هذا المأزق وسأعيد تربيتك أيتها الحمقاء " .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي