زواج عرفي

لقد تأخرت حقا على العودة، ذلك الطلب الذي جاء خصيصا باسمها إلى غرفة أحد الأثرياء جعله يشعر بالقلق خاصة مع سمعة ذلك الرجل مع النساء، هارون العاصي الذي تملأ أخباره الجرائد حول مغامراته مع النساء، هو سمع كثيرا عنه، أراد تحذيرها منه، أن يقدم الطلب بدلا منها لكنه حينما حاول أن يفعل كانت قد رحلت من أمامه، جاهلة عن أي وضعت هي نفسها فيه!

والآن مرت أكثر من خمسة عشر دقيقة الأمر الذي جعله يشعر بالقلق عليها، سوف يذهب إلى حيث غرفة ذلك الرجل ويعلم ما سبب تأخرها.


أقترب بخطوات سريعة من باب غرفة رجل الأعمال ذاك، الباب على ما يبدو مغلق، التصق به يود أن يستمع إلى أي صوت صادر منها، هناك قبيلة من الفئران تتجول في صدره الآن، فجأة صوت صرخة وصلت إلى سمعه، صوت يعلمه جيدا، ذلك هو صوت سلسبيل التي على ما يبدو تتألم بشدة، لم يعد القلق هو فقط من ينهش في داخل عقله، الهلع أيضا، تلفت من حوله يريد المساعدة في كسر ذلك الباب كي يحاول نجدة تلك التي تصرخ في الداخل، بيد قوية بدأ يطرق بقوة على باب الغرفة بينما يصرخ بصوت عال:

"افتح الباب سيد هارون، زميلتي سلسبيل في الداخل! اللعنة أفتح الباب ودعني أراها؟! ما الذي تفعله بها وجعلها تصرخ بتلك الطريقة؟! اللعنة افتح الباب اللعين ذاك !"


لا يعلم من حسن حظه هو أو من حسن حظ تلك المسكينة التي تصرخ في الداخل هو ظهور السيد كمال في ذلك الطابق، حيث فوجئ به يهرع نحوه، يسأله بنبرة قلقة عن سبب طرقه لباب أحد العملاء بتلك الطريقة الغريبة، وجد نفسه يخبره بنبرة قلقة:

"سيد كمال، سلسبيل من المفترض به إيصال طلب طعام لتلك الغرفة منذ ما يقارب النصف ساعة وهي لم تعد بعد، وحينما حاولت أن اطمئن عليها فوجئت بصوت صراخها يصدر من داخل تلك الغرفة المغلقة، حاولت أن أجعل الرجل يفتح باب الغرفة لكن لا احد يجيب علي وأنا أشعر بخوف شديد من أن يكون ذلك الرجل قد فعل شيء لسلسبيل سيدي!"


ما يسمعه الآن من قبل العامل في المطعم جعل الخوف يتصاعد في داخله، رمقه بقلق شديد، عليه أن يتصرف على الفور، مال بجسده على الباب، وضع أذنه ينصت لما يحدث، وكما أخبره العامل، صوت امرأة تصرخ حقا في الداخل وعليهم نجدتها على الفور، بذلك المفتاح الالكتروني الذي يحمله في جيب معطفه لفتح أبواب الغرف في الحالات الطارئة هو ما خطر على باله، أخرجه على الفور، وضعه في مكان القفل الذكي، ليفتح باب الغرفة أمامه، يهرع هو والعامل نحو الداخل، لتقع عينيه على مشهد جمده حتى النخاع!!



قبل عدة ثوان

"اللعنة على ذلك، تلك الفتاة كانت تقول الحقيقة فعلا، هي كانت عذراء لم تمس بعد! لم تكن تكذب عليه أو تحاول النجاة وخداعه، ندم حارق تصاعد في حلقه، لقد انتهك للتو فتاة بريئة وهو كان يظنها فاسقة، رغم أنها زوجته لكنه لا يحق له اغتصابها بتلك الطريقة، اللعنة عليه وعليها أيضا! إن كانت طاهرة حقا ما الذي جعلها تحاول بيع جسدها له مقابل المال"

حديثه بينه وبين نفسه دار بينما يرمقها بنظرات غير مصدقة، حتى أنه أخذ يسأل بصوت خافت:

"ولكن كيف ذلك! أنت كنت صادقة لم تكذبي ولكن لم! لم بعت جسدك مقابل حفنة من المال؟! لم قبلت الزواج مني؟!"


لم تكن تفهم من حديثه شيئا، هي فقط رأته يحرك شفتيه بالكلمات، ربما لأن صوت بكاؤها وصراخها يملأ المكان من حولهما، لقد ضاعت حقا، لم تعد بريئة مثلما كانت، هو وعدها بالانتقام وحصل عليه كما وعد، أصبحت الآن رخيصة كما نعتها منذ قليل، الثمن هنا تلك المرة لم يكن شيئا! كرامة مهدورة، شرف داس عليه بالنعال!


تلك الطرقات القادمة من الخارج جعلته يبتعد ينظر نحوها بندم، قلق أيضا، لا يريد لأحد أن يراها في ذلك الوضع البائس، حاول أن يهبط من على الفراش لكنه بحث قبلها بعينيه عن غطاء للفراش يضعه على جسدها العاري الذي انتهك للتو، وجده يقبع على الأرض، هبط من على الفراش، توجه نحو ذلك الغطاء، حمله في يده، توجه به نحوها، حاول أن يدثرها به، وحينما انتهى، تذكر عري جسده، راع المئذر الذي ألقاه أرضا في ساعة غضبه، سار نحوه كي يجلبه، لكنه فوجئ بأحدهم يقتحم الغرفة عليه، لا لم يكن واحد فقط بل رجلان ينظران نحوه بنظرات مزدرءة، حتى أن أحدهم وهو ذلك الشاب الذي رآه سابقا في المطعم اقترب منه بسرعة كبيرة، وجه إليه لكمة قوية بينما يصرخ فيه هادرا بنبرة زاعقة

"يا كلب يا خسيس! هل اغتصبت سلسبيل يا حقير؟! ماذا فعلت بها يا حقير؟!"

تلك اللكمة هو استحقها عن جدارة، تلك الألفاظ أيضا، لكن هناك أمر عليه أن يصلحه على الفور، سلسبيل لا تستحق تلك الفضيحة أمام زميلها ورئيسها في العمل! هو عليه أن يصحح لهما ما اعتقداه خطأ، حاول صد لكمة الشاب الثانية، أمسك بيده، دفعه بعيدا عنه كي يتسنى له ارتداء مئذره، نظر نحو الرجل الكهل بنظرات جامدة، صرخ في وجهه قائلا بنبرة زاعقة:

"كيف لكما أن تقتحما خصوصية غرفتي بتلك الطريقة أيها السادة، بل وتتهجمان علي أيضا؟! سوف أحرص على رفدكما من منصبكما في ذلك الفندق البائس"

لم يصدق كمال الأمر الذي يحدث أمامه، ذلك الرجل لديه من البجاحة التي تجعله يزعق في وجههما بتلك الطريقة، لو لم يكن العامل هاجمه لكان هو فعل قبله، المشكلة الآن ليس في تهديده الفارغ ذاك والذي يعلم أن سببه هو الخوف من اتهام الاغتصاب الذي سوف يحرص على توجيه له بكل تأكيد! المشكلة الكبرى كانت في تلك القابعة على الفراش وصوت بكاؤها يصدح في المكان كله!

نظر إلى الرجل بازدراء مخبرا إياه:

"أنت رجل حقير حقا، سوف أحرص على أن تنال جزاءك، وتلك المسكينة التي انتهكتها للتو سوف تحصل على حقها منك بكل تأكيد، السجن هو مصير أمثالك من عديمي الضمير، الذين تملأهم الخسة والوضاعة!"

اتهامات الرجل له عليها أن تتوقف، لقد نفذ صبره، من الجيد أنه غطى جسدها قبل دخول هذان عليهما، الآن سوف يخرج الحقيقة من مكمنها، هو صاح فيه هاتفا بنبرة زاعقة:

"احذر حديثك وراع كلماتك، أنا أحترم سنك يا هذا وإلا كان لي تصرف آخر معك، ثم كيف لك أن تقتحم خلوة رجل وزوجته بتلك الطريقة المهينة؟! سوف أحرص على نيلكما عقاب كبير!"

"زوجة"

الكلمة خرجت من فم الاثنان معا، لم يصدقا ما استمعا إليه للتو من ذلك الرجل، كيف تكون سلسبيل هي زوجة رجل الأعمال الشهير ذاك، وما جعل الذهول يتصاعد إليهما أكثر هو تلك الوثيقة التي أخرجها الرجل من داخل حافظة نقوده، حينما شاهداه يخطو نحو كرسي قابع في زاوية الغرفة، ملقى عليها سروال بذلة سوداء، ثم يمد الرجل يده ليخرج حافظة النقود خاصته ومن بعدها وثيقة زواج لكن عرفي قام بفردها أمام أعينهما المذهولة مما يحدث من حولهما.


"لكن إن كانت هي زوجتك كما تقول لما هي ليست معك، بل تعمل نادلة في مطعم، وكيف لسلسبيل تلك الفتاة المهذبة تتزوج زواجا عرفيا؟! ذلك أمر غير معقول بكل تأكيد؟!"

كانت تلك كلمات كمال التي وجهها إلى هارون، غير مصدق لما يخبره به للتو، هو لديه نفس ذلك السؤال أيضا، كيف لفتاة بريئة مثلها تفعل ذلك، تقبل أن تتزوج من أجل النقود، زواج عرفي؟!

بينما يتسأل في داخله عن سبب فعلتها تلك، فوجئ بذلك الرجل الكهل، يقترب من الفراش، ينظر نحوها بإزدراء كبير بينما يقول بنبرة مشمئزة:

"لم أكن أتوقع منك أن تكوني عديمة الأخلاق لتلك الدرجة سلسبيل، لقد عاملتك مثل ابنة لي! لكن على ما يبدو أنك كنت ترتدين قناع الطيبة والضعف، والذي لم يكن أسفلهما سوى قناع العهر والوضاعة! أود أن أخبرك أنه لم يعد مرحب بك فيما بيننا فنحن لا نسمح للعاهرات بالتواجد معا في المكان، أنت مطرودة من العمل هنا سلسبيل"

إلى هنا ويكفي، لم يعد يتحمل كلمات الرجل أكثر من ذلك، ليس لدى أحد الحق في نعت زوجته بذلك اللفظ المهين، بصوت زاعق هو صرخ في وجه الرجل قائلا:

"أنت يا هذا اعتذر لزوجتي على الفور، اعتذر وإلا قتلتك في تلك اللحظة بيدي العاريتين! لا أحد يتجرأ على إهانة زوجتي مهما كان ذلك الشخص! اعتذر منها"

فوجئ كمال بصراخ ذلك الرجل في وجهه بطريقة فجة، هو ظن أن سلسبيل لا تمثل شيئا بالنسبة له، فقط جسد جميل يقضى معه عدة أيام مقابل حفنة مال، لا لأن يشعر بالضيق من أجلها بتلك الدرجة، هناك أمر هو لا يفهمه فيما يحدث أمامه الآن، ضيق عينيه بتفكير ثم قال بنبرة هادئة عكس ما يدور في داخله من غضب:

"أعتذر سيدة سلسبيل عن ما قلته في حقك!"

نطق بتلك الكلمات ثم توجه نحو أكرم، أمسك به من يده، جره معه نحو الخارج بينما يقول بنبرة هادئة:

"هيا بينا، لندع السيد والسيدة يستمتعا بوقتهما في فندقنا المتواضع"

قال ذلك، خطى نحو باب الغرفة، اغلقها من خلفهما، تاركا إياه يكاد الغضب يأكله أكلا!


لا يعلم ماذا يفعل الآن، صوت بكاؤها مازال مستمرا، عليه أن يتصرف، الأمر لن يمر دون حدوث بعض التسريبات والفضائح بكل تأكيد، سوف تكتب قصته على الصفحة الأولى من الجرائد، قصة هارون العاصي مع نادلة المطعم والزواج العرفي، نظر نحوها بضيق شديد، لا يعلم لسوء حظه أم حظها حتى تقع في طريقه هو!! زفر بضيق مما يحدث من حوله!

وقبل كل شيء عليه أن يجعلها تحصل على حمام ما، جسدها يستحق ذلك بعد ما تعرضت له من اعتداء، بخطوات متمهلة سار نحو الفراش، أبعد غطاء الفراش من على جسدها، حملها بين يديه بهدوء شديد ثم من بعدها توجه نحو الحمام، ليضع جسدها تحت مرذاذ المياه محاولا مسح خطاياه من عليها!


بعد عدة دقائق خرج بها من داخل حمام الغرفة، نظر نحو الفراش بضيق، بدأ في نزع شرشف الفراش الذي تقبع عليه دليل برائتها، ثم وضعها بهدوء عليه، معيدا غطاء الفراش على جسدها مرة أخرى، تراجع بعدها بخطوات متمهلة نحو خزانته، يحاول أن يحصل له على ملبس مناسب، اختار قميص قطني بدون مع بنطال رياضي بلون أزرق داكن، اغلق الخزانة متراجعا، يريد تبديل ملابسه، وحينما فعل رمق تلك الساكنة والتي يبدو أنها خطت في النوم بقلة حيلة، لقد كان سببا في دمار حياتها والآن عليه إصلاح ما فعله معها، البداية سوف تكون تصحيح ذلك الوضع بينهما، هو سوف يجعلها زوجته ولكن تلك المرة بعقد رسمي وليس مجرد زواج عرفي بائس، أغلق نور الغرفة ثم توجه نحو الشرفة الملحقة بالغرفة، يحاول أن يستجمع أفكاره، ينقي عقله الذي يكاد يجن من المصائب المتلاحقة له.


نهاية الفصل.
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي