قوة متذبذبة

" استيقظِ ، سا...شا "

" ههمم " همهمت ابعد تلك اليد التي تهز كتفي باستمرار وتزعج نومي.

" ساشا نحن امام الاكاديمية الا تريدين النزول ؟"

بعد تلك الكلمات فتحت عيناي على وسعهما انظر الى ذلك الوغد واسترجع ذكريات امس بداخل عقلي، رفعت يدي حتى الكمه لكنه انسحب من السيارة على الفور وفتح لي الباب.

اقتربت منه امسك بياقة قميصه " أيها الوغد اللعين كيف تجرأ على ان تضع المنوم في شرابي "

تنهد وهو يمسك يدي ويبعدها عنه " سأشرح فعلتي لاحقاً، رتبي شعرك ودعينا ندخل "

بعد ان رما كلامته شعرت بالحرج الشديد، هل شعري يبدو بهذا السوء ؟ نظرت من مرأة السيارة لأرى ذلك المهرجان الذي أقيم في شعري  يا اللهي هل خرجت بهذا الوجه الاحمق والشعر المجعد ؟.

عدلت خصل شعري جيداً ونزلت من السيارة متوجها الى ايثان الذي يقف جانباً مع امتعتي والفضل له انا لم الحظ اني اقف امام تلك الاكاديمية التي اخبرني عنها، ويال العجب ، هل هذه اكاديمية ام مركز تدريب لترسانه عسكرية او قصر مهترء من العصور الوسطى !!.

المبنى ضخم للغاية وعلامات القدم والأهتراء تسيل منه لتجعلني فارغة الفاه.

دق كتفه بكتفي " لا يزال هناك الكثير لتعجب بشأنه، دعينا ندخل "

نظرت له بسخط ثم اكملت السير اتخطاه لأمشي امامه.

" هذا رائع، اذن قودي الطريق أنتِ الى مجلس الادارة " ابتسم لي يعقد يداه.

" لتصحيح معلوماتك لو سرت خلفي لن أقودك الى اي مكان سوى الجحيم " اردفت ابتسم بسخرية ليرد الابتسام لي.

هل هو روبوت مبرمج على الابتسام دائماً ؟

مشى حتى وصل الى جانبي " للأسف لا انوي الذهاب الى الجحيم الان " قهقه ثم أكمل سيره وهو يهز برأسه.

أنه يسخر مني حقاً ! انتظر فقط ساشا ليست مجرد أقوال وترهات أنا حقاً سأقودك الى الجحيم بحيث لن ترجع أبداً يا سيد برتقالة.

دلفنا الى الداخل بعد البوابة الرئيسية لأتعجب أكثر كما قال إيثان لي، ظننت لوهلة أنني سأجد سيوف ودروع من العصور الوسطى، الامر مختلف في الداخل تماماً.

وقفت مندهشة في مكاني قبل أن اركض للخارج واتأكد أن كانت هذه نفسها الاكاديمية المهترئة التي دخلنا اليها، هي نفسها هذا صحيح لكن لما حقاً الداخل مختلف بشكل كلي.

" يجب أن نكمل ساشا ، ستندهشين وتركضين كالمجانين لاحقاً " هل أنا نكته بنسبة له !

" سيد سخرية أنت بالطبع ترغب ببقاء رأسك على جسدك " عقدت يداي أرد السخرية.

ابتسم بوسع يظهر غمازتيه " ومن لا يرغب بذلك ، لنكمل " ادار ظهره يمشي.

هو يثير حنقي بهذه التصرفات البارده، كيف يمكنني أستفزازه واللعنة !

مشيت خلفه في ساحة الاكاديمية الواسعه ذات الأرصف الحجرية، وأنا اعترف انها حقاً من أكثر الساحات رقياً التي شاهدتها في حياتي.

تتوسط الساحة نافورة مياه بيضاء اللون ويتخللها عروق صفراء، داخل تلك النافورة تسبح أسماك الكوي متعددة الالوان بقناة توصل الى أطراف الساحة، لاحظت أيضا المقاعد الفاخرة التي اكتست بذات اللون مع النافورة لهذه الساحة.

كما وضعت على الاطراف طاولات رخامية بيضاء وضعت عليها علب طعام الاسماك، المكان هادء ولطيف هنا ومتناقض تماما مع شكل الاكاديمية الخارجي.

دلفنا الى المبنى الرئيسي الذي تميز ببلاط أبيض مع خطوط مائلة الى اللون التركوازي وأقسم أنها تلمع أكثر من وجهي، يمكنني رؤية انعكاس وجهي المنتفخ من النعاس عليه.

كما توجد أبواب عديدة منتشرة على طول المكان من اليمين واليسار، أقتربت من نافذة أحد الابواب أسترق النظر الى الداخل أثناء انتظارنا لوصول المصعد، مقاعد خشبية مصطفة بأنتظام فوق بعضها البعض بتدريج وأمامها سبورة كبيرة الكترونية وطاولة لكن القاعة كانت فارغة والممر هادء أين هم الطلاب ؟.

اشار لي الى المصعد حتى نصعد ولحقت به، دلفنا الى المصعد ذو المراية الضخمة والطراز الراقي، أخرجت من حقيبتي الصغيرة احمر شفاه ووضعت القليل بينما أعدل خصل شعري أيضاً.

" جميلة بدون أي إضافات " نظرت الى ايثان ليبتسم أبتسامة جانبية.

" أعلم هذا " قلبت عيناي بعدم أهتمام، الوغد لقد شعرت بلاحراج.

وقف المصعد عند الطابق الرابع ومشينا معاً، وقفنا أمام باب أحد الغرف بجانبه لوحة كتب عليها " شؤون الطلبة " طرق الباب إيثان قليلاً ثم أنتظر حتى تلقى الرد ودخلنا معاً.

أخذت عيناي تجول في المكان بدهشة حتى ثبتتا على الطاولة امامي والكرسي ذو الجلد الاسود الذي يجلس عليه، حقاً لا أعلم مالذي يجب عليي قوله عنه، لا أظن ان كلمة وسيم قد توفي بحقه ؟ ربما ملك جمال ؟ نعم أظن ان هذا اللقب يليق به.

" كيف حالك يا روديون " أردف إيثان يجلس على الكرسي أمام الطاولة ثم يشير لي لاجلس أمامه.

" بخير، وانت أستاذ إيثان كيف كانت مهمتك ؟" واللعنه صوته يناسبه تماماً رجولي كما وجهه.

تنهد إيثان " كانت بخير " صمت لبرهة قبل أن يكمل وقد قطب حاجبيه بأنزعاج " لولا تدخل النقابة "

نفث الهواء من بين أسنانه وهو يقلب بأوراق امامه " تلك النقابة اللعينة الى اي مدى تنوي الوصول، على كل حال ارى انك احضرت فتاة معك " نظر نحوي بأعينه الزمرديات وابتسامته الساحرة التي تشبه ابتسامة توم كروز.

" هذه الفتاة متفرده اكتشفناها عن طريق الصدفة واحظرتها معي بما أنني متوجه الى هنا " شرح له الامر مع أنني لم أفهم ما يقصده بمتفرده.

نهض من على الكرسي وجلس الى جانبي " سأعتني بها من هنا يمكنك الذهاب، المدير أخبرني أن تتوجه الى مكتبه بعد ان تعود "

" حسنا اذن، ساشا روديون هنا سيعتني بأمر تسجيلك، سأكون مشغول لفتره، حالما أنتهي سألتقي بكِ على الفور " وقف يعدل ثيابه ويومأ لي ثم يرحل ويغلق الباب خلفه.

اعاد روديون عيناه لي بعد ان كان ينظر الى إيثان حتى خرج، ابتسم بوسع " أذن هل نبدأ ؟ "

" نبدأ ماذا ؟" رفعت حاجباي بوجه احمق متفاجأ.

ضحك بخفة وحسناً لن اكذب لكنه خطف قلبي بالكامل بهذه الضحكة " اعطني يدك " مد يده لي.

" لماذا ما الذي تريده من امساك يدي " نظرت الى يده المعلقة في الهواء بتشكيك.

" انا اطلب يدك لفحصك ليس وكأنني اطلبها لزواج بك " لما الوسيمون دائماً اوغاد ؟.

رفعت يدي اضعها في يده، امسك يدي " انظري الى عيناي وحتى لو احسستِ ببعض الخدر في اطرافك لا ترفعي عيناك ولا تحركي يدك اتفقنا ؟"

" لحظة ..لما ." قبل ان اكمل كلامي قاطعني بقوله " لنبدأ "

احكم امساكه بيدي وعيناه الزمردية توهجا اكثر من ذي قبل، شعرت بالتنميل في اطراف قدمي ثم صعد تدريجياً حتى وصل إلى يداي بينما عيناي وتفكيري بأكمله يسحب مني ببطء، عقلي اصبح فارغاً واختفت الأصوات من حولي وكأن جميع حواسي تعطلت وبت لا أرى امامي سوى ذاك الوهج الزمردي من اعين روديون، نفسي يضيق تدريجياً والسواد يحيط المكان.

سحب يده من يدي واغلق عيناه ثم عاد لفتحهما لترجعا الى طبيعتهما " انتهينا، بعد قليل ستستعيدين وعيك بالكامل "

" اعد كلامك " اجبته بغباء منذ ان عقلي فارغ ولا استطيع التفكير بشيء لكن بعد دقائق بدأت استعيد حواسي وادراكي جيداً.

نظرت الى ذاك الوقح الذي يجلس على مكتبه بين الملفات الورقية وهو يعمل بصمت " ما الذي فعلته بي ؟" سألته بنبرة امتعاظ بينما ارسم ملامح الغضب على وجهي.

" لقد فحصت نواة القوة لديكي لا اكثر، انه اجراء روتيني لأجل سلامتك لذا لا تقلقي " اجابني بدون النظر الى وجهي.

قلب بين الأوراق حتى اخرج احداها وناولها لي " املئي هذه الاستمارة بمعلوماتك وسلميها لي "

تناولت الورقة من يده ببرود وتفحصتها " الاسم فقط دون الكنية ؟، لماذا الاسم فقط " سألته.

" كي لا تكون هناك أي تفرقة ، نحن هنا يد واحدة مهما اختلفت اعراقنا " اجابني بابتسامة لأهمهم بفهم، من الواضح انها اجابة كاذبة.

اخذت قلم وجلست ادون معلوماتي داخلها، انهم يطلبون تسجيل الوزن والطول ايضاً ؟ اليست طلباتهم غريبة بعض الشيء؟ عليّ مجاراتهم في الوقت الحالي حتى أفهم ما التهديد الذي سيطول عائلتي.

" انتهيت " قلت بعد برهة اغلق القلم واناوله الورقة.

" اشكرك " تفحصها قليلاً ثم اردف " مبارك، انتِ الان طالبة رسمية هنا، غرفتك في الطابق الثاني ورقمها أربعة، ستكون مشتركة مع طالبة من السنة الثانية ستكون مسؤوله عن تعريفك على الاكاديمية، وسيجري اجتماع للطلبة الجدد في تمام الخامسة، حتى حينها يمكنك وضع اغراضك في غرفتك والراحة قليلاً "

بعد ان القى علي كلماته اخذ بطاقة تشبه كرت البنك واعطاها لي " هذا مفتاح غرفتك، أتمنى لك حياة مدرسية سعيدة "

نظرت له باشمئزاز بعد كلامه لارأه يعقد يداه ويبتسم، اصبحت أكره الاشخاص الذين يبتسمون في وجهي، أفضل أن تعبس وتصرخ لن اكون حزينة حينها بحق.

احضروني هنا مجبرة والان يقول حياة مدرسية سعيدة، تناولت البطاقة من يده واخذت حقيبتي اجرها خلفي وانا اتفقد المكان حولي، اتفحصه بدقة واحفظه.

كل زاوية انظر اليها تصرخ من الاناقة والرقي، وقفت عند نافذة كبيرة القي نظرة الى الخارج ريثما يأتي المصعد، ملعب ضخم مكسي بالعشب الأخضر الذي تنعكس عليه الشمس ليلمع اكثر وخطوط الملعب البيضاء واضحة، ولكن ما خلفه توجد غابه الا ما لا نهاية، يبدو بأن هذا الطريق من الصعب سلوكه.

" انهم يولون اهتمام كبير بالطلبة في هذا المكان " هسهست احدث نفسي ثم أكملت الى الطابق الثاني.

وصلت إلى الرواق أتمشا به وعيناي تجول على الارقام الموجودة على الغرف، حتى وقفت أمام باب غرفتي ذو اللون الابيض الحليبي، وضعت الكرت على لوحة الكترونية موضوعه عوضاً عن قفل الباب، فُتحَ مصدراً صوت طنين رقيق لأتيبس في مكاني مصعوقة من جمال هذه الغرفة.

نافذة ضخمه دائرية في الحائط الأمامي مغطاءة بستاره كبيره، يحيطها من الاطراف سريرين متوسطا الحجم، بينما يوجد مكتب دراسي من على يمين السرير وعلى جانبهما أبواب تبدو كأبواب خزانة، حسناً صحيح أن الغرفة صغيره لكنها جميله للغاية ونظيفة.

أخذت حقيبتي وأخرجت محتوياتها أوضبها داخل الخزانة الخاصة بي ثم أخذت نفس عميق اجول في الغرفة ببطء الاهم الان هوأخذ لمحة على أغراض شريكتي بالسكن لأفهم ما هيأتها وهل سنتفق أم لا، اتمنى فقط أن لا تكون شخصاً صاخباً.

" أرجوك يا اللهي أن تكون شخصية استطيع استغلالها " قربت يداي إلى بعضهما برجاء.

اكره الازعاج والاشخاص الصاخبين عدا عزيزتي ريموندا طبعاً وأكره الاشخاص الاجتماعيين كثيروا المعارف، لانهم يجلبون المشاكل دوماً.

حقاً ما الرائع في جلب المشاكل إلى رأسك وعندما أقول مشاكل فأنا أعني البشر بالطبع في حياتنا لم نتلقى شيء جيد من البشر وكأنهم في سباق على من سيكون أكثر وقاحه وخبثاً من الاخر وكأنهم يحاولون جاهدين تحطيم أي شخص سعيد غيرهم.

صعدت على سريري أعلق لاقطة الأحلام على حافة النافذة العلوية، هذا اللاقطة بشكل خاص لا يمكنني التخلي عنها، لأن جدتي من صنعتها لي حين كنت أحصل على كوابيس، قالت أنها ستحميني من الاحلام السيئة لكن يا ليتها صنعت شيء يحميني من الواقع وليس من الاحلام التي ستختفي بمجرد أن أفتح عيناي.

تنهدت بضيق استلقي على السرير وأقرب ركبتاي إلى صدري وعيناي قد أستسلمتا لتنهمر دموعي على وسادتي البيضاء.

شهقت أملئ رئتاي بالهواء وأخرجه ببطء امارس تمارين التنفس، أشعر بالحرارة التي تكاد أن تقذف مقلتاي من محجرهما وضيق رهيب يحيط رئتاي.

اغمضت عيناي حتى أرتاح قليلاً وأكف عن التفكير في الأم ، ما الذي سأستفيده عند البكاء بعد أن جرى ما قد جرى، ستتورم عيناي أثر ذلك وسيتجعد وجهي مثل القماش المبلول القديم.

"وجهي الجميل أسفه لجعلك بهذا الشكل " أمسكت وجنتاي أقرصهما حتى استعيد طاقتي، بدل النحيب هنا مثل فتاة مطلقة، سأبحث عن طريقة لجعل عائلتي وانا في مأمن.

سأجابه الحياة وسأحصل على حياتي العادية التي تمنيتها، نهضت ورفعت أصبعي " أسمعت أيها القدر ! أنا سأقاتل حتى أخر يوم من عمري، لن أبكي في سريري مثل الأطفال " حسنا يبدو أنني سأندم " أنا لا أقصد معاندتك تماماً أنا فقط أريد تحقيق أحلامي لذا أرجوك لا مزيد من المشاكل مع البشر الحمقى " .

رميت نفسي على السرير أستلقي على ضهري ويداي على الجوانب أمعن النظر في السقف ثم أنقل عيناي نحو الساعة التي كانت في تمام الثانية والنصف بعد منتصف الليل، أغلقت أجفاني حتى أحضى بقسط من الراحة ريثما يحل وقت الاجتماع أو أياً كان ما يقولون عنه ...
..........

" يا اللهي !" صحت برعب بعد أنطلاق صوت عالي لموسيقى تشبه التي يضعونها لإيقاظ العساكر، تصدح بقوة في المكان لأدس يداي في أذني أغلقهما، هل يمكن انني تأخرت على الاجتماع السخيف ذاك !

نهضت سريعاً أنتقي ثيابي وأرتديها على عجل ثم سرحت شعري ووقفت عند الباب أُخرج حذائي وأرتديه، اخذت لمحة على الساعة قبل الخروج لأجدها الثالثة فقط.

شعرت بالأنزعاج الشديد و رميت يداي في الهواء متذمرة " لما واللعنة يطلقون جرس كهذا " تذمرت بصوت عالي وعقدت حاجبي، رغبة قوية في تحطيم أحدهم قد تصاعدت داخلي.

أثناء وقوفي متجمده هناك خرج صوت من الباب دليل على فتحه، رميت نظري نحوه و الفضول يعتريني، هل هذه رفيقة السكن التي سأستغلها؟.

فتحت الباب ونظرت لي بملامح متجمده بعدها أبتسمت بوسع فجأة، فتاة قصيرة بعض الشيء وممتلأه قليلاً لكنها لا تخلو من مقومات الانوثة خاصه بشعرها القصير الأسود وعيناها الواسعة صفراء اللون ... لحظة صفراء ؟! وماهذه البطاقة المعلقه على ثيابها ' بوني ' هل هذا أسمها أو أسم لأرنب.

فتحت فمي بصدمة من لون عيناها لتقهقه على وجهي " تعالي خلفي، سيغلقون الصالة أذ لم نسرع" أدارت ضهرها ومازالت تقهقه، تبدو كقزم لطيف وسخيف.

خرجت خلفها أجري لانها تمشي بسرعه، نزلنا إلى الطابق الأول ومن ثمَ قادتني إلى المصعد " نزلنا لنصعد ؟" ما بالها ألم يكن من الأفضل الصعود أو أخذ المصعد من طابقنا .

"بفتتت، حمقاء نحن سننزل، ألم تلاحظي أن هذا المصعد مختلف عن ذاك ؟" نظرت حولي وهي محقة هذا المصعد مختلف بشكل كلي، أنه مغلق أكثر من ذاك وأضوائه خافته بشكل أكبر.

" سننزل إلى تحت الأرض " أشارت بسبابتها إلى الاسفل ترتسم على وجهها أبتسامة خبيثة.

" أتقصدين إلى الجحيم ؟ " أجبتها بسخف على الدراما التي تتصنعها وحسناً لا بأس حتى لو نزلنا الى الجحيم من الطبيعي أن تعود الشياطين إلى اماكنها الأصلية.

قهقهت تغطي فمها " انتي مثيرة للاهتمام، للوهلة الاولى خلت أنك فتاة متعجرفة جدية لا تتقبل المزاح " ما الذي تتفوه به هذه القزمة ؟.

" وللأسف يبدو انك كما لم اتمناكِ ان تكوني " ابتسمت لها أبتسامة صفراء ثم محيتها من على وجهي بسرعة، مع أنني لست من الاشخاص الذين يحبون خلق أعداء لهم ألا انني أفضل ان ابدو شريرة كي يبتعدو عني.

لم تجب على حديثي بل أكتفت برمقي بهدوء ثم أشاحت بنظرها فقط، ساد الصمت لوهله قبل ان يقف المصعد وندلف منه إلى قاعة ضخمة بشكل كبير، تحيطها مدرجات وفي النصف حلبة فارغة بينما الجدران مطلية بشيء غريب لامع أبيض اللون.

حسنا كيف أصوغها ضمن كلمات، المكان رائع وخيالي، ربما بهذا الشكل ؟، لاحظت وجود طلاب يجلسون على أحد المدرجات وجميعهم يرتدون بذلات تبدو كبذلات رياضية منهم من يدردش بعدم أهتمام ومنهم من يقلب بهاتفه النقال بينما الاخرون هادئون.

لقد منعني من جلب هاتفي وهاهم يحملون الهواتف، صككت اسناني بغضب وانا اتوعد له في سريرتي.

وعلى المدرج المقابل له يجلس أشخاص يرتدون ثياب عادية كما ثيابي.

نكزت القزمة يدي لأعيد نظري لها " أجلسي معهم هناك "

أشارت لي نحو ذاك المدرج واومأت لها بفهم، أدارت ظهرها وركضت إلى المدرجات نحو مجموعة من الفتيات والفتية الذين تحمسوا بمجرد وصولها.

" اللعنة انها اجتماعية " نبست بحنق، أيها القدر ألم اخبرك انني امزح معك، لما تاخذ الامور على محمل الجد دائماً ؟.

مشيت إلى المدرجات وصعدت إلى أحد المقاعد البعيده قليلا عن الباقي ثم جلست وفضولي يكاد ينهش عقلي، أنا متأكده أنه قال في الخامسة ؟ اما الان يجمعنا قبل ساعتين وليس ساعة واحدة فقط.

نظرت إلى باقي الاشخاص الجالسين برفقتي، هل حصل لهم ما حصل معي، لا يبدو عليهم الانزعاج الكلي بل أرى بعضهم يشتعلون حماساً.

أمرر مقلتاي بهدوء عليهم حتى وقعت على وجه فتاة ذات شعر أحمر قاني، ترمقني بحدة بعيناها رفعت حاجبي وأنا انظر لها، هل تعاني من خطب ما في عقلها ؟.

لم تشح بنظرها عني مازالت بنفس الاعين الضيقة التي لا تتزعزع ولكن لن أخسر بالطبع، لم أشح بنظري أنا الاخرى ولولا صوت الرجل الذي تصاعد في الصالة لم نكن لندير أوجهنا عن بعضنا البعض.

" رائع، مرحباً باللعنة الجديدة التي ستحل على أيامي " هززت رأسي بسخرية وأكملت الانصات لذلك الوغد ذو الوجه الجميل.

" اهلاً وسهلاً بكم يا طلاب أكاديمية سيلفا الجدد، أنا معاون المدير والمسؤول عن قسم أستشارات الطلبة وأسمي هو روديون لمن لا يعرفني أنا مستخدم قوة العقل، جمعناكم هنا اليوم قبل الموعد المحدد للاجتماع من أجل التعرف على قواكم الخاصة وبدأ تسجيلها لتمارسوا نشاطاتكم مع باقي الطلاب من الغد "

ادار وجهه إلى ممر فارغ وفي أخره باب ضخم، فُتح الباب ليدخل منه أربع أشخاص بالأضافة إلى إيثان ويبدو بأنهم أساتذة أيضاً، يجرون معهم ما يشبه سلة كبيرة تحتوي على أشياء لم أستطع تميزها، يا له من دخول درامي بحت !.

" والان فليتقدم جميع الطلبة الجدد إلى الاساتذة حتى تحصلون على بذلاتكم، الفتيات من هنا والفتيان من هناك " أشار لنا على الجانب الايسر والفتيان إلى الاخر.

نزلت بسرعة أسبق تلك الفتاة في المشي وأصطف امامها، وجهت نظرة جانبية منتصرا بينما اخرج لساني بعض الشيء لها لتكور قبضتها بغيض، قد أبدو كطفلة لكن رؤيت وجوه المزعجين غاضبين من أفعالك شيء ممتع للغاية و.... أنا مدمنة بصراحة.

وصل الدور لي، وقفت أمام المعلمة التي تكاد عيناي لا تفتح من شدة لمعان الاشياء التي ترتديها، هل تظن نفسها في العشرين من العمر ؟ أم انها هربت من الثمانينات، هذا وأنا لم أتكلم عن شعرها وبهرجتها الزائدة.

" أنتِ ساشا إليس كذلك ؟ تفضلي بذلتك " ناولتني إياها بأبتسامة ودوده طعنت قلبي بشدة، اللعنة انها تبتسم كما الباقي يبدو انها سيئة مثلهم.

" أشكرك " تناولتها من يدها ودلفت إلى الغرفة الجانبية التي يقفن فتيات أخريات ويغيرن ملابسهن هناك، فتحت الكيس البلاستيكي الذي يغلفها ثم أخرجتها ألقي نظرة عليها وعلى قماشها الناعم، خلعت ثيابي ومن ثم ارتديت البذلة، تبدو على مقاسي تماماً.

وقفت أمام المرآة المثبتة على أحد الجدران أتفحص كيف تبدو على جسدي، للصراحه هذه البذلة جميلة للغاية وكذلك يسهل التحرك بها غير انها عصرية ولا أشعر بالبرد عند أرتدائها.

خرجت مع بعض الفتيات وأخبرتنا تلك المرأة بأن نرجع إلى المقاعد ونصطف بحيث يكون في كل صف خمس أشخاص ريثما يجتمع باقي الطلاب.

ولم يأخذ الامر وقتاً طويلاً حتى كنا كلنا هناك، لسنا مجموعة كبيرة في الاساس ربما عشرون طالب وطالبة مع أحتسابي ضمنهم.

عاد روديون لوسط الساحة ليقف هناك ويكمل حديثه " بما أنكم انتهيتم أرجو أن يتقدم أول خمس طلاب إلى الوسط " رفع يده يشير حيث أجلس.

اللعنه عليك، رغم أنني جلست هنا حتى أكون في نهاية الدور، أتعلم يا أيها الحظ حجم بغضي لك ؟.

وقفت مع بعض الذين كانوا يجلسون في اول المدرج ثم ذهبنا إلى الوسط حيث أشار لنا روديون " قفوا من فضلكم وأجعلوا ظهوركم مستقيمة ومشدودة، ستشعرون ببعض الوخز في صدركم لكن لا تهلعوا لن يكون ألم فظيع " القى علينا تعليماته ثم وقف جانباً.

يشعرونني وكأنهم سيقدومننا قربان للشيطان بعكس ما يبدو وكأنه كشف عن هذا الهراء.

أقترب المعلمون ليقف كل واحد خلف شخص منا، ولحظي كان إيثان من يقف خلفي، قد لا يكون حظ لكنني أفضله على أن يقف شخص غريب ورائي ولا أعلم نواياه.

قرب نفسه قليلاً " سيكون الوضع مؤلماً، حاولي التماسك " هسهس لي بحيث لم يسمع أو ينتبه له أحد غيري.

وكأن كوني أعلم سيخفف من الألم، لكن ذلك اللعين روديون قال بعض الوخز فقط، لا بأس لاحقاً سأجعل رأسه يوخزه كما سيوخزني قلبي الان.

" أسحبي أنفاسك واحبسيها سيخفف بعض الضغط عنكِ" هسهس لي مرة أخرى لاومأ له، سأستمع له لكن ليس من أجله بل من أجلي أنا بالطبع.

ملئت رئتاي بالهواء ثم حبستهما داخلي، رفع يده ووضعها على ظهري بين كتفاي تماماً، بدأ شعور غريب يتسرب من يد إيثان إلي، تصاعد داخلي شعور بالبرودة، لم يكن امراً مزعجاً بصراحه أنه مريح بعض الشيء.

لعشر ثواني دام هذا الشعور قبل أن أشعر بأنقباض في أضلعي وكأنهم يتكورون على بعضهم ويخترقون أعضائي الداخلية، حرقة رهيبة تغلف معدتي وصولاً إلى حلقي، ثم وكأن شيء انفجر داخل أضلعي وبدأ يسري داخل جسدي، وضعت يدي على صدري وانا اتنفس بسرعه الامر مؤلم للغايه.

شعرت بمروره من خلال عروق يدي ورقبتي ثم معدتي وقدماي وكامل جسدي، يتراوح يمين وشمالاً ليحيطني بهالة غريبه تشع بخفوت.

رفعت يداي المرتعشة أنظر إلى عروقي وذاك الشيء ذو اللون الفضي، ماهذا واللعنة ؟! ما الذي يحصل لجسدي!.

أدرت وجهي حتى أخذ لمحة على من حولي " أبقي وجهك للأمام وركزي " نطق إيثان من خلفي بحزم لأقلب عيناي بأنزعاج.

ماذا يظن نفسه حتى يأمرني بهذا الشكل ؟ حركت مقلتاي فقط أخذ لمحة على جانبي، أنا عنيدة بالطبع لن أستمع له.

وحقاً يبدو الامر مخيفاً بنسبة لهم، أحدهم يعض شفاهه من الالم لدرجة أن الدماء تسيل منها أما الاخر فقد جلس ارضاً، الاثنان اللذان استطعت رؤيتهما كانا في وضع مزري بنسبة لوضعي، هل أشكر إيثان الوغد على النصيحة أم لا ؟ لا يهم لن أشكره.

رفع يده عن ظهري لينتهي عذابي وألمي هنا، أخذت أنفث الهواء واخرجه براحة بينما اتكأ على ركبتاي.

يبدو أن الأخرين أنتهوا أيضاً، لكنهم وقعوا أرضاً وأحدهم قد فقد وعيه، كنت في حالة صدمة بالواقع، هل كان الأمر مؤلماً لهم إلى هذه الدرجة التي منعتهم من الوقوف.

"يبدو أنه كان حظ جيد في نهاية المطاف" قلت لنفسي بخفوت وانا ارمق إيثان، استقمت بجذعي مجددا.

" أرتاحوا قليلاً ريثما ينتهي الجميع " أشار لنا روديون للصعود إلى المدرجات، ما يزال هناك المزيد من الأزعاج اذن.

ادرت ظهري للعوده وابتسمت لإيثان في طريقي، أبتسامة تكفي لا داعي لشكره فأنا تألمت في نهاية المطاف حتى لو كنت قادره على الوقوف والمشي ولن أنسى تلك النبرة التي تلفظ بها معي.

جلست أراقب الباقيين بتمعن شديد، فقط شخصان مثلي أستطاعوا البقاء واقفين لكن الباقي منهم من وقع أثناء ذلك ومنهم من أنتهى وارتما أرضاً، مشاهدتهم من فوق مكنتني من رؤية العملية كاملة وكيف يخرج ذلك الوهج من يد المعلم لينتقل الى ظهر الطالب ويحيطه ثم يتبدد ويتغير لونه، شيء عجيب وخيالي في الوقت ذاته.

بعد قرابة الساعة كان الجميع يجلس على المدرجات حيث كانوا، وبعدها عاد روديون ليستدعي أول مجموعة قاموا بأنهاكها، هذا غير جيد أنا في أول الدور مرة أخرى، أبتسمت ساخرة على هذا الحظ العاثر الذي أملكه.

وقفنا متباعدين عن بعضنا البعض وبجانب كل منا وقف معلم من المعلمين، وايضاً إيثان الذي كان إلى جانبي.

" ما أريد منكم فعله الان هو أغماض أعينكم وتخيل سير الطاقة ذاك ثم تجميعها في كف يدكم، حاولوا ان لا تنفر الطاقة إلى الخارج وفي حال انكم لم تستطيعوا السيطرة على هذه الطاقة فالمعلمون هنا سيتولون الأمر " روديون الذي تقدم إلى الوسط أعطى تعليماته كما العادة.

أغمضت أعيني مثلما فعل الجميع بعد ان ابتعد روديون وأعطانا الأذن للبدأ، بدأت بتخيل سير الطاقة كما أخبرني، شعرت حقاً بجريانها في جسدي ومع ذلك كان الامر صعب بعض الشيء للحفاظ على مسارها.

فتحت أعيني أنظر إلى كفي بعد أن شعرت بأنني جاهزة، رفعت قبضتي والفضول يعتريني لمعرفة ما أملك.

ثنيت أصابعي بعض الشيء نحو قبضتي ثم عندما وصل الوهج الفضي إلى كفي، أختفى كما جاء..

يتبع...
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي