رفيق جديد

الفصل الثانى عشر ....

قد نجد من يوقظ غفلتنا وثباتنا ولكن يرغمنا طول الضلال ويعمينا أحياناً، بالصبر يهتدى القلب ليقظته وبالإيمان نثبت بمشيئة الرحمن.


فى صباح اليوم التالى قامت سارة بفتح محلها باكراً كعادتها، أخذت تضع محتويات البقالة أمام المحل، ثم وضعت كوب من الشاى الدافىء أمامها لتشربه بهدوء .
ساعية لرزقها تتكل فيه على الله فلا تنتظر مناً من أحدٍ أو عطاء .

تذكرت مكالمة الأمس منه، يومياً الحادية عشر مساءاً وقبل عودته إلى منزله يهاتفها يطمئن على ابن أخيه .. وعليها .
لما أصبحت تنتظر تلك المكالمة كمراهقة صغيرة تنتظر مرور ابن الجيران تحت شرفتها، لم قلبها يدق بتلك الطريقة الغريبة؟ نعم لقد سبق لها الزواج ولكن كان بطريقة تقليدية، فتاة يتيمة الأب فى حارة شعبية تقوم أمها بالعمل عليها ويكفلها أهل الخير لتستطيع التعلم، كانت من المتفوقات فى دراستها ولكن شق على والدتها تلك الدراسة، رأها أحمد ابن الجيران الأكبر منها بعدة أعوام، كان ذاهباً ليحضر أخيه يزيد من أحد دروسه الخصوصية ليفاجىء بتلك الجميلة تتحدث مع أخيه فى أمر ما.
كانت فى الصف الثالث الثانوى مع يزيد أما أحمد فقد أنهى دراسته الجامعية منذ عام وحصل على عمل فى أحد الدول العربية، بعد أن رآها أسرع إلى والدته يخبرها بأنه قرر الزواج.

ولقربه من والدته وحرصها عليه طلبت يد سارة من والدتها التى رحبت بطلبها على الفور، ف كيف ستحصل مجدداً على زوج لابنتها متعلم سيأخذها معه إلى الخارج لتنعم بما لم تره يوماً.
لم تهتم برفض ابنتها له وأن حلمها سيضيع بل فرضت عليها الزيجة وأتهمتها بالأنانية .
لأن الوالدة ترغب فى الراحة من تعبها فى تربيتها وحيدة وتلك هى أسرع وسيلة لذلك، تزوجت بعد عدة أشهر من الخطوبة بعد إتمامها الثانوية العامة فقط.

وعدها أحمد بأنه سيسمح لها بإكمال تعليمها ولكنه لم ينفذ ذلك الوعد يوماً متحججاً بإن المنزل يحتاجها .
أى منزل يحتاجها وهى وحيدة معه فى دولة غريبة يغيب عنها طوال اليوم ويأتى منهكاً وقت النوم .

فلم ترزق بالأطفال لعدة سنوات، لاتعلم السبب فلم تحاول الذهاب إلى طبيب ولو لمرة إلا بعد عدة سنوات.

حينها قرر أحمد الذهاب إلى طبيبة لتعرف سبب المنع، فأخبرته الطبيبة أنها مسألة وقت ليس إلا.

لتعود منذ ثلاث أعوام إلى مصر بعد وفاة والدة زوجها وفى نفس العام تحمل فى طفلها " مالك" .
كانت فرحة أحمد لا تقدر بثمن لكن للقدر رأى أخر فلم ينعم بالعيش مع ابنه ألا عام واحد ثم توفى بعدها أثر حادث غامض فى عمله .
فقد عمل كمحاسب فى أحدى الشركات الكبرى .
لتربى ابنها بمفردها مثل والدتها التى تركتها أيضاً بعد زوجها لتصبح وحيدة تذروها الرياح لا سند لها ولا معيل سوى ربها .

تذكرت صوته فى الليلة السابقة حين أخبرها أنه ينتظر تلك المكالمة طوال اليوم ليسمع صوتها، تلوم نفسها تارة وتخشي أنها تخون زوجها الراحل فينعقد جبينها وينبض قلبها تارة أخرى نبضة غريبة عليها فتبتسم وينفرج ما بين حاجبيها حينما تتذكر حديثه .

تنظر لساعتها ترغب أن يمر الوقت ليحدثها، إحساس غريب يتملك من قلبها وتحدثها نفسها بأنها ترغب بدعوته على الغداء، ولكن ينهاها عقلها مرة أخرى خوفاً من زوجته الأولى وما ستفعله .

أنهت كوبها تنتظر أول زبائنها لذلك اليوم، فتدخل تلك المدللة بصخب تفاجئها بحضورها إلى محلها .

_ سااااارة.

نظرت سارة ل ورد تضحك على طريقتها فى الدخول وتنظر لملابسها، ف كانت ترتدى بنطال من الچينز وتيشيرت واسع طويل وما لفت نظرها حقاً لون شعرها المختلف الذى غير ملامحها، مازالت جميلة ولكنها مختلفة .
عرفت كم هى عنيدة كما أخبرها ياسين من قبل وعرفت أنها لن تقتنع بتلك السهولة.
_ ورد، أهلاً أهلاً نورتى محلى المتواضع .

_ حبيبتى، إيه رأيك فى لون شعرى؟

_ جميل اللهم بارك لكن ليه ؟

_ بصي أنا جاية أتكلم معاكى فى كده، أنا مقتنعه بكل اللى قولتيه أمبارح، بس أنا لسه مش قادرة أخد قرار فى نقطة زى دى بسهولة، لما أقرر أتحجب ف ده لازم يكون من جوايا علشان مش عايزة أتخنق فى يوم أو أرجع فيه، مش هنكر كلامك أثر فيا جداً لكن واحدة واحدة عليا، أنا مش بمر بحاجة هينه أنا حياتى كلها أتلغبطت، ف بصي أنا بدأت ألبس واسع وبكم طويل ويارب يكون ده بداية الطريق، وغيرت لون شعرى علشان محدش يعرفنى أوى خصوصاً أن هنا فى الحارة مش بيستخدموا السوشيال ميديا على طول وكمان محدش شافنى باللوك القديم .

أبتسمت سارة بحنان بالغ وقالت :
_ واحدة واحدة وأنا فى ضهرك إن شاء الله، وربنا يهديكى ويهدينى إن شاء الله.

_ أممممم، مشوفتيش ياسين علشان ... علشان خبط عليه مفتحش.

_ لأ والله جايز نايم .

_ أحتمال، فين مالك؟

_ أكيد عند أم عمر .

_ بتحبه أوى، أكيد شوية كده وهتاخده وتطلع تقعد مع مامى، ريحان بتستنى أم عمر كل يوم على نار علشان تقعد تحكيلها أسرار الحارة .

ضحكت سارة على ضحكة ورد مردفة :
_ مسكينة أم عمر من وقت سفر ابنها وهى لوحدها.

لترد ورد :
_ سافر فين؟

_ سافر برة مصر يشتغل ومن وقتها بيتصل بيها كل فين وفين وياقلبي ملهاش غيرنا زى هنا خصوصاً أن أختها كريمة أم ياسين فى محافظة تانية .

_ اااه ربنا يطمنها عليه.

_ يارب.

لمح دخول ورد محل سارة، فتعجب من تلك الغريبة عن المنطقة ليسأل أحد صبيانه .
_ ولا يا مرسي.

_ نعم يا معلم سعيد .

_ مين الغزال اللى دخل عند أم مالك هناك ده؟

_ معرفش يا معلمى أنا أول مرة اشوفها.

_ طب غور من وشي لما أشوف مين دى .

تحرك نحو المحل ليبتسم بإستفزاز .
_ دا إيه الصباح اللى زى القمر ده .

ألتفتت له ورد بعد أن كانت مولياه ظهرها لترد عليها سارة ببرود .
_ خير يا معلم، عايز حاجة ؟

كان يتحدث مع سارة ولكن يتفحص كل إنش فى ورد.
_ لا أبدا أنا بس قولت دا فوج سياحي دخل الحارة وأحنا منعفرفش ولا إيه مين الغزال ده يا أم مالك ؟

كانت سترد لكن تفاجئت ب رد التى أمامها .
_ أنت يا حيوان أنت بتبصلي كده ليه؟

وضعت سارة يدها على فمها تحاول كتم ضحكتها خصوصاً بعد رؤية فزع سعيد من طريقة ورد .
_ الله الله، مالك يا سنيورة، وليه الغلط ده ؟

_ أنت لسه شوفت غلط يا زبالة، أنت فاكرنى هسيبك تبصلي بطريقتك الزبالة دى وهسكتلك.

_ ما تصلي على النبي يا أمورة، الناس هتتلم علينا وأنا مش عايز أغلط فيكى .

_ لا بالله عليك أغلط، أنا عايزاك تغلط، علشان بقالى شهرين ما أتدربتش وحاسة أن عضلاتى قفشت .

_تدربى على إيه لامؤاخذة؟

حركت يداها حركة سريعة ك تحية الكراتية ثم لفت بسرعة أجفلت سارة وسعيد وقامت بركله بقدمها فى منتصف بطنه بسرعة وقوة أدت إلى سقوطه متألماً على الأرض خارج المحل .
لتخرج سارة مسرعة تقف حائلاً بين ورد وسعيد الذى قام يلملم ما بقي من كرامته ويتلفت حوله يرى من شاهد ذلك .

_ تعرفى لو مكنتيش ست كنت عرفتك شغلك لكن وعهد الله ماهسيبك.

_ رعبتنى تصدق.

_ ماشي بشوقك يا غزال .

تلفت حوله مجدداً وحمد ربه فى سره أن الوقت باكراً والحارة تكاد تكون خالية .

لتلتفت سارة إليها بعد أن تأكدت من دخوله منزله واضعاً يده مكان الركله.

_إيه اللى عملتيه ده ؟

_ عملت إيه؟ ده متحرش حقير .

_ أنتى عارفه ده مين ؟

_ لأ معرفش، وميهمنيش، المفروض هو إللى يخاف لو عرف أنا مين .

وضعت سارة يدها على خدها مرددة .
_ يارب ما يعرف يارب مايعرف .

صمتت قليلاً لتتذكر المشهد مرة أخرة وتنظر إلى ورد الذى يبدو أنها تذكرته أيضاً لتتفجر كلتاهما فى الضحك .

يجلس ياسين فى غرفة تكاد تكون منعدمة الضوء فى أحد المناطق النائية ليدخل عليه رياض وبعض رجاله .

_ ها جبت اللى طلبته منك ؟

جلس ياسين بإرتياح أكثر على الأريكة عاقداً ذراعيه رافعاً ساق على أخرى ينظر إلى الأخر بتحدٍ .

_ موجود، لكن فين المطلوب منك ؟

_موجود، ومتنساش أن ده جزء من اللى المفروض تجيبه يعنى مش هتاخد المبلغ كامل .

_ عارف .

سلم ياسين فلاشة صغيرة إلى رياض فأخذها أحد رجاله متأكداً من محتواها على أحد أجهزة الكمبيوتر المحمولة، ليهز رأسه بنجاح الأمر إلى سيده فيترك رجل آخر حقيبة مليئة بالأموال على الطرابيزة أمام ياسين ليتحرك رياض ومن معه إلى الخارج .

بعد تأكد ياسين من خروج الكل قام بالأتصال بأحد الأرقام .

_ كله تمام، والمطلوب أنه يوصل وصله .
_....
_تمام، يبقي الليلة إن شاء الله.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي