25مثيرة للمتاعب

صوفيا
خرجتُ من الغرفة التي جمعتني بلوسيا ، اتلفتُ حولي ؛ خشية من أن يراني أحدهم ، وذلك بعد أن أخبرتني شقيقتي بأن هذا الجناح عائد للبيتا چاكوب الذراع الأيمن لألكساندر ، وبما أنني محبوبة من قِبل الجميع هنا ، فحتماً لن يفوتوا خبر كهذا ، لن أجازف بأن يصل إليه أنني كنت بغرفة رجل آخر ، يكفي ما حدث عندما جاء نيكولاي إلى هنا ، فهو لن يمرقها لي ، يكفيني مصائب للآن .

اللعنة !! على ما يبدو أن هذه الليلة لن تشرق لها شمس ؛ فما إن تجاوزت منتصف الردهة حتى اختبأت سريعاً خلف أحد الأعمدة ، وذلك بعد أن رأيتُ على بُعدٍ مجموعة من خادمات الأوميغا قادمات نحوي ، ولكنني أفلتُ منهن بأعجوبة .

أغمضتُ عيني استنشق قسط من الهواء ، أحاول التركيز لإيجاد مخرج من هذا المأزق .

زفرت براحة عندما وجدت نافذة بالجهة المقابلة ، وبقت المعضلة ألا وهي صرف انتباههن لثانية ، فقط ثانية .

خلعت حذائي أصوبه بمهارة إلى رأس آخر من تتبعهن ، فصرخت متأملة ، ومن ثم التفتت إليها الأخريات ، وها أنا أقفز برشاقة من خلال النافذة .

ابتسمتُ بحماسةٍ عندما استقرت خطاي إلى جوار إحدى الشجيرات التي ينمو على جذعها نبات السماق السام .

في تلك اللحظة أردت لو أنني أستطيع الخروج من هنا ؛ كي أذهب لرؤية معلمي شيزار لأشكره على صنيعه معي .

بل إنني أحببت الظروف التي جعلت مني شخص منبوذ في الماضي ، فانخرطتُ في تسلية وقتي وإيجاد شيء أصرف به عقلي عن التفكير والوحدة القاتلة ، وما كان هذا سوى على يد الحكيم شيزار الذي تعلمتُ على يديه التداوي بالأعشاب .

ومثلما أكسبني المعلم شيزار الخبرة في معرفة فوائد كل عشبة ، علمني أضرار البعض الآخر .

تأففتُ بضيق ، وأنا أمشط المكان بأعين باحثة ، حتى رأيتُ وشاحاً عالقاً بأحد غصون شجرة .

التقطته على الفور ، أمسك به براعم ذلك النبات ، وأنا أتحاشى ملامسته لبشرتي .

ألورا باستياء ،
- " هاااي !! أنتِ أيتها الشريرة !! يكفي ما جمعته ، ودعيني أخبرك بأن ما تفكرين به سيزيد الأمور تعقيداً "

انحنيتُ التقطتُ فردة حذائي الأخرى بيدي ، فكيف لي أن أسير بفردة واحدة !! وأنا أزجر ذئبتي ، قائلة ،
- " اللعنة عليكِ وعليه وعلى الجميع على حدٍ سواء ، تلك الحياة لا تناسبني ، لم أكن أحافظ على نفسي لرجل تشاركني به آخرى ، فليذهبا كلاهما إلى عمق بئر الجحيم .

- وأنتِ!! إياكِ وأن تلعي بكلمةٍ واحدة في حضرته دون أن أسمح لكِ بهذا ، يكفيني المعاناة التي أتكبدها كي أحجب أفكاري عنه ، ولا أعلم كيف يمكنه فعل هذا بكل هذه السهولة ؟! إنه أمر شاق للغاية ".

ألورا بإمتعاض ،
- " لا أفهمكِ حقاً !! فتاة أخرى في نفس مكانكِ كانت ستقتنص الفرصة وتسيطر عليه ، خاصةً وهو بكل هذا التشتت ما بينكِ وما بين القميئة هيلا.

- احتويه صوفيا ، احتويه واقطعي السبل على هيلا ، واجعليها تموت من الحسرة " .

تحلقت مقلتاي ، أصيح بها ،
- " حتى وإن كان ما تقولينه مغرٍ ، وتلك المتعجرفة تستحق أكثر من هذا ، خاصةً بعدما استمعت إليها تخطط مع وصيفتها لقتلي بالسم ، ولكنني لا أرغب في أن ارتبط بشخص مذبذب گألكساندر .

- يحبني ، ولكنه على استعداد لسحق أي شيء في سبيل طموحه ، ولو أصبحتُ عقبة في طريق تحقيق أحلامه بفرض سيطرته على القطر بأكمله سيتخلى عني ، وسيُبقي عليها هي ، إنها هيلا ابنة قائد قطيع الآلهة ، أما صوفيا مارقة ، لا طائلة من ورائها " .

زمجرت ألورا بضيق ، ولكنها اعترفت تقول ،
- " معكِ حق صوفيا ، ولكن ريد بِصفِّنا؟! "

أجبتها بقلة حيلة ،
- " وما الفائدة ما دام ألكساندر هو صاحب القرار ؟!

- لا تُقَلِّبي علي المواجع ألورا ، يبدو أن الحظ لا يعرف الطريق إلي ، وها أنتِ قد أصابتك لعنة حظي العسر " .

دخلتُ إلى بهو القصر ، وكل من ألقاه في طريقي ينظر لي بأعين مستديرة وكأنني أرتكبتُ فعلاً شنيعاً ، خفضتُ بصري ؛ اتفحص ثيابي ربما هناك شيء ملفت كاتساخ أو شيء عالق بها ، ولكن لا شيء !!

رفعتُ يدي الممسكة بفردة الحذاء ، أضعه تحت إبطي ؛ كي أتمكن من هندمة خصلات شعري لربما هذا هو سبب نظراتهم المستنكرة ، وما كدتُ أن أفعل حتى استمعتُ إلى صوت صراخ امرأة أشبه بسرينة الأسطول البحري المغادر للمرسى استعداداً للحرب .

توجهت أنظاري إلى حيث مصدر الصوت ، وإذا بها الليدي ريتشي تجلس بتألقٍ في زيها الفاخر على إحدى الوثائر المطلاة بماء الذهب ، ولكن ما بها ؟! لِمَ يبدو عليها كل هذا الغضب وكأنه قد توفى لها عزيز تواً ؟!

اقتربتُ منها، اسألها بفضول ،
- " ما بكِ خالة ريتشي ؟! هل لدغكِ عقرباً ؟!"

انتفضت ريتشي من مجلسها ، تقول لي بإزدراء ،
- " خالة !! عقرب !! وهنا في القصر ؟! أي بلاءٍ هذا يا إلهي ؟!

- أنتِ؟! ماذا يفعل الحذاء بيدكِ يا همجية ، إنه يُنتعل في القدم؟!"

ابتسمتُ لها بسماجة أقصدها ، وأنا أجيبها ببرود ،
- " أعلم ، ولكنني قلتُ أن أشفق عليه وأحمله قليلاً ، حتى الجماد يمكنه أن ينفجر إذا ضغطته خالة . فما بالكِ بالهمج أمثالي ؟! " .

ابتلعت ريتشي رمقها بتوجس ، عندما رأتني أقطع المسافة الفاصلة بيننا ، وأنا أرمقها بحاجبٍ مرفوع ، أهز النعل الذي بيدي ، أنظر إليه تارة وإليها تارة أخرى ، ولولا كبريائها ، لالتقطت ذيل ثوبها ، تطلق العنان لساقيها ؛ خوفاً من أن أرتكب أي حماقة معها ، وللحقيقة كان شيطاني يراودني أن أفعلها ، وأحقق مبدأ العدالة الاجتماعية .

إذا كانت فردة الحذاء  الأولى قد أصابت رأس واحدة من الأوميغا ، فماذا فيها إن نالت الثانية من رأس ملكتهم ؟! أرى أنها العدالة في أبهى صورها .

تبخر ثباتي عندما رن صوته الغاضب ليرج أركان القصر ، وهو يصيح باسمي ، وگأنني جندي بطابور عرضه بالجيش ، وقد اقترفتُ ذنب الخيانة للقبيلة ، ذكرني بأبي ويلسون عندما كان يغضب ولا يجد أحداً يفرغ به طاقته السلبية سواي .

استمِعُ إلى خطواته التي تسحق الأرض أسفلها أعليّ ، وهو يطل برأسه من سور البهو الذي يفضي إلى ساحة القصر ، يعتصر حافة جداره بقبضتيه حتى أبيضت مفاصلهما ، وبرزت عروق ساعديه ووجهه ، يقول وهو يجز على أنيابه بغيظ ،
- " سأقتلكِ صوفيا "

ابتسمتُ أجيبه ، وأنا أرفع يدي ألوح له بالحذاء ،
- " حبيبي ألكس ... أفتقدك كثيراً حبي"

ثم التفتتُ إلى ريتشي ، أخفض بصري بخجل مصطنع ، أتمتم ،
- " استأذنكِ خالة ، يبدو أن ابنك أدمن الهمجية ولا يقوى على فراقها ، انظري إليه ، مسكين !! "
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي