الفصل التاسع

ما إن أنهت كلماتها حتى زادت نبضات قلبه، جفَّ
حلقه، هرب بعينيه محاولا إظهار عكس ما يبطن:
-  كل هذا لا يخصني، ليلة قتل سوزي كان لديَّ
تصوير في العين السخنة، ويوجد شهود على ما
أقول.
-  لكن تسجيلات الكاميرا تثبت وجودك بالفيلا ليلة الحادث.. وأيضا الضابط المختص بهذه القضية يتمنى أيَّ دليلٍ؛ حتى ينهي هذه القضية، لذا نصيحة مني
أسرع في دفع المبلغ قبل أن أخبره بما يوجد بكاميرات المراقبة.
أنهت كلماتها، ثم حملت حقيبتها مغادرة، بينما هو ظل بين المطرقة والسندان لا يعرف كيف يتصرف، أو يفكر في هذه المعضلة!

وصل آسر ومحمد إلى قسم الشرطة ليجدا فؤاد
ينتظراهما داخل المكتب حاملا بين يديه كوبا من
الشاي الساخن، وبجانبه بسكويت يحمل الواحدة
ويضعها بداخل الكوب حتى تتشرب من الشاي، ثم
يضعها مسرعا داخل فمه قبل أن تسقط ذائبة من
نعومتها.
-  ما كل هذا الدلال؟
قالها آسر، وهو يحمل واحدة من البسكويت، ويفعل مثله، نظر له فؤاد ليخبره:
-  أشعر بالجوع، طلبت بيتزا، لكنها لم تحضر بعد،
سوف أقاضي فتى التوصيل، هل أحضر لك معي؟
-  بالتأكيد، أخبرني الآن ما الأمر الهام الذي وجدته داخل كاميرات المراقبة.
-  سوف أخبرك، لكن دعني أتناول طعامي أولا،
فمَن يعمل معك لا يذق النوم أو الطعام.
-  أخبرني الآن حتى تحضر البيتزا.
تأفف فؤاد ضجرا من إصرار آسر؛ فهو يعرف أنه لن
يدعه يهنأ بتناول طعامه، فرفع كفيه للسماء، وراح
يهمهم ببعض الكلمات غير المفهومة، قبل أن
يخفض كفيه ليقول، وقد أعلن استسلامه:
-  تُظهر كاميرات المراقبة دخول ثلاثة أفراد إلى
الفيلا ما بين الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل
والساعة الثانية صباحاً.
-  ومَن هؤلاء الزوار؟
-  للأسف كاميرا الفيلا وجدت مفصولة، والتسجيلات مفقودة.
-  إذا من أين هذه التسجيلات؟
ردَّ فؤاد وهو يلوك قطعة البسكويت داخل فمه:
-  من الفيلا المقابلة لفيلتها.
ردَّ آسر:
-  أريد تسجيلات الحي كله من أول اليوم حتى
لحظة وقوع الحادث، مؤكد سوف نجد ضالتنا
بإحداها.
أدار آسر شاشة الحاسوب أمامه ليتفقد التسجيلات
بنفسه، ويسجل كافة ملاحظاته، ظل يتابع الشاشة
حتى ظهر أول زائر يرتدي معطفا طويلا يغطي كامل جسده، يضع قبعة كلاسيكية تُخفي ملامحه، قدمه
اليسرى بها زكة خفيفة يحاول إخفاءها، بعد ربع
ساعة من خروج ذلك الزائر، وجد آسر سيدة تحاول
المرور من البوابة بحذر، تتلفت حولها جيداً كمَن
تخشى أن يلتقطها أحد أو يراها، ترتدي معطفا
أسودَ طويلا نسبياً، غطاء رأس بنفس اللون، لم تبقَ
طويلا بالداخل، ثم خرجت مسرعة، ثبَّت الصورة فور
خروجها، وقام بتكبيرها؛ للتعرف على ملامحها؛
لكنها كانت تلثم وجهها جيدا بوشاح الرأس؛ حتى لا يتعرف عليها أحد.. صرخ محمد الذي كان يتابع معه الشاشة فجأة قائلا:
-  انظر، لم تبقَ طويلا، أظن أنها القاتلة.
ضحك آسر على انفعاله مجيباً:
-  ولِمَ هي؟ يوجد احتمال أن يكون القاتل الزائر
الأول أو زائر آخر غيرهما.
ردَّ فؤاد:
-  احتمال ضعيف، وإلا كيف دخلت تلك السيدة إلى الفيلا لو سوزي قُتلت.
-  من المحتمل أن تكون معها مفاتيح.
-  دعونا نستكمل التسجيلات، ولا نستبق الأحداث؛ فقلبي يخبرني أن هناك مفاجآت أكثر.
تابعوا معاً باقي الفيديو ليجدوا أنه بعد ساعة دخل
إلى الفيلا في هدوء شابٌ يرتدي قبعة وملابس
رياضية..
-  ما قصة تلك الفيلا اليوم، كثر زوارها الغامضون، لابد من وجود كاميرات أخرى، علينا زيارة الفيلا؛ أشعر أن هناك أدلة مخفية.
قالها آسر، وهو يجمع أدواته لمغادرة المكتب، نظر
فؤاد إلى الساعة ليجد الوقت شارف على منتصف
الليل، تثاءب، وهو يقول:
-  لقد تأخر الوقت كثيرا، لا أظن أنك سوف تذهب
إلى الفيلا الآن، هيا يا آسر عليك الذهاب لمنزلك
والراحة قليلا، ريم أيضا لها حق عليك.
غادروا المكتب، لكن عقله ظل يدور داخل حلقة هذه
القضية، بداخله عاصفة يتمنى أن تهدأ وتنتهي، ظن
أنه سيجد الراحة والهدوء بين ذراعي حبيبته عندما
يصل إلى المنزل، رسم عدة سيناريوهات لتلك اللهفة التي تستقبله بها كلما رأته، وكيف سيدفن رأسه بين أحضانها ليزيح عبء هذا العمل الشاق، ويستنشق
عبيرها؛ ليجدد نشاطه ويستعيد راحته، زفر بقوة فور حضور تلك الذكرى بداخله، ضغط على دواسة
البنزين، وما إن وصل إلى منزله حتى وجد ريم تجلس
أرضا، وتصرخ من الألم، أسرع يحملها عن الأرض، وهو يسألها:
-  ماذا حدث، أخبريني؟
-  أشعر بألم فظيع.
حملها، واتجه مسرعا إلى المشفى، وصلا إلى هناك
، فوضعها فورا على سرير الكشف لمعاينتها من قِبل الطبيبة، طلبت منه الطبيبة الخروج والانتظار حتى
تنتهي من الكشف، أخذ الممر ذهابا وإيابا عدة مرات، وهو يفرك يديه، مرة ينظر إلى السقف، ومرة إلى باب
الغرفة، خرجت الممرضة من الغرفة لتخبره أن
الطبيبة تريده بالداخل، دلف آسر خلفها إلى الغرفة
مسرعا:
-  كيف حال ريم؟ ما بها؟
-  لا داعي للقلق، هذا الألم طبيعي؛ لأن موعد
ولادتها اقترب، سوف نضعها تحت الملاحظة لمدة
أربعة وعشرين ساعة، تستطيع الاطمئنان عليها؛
فهي الآن بخير.
نظر نحو السرير ذي الشراشف البيضاء الذي ترقد
عليه، قبَّل جبهتها لتفتح عينيها المغمضتين:
-  هل تشعرين بتحسن الآن؟
-  أفضل، نحمد الله، أظن أن فارسك الصغير يريد
القدوم.
-  على خير إن شاء الله.
-  أنا بخير لا تقلق، عليك العودة إلى المنزل والراحة.
-  لا أستطيع أن أتركك وحدك.
-  لا داعي للخوف، سوف أنام الآن، وإن شعرت بأي ألم الطبيبة والممرضات بجانبي.
حاول آسر الاعتراض، لكنها استحلفته بمحبتها عنده
أن يعود للمنزل، وينال قسطا من الراحة، رضخ
لطلبها، وانصرف فهو يشعر بالإجهاد الشديد، وصل منزله على مشارف الفجر، لذا ألقى جسده على
الفراش محتضناً ملابس زوجته دون أن يبدل حتى
ملابسه.
*******
رنين هاتفه جعله يتململ في نومه، وضع الوسادة
الجانبية فوق رأسه؛ لكي يمنع وصول هذا الصوت
المزعج إلى مسامعه، إلا أنه أبى أن يصمت، لم يجد
سبيلا سوى أن يرد على الهاتف:
-  أستاذ عصام..
-  نعم، مَن حضرتك؟
-  أنا فاعل خير، توجد شبكة كبيرة تعمل على بيع
الفتيات والإتجار بالأعضاء، ويدير هذه الشبكة رجل
أعمال معروف.
اعتدل عصام في موضعه، فاتحا عينيه بقوة:
-  ما الدليل على ادعائك؟
-  توجد أوراق تثبت ما أقول..
-  أين هذه الأوراق؟
ضحك الطرف الآخر قائلاً:
-  كل شيء وله ثمنه.
-  وما الثمن الذي تريده مقابل هذه المعلومة؟
-  عشرة آلاف جنيه.
ذُهِلَ عصام عندما سمع الرقم؛ فهو لا يملك هذا
المبلغ، وراح يقول:
-  وما الضمان أن هذه المعلومة صحيحة، يجب أن
أطلع عليها أولا قبل أن أدفع لك ما تطلب؟
-  جهّز المبلغ، وسوف أتصل بك بعد يومين.
أنهى ذلك الغريب المكالمة، ثم أخرج الشريحة من
الهاتف، وقام بكسرها حتى لا يستطيع عصام أن
يصل إليه، حاول عصام الاتصال بالرقم إلا أنه وجده
خارج نطاق الخدمة..
-  تُرى مَن هذا الشخص؟ هل حقا يملك أوراقا
تثبت ما يقوله؟ أم أنه مخادع يحاول سرقتي كمَن
حاولوا قبله سابقا؟
أعدَّ فنجان القهوة الصباحي الخاص به، ثم جلس
يراجع كافة الأخبار التي قام بنشرها سابقا عن هذه
المافيا، وعن اختفاء العديد من الفتيات تحت ستار
زيجات من أجانب وعرب، وبعد ذلك انقطعت أخبارهن عن ذويهن، ولم يستدل لهن عن عنوان، ولا توجد
أوراق بأسماء الأزواج في السفارات الخاصة بدولهم، وبعض الأخبار عن جثث وجدت مشوهة، ولم يستدل
على أصحابها، مؤكد أن هذه الحوادث مرتبطة
ببعضها البعض، وعند الحصول على هذه المعلومة سوف ينكشف مستور هذه الشبكة لحماية فتياتنا.
سجَّل عصام تلك الكلمات داخل مفكرته لتكون نواة حملته الجديدة للقضاء على الفساد، رنَّ هاتفه باسم
رئيس تحرير الجريدة التي يعمل بها، فأجاب:
-  صباح الخير أستاذ مرزوق.
-  صباح الخير عصام، عليك التوجه مباشرة إلى
مشرحة زينهم.
-  لماذا؟
-  وصلتني معلومة للتو أن أهل سوزي سوف
يستلمون جثمانها اليوم، أريد تغطية شاملة لهذا
الحدث؛ مؤكد أنه سيكون مشحونا بالعديد من
المشاعر، وهذا ما يفضله القراء ويثير شغفهم؛ مما سيزيد من عدد الطبعات والمبيعات.
-  حاضر أستاذي، سوف أتجه إلى هناك حالاً.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي