23البيتا چاكوب

كنت في الثامنة عشرة من عمري ، عندما تم أسري وجئت إلى هنا ، سُجِنتُ في هذه القلعة أكثر من عامين ، منذ ذلك الحين وأنا عبدة له .

اعتزلت الحياة عنوة .
لم يكن لدي أصدقاء ولا أحلام مستقبلية ، اختلفت حياتي كليًّا بعد أن كنت أعيش في صخب والجميع يطلب وصالي ، أصبحت الآن منبوذة .
ترى هل ما أُعانيه الآن ذنب أُكفِر عنه ؟!
لم يكن الأصدقاء رفاهية مسموح لي بها ، لأن البيتا چاكوب هو من أمر بذلك .

أي شخص يرتكب خطأ بمصادقتي، كان يخاطر بمواجهة غضب نيكولاي.
لذلك لم يقترب أحد مني ؛ خوفاً من عقابه.

لم ينته بؤسي بسجني ، لكن البيتا أوضح لي في كثيرٍ من المرات عندما رأى نظرات الحب بعينيَّ له ، أن القمر لا يمنح هبة الحب للأشرار أمثالنا ، مثلي ومثله .

تحطم قلبي إلى أشلاء بسبب كلامه المهين هذا، كل ليلة أبيت ودموع القهر هي شريكتي في رحلة عذابي معه .

مسحت الدموع التي انهمرت على خدي ؛ بالنهاية كنت أعلم أنني لست جيدة بما يكفي ليكون لي رفيق مثله.

إنه محق ؛ فأنا قبل لقائه كنت فتاة مارقة سيئة وأنانية للغاية لا تحب إلا نفسها.

لم يكن لدي سوى أمل واحد ، كل ليلة قمرية كنتُ أصلي أن يكون هذا هو اليوم الذي يتقبلني كرفيقة له وتستمتع الآلهة إلى نجواي .

نفضت أفكاري المؤلمة تلك بعيداً ، عندما أجفلتُ لدى استماعي إلى صوت كبيرة الأوميغا تقولي لي ،
- " اسرعي ، فهناك أعمال كثيرة بانتظارك " .

أجبرت نفسي على التركيز على المهمة التي بين يديّ. لم يكن لدي وقت للشفقة على حالي .

باشرت عملي  كمسئول عن تنظيف الأجنحة في قلعة قطيع القمر الأحمر ، كان لا يزال لدي جناح واحد لكي انهي مهامي بالأعلى لهذا اليوم ؛ كي أتوجه إلى الخدمة بمطبخ القصر .

كانت حصتي اليومية من تنظيف الغرف هو عشرة أجنحة في اليوم . چاكوب كان مصراً على أنه لن يتسامح إذا تقاعست من جهتي، فإما أداء عملي على الوجه الأمثل أو يكون العقاب هو جزائي ، وتلك هي حياتي التي مازالت مستمرة حتى يومنا هذا .

زفرت أنفاسي بقلة حيلة ، وتوقفت خطواتي الخائرة عندما وصلت إلى جناح چاكوب الذي احتل حبه قلبي وصار ساكنه ، وتسائلت كيف للمرء أن يعشق شخص إلى هذا الحد وفي الوقت ذاته يهابه كثيراً ؟!

طرقت الباب بقوة للتأكد من أنه ليس موجود بالداخل ، وعندما لم يأتني الرد ، طرقت مرة أخرى ودقات قلبي تتسابق مع حركة يدي .

قبضة تعتصر نابضي وأنا استحضر ذكرى قريبة، لم أكن أريد أن يتكرر المشهد القاتل الذي حُفِر بقلبي مثل كي النار .

في الأسبوع الماضي ، وبعد الطرقة الأولى ، وعندما لم يرد علي اعتقدت أنه قد غادر الجناح ، لذا سمحت لنفسي بالدخول.

تصلب جسدي من هول ما وقعت أنظاري عليه ، وشُطِر قلبي إلى شظايا ، وذلك عندما وجدته عارياً تماماً يضاجع فتاة فوق سريره .

لم تطاوعني قدماي ، ورفض عقلي الاعتراف بالحقيقة المروعة ، وهي أنني أقف على بعد أقدام أشاهد رفيقي وهو يمارس علاقة مع غيري .
أي عذاب هذا ؟!

في تلك اللحظة وبلا مبالاة أدار رأسه نحوي، ودون أن يتوقف عما يفعله أعطاني چاكوب ابتسامة أصبحت أعرفها جيداً .

لقد كان مستمتعاً برؤيتي على تلك الحالة ، إنه يتفنن في تعذيبي .
كم هو قاسٍ بلا قلب ؟!

تسمرتُ حينها في مكاني ، واستغرق الأمر عدة ثوان  أخرى قبل أن أتمكن من الخروج من الحالة التي كنت فيها ، تراجعت إلى الخلف ، أهز رأسي برفض ، ولا أعلم لِم تمتمت والدموع تنهمر على وجنتاي ؟! - "أنا آسفة".

وبعدها غادرت الغرفة وأغلقت الباب ، وأنا ألوم حالي ؛ ما كان يتوجب علي الاعتذار ، هو المخطئ ، لا ... بل قلبي هو من يقع عليه كل الإثم ، أنا من عشقتُ سجَّاني.

صوت ضحكاته التي استمعتُ إليها تلك الليلة بينما كنت أركض على الدرج لا زال يتردد صداها بأذني .

لم يكن هناك مجال للشك .
إذ كان چاكوب يعرف بالضبط اليوم والوقت الذي أنظف فيه جناحه . كان يتعمد أن أجده على هذه الحالة حتى يتمكن من تعذيبي وتحطيم كبريائي . إنه أراد قتلي مع سبق الإصرار والترصد . وعلى ما أظن أنه قد نجح بذلك .

حاليا وفي هذه اللحظة ، أخذت نفساً عميقاً وطرقتُ الباب للمرة الثالثة ، منتظرة أطول وقت ممكن قبل الدخول . وعندما لم أجد سوى الصمت ، أدرت المفتاح وفتحت الباب ببطء .

ألقيتُ نظرة خاطفة في الداخل قبل أن أتنفس الصعداء حالما وجدت أن الغرفة خاوية .

بدأت العمل بسرعة ، وتعاملت مع ملاءات السرير أولاً .
كانت الغرفة عبارة عن فوضى تامة أشبه بمكب للنفايات .
أصابني الغثيان عندما وجدتُ آثار جولاته مع الفتيات باقية على الفراش.

وها هنا ملقى على الأرض بإهمال بعض قطع الثياب النسائية ، مِلتُ التقطها باشمئزاز ، أضعها بسلة جلبتها معي إلى هنا ، وبالرغم من مشاعر البؤس التي تراودني إلا أنني توجهتُ إلى مشجب معلق عليه لباس يخصه.

بإيدٍ مرتجفة أمسكت بقميصه أضمه إلى صدري ، وأنا أشم رائحة جسده العالقة به ، لا يمكن أن يخيب ظني ، إنه رفيقي ... رفيقي المقدر ... أقسم على ذلك، ولكنني أجهل لِم يعاملني بكل هذا القدر من العداء؟ !!
كيف لم يتعرف على رفيقته حتى الآن ؟! أكاد أن أچن .

ريثما انتهيتُ من التنظيف خرجتُ من الغرفة بقلب حزين للغاية ، والدموع تحجب الرؤية أمامي وأنا أهبط الدرج .

فجأة اصطدمت بشخص ما . وعندما رفعت عيني لأبصر ما عاق طريقي ، تلجم لساني من شدة الصدمة عندما تعرفت عليه.

وهتف كلانا في نفس الوقت ،
-" صوفيا !! لوسيا !! "
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي