الفصل الرابع عشر قبلة الحياة

بعد أن فرغا جلال وچيلان من تناول الغداء، نظر جلال إليها وقال:
-چيلان، أود أن أشكرك على وجودك معي اليوم، ليس هذا فحسب بل أود أن أشكرك على هذه المشاعر الجميلة التي قمتي بإحيائها بداخل قلبي.

نظرت چيلان إليه ولم تتحدث بكلمة واحدة فلم ترغب في أن تفسد عليه لحظة السعادة التي يعيشها، وإنما أكتفت برؤية هذه السعادة داخل عيونه العسلية اللامعة، بينما واصل جلال حديثه وقال:
-أعلم أن كلماتي هذه قد تسبب لكِ الضيق ولكنني أردت فقط أن أعبر عما يحمله قلبي من مشاعر.

أغمضت چيلان عيناها وهمست في نفسها قائلة:
-چيلان، تماسكي فلدينا قضية علينا أن ننهيها.

ثم نظرت إليه وقالت:
-جلال، لقد تأخرت كثيراً لابد أن أعود حتى لا تشعر والدتي بالقلق علي.

دنا جلال من چيلان وهمس إليها قائلًا:
-لماذا تهربين مني في كل مرة أحاول أن اقترب فيها منكِ؟!

نظرت چيلان إلى جلال وقالت:
-لا يمكنني أن أجعلك تتشبث في خيوط وهنة، لقد أخبرتك من قبل أن حياتي ليست هنا، هناك في امريكا بيتي ومستقبلي، لا يمكن أن أجعلك تتمادى في مشاعرك وتستيقظ فجأة فلا تجدني.

شعرت چيلان بالضيق الشديد، فبداخلها الكثير والكثير من المشاعر المختلطة، فتارة تشعر بالريبة في جلال وأخرى تشعر بالإنجذاب إليه.

شعر جلال بالضيق فبدأ يمشط جانبًا من شعره بأنامله وهذه الحركة يقوم بها عندما يصيبه الضيق ثم علق قائلًا:
-حسنًا، هيا نعود حتى لا تشعر والدتك بالقلق عليكِ.

أومئت چيلان برأسها ورافقته إلي القارب البخاري الذي كان ينتظرهما.

غادر القارب البخاري الجزيرة ولكن كان هناك شخصًا يراقبهما وفي يده نظارة معظمة ما إن ابتعدا قليلًا حتى أسرع بركوب القارب البخاري الخاص به وغادر خلفهم.

جلس جلال على حافة القارب البخاري ينظر إلى الأمواج التي تعبث بمياه البحر 
ويهمس في نفسه قائلًا:
-كأن لعنة الحب قد اصابت قلبي فتلاعبت به كما تتلاعب هذه الأمواج بمياه البحر فترتفع بها تارة وتنخفض بها تارة أخرى.

چيلان تختلس النظر إليه بين الحين والآخر فتراه شاردًا حزينًا، شعرت بالضيق ولكنها لم تحاول التحدث إليه، اتكأت على أحد المقاعد وظلت تنظر إليه وتتأمل ملامح وجهه الجذابة والتي بدت جادة للغاية.

فجأة إلتفت جلال إليها وفوجىء بها تنظر إليه.

ما إن تلاقت الأعين حتى اشتعلت القلوب بنيران الحب، لم تستطيع چيلان أن تتجاهل نظراته فشعرت بعيناه تجذبها إليه كأنها قوة مغناطيسية.

نظر جلال إلى عينيها الفيروزية وهمس قائلًا:
-عيناكي لا تكذب لقد فضحت ما بداخل قلبك من مشاعر نحوي، لن اتطفل عليكِ بعد اليوم، لن أعبر لكِ عن مشاعري حتى تعترفي بحبك لي.

وصل القارب البخاري إلى المرسى، هبط جلال من القارب وأمسك بيد چيلان ولكن هذه المرة لم تكْ كالمرات السابقة. فقد شعر جلال ببرودة في يدها فنظر إليها وقال:
-چيلان، أنتِ بخير؟!.

أومئت چيلان برأسها وقالت:
-أجل بخير.

أسرعت چيلان بسحب يدها من يده وقالت:
-شكراً لك.

علت الابتسامة وجه جلال وعلق قائلًا:
-لا داعي للشكر ولكن شعرت بيدك باردة هل تشعرين بالبرد؟

اسرعت چيلان بحك يدها ببعضها ثم قلت:
-أجل يبدو إنني قد أصبت بنوبة برد لبقائي فترة طويلة بملابسي المبتلة حتى جفت.

أشار جلال إلى حارس السيارات وأخذ منه المفتاح الخاص بسيارته ثم حدثها قائلًا:
-ما رأيك في أن نذهب للطبيب لنطمئن عليكِ؟

أومئت چيلان برأسها نافية وعلقت قائلة:
-ليس هناك داعيًا لذلك، عندما أصل إلى الفندق سوف أقوم بتبديل ملابسي واحتساء بعض السوائل الدافئة.

استقل جلال السيارة وبجواره چيلان التي ظلت طوال الطريق تؤنب نفسها على ما تشعر به من مشاعر تجاهه.

نظر جلال إليها عبر مرآة السيارة ثم تحدث إليها وقال:
-لقد شارفنا على الوصول للفندق، وقبل أن نصل أردت أن أشكرك على هذا اليوم الجميل وأشكرك على قبلة الحياة التي منحتيني إياها.

نظرت چيلان إليه وقد بدى عليها الذهول ثم علقت قائلة:
-قبلة الحياة! كيف عرفت ذلك؟!

علت الابتسامة وجه جلال وعلق قائلًا:
-كنت أريد أن أعرف ما الذي يمكنك فعله لإنقاذي، تمنيت لو أنني اتعرض للغرق  كل يوم كي تلامس شفتيكِ شفتاي مرة أخرى.

شعرت چيلان بالغضب وتحدثت بنرة حادة وقالت:
- هل كان أمر غرقك هذا مجرد كذبة وحيلة منك ولكن لماذا؟!

توقف جلال بالسيارة بالقرب من الفندق وتحدث إليها:
-اجل كان ذلك حيلة؛ لأخرج مشاعرك التي تخفيها بداخلك، لأشاهد لهفتك وخوفك علي وتلالأ الدموع في عينيك من أجلي.

نظرت چيلان إليه نظرة حادة وعلقت قائلة:
-هذه طريقة سخيفة وغير مقبولة، ما بداخلي من مشاعر هو ملكٌ لي أنا ولا أجبر على إخراجه بحيلة رخيصة.

وفي تلك اللحظة قررت چيلان النزول من السيارة فقامت بفتح الباب ونزلت من السيارة، ثم اتجهت صوب الفندق ولم تستجيب لما يقوله جلال من كلمات وتوسلاته لها بالإنتظار.

دلفت إلى الفندق وحصلت على مفتاح الغرفة الخاصة بها، ثم ذهبت إلى المصعد وما إن دلفت بداخل المصعد حتى لحق بها جلال وتحدث إليها:
-چيلان، أرجوكِ لا تغضبي مني، اقسم لكِ لم افعل ذلك لخداعك أو لإبتزاز مشاعرك دون إرادتك ولكنني تمنيت لو نقترب من بعض أكثر.

وبصوتٍ حاد تحدث چيلان وقالت:
-جلال، من فضلك لا تحاول الإقتراب متي مجددًا، ليس لدي وقت للحب فما بقى لي من أيام في مصر  فهي للبحث عن شخص آخر قام بإذائي.

نظر جلال إليها وقد بدى عليه الذهول وعلق قائلًا:
-أخبريني من يكون وما الذي فعله بكِ ودعي الأمر لي؟!

دفعت چيلان جلال للخلف وقالت بغضب:
-جلال،  ابتعد عن طريقي لا أريد رؤيتك مجددًا.
ثم اندفعت إلى باب المصعد وغادر إلى الغرفة الخاصة بها.

وقف جلال داخل المصعد ولم يغادر خلفها، لقد شعر بأنه تسرع عندما أخبرها بأمر تلك الحيلة، لكنه كان يفكر فيما حدث معها قام بتمشيط جانبًا من شعره بأنامله وقال:
-ترى من ذلك الشخص الذي قام بإذائها وكيف أذاها؟!

غادر جلال الفندق، استقل سيارته وغادر مسرعًا، بينما كانت چيلان تقف في الشرفة الخاصة بغرفتها تنظر إليه وهو يغادر المكان.

جلست چيلان على مقعد هزاز وظلت تتأرجح عليه ثم انفجرت في البكاء بشكل هستيري.

بعد لحظات عادت الأم ورضا من الخارج فما إن شعرت چيلان بوجودهم حتى أسرعت إلى المرحاض وتظاهرت بالإستحمام حتى لا تشاهد والدتها آثار البكاء الواضحة على وجهها.

دلفت الأم إلى الغرفة الخاصة بها وصاحت عليها:
-چيلان، هل عدتي من الخارج؟

تحدث چيلان إلى والدتها وقالت:
-أجل أمي إنني بداخل المرحاض.

علت الابتسامة وجه الأم وعلقت قائلة:
-حسنًا ابنتي إنني انتظرك بالخارج.

غادرت چيلان المرحاض بعد أن هدأت ملامحها وأختفت آثار البكاء من وجهها.

خرجت إلى والدتها وجلست بجوارها بعد أن وضعت قبلة حانية على يدها وقالت:
-امي، لقد اشتقت إليكِ كثيرًا كيف كان يومك؟

علت الابتسامة وجه الأم وقالت:
-لقد ذهبت مع رضا للجلوس على شاطيء البحر وبعدها ذهبنا لتناول غدائنا بإحدى مطاعم الأسماك المشهورة هنا في القرية، وفي النهاية ذهبنا للتسوق،  والآن دورك أخبريني كيف كان يومك؟

ابتسمت چيلان وعلقت قائلة:
-ذهبت في رحلة بحرية من خلال قارب بخاري إلى جزيرة تسمى جزيرة نيلسون وفي أثناء الرحلة قفز شاب إلى البحر وهو لا يعرف السباحة في...

وهنا قاطعت الأم ابنتها وقد بدى عليها الإنزعاج وعلقت قائلة:
-وما الذي دفعه لفعل ذلك أم إنه أراد أن يتخلص؟!

وبإبتسامة ساخرة تحدثت چيلان وقالت:
-لا بل إنه أراد أن يعرف مكانته في قلب حبيبته وهل ستقوم بإنقاذه أم لا.

نظرت الأم إلى ابنتها وقد بدت عليها الصدمة والذهول وعلقت قائلة:
-هذا شخص فقد عقله وما الذي فعلته حبيبته؟!

ضحكت چيلان وقالت:
-ظلت تصرخ وتطلب من سائق القارب البخاري الإتجاه نحوه ولكنه كان لا يفهم العربية فاضطرت للقفز في المياه واتجهت نحوه وقامت بإنقاذه.

علت الابتسامة وجه الأم وعلقت قائلة:
-وما الذي حدث بعد ذلك؟

چيلان وهي تتذكر ما حدث تحدثت قائلة:
-قامت بإعطائه قبلة الحياة ليستعيد وعيه وفي نهاية اليوم اكتشفت أن كل ما حدث لم يكْ سوى حيلة ليعرف حقيقة مشاعرها.

سمعت رضا الحديث فتحمست وقالت:
-ما أجمله من مشهد رومانسي هل هناك رجل هكذا هذه الأيام؟!

ضحكت الأم وعلقت قائلة:
-رضا، إن أحببتي شاب كهذا وقام بإلقاء نفسه في البحر ماذا سيكون رد فعلك؟

ضحكت رضا وعلقت قائلة:
-حينها سوف احمد الله أن خلصني من ذلك المجنون.

تبادل الجميع الضحكات ونظرت چيلان إلى والدتها وهمست قائلة:
-هذه هي المرة الأولى منذ وفاة وعد التي أرى فيها ضحكة أمي.

تحدثت الأم إلى ابنتها وقالت:
-وأنتِ ماذا فعلتِ بغد ذلك؟

تذكرت چيلان عندما ذهبت مع جلال إلى الجزيرة فتحدثت قائلة:
-ذهبنا إلى جزيرة في غاية الروعة وتناولنا غدائنا هناك.

تعجبت الأم وعلقت قائلة:
-تقولين ذهبنا مع من ذهبتي إلى هناك؟!

نظرت چيلان إليها وقالت: 
-أمي،  ألم أخبرك بأنها رحلة بحرية إلى جزيرة نيلسون؟! لقد ذهبت مع من كانوا على متن القارب البخاري.

أومئت الأم برأسها وقالت:
-يبدو أنها كانت رحلة ممتعة.

چيلان وقد تذكرت ما حدث في السيارة مع جلال أثناء عودتها فهمست قائلة:
-اجل كانت رحلة ممتعة للغاية.

في صباح اليوم التالي.

استيقظت چيلان على رنين الهاتف الخاص بالغرفة.

قامت بالرد لتخبرها موظفة الإستقبال:
-سيدتي، لقد تم استقبال باقة من الورود بإسمك وهي في طريقها إليك مع عامل الفندق.

جلست چيلان على فراشها تفكر وتقول:
-ترى من الذي قام بإرسال تلك الباقة إلي؟! لابد أنه جلال يعتذر عما فعله بالامس بطريقة رقيقة.

سمعت چيلان طرق عامل الفندق على باب الغرفة فأسرعت لمقابلته وقامت بإستلام باقة الورد.
نظرت إلى باقة الورد وقالت:
-إنها رائعة وجميلة، جلال أنت حقًا شخص رقيق جدًا.

لفت نظر چيلان ورقة بداخل باقة الورد فامسكت بها، وضعت باقة الورد على المنضدة وقامت بقراءة هذه الورقة وفوجئت عندما قرأت:
-تحياتي إليكِ، إنني بجوارك حتى اساعدك على كشف من تسبب في موت شقيقتك، انتبهي جيدًا على نفسك فهو قريب منكِ للغاية.،
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي