الحقيقة العارية

الطبيبة التي حضرت لمعاينة زاد كانت بشوشة الوجه حقا، طمأنته أنها سوف تكون بخير، طلبت منه بلباقة أن يتركها لها كي تقوم بمعاينتها، تركها هو على مضض، و خوف وليد زرع بداخله من كون فعلته الشنعاء في حقها قد خلفت ضحية أخرى تطوق عنقه بحبل جديد من حبال الندم!


شعور الإعياء لديها بدأ يقل تدريجيا، حتى أنها راعت لمعاذ و هو يخرج على مضض بعض طلب الطبيبة منه فعل ذلك، لتبدأ بعدها في فحصها بينما توجه لها بعض الأسئلة:

"لا تقلقي عزيزتي، هناك بعض الأسئلة التي أود أن أطرحها عليك، فكما قد علمت أنك عروس جديد، و زواجك مدته شهرا تقريبا؟!"

"Don't worry, my dear. There are some questions I would like to ask you. As I have learned, you are a new bride, and your marriage has been for about a month?!"

أومات إليها زاد مؤكدة بينما تخبرها بنبرة واهنة:

"تفضلي اطرحي ما شئت يا طبيبة"

“Please ask me whatever you want, doctor.”

ابتسمت لها الطبيبة بود بينما تسألها بنبرة هادئة:

"هل هناك احتمال عزيزتي بأن تكوني حامل؟! أم أنك تستخدمين وسيلة لمنع الحمل؟!"

“Is there a possibility, my dear, that you are pregnant?! Or are you using a method of contraception?!”

هزت رأسها بوهن بينما تقول:

"أنا لا استخدم أية وسيلة لمنع الحمل! هل من الجائز أن أكون حاملا حقا؟!"

“I don't use any contraceptives! Can I really be pregnant?!”

لم يكن سؤالا فقط ما نطقت به زاد بل انتظار الموت لمن حكم عليه بالموت بالمقصلة! انصتت لتلك الطبيبة المبتسمة بينما تخبرها بنبرة هادئة:

"لا نعلم عزيزتي، جميع الأعراض التي لديك توحي بذلك، لكن لابد لنا من إلقاء نظرة أولا ثم التأكد من كون هناك حمل من عدم!"

“We don’t know, my dear, all the symptoms you have suggest this, but we must take a look first and then confirm whether there is a pregnancy or not!”

لا يهم، كل ما يحدث الآن معها ما هي إلا مزيد من سكرات موتها، فمعاذ قد ذبحها وانتهى الأمر.
هزت رأسها لتمنح تلك الطبيبة الأذن بمباشرة عملها، لتبدأ الطبيبة في تفحصها جيدا.

بعد مرور عدة دقائق، لم يعد وجه الطبيبة مبتسما مجددا، بل رسمت عليه علامات الدهشة و الحيرة، حتى أنها اقتربت من زاد، سألتها بنبرة قلقة قائلة:

"عزيزتي، لقد اخبرتني سابقا أنك امرأة متزوجة، و لكنني مما رأيته الآن أمام عيني أنك مازالت فتاة عذراء لم تقم علاقة واحدة في حياتها!"

“My dear, you told me before that you are a married woman, but from what I saw before my eyes now, you are still a virgin girl who has not had a single relationship in her life!”

نظرت زاد للطبيبة بعدم فهم، هزت رأسها بعدم استيعاب، حتى ظنت أنها ربما جنت أو ذهب عقلها حتما، فما تخبرها به الطبيبة لا يعني سوى ذلك، بنبرة يملؤها الدهشة قالت:

"من فضلك هلا عدت علي ما قلتيه مرة أخرى؟!"

“Please, can you repeat what you said again?!”

لتبتسم لها الطبيبة، تعيد عليها نفس الكلمات مجددا، الأمر الذي دفع زاد كي تنتفض من مكان رقدتها، تسير نحو الطبيبة، تسألها بنبرة من ينتظر حكم تبرئته من جريمة لم يرتكبها!

"و لكن، لكن كيف ذلك، لقد حدث نزف و،، و،،"

"But, but how so? There was bleeding and,, and,,"

أومات إليها الطبيبة بتفهم، أخبرتها بنبرة هادئة:

"استطيع ان أفهم! لقد حاول زوجك إقامة علاقة زوجية معك لكنه كان قاسيا بعض الشيء مما أدى لحدوث تهتك خارجي أدى بدوره لحدوث نزف لك! هل استطيع سؤلك شيء عزيزتي"

"I can understand! Your husband tried to have marital relations with you, but he was a bit harsh, which led to an external laceration, which in turn led to your bleeding! Can I ask you something, my dear?"


هزت زاد رأسها بحيرة وعدم فهم، لتجد الطبيبة تسألها مرة أخرى:

"هل حاولت أنت و زوجك محاولة إقامة علاقة زوجية مرة أخرى؟!"

“Have you and your husband ever tried to have a marital relationship again?!”

الجواب كان هز زاد رأسها بقوة نافية الأمر، لتبتسم الطبيبة لها بتفهم، تخبرها بنبرة حنونة:

" لقد فهمت عزيزتي، أنت مازالت فتاة عذراء، ما حدث كان مجرد حادث مزعج، لكن تأكدي أن ذلك لن يحدث مرة أخرى مع حدوث الأمر بالتفاهم و الهدوء بينك وبين زوجك! أما عن تلك الأعراض التي كنت تعانين منها فهي ربما تكون سوء تغذية و بعض الانيما، انصحك بتناول الطعام بشكل جيد، سوف أكتب لك وصف فعالة بها بعض الفيتامينات والمعادن أيضا"

"I understand, my dear. You are still a virgin girl. What happened was just an annoying incident, but rest assured that this will not happen again as long as the matter occurs with understanding and calm between you and your husband!

As for those symptoms that you were suffering from, they may have been malnutrition and some "Anima, I advise you to eat well. I will write you an effective prescription that contains some vitamins and minerals as well."


لم تكن تنصت لكلمات تلك الطبيبة، أو ترى من حولها حتى، كل ما كانت تفكر فيه هو أنها مازالت فتاة بريئة، طاهرة و نقية، شرف أخيها لم يدنس، ذلك العار التي حملته لم يكن موجودا من الأساس!

أن معاذ ذلك الأحمق لم يكمل ما بدأه، لقد تم إنقاذها قبل فوات الآوان! وإنقاذه هو حتى من إرتكاب جريمة بشعة في حق فتاة، و ذنب عظيم في حق نفسه و في حقها، أنها من سلمت إليه خنجر الغضب الذي كاد ينحرها به و ينحر نفسه معها!!

وجدت نفسها دون مقدمات تخبر الطبيبة التي كانت منشغلة في كتابة وصفتها الطبية بنبرة هادئة:

"من فضلك، هلا كتبت لي تقرير بذلك، أنا آسفة لكنني احتاج لذلك التقرير و بشدة"

“Please, could you write me a report on that? I’m sorry, but I really need that report.”

أومات إليها الطبيبة بتفهم بعد رؤية التصميم على وجهها و سماعه من نبرة صوتها، لتشرع بعدها في كتابة صك النجاة لها و له أيضا.


القلق عليها يأكله أكلا، لقد كاد يصيبه التهور و يدلف عنوة إلى غرفة المعاينة تلك بعد تأخر زاد هنالك لأكثر من نصف ساعة، لكنه تنفس الصعداء بعدما رآها تسير نحوه في خطوات واهنة، ركض إليها حتى يقوم بمساعدتها، أمسك بها من كتفيها بهدوء و رقة، سألها بنبرة قلقة:

"ما الأمر زاد؟! لمّا استغرقت كل ذلك الوقت في الداخل؟!"

فوجئ بها تنظر إليه بنظرات زائغة، تخبره بنبرة هادئة و هي تتقبل مساعدته لها في السير نحو خارج المشفى:

"سوف أخبرك بكل شيء في الفندق"

أوما إليها بتفهم بينما يتطلع نحو تلك الورقتين التي تمسك بهما جيدا في قبضتها و كأن حياتها تعتمد عليهما.

بعد أن استقلا سيارة أجرة اوصلتهما إلى الفندق خاصتهما، و من بعدها سارا حتى المصعد الذي صعد بهما للجناح الخاص بهما، دلفا على الفور للداخل، خطت زاد بهدوء نحو الأريكة القابعة في منتصف غرفة المعيشة، أسندت رأسها للخلف، تحاول السيطرة على تلك الدوامة التي تريد ابتلاعها بداخلها!

من الوقت الذي خرجت فيه زاد من داخل غرفة الفحص و هو يشعر بقلق شديد، الأمر الذي دفعه للاقتراب منها، الجلوس بجوارها، سؤالها بنبرة قلقة و حائرة:

"ما الأمر زاد؟! هل الأمر صحيح حقا؟! أنت حامل كما قالت تلك المساعدة! إن كان الأمر صحيحا فأنا أعدك،،،"

لم يستطع إنهاء كلماته تلك، فزاد صرخت في وجهه بنبرة زاعقة بينما تقول:

"اصمت معاذ! من فضلك اصمت فقط!"

بصقت بتلك الكلمات لترمي بعدها في وجهه ورقة طبية، و كأنها وصفة ما، لكن حالما بصر ما بداخلها انتفض فزعا من جلسته، نظر إليها بعدم فهم، توقفت رئتيه عن التنفس، فقد كان يحمل بين يديه صك برائته من اغتيال طهرها و عفافها!

تسأل بنبرة من يوشك على فقدان عقله:

"لكن كيف؟! و تلك الدماء!! و،،"

بصقت في وجهه بكلمات مريرة:

"عليك أن تشكر أخيك إذا الذي انقذني و إياك من السقوط في ذلك الوحل! موسى الراعي تدخل قبل فوات الآوان! قبل أن أقتل على يديك! أدين له بحياتي، بشرفي، بطهارتي، بكل شيء!"

لقد توقعت كل شيء بعد أن ألقت في وجهه تلك الكلمات، لكن أن تجده يجلس أرضا، يدخل في نوبة بكاء و نحيب مثل طفل فقد لعبته المفضلة، لم تتوقع ذلك أبدأ، شاركته البكاء، و أنى لها ألا تفعل ذلك، و قد كتب لها بتلك الشهادة ميلاد جديد!!

بعد مرور بعض الوقت، بعد أن ظنت أن منابع عينيه لن تنضب، وجدته يستقيم واقفا، يخبرها بنبرة يملؤها الألم و الحزن:

""ليس البشر وحدهم من يشيخون زاد، قد تشيخ القلوب أحيانا و يشيخ الحب بداخلها، و هذا ما حدث لقلبي و حبك الساكن به، عذرا زاد لم أعد أحبك كما مضى، حبك أضحى عجوزا ينتظر أن يقضي نحبه، أرجوك حرري قلبي منه، امنحيه الموت الرحيم زاد"

نطق بتلك الكلمات، حزن عينيه يفوق حزن كلماته، فكر في نفسه، ما الذي عاد عليه من حبها سوى كسرة القلب ووجعه، حتى بات يتمنى الموت، أن تذبل شجرة عشقها، تتساقط أوراقها مثل أوراق الخريف، ثم عاد يحن لها من جديد، يؤنب نفسه، أنى له أن يستسلم بتلك السهولة، يتركها ترحل بعيدا عنها دون أن يحاول كسب حبها، لربما تلك المرة تلين له.

عاد يقول من جديد، بنبرة من كسر قلبه:

"الخيار لك زاد، إن كنت تريدين الطلاق سوف امنحك إياه و ما عليك سوى المغادرة و العودة إلى البلاد! و إما أن تبقي معي، تمنحي قلبي و قلبك فرصة أخرى"

نطق بكلمات الوجع تلك رغم علمه جيدا أنها سوف تختار الخيار الأول، الموت الرحيم بكل تأكيد.

عودة إلى الحاضر

ها هي تنتطر مجئ أخيها هارون، لقد أخبرته أن معاذ قد طلقها، رغم أن ذلك لم يحدث فعليا، فهو أرجى أمر الانفصال إلى بعد زواج أخيه موسى والذي هو بعد عدة أيام.

تركته و رحلت بعيدا عنه، أنى لها أن تبقى معه بعد كل ما حدث! بعدما ارتكب في حقها فعلته الشنعاء، أجل هي لم تكتمل، لكنه أوشك على فعلها، لقد فقدت ثقتها في معاذ بالكامل، فكيف سوف تستطيع منحه فرصة أخرى كما طلب منها!

الطلاق هو الحل الوحيد، البتر هو العلاج الوحيد لعلاقتهما السامة! هي لن تسامح و هو لن يغير من نفسه من أجلها، يكفيها أيام القهر و الوجع التي عاشتها معه، عليها البدء في حياة أخرى، حياة بدون معاذ أو سم عشق معاذ!

نهاية الفصل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي