طهر زائف

سوف يحرص على منح مراد مكافأة مجزية بكل تأكيد عند عودتهما، لقد استطاع أن يوفر لهما تغطية مناسبة بينما هو يحملها بين يديه ثم يهبط بها الدرج ومنه إلى المخرج، حيث سيارة كانت في انتظارهما، ها هما الآن بعد ساعتين يجلسان على مقاعد الدرجة الأولى، مازال تأثير تلك الحبوب المهدئة تؤتي بمفعولها، رغم بعض الآنات التي تصدر منها من حين لآخر.


تحمل بالطبع الكثير من النظرات المتسألة التي رمقها له جميع من رآوه يحملها بين يديه بتلك الطريقة الغير معتادة، كان عليه أن يفسر لضباط التفتيش وإجراءات أسفر أن خطيبته الآنسة سلسبيل تعرضت لحادث غرقت نجت منه بأعجوبة، فصمم هو على العودة بها إلى العاصمة بعد حصولها على بعض العلاج، الوصفة الطبية في حوزة مراد استطاعت نفي الشكوك من حوله، والآن هما في طريقهما للعودة، والحمدلله بالطبع أن زاد ليست في الفيلا لكان سوف تحدث كارثة جديدة إن كانت هي هناك بكل تأكيد.



كان المساء قد حل حينما وصلت السيارة التي تقلهما للمنزل، تجمعت الغيمات في السماء بشكل يوحي بأنها سوف تكون ليلة ماطرة بكل تأكيد.

زفرة متعبة خرجت من فمه بينما يرمقها، كانت جالسة بجواره في المقعد الخلفي، مازالت تحت تأثير ذلك المهدئ، وهذا ما جعله يردد في داخله كلمات الشكر لله، لم يكن ليتحمل نوبة هلع جديدة منها.

بعدما توقفت السيارة في مدخل الڤيلا، هبط هو أولا ثم بعدها أخرجها برفق، حملها بين ذراعيه، المساعد تقدمه ليرن جرس المنزل، لم ينتظرا كثيرا من الثوان، حيث فتح أحد الخدم الباب لهما، دلفا على الفور، أتخذ هو طريقه إلى الدرج و منه إلى الطابق العلوي حيث جناحه الخاص به.

بقدر كبير من الرفق ارقدها على الفراش، جلس بجوارها لعدة دقائق، ثم استقام واقفا يريد أن يعطي بعض التعليمات لمساعده الشخصي الذي ينتظره في الطابق الأرضي.

مرهق هو بشكل كبير، وكأنه لم ينم منذ عام، حاول أن يختصر كلماته بإيجاز كي يستطيع الصعود والحصول على قسط من النوم قبل أن يعود إليها وعيها، وبينما هو يصعد الدرج، لاح له الجناح الخاص بشقيقته زاد، حمد ربه أنها قد سافرت مع زوجها في شهر العسل ذاك، لأنه لم يكن يعلم كيف سوف يفسر لها عودته حاملا فتاة بين ذراعيه مخبرا إياها أنها زوجته.

زفر بضيق، أفكار كثيرة تتزاحم في عقله، لكن ليس وقتها الآن، الراحة أولا ثم بعدها سيحاول أن يجد حلا لكل تلك المصائب.

بعد مرور بعض الوقت


النوم على تلك الأريكة متعب حقا، لقد تيبس جسده بالكامل، حاول أن ينهض من رقدته البائسة تلك فهاجمه وجع في عضلات جسده المتيبسة، زفر بضيق شديد بينما يعدل رقدته ليكون في وضع الجلوس عليها، تمتم ببعض اللعنات بينما يفعل، تلك كانت فكرة بائسة لن يكررها مرة أخرى بكل تأكيد.

صوت نشجيب عال وصل إلى سمعه، علم منه أنها قد فاقت من نومها، تنهيدة متعبة خرجت منه رغما عنه، عليه أن يصل إليها الآن، يحاول تهدئتها ثم حديث طويل بعدها لابد أن يجرى، وقبل كل شيء إعتذار ذليل منه هي تستحقه.



البكاء ثم البكاء هو سلاحها الأكبر، بل الذي لا تملك غيره، لمحات عن ما مضت من ساعات تذكرتها حينما أفاقت من نومها القسري، لمحة له وهو يحملها بين ذراعيه باهتمام غريب، لمحة أخرى حول كونها تجلس على مقعد في طائرة فاخرة، ثم لمحة عن سيارة تسير بها في شوارع العاصمة، والآن هي لا تعلم شيئا عن المكان الذي تتواجد به.

حسرة و ندم، شعور بالقهر و العجز، لقد سبق و أن فقدت عائلتها كلها، و الآن هي فقدت شرفها، لم تعد تملك أي شيء يستحق الحياة من أجله، و لسخرية القدر منها، حينما حاولت التخلص من حياتها البائسة تم ردعها، عادت للبؤس والشقاء مرة أخرى.

عادت تبحث بعينيها في المكان لعلها تدرك شيئا من الأمر، قواها خائرة حتى أنها لا تستطيع تحريك عضلة واحدة من جسدها، عادت للبكاء مرة أخرى لكن بصوت أعلى، حتى فوجئت به، قاتلها، يفتح باب الغرفة، يعبر من خلاله، على وجهه تعبير بائس.


"أرى أنك قد استيقظت الآن سلسبيل، أريد أن أتحدث معك، لذا هلا كففت عن البكاء قليلا، الأمر الذي أريد التحدث به معك عاجل، لا يتحمل التأجيل"

كلمات باردة، جامدة هو يعلم، لكن كان لابد منها، الحزم في هذا الموقف أفضل من التراخي والمواساة، فليست سمعتهما هما فقط من هي على المحك، بل سمعة عائلته، شركته الخاصة أيضا، التحرك العاجل لمداواة الأمر هو المطلوب فقط الآن، سيحرص على فعله، ثم بعدها سوف يعطيها حرية القرار.

أنصتت لكلماته الجافة معها، لا تعلم ذلك الرجل من أي طينة قد خلق! ربما هو ليس ببشر في النهاية، شيطان رجيم سوف يليق به أكثر، نظرت إليه بإزدارء كبير، حتى أنها أرادت أن تبصق في وجهه لكن ليست لديها طاقة لفعل ذلك.

"في البداية أنت تستحقي اعتذار مني على تصرفي الهمجي، لكن عذري الوحيد هو تلك الظروف الخاطئة التي تقابلنا خلالها، و سوء الفعل الذي حدث بيننا منذ البداية"

ها هو يتحدث بصوته السمج مرة أخرى، ودت لو تطال يدها شيئا ما ينفع أن تقذف به في وجهه مسببة له عمى بصري كامل، لكنها لم تجد.

صمتها كان جواب له مما دفعه إلى أن يعاود الحديث قائلا:

"أحب أن أطمئنك سلسبيل، أنا لن أتركك في ذلك الوضع المخزي، سوف أحرص على إصلاح كل شيء، أجل أنت زوجتي أمام الله لكن ليس الجميع يعلمون ذلك!

والآن وبعد انتشار تلك الأخبار في الجرائد علينا أن نسرع بتعديل الوضع البائس لزواجنا، و ذلك بتحويله لزواج رسمي عند شيخ مأذون، نعلن عنه في الجرائد حتى يراه الجميع، نظل سويا لعدة أشهر ثم بعدها تحصلين على الطلاق مع مؤخر ضخم تستطيعين عيش حياتك براحة بعدها و كل واحد منا يمضي في طريقه"

"يا له من رجل منافق كبير، الآن بات زواجه مني مخزي حينما وصل الأمر إلى فضائح الجرائد؟! لكنه لم يكن قبل ذلك حينما وقع على العقد في سرية تامة، لكن اللعنة هو محق، لن أتحمل أن يرى الجميع خزي وعاري، يكفي ما حدث في الفندق، لا أريد أن يعلم جيران منزل عائلتي بسقطتي تلك، دعهم يرسمون تلك الهالة من البراءة حين يتم ذكري فيما بينهم"

وجدت نفسها حينما طال الصمت بينهما، تخبره بصوت فقد قوته:

"أفعل ما تراه مناسبا لتصحيح الوضع، ثم بعد ذلك كل واحد سوف يحصل على جزاءه!"

رغم أن الجزء الأخير من حديثها كان مبهما له، لكن راحة كبيرة تسللت إلى داخل عقله، فقد وافقت على كل ما اقترحه عليها، والآن عليه أن يسرع بالاتصال بمساعده الشخصي والطلب منه بتجهيز كل شيء.

بعدما حصل على جوابه منها عاد الصمت إلى الغرفة مرة أخرى لم يقطعه سوى صوت انغلاق الباب من خلفه، عدة دقائق مرت بعدها، لتقرر هي النهوض من على الفراش، فقد آن الآوان لتصلح خطأها، عائلتها لا تستحق فضيحة تطول اسمهما، يكفيها ما حدث.

ستحصل على صك يثبت طهرها الزائف ثم ترحل بلا عودة بعيدا عن عالمه البائس ذاك.

لم يمضي الكثير من الوقت حتى فوجئت بطرقات على باب تلك الغرفة التي سكنت فيها، ثم تلى ذلك دخوله هو، نظرت إليه بعينين جامدتين بينما تجلس على الفراش في وضع تحفز، وجدته يخبرها بنبرة هادئة:

"لقد جاء المأذون بالأسفل ومعه الشهود، عليك الاستعداد للنزول إليهم، في البداية سوف أجلب لك بعض من ملابس شقيقتي زاد، ثم يمكنك التبديل وموافاتي هناك في الأسفل.

أنصتت لكلماته بجمود، لم تعقب عليها حتى، مما جعله يتركها ويذهب حيث غرفة زاد، لينتقي من خزانة ملابسها ما يليق بعروسه! وعند ذكر كلمة عروسه تلك ضحكة ساخرة خرجت منه! ها هو موسى العاصي الذي أقسم مرارا وتكرارا أنه لن يتزوج، لن يمنح امرأة قط الحق فيه!

ثم ها هو يضع رقبته تحت مقصلة الزواج من فتاة لا تليق به أو باسم عائلته! لكنه لا يفعلها راضيا بالطبع، يفعلها مرغما، خائفا من فضيحة قد تطال اسم العائلة وتمس سمعتها.

تلك الفتاة سوف يتزوج منها، يعوضها عن ذلك الأثم الذي ارتكبه في حقها ثم يمنحها طلاقا مريحا لها وله مع تعويض مادي كبير، تستطيع به العيش في رغد بعد الانفصال عنه.

استطاع إيجاد ثوبا بلون كريمي داكن في خزانة زاد، أخرجه من الخزانة، بحث بعينيه حينها عن أدوات زينة تستطيع سلسبيل استخدامها، فلا يوجد عروس تبدو ملامحها بائسة أمام الجميع كما هي الآن، وجد قلم أحمر شفاه، وشيئا آخر لم يعلم ماهيته لكنه أخذه على أية حال فربما عروسه تعرف ما هو بكل تأكيد.


عاد إليها مرة أخرى، كانت كما هي على جلستها، رمقها بعدم رضا، لقد ظن بعد كلماته لها أنها سوف تحاول الحصول على حمام ما، لكنها بقيت على حالها، سار نحو الفراش القابعة عليه، مد يده بتلك الاشياء التي يحملها في يده بينما يخبرها بنبرة جامدة شارحا لها:

"هيا استعدي، لقد جلبت لك ثوب مناسب مع بعض من مستحضرات التجميل، تذكري أن عليك أن تبدو كعروس حقيقية فهناك صور سوف نلتقطها وننشرها فيما بعد في الصحف كي نعلن للجميع عن زواجنا.

كما هي صامتة، لكنها تحركت تلك المرة، أشارت إليه بيدها بعلامة الرحيل، ليغمض هو عينيه بقوة معتصرا إياهما، يحاول أن يتمالك نفسه، فلا داعي للغضب وافتعال المشاكل الآن.

تركتها ورحل، لتبدأ هي في تفحص تلك الأشياء التي جلبها لها، ثوب بلون كريمي لم تحلم يوما ما أن تلمسه حتى، مع قلم أحمر شفاه وكريم للبشرة، رغما عنها ضحكت ساخرة حينما تذكرت أنه أخبرها أن عليها أن تبدو كعروس حقيقية!

وهل هناك عروس يعقد قرانها بعد الدخول بها يا موسى العاصي!! تبا لك ولكل شيء يمت لك بصلة، لكنني مرغمة على ذلك، سوف أقوم بتلك المسرحية ثم سأرحل بلا عودة! بعيدا جدا عنك وعن عالمك القذر ذاك!


نهاية الفصل.

.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي