لقاء

الفصل الثالث عشر ....

شعر برغبة شديدة فى رؤيتها، ف منذ حديثها الأخير معه حينما حضرت ورد ووالدتها لم يهنىء بقربها .
يحدثها يومياً فى الهاتف للأطمئنان عليهم ولسماع صوتها ولكن يفيض القلب شوقاً لها .

لا يريد أن تقوم زوجته الأولى بأى فعله تنغص على سارة حياتها تؤدى إلى أى رد فعل منه يندم عليه بعد ذلك، فمهما كان هى أم بناته، وهو لا يستطيع العيش بدون بناته.

ورغم ذلك لا يشعر أنه عادل، لما تزوج الأخرى ؟
ليحافظ على ابن أخيه ؟ ليحافظ على عرضه ويبعده عن كل طامع ؟ ينول مراد قلبه الحزين بعد سنوات طوال من الحرمان والحب من طرف واحد والدقات المستترة ؟
ومع ذلك لا يذهب لرؤيتهم، لا يداعب طفل أخيه ويتركه وحيداً حتى لا يهنىء برؤية حبيبته بعد أن أصبحت زوجته .

قد يتحول الخوف أحياناً إلى جُبن وخضوع ويا لعار جُبن العشاق .

قرر أن يمر عليهم يومياً بدلاً من تلك المكالمة، ليداعب طفل أخيه ويطفىء تلك النيران التى فى صدره قليلاً.

أغلقت محلها وصعدت إلى شقتها برفقة صغيرها، أدت مهامها على عجالة تاركة الصغير يلعب قليلاً قبل حمامه الدافىء قبل النوم، لتمسك بهاتفها منتظرة مكالمته اليومية.
وها هى الحادية عشر تدق ويدق معها قلبها بفرحة كبيرة، شعرت بالقلق لأنه لم يتصل فهو فى تمام الحادية عشر يحدثها، لكنه لم يفعل .
تمكن القلق منها بعد نصف ساعة من الوقت لا تدرى هل أنشغل ونساها أم أصابه طارىء أم ماذا ؟
هل تتصل به أم تنتظر مكالمته لها؟
تنظر بقلق وخوف وخيبة أمل إلى الهاتف بعد مرور ساعة أخرى .

دق باب شقتها بهدوء ف قامت بفتحه بملابسها المنزلية الصيفية لأطمئنانها أن الطارق إما أن يكون أم عمر أو ورد فلا أحد يطرق بابها فى ذلك الوقت سواهم.

فتحت الباب لتجده أمامها، ظلت واقفه فى مكانها غير مستوعبه ما يحدث، هل من كانت قلقه بشأنه كل ذلك يقف أمامها الأن.
لم تتحدث بأى كلمه تنظر له فقط أما عنه فتلك مرته الأولى التى يراها بتلك الملابس، تلك هى مرته الأولى منذ سنوات الطفولة التى يرى بها شعرها .
فلم تختلف كثيراً فهى من خطفت قلبه ومازالت تخطفه كلما رأها.

أبتلع ريقه بصعوبه وعقله يوبخه بأن قدومه هذا قد يكون هلاكه، إن كان أستطاع أن يسيطر على نفسه كل هذا الوقت فلن يستطيع وهى أمامه وبتلك الهيئة .

وأخيرا تحدث أحدهم .
_ أنا هفضل شايل الحاجات دى كتير .

قالها بصعوبة بالغة لتبادر هى بحمل بعض الأكياس من يده وتسبقه إلى الداخل تاركه له مجالاً للدخول .
وقف متردداً، يناه عقله ويحثه قلبه .
إلى أن طاوع هواه وأستكان لقلبه وأزاح عقله قليلاً عن طريقه .

كانت تائهه فرحة لدرجة أنها لا تشعر بما ترتدى أمامه، وضعت ما تحمل فى المطبخ ثم عادت لتجده يفتح بعض الألعاب الجديدة مع ابنها ويضحك معه .

ألتفت إليها يحثها أن تقترب، ف جلست بجوارهم تبتسم إلى أن لمحت جزء من ساقها ظاهراً،فأنتبهت إلى منامتها القطنية القصيرة وشعرها المنسدل عليها، أتسعت عيناها بصدمة لما يحدث فهبت واقفه لتذهب إلى غرفتها وترتدي أقرب إسدال طالته يداها.

بعدها خرجت على أستحياء تنظر فى الأرض تجلس فى مكانها مرة أخرى وكان هو فى نفس وضعه السابق لم يتغير منه إنش.
ظنت أنه لا يبالي بما حدث وأنه لم ينتبه إلى الأساس، إلا أنه باغتها بحديثه دون أن ينظر إليها.
_ أنتى مراتى، فاكرة ؟

نظرت إليه بتوتر ليكمل دون النظر إليها .
_ يعنى من الطبيعي أنك تكونى براحتك معايا .

جلس بجوارها بعد أن أبتسم للصغير المندمج فى لعبته الجديدة ثم نظر إليها ثوانى بعدها رفع يده ليزيح حجابها عنها بهدوء، ويكمل حديثه بهمس حارق لكليهما .
_ يعنى من حقى أشوف شعرك.

وأكمل لامساً لشعرها .
_ ومن حقى ألمسه .

قلبها يدق بسرعة يكاد يخرج من بين ضلوعها، ما بالك يا قلبي لم تشعر بهذا إلا معه ؟
أما عنه فلا يري سوي حبيبة طفولته وحبيبة كبره ومصدر ألمه طوال سنوات، يقترب منها وكلما أقترب تذكر حزنه الشديد يوم خطوبتها على أخيه ورؤيتهم معاً بين الأهالى، تذكر ليلة فرحهم وسفرهم إلى الخارج، تذكر قلبه المحترق المعتصر ألماً من حرمتها عليه ف "الحمو موت" ف منع نفسه عنهم سنوات خوفاً من ذنب يقع فيه خوفاً من خيانة قد تهلكه .
كلما تذكر وجعاً أقترب منها أكثر ليطفىء ما أحرقه ليالٍ.
إلى أن ينال منها أول قبلة لهم، نهاه عقله عن أن يستمر وحثه أن يفق لكنه تجاهل تحذيرات عقله مستجيباً لقلبه وما زاد إصراره شعوره بإستجابة من بين يديه.
أشتعل المكان حوله بل أحترق فلم يشعر سوى جذبه لها وحملها إلى غرفتها لتصبح وأخيرا ... زوجته.

نسمة هواء عليلة داعبتها بعد نوم والدتها لتنظر إلى " كمانها"، لتأخذه وتخرج إلى السطح أمامها، كان السطح ممتلىء بالزروع والورود فى كل مكان، به مكان جانبي مهيىء كجلسة للأصحاب، وقفت فى تلك الجلسة ساندة على سور السطح خلفها مشهد بهيج لباقى المنطقة .

تعزف لأول مرة منذ وفاة والدها .

شعرت بألم شديد ونزلت دمعاتها ثم أندمجت فى العزف بمقطوعة حزينة تعبر عن مكنونها .

كان موعد عودته، فلم يعود للمنزل منذ خروجه صباحاً ليسمع عزفها الذى يحفظه عن ظهر قلب .

ف صعد تلقائياً إليها، وجدها تقف وردة بين الورود، لا تختلف عنهم كثيراً ليستمع إلى عزفها لنهاية المقطوعة، ثم صفق بهدوء .
نظرت له فى البداية بفرحة ف ها هو جمهورها الوحيد قد عاد، ابتسمت ومسحت دموعها ثم تحولت نظرتها إلى الغضب، أقتربت منه تلكمه فى كتفه .
_ كنت فين كل ده ومش بترد على فونك ليه ؟

أمسك بكفها الرقيق الذى يؤلمه قليلاً ، فما زال لم يشف تماماً من الحادثة .
_ يا بنتى أصبري، كتفى.

_ كتفك؟ دا أنا هكسرلك الكتف التانى دلوقت .

_ بقولك إيه الحزام الأسود بتاعك ده طلعيه على غيرى، وماتنسيش أنى السبب فيه .

ضحكت متذكرة سعيد فى الصباح بطريقة أثارت أستغرابه .

_ تعرف سعيد صاحب المحلات اللى ف أول الشارع.

_ اه .

قصت له ماحدث ف ضحك فى البداية متخيلاً ما حدث ثم تحدث بجد بالغ .

_ ورد، أبعدى عنه تماماً ولو فكر يقرب منك قوليلي بس وملكيش دعوة بيه، سعيد حد مش سهل ولا بسيط .

_ يفكر بس يقربلى وأنا ...

تحدث مقاطعاً حديثها المتهور مثلها .
_ أسمعى اللى بقولك عليه،فهمتى .

عقدت ما بين حاجبيها ف أكمل.
_ معنى أنه عمل كده يبقي أنتى ملبستيش النقاب ؟

هزت رأسها بإيجاب منكسة رأسها كقطة أليفه خائفة .
_ ما أنا صبغت شعرى ولبست لينسز أهو علشان محدش يعرفنى .

هز رأسه بقلة حيلة ثم قال :
_ بس اللون حلو عليكي .

أبتسمت كفتاة بريئة خجلة تمسك بأطراف شعرها .
كم لتلك الفتاة من شخصيات ستقتله يوماً كما أسرته سابقاً .
_ وحشنى عزفك أوى على فكرة .

حينها ظهر الجزء الحزين منها مرة أخرى لتبتسم بحزن وتمسك ب" كمانها "
_ فاكر يا ياسين بابا لما كان بيتخانق معايا كل شويه بسببه وأنت كنت تقعد تواسينى؟ هو سابنى ليه ؟ أنا كان ممكن أكسر الكمان والله بس هو مايسبنيش ولا يبعد، الدنيا يا ياسين وحشة أوى من غيره وهما زى الديابة بينهشوا فيا، عمى مافكرش لحظة فيا وعمتى كان نفسي بس تحضنى مرة، محضنتنيش ولا مرة من وقت وفاة بابا، بالعكس دى جات عليها معاهم.

كانت تتحدث ودموعها تتساقط، يقف أمامها لا يستطيع حتى الربت عليها يتألم لتألمها ويحزن لحزنها ولا يستطيع لمسها، همه ثقيل ولو أستطاع لأخذها وهرب من الجميع .
_ مقالش حاجة خالص يا ياسين قبل ما يمشي؟ ما وصاش عليا حتى ؟

نظر إليها متذكراً ما حدث يومها ليشعر بفوران الدماء فى جسده ولكنه أخفى ذلك، فإن تفوه بكلمة قد يودى ذلك بحياتها، يكفيه ما يحدث لها وله الأن .

_أنت مش بترد عليا ليه ؟

أقترب منها ليمسك كفها بهدوء مبتسماً.
_هو طول الوقت كان بيوصينى عليكي، أومال إيه اللى مورطنى معاكى لغاية دلوقت .

تبددت ملامح حزنها ليحل الغضب مرة أخرى، شدت كفها من بين يديه عاقدة مابين حاجبيها .
_ مورطك ؟ ياسين من فضلك متكلمنيش تانى وأبعد عنى تماماً، تمام ؟

قالتها مبتعدة عنه متجهة إلى شقتها.

_ خدى بس أقولك .

نظرت له بتعالى وقرف بعد أن وصلت إلى باب شقتها وأبتسمت بتشفي ثم أغلقته فى وجهه.

ضحك بصوت عالى بعد فعلتها ونزل إلى أسفل، لتبتسم هى خلف الباب بعد سماع صوت ضحكته، تعلم أن شعورها ناحيته مختلف وغريب لكنها تحب ذلك الشعور .

بعد غفوة قليلة حصل عليها بجوارها، أستيقظ فوجدها نائمة على ذراعه بثبات عميق، لمس وجهها بطرف أصابعه ثم قام بهدوء ليحمل مالك النائم بجوار لعبته ويضعه بجوار والدته.

أرتدى ملابسه ثم خرج من الباب يغلقه بهدوء فوجد ياسين خلفه.

نظر الأثنان إلى بعضهما دون حديث ثم نزلا إلى شقة ياسين .

جلس يزيد بجوار ياسين وكل منهما منتظر الأخر ليبدأ .

كان كلا منهم يعلم بشعور الأخر نحو حبيبته .

قطع الصمت الأثنان معاً.

_ أنا عايز أتجوز ورد.

_ أنا أتجوزت سارة .

نظر ياسين ل يزيد غير مستوعباً الأمر فى البداية ثم بعد أن فهم لم يستطع كبت إبتسامته فهو يعلم كل العلم مقدار عشق رفيقه لزميلة طفولتهم .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي