الفصل الحادي عشر صداقة في مهب الريح

دلفت چيلان إلى منزلها ولم تبدو عليها السعادة بل على العكس تمامًا لقد بدى عليها الحيرة وغلب عليها الشرود.

كانت الأم تتحدث مع خادمتها رضا وتقول:
-اذهبي أنتِ لتقومي بالتسوق ولا تقلقي علي فقد عادت چيلان ولن أكون بمفردي.

نظرت چيلان إلى والدتها وقالت:
-أمي، هل تتحدثين إلي؟

أشارت الأم لرضا بالمغادرة ونظرت إلى چيلان وقالت:
-لا، لقد كنت اتحدث مع رضا، ولكن ماذا بكُ تبدين مهمومة هل حدث ما ازعجك من ذلك الشاب أثناء تناولك العشاء معه؟!

أومأت چيلان نافية وقالت:
-لا لم يحدث شىء، لقد كان لطيفًا للغاية، ولكن أعدي نفسك سوف نسافر في الصباح الباكر إلى الساحل الشمالي، لقد قمت بحجز تذاكر الحافلة والفندق.

دنت الأم من ابنتها وتحدثت إليها قائلة:
-چيلان، قبل أن تسافري إلى أمريكا كنتِ لا تخفي عني شيء، عندما كان يحدث معكِ ما يضايقك كنتِ تسرعين إلي وترتمين في حضني وتخبريني بما يزعجك، أما الآن أراكِ حزينة مهمومة وتخفين عني ذلك، بل وتتظاهرين أمامي أنكِ بخير!

نظرت چيلان إلى والدتها وقالت:
-أمي، لا أخفي عليكِ شيء ولكنني أشعر بالتشتت  والتردد في كل شيء، لقد قاربت عطلتي على الإنتهاء ولم اتخذ قراري بشأن عودتي بعد.

ربتت الأم على يد ابنتها وقالت:
-أعلم إنني السبب الرئيسي فيما تشعرين به وأن الخيار صعب إما  أن تبقين بجواري وتتخلين عن حلم حياتك كمحققة أو تعودين إلى أمريكا وتبقين قلقة علي أليس هذا ما تشعرين به؟

أومأت چيلان برأسها وقالت:
-أمي،  تستطيعين حسم الأمر إن وافقتي على مرافقتي والبقاء معي هناك.

ابتسمت الأم في محاولة منها لطمئنة ابنتها، وعلقت قائلة:
-بالفعل سوف احسم الأم، فور عودتنا من الساحل الشمالي عودي إلى عملك ولا داعي لأن تقلقي بشأني سوف اتواصل معكِ بشكل يومي لتطمئني علي.

لم تجد چيلان في حديثها مع والدتها سوى ما يزيد من حيرتها وقلقها، نظرت إلى والدتها وقالت:
-حسنًا أمي سوف أذهب لأعد حقيبتي والنوم للإستيقاظ مبكرًا.

دلفت چيلان إلى غرفتها، ولم تنقطع نظرات الأم إلى ابنتها حتى دلفت إلى غرفتها.
جلست الأم حزينة تحاول أن تقنع نفسها بأن تسافر مع ابنتها وتنهي تلك الحيرة والحزن الذي تعيشه ابنتها، ولكنها نظرت حولها وتذكرت عندما دلفت إلى هذا المنزل وهي عروس.

لقد دار أمامها شريط ذكرياتها مع زوجها ولحظات السعادة التي عاشتها معه في كل ركن من أركان المنزل مرورًا بوالدة چيلان ووعد وتلك الضحكات التي كانت تملأ أرجاء المنزل.

لم تستطيع الأم تخيل حياتها خارج هذا المنزل فعلقت قائلة:
-لن أقف عائقًا أمام مستقبل چيلان، عليها أن تعود وتكمل ما بدأته.

داخل غرفة چيلان.
أمسكت چيلان بحقيبتها وشرعت في وضع بعض الأغراض التي قد تحتاج إليها خلال سفرها، لكنها فجأة توقفت  وجلست بجوار الحقيبة متكأة عليها وقد أسندت رأسها بيدها، مسترجعة ما حدث أثناء وجودها في المطعم مع جلال.

لقد شعرت بالضيق لأنها ارتابت في جلال، فظلت تلوم نفسها وتقول:
-لا يمكنني أن اتعامل مع أي شخص على إنه ذلك المجرم سليم؛ حتى لا يحدث ما حدث اليوم مع جلال.

صمتت قليلًا ثم عاودت الحديث وقالت:
-أيها الحقير "سليم" لقد جعلتني أرتاب في جميع من حولي، لذلك فلابد أن  أكشف حقيقتك ولدي بعض المعلومات القليلة التي يمكنني استغلالها؛ فغلى الرغم من إنها أشياء بسيطة لكنها في غاية الأهمية لأنني من خلالها استطيع كشف حقيقتك اليشعة.

شردت چيلان قليلًا ثم صاحت قائلة:
-الوشم، لابد أن اعرف إلام يرمز ذلك الوشم.

أسرعت چيلان إلى اللاب توب الخاص بها وقامت بالبحث على شبكة الإنترنت عن المعنى الخاص بالمثلث الذي يحتوي بداخله على نجمة وعين بها هالة كبيرة أوضوء يشبه النار وكانت المفاجأة.

فعند البحث عن الرموز التي يتكون منها ذلك الوشم، وجدت چيلان أن المثلث الذي بداخله نجمة وعين تمثل العين الإلهيّة وحرف الآر يعني أن ذلك الشخص تحفظه العناية الإلهيّة.

ايقنت چيلان في تلك اللحظة أن هذا هو السبب الذي منع سليم من قتل وعد ولذلك دفعها إلى قتل نفسها؛ لإيمانه الشديد بأن الوشم جعلها في عناية الله ولكن عندما تقوم هي بقتل نفسها فإن هذه العناية تتحول إلى لعنة، وهي الخروج من رحمة الله وعنايته.

في الصباح الباكر غادرت چيلان ووالدتها  المنزل مستقلة الحافلة إلى  جولدن بيتش إحدى أجمل القرى الساحلية القريبة من الأسكندرية.

الشرود والتفكير العميق هو ما خيم على چيلان طوال الطريق عدا بعض اللحظات التي كانت الأم تقوم بإعطائها ما قامت بإعداده من طعام.

أمام رضا فلم تكف عن الحديث مع السيدة حبيبة طوال الطريق.

وصلت الحافلة في المكان المخصص لها واستقلت الأسرة سيارة إلى قرية جولدن بيتش.

داخل منزل جلال.

جلس جلال وقد بدى عليه الضيق؛ لقد شعر بخيبة الأمل بعد أن تحطمت كل آماله في التقرب من چيلان، تلك الفتاة التي شعر بشيء يجذبه إليها منذ الوهلة الأولى.

نظر إلى هاتفه وتردد كثيرًا قبل أن يقرر في النهاية الاتصال بها والاطمئنان عليها.

فوجىء جلال بأن چيلان لم تقم بالرد على اتصاله فعاود الاتصال مرة أخرى.

على الجانب الآخر.

چيلان تمسك بالهاتف لتتعرف على هوية المتصل.

عندما علمت چيلان بأن  المتصل هو جلال تعمدت عدم الرد  وعلت الابتسامة وجهها ثم قالت:
-جلال، لست الفتاة التي تسرع لتجيب على الهاتف بلهفة ولكنني أجيد التحكم في مشاعري، بل إنني أجيد أيضًا طهو المشاعر على نار هادئة.

ظل جلال يعاود الاتصال حتى أجابته چيلان، فأسرع بالحديث قائلًا:
-چيلان، أين أنتِ كاد القلق عليكِ أن يفتك بي؟! 

علت الابتسامة وجه چيلان وعلقت قائلة:
-لا أرى داعيًا لما أصابك من قلق بشأني، جلال، أريد أن أوضح لك شيئًا أخبرتك به من قبل، إنني هنا لقضاء عطلة قصيرة وسرعان ما سأعود إلى أمريكا، فلا داعي لتربط قلبك بي.

شعر جلال بالضيق ولكنه لم يفقد الأمل فقرر أن يعيد المحاولة؛ لعله يستطيع الفوز بقلبها، فتحدث قائلًا:
-اعتذر لكِ عن تطفلي عليكِ،  فقد أردت أن اطمئن عليكِ بأن وصلتِي بالسلامة.

ابتسمت چيلان وقالت:
-وصلت للتوه إلى قرية جولدن بيتش المكان هنا جميل للغاية والمناظر خلابة.

علت الابتسامة وجه جلال وعلق قائلًا:
-چيلان، لا أريد مضايقتك كل ما أريده هو الاطمئنان عليكِ فحسب.

أومئت چيلان برأسها وعلقت قائلة:
-لا تقلق بشأني فانا بخير وسوف أذهب إلى الشاطئ بعد قليل، لذلك سوف اضطر لإنهاء المكالمة.

انهت چيلان المكالمة وعلت ابتسامة ماكرة على وجهها ثم علقت قائلة:
-لقد تعمدت أن أخبرك بالمكان الذي اقضي به عطلتي؛ يقينًا بأنك سوف تسرع في المجيء إلى هنا، فربما أحتاج إلى مساعدتك في الفترة القادمة؛ لكشف حقيقة ذلك المجرم.

وما هي إلا ساعات معدودة وأعاد جلال اتصاله بچيلان مرة أخرى.

وقفت چيلان أمام الهاتف وقد علت الابتسامة وجهها وقالت:
-أعلم إنك ستخبرني بوجودك هنا، لكنني سوف اتمهل قليلًا في الرد عليك.

إلتفتت چيلان على صوت والداتها تتحدث إليها وتقول:
-چيلان، هيا لنذهب إلى الشاطيء فالجميع هنا يتحدثون عن روعة القرية ليلًا.

دنت چيلان من والدتها وقالت:
-أمي، تستطيعين الذهاب برفقة رضا وسوف ألحق بكم بعد اجرائي لعدة مكالمات دولية خاصة بالعمل.

وبإبتسامة رقيقة علقت الأم وقالت:
-حبيبتي، يمكننا أن ننتظرك حتى تنهي اتصالاتك ونذهب سويًا.

ربتت چيلان على يد والدتها وقالت:
-لا داعي لذلك؛ قد يستغرق الأم بعض الوقت اذهبي واستمتعي بوقتك، وسألحق بكم فور انتهائي من هذه الاتصالات.

غادرت الأم الفندق متجهة إلى الشاطيء، لم يمضِ وقت طويل وسمعت چيلان رنين الهاتف الخاص بالغرفة.

أجابت على الاتصال ليخبرها موظف الاستقبال قائلًا:
-سيدتي، يوجد شخص يود مقابلتك.

علت الابتسامة وجه چيلان وعلقت قائلة:
-من هو ذلك الشخص؟

نظر موظف الاستقبال إلى الكارت الذي في يده ثم قال:
-سيدني، إنه يدعى السيد جلال الدين مروان.

علقت چيلان وقالت:
-حسنًا أخبره إنني سوف أتي للقائه.

أغلقت چيلان الخط ثم نظرت إلى صورتها في المرآة وقالت:
-الأمور تسير كما أريد والآن علي أن أذهب واتفاجىء بقدومه.

غادرت چيلان الغرفة واتجهت إلى  بهو الفندق حيث ينتظرها جلال.

نظرت إلى جلال الذي كان يجلس وفي يده فنجانًا من القهوة ثم تحدثت بنبرة حادة وقالت:
-جلال، ما الذي أتي بكِ إلى هنا؟!

نظر جلال إليها ونهض من مجلسه ثم تحدث قائلًا:
-منذ فترة طويلة لم اقضي عطلة ولم اسافر إلى أي مكان للإستجمام والترفيه عن النفس، لذلك شعرت أنها سوف تكون فرصة جيدة أن اقضي عطلتي بالقرب منك و...

وهنا قاطعت چيلان حديثه وقالت:
-جلال، أنت حقًا شخص رائع ولكنني قمت بتوضيح الأمور لك من قبل، لا وقت لدي لأية علاقة إنها أيام قليلة وسوف أغادر القاهرة.

وعلى الرغم من تلك الكلمات التي تبدو جافة وقاسية إلا أن جلال لم يفقد الأمل وعلق قائلًا:
-أعلم ذلك جيدًا، ولكن هذا لا يمنع أن أكون صديقًا خلال الفترة القصيرة لكِ هنا؛ فربما تتعرضين للغرق فتجدين من ينقذك.

علت الابتسامة وجه چيلان وعلقت قائلة:
-حسنًا أيها المنقذ إن كان الأمر هكذا فلا بأس.

ابتسم جلال ونظر إليها ثم همس في نفسه وقال:
-لا أعلم كيف ومتى تعلقت بكِ إلى هذه الدرجة فعلى الرغم من المحاولات الكثيرة التي أراها من بعض الفتايات للتقرب مني، إلا إنني أجد نفسي منجذب نحوك بشكل أنا نفسي أعجز عن تفسيره؟!

انتبه جلال إلى چيلان التي تلوح له بيدها وتقول؛
-هاي، إلى أين ذهب بك شرودك؟!

علت الابتسامة وجه جلال وعلق قائلًا:
-كنت أفكر فيما لو قمتِ برفض صداقتي ماذا كنت سأفعل.

جلست چيلان في المقعد المقابل له وتحدثت إليه:
-كنت ستبحث عن فتاة جميلة تقضي معها عطلتك وتستمتع بوقتك.

نظر جلال إلى عين چيلان ودنا منها ثم همس إليها وقال:
-ألم يخبرك أحد من قبل أن لون عيناكي الفيروزي أشبه بأجمل بحار العالم؟

نظرت چيلان إليه وشعرت بالخجل وازدادت وجنتيها احمرارًا، علت الابتسامة وجه جلال وقال:
-هل تشعرين بالخجل عندما يمدح أحد لون وجمال عيناكِ؟

تمالكت چيلان نفسها وسيطرت على مشاعرها وقالت:
-لم أشعر بالخجل لذلك ولكن لا تنسى فنحن اصدقاء وللصداقة حدود فلا تتخطى هذه الحدود إن كنت ترغب في استمرار صداقتنا.

أومىء جلال برأسه وقال:
-حسنًا لن اتغزل في عينيك مرة أحرى ولن أخبرك أنهما كحبة اللوز الشهية، ولن أخبرك أن شفتيكِ تشبه....

قاطعت چيلان جلال وقالت:
- لا تخبرني شيئًا، كل ما أريده منك أن تخبر النادل بإحضار فنجان من القهوة.

ضحك جلال وأشار للنادل ثم حدثه قائلًا:
-من فضلك أريد فنجانًا من القهوة ومعه كعكة السعادة.

نظرت چيلان إليه وقد بدى عليه التعجب وعلقت قائلة:
-جلال، لا أريد سوى فنجان من القهوة.

نظر جلال إليها ثم تحدث قائلًا:
-القهوة لكِ وكعكة السعادة لي.

تبادل الأثنان الضحكات، فجأة لفت انتباه چيلان رنين الهاتف الخاص بجلال، نظرت نحو الهاتف لتجد أن المتصل هو سليم.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي