أقترب اللقاء

الفصل السابع ....

فى غرفة ذات حوائط بيضاء، مستلقي على سرير طبي ملفوفة إحدى ساقيه وذراعه الأيسر ب بأربطة بيضاء .
كدمات تملىء وجهه لكنها فى بداية طريق الشفاء، لقد مرت أيام ثقال منذ حادثته مع سيده ورب عمله .
حاول رفع السرير قليلاً لرغبته فى رؤية الأشجار التى تطل عليه من شرفة غرفته، ليدخل عليه قائده السابق فى عمله بالشرطة مبتسماً.
_ أخبارك إيه النهاردة يا حضرة الظابط ؟

إبتسم بألم ف قائده هو الوحيد الذى ما زال يناديه بذلك اللقب .
_ تمام يا فندم الحمد لله، أحسن من الأول .

جلس القائد على الكرسي بجوار سريره.
_ ياسين، أنا عارف أننا ضغطنا عليك الفترة اللى فاتت، وأنك كنت هتدفع حياتك تمن شغلنا؛ لكن مكنش فى غيرك قدامنا يساعدنا فى اللى محتاجينه .

هز ياسين رأسه بتفهم ولكنه يعلم كل العلم أن قائده يمهد بتلك المقدمة لأمر ما .
_ أنت مهمتك لسه مخلصتش، لسه شغلك هيكمل مع رياض .

فى المساء ...

تجلس بجوار والدتها النائمة بفعل المنوم تحاول فهم بعض مستندات العمل الخاص بوالدها، لا تستطيع إنكار جهلها بأغلب ما تراه ولكنها تحاول .
شعرت بالإرهاق فقامت لتتمشي قليلاً .
نزلت إلى الحديقة لتجلس على مقعدها المفضل ما بين مكتب والدها وغرفة صديقها .
نظرت قليلاً إلى المكتب المطفىء الإضاءة على غير عادته فى ذلك الوقت فانقبض قلبها ألماً لتنزل دموعها دون شعور، فقد غاب عنها السند والأمان، تذكرت حديثه الأخير معها قبل سفره فأعتصر الحزن قلبها لفراقه لتحدثه وكأنه أمامها .
_ كده ... كده يا حبيبي تمشي وتسيبنى لوحدى، أنا من غيرك ضعيفه أوى وخايفه ومش عارفه أعمل حاجة، كده يا روحى تسبنى بدرى وتروح من غير ما تطمن عليا ولا تطمنى، أنا خايفه يا بابي وحاسه أنهم هياكلونى واللى موقفنى بس مامى، أنا حتى علشانها مش قادرة أبين حزنى .

مسحت دموعها بألم ونظرت تلقائياً نحو غرفة ياسين.
_ وأنت كمان روحت فين يا أستاذ ياسين ؟ سبتنى و روحت فين ؟ أحنا لغاية دلوقت مش عارفين أنت اللى روحت ولا السواق ومش عارفين مين اللى لسه عايش ولا حتى عارفين هو موجود فين، ف لو طلعت عايش وبعيد عنى كل ده أنا اللى هقتلك بإيدى .

كانت تلوم ياسين على أختفائه الغير مبرر ولم تشعر بمن جلس على المقعد المجاور بهدوء .

_ بس تعرفى أنك حلوة أوى فى لبس البيت، أول مرة أشوفك كده بالرغم من أنك بنت عمى .

أنتفضت بعد سماعها صوته .
_ أنت بتعمل إيه هنا ؟ وإيه جابك دلوقت؟

_ عادى جاى أطمن على خطيبتى وحماتى .

_ أنت مش طبيعي بجد، أنت مجنون والله، رياض أطلع بره ومش عايزه أشوفك هنا تانى ولا فى أى مكان أكون موجوده فيه .

وقف أمامها لينظر إليها بإبتسامة ساخرة كأن الواقفة أمامه تمدحه .
_ تعرفى إنى بحبك أكتر وأنتى متنرفزه كده، عموماً الأسبوع الجاى هيكون كتب كتابنا يا وردتى .

_ أنت أتجننت ؟ مستحيل ده يحصل .

_ لا خلاص أنا وعمك وعمتك أتفقنا، ف خلاص قضي الأمر .

_ مستحيل، دا مستحيل .

تحرك من أمامها ليخرج من المكان مبتسماً بتشفي ليردف متهكماً ويتحدث بثقة .
_ هتكونى عروسة زى القمر يا روحى، سلام .

خرج من المكان تاركاً إياها تشتعل بغيظ من حديثه المستفز وتمتلىء خلاياه برغبة بالغة فى قتله .

_ ابداً ، أقسم بالله ما يحصل، حتى لو هقتلك يا رياض .

بعد انتهاء عمله قرر الذهاب إليها ليطمئن على الصغير ... وعليها ... كما أخبرها سابقاً .
ف أحضر مجموعة من الهدايا ل "مالك" ، وكم كان يرغب حينها إحضار شيئاً من أجلها.

حينها، وجد سلسلة ذهبية على هيئة فراشة صغيرة ملونة الجناحين بفصوص بيضاء صغيرة، كانت رقيقة خطفت قلبه ... مثلها سابقاً، ف كم تشبهها .

كان الوقت بعد منتصف الليل والهدوء يعم المنطقة، دق بهدوء على باب الشقة ف تأخرت فى الرد بدايةً ف علم بأنها نائمة وحين تحرك ليعود أدراجة بيأس سمع صوتها تفتح الباب .

أمارات النوم تظهر علي ملامحها، كم كانت جميلة.
صمت قليلاً مطبقاً مقولة " الصمت فى حرم الجمال جمال"، إلى أن تحدثت هى .
_ يزيد، أنت بتعمل إيه هنا دلوقت ؟

تلعثم قليلاً وتردد فى الرد وأخيراً تكلم .
_ كنت جاى أطمن على مالك زى ما قولتلك قبل كده، بس أسف لسه مخلص شغل والله .

هزت رأسها بتفهم وأزاحت له طريق الدخول .
_ تعالى أتفضل، هو صاحى جوا .

_ صحيتك ؟ واضح أنك كنتى نايمة .

_ أنا بس كنت قدام التليفزيون وأستاذ مالك مش راضي ينام ف غمضت عينى غصب عنى قصاده .

جلس بجوار الصغير الذى بمجرد أن لمحه تعلق فى رقبته كأنه يشعر فيه بوجود أبيه .

طفل لا يفقه من الأمر شىء ولكن أحتضانه ل يزيد بتلك الطريقة وفرحته لرؤيته هكذا جعل سارة تتمهل فى قراراها بالأنفصال .

جلس يزيد بجواره على الأرض ووضع أمامه كثير من الهدايا التى أحضرها إليه ليلعب الصغير بفرح كبير أمام عيني والدته المبتسمة رغم عنها .

ف قامت فى هدوء لتحضر بعض الطعام ل يزيد القادم من عمله توا .

نام مالك بعدما لعب بكل الألعاب تقريباً فى حضن عمه فقام الأخير بوضعه فى سريره بهدوء .

لاحظ أختفاء سارة من المكان ف نادى عليها بهدوء كى لا يوقظ مالك .

_ إيه ده مالك راح فين ؟

_ لعب شوية ونام .

_ غريبة، بسهولة كده ؟

_ أى خدمة يا ستى أبعتيلي بس كل ما تحتاجى تنيميه .

أبتسمت بهدوء ونظرت له بإمتنان .
_ أولاً شكرا على الهدايا اللى جبتها دى كلها والله أنا بجيب له كل حاجة، ثانياً أنت لسه راجع من الشغل ف ... أنا جهزتلك حاجة خفيفة جوا تاكلها .

قالتها بتوتر بعد أن عدلت من وضع حجابها على رأسها .

شعر بفرحة تداعب قلبه فهى أمامه الآن تطلب منه الدخول ليأكل طعاماً أعدته بيديها، هذا أكثر مما تمنى .

_ عرض مغرى جداً بالنسبالى والله خصوصاً إنى جعان لكن أكيد البنات بيستنونى علشان ناكل مع بعض ف غصب عنى هستنى شويه .

شعرت بخيبة أمل وإحراج لكنها تفهمت موقفه .

_ بس أنا كنت جايبلك
حاجة أعتذرلك بيها عن اللى حصل .

أخرج تلك العلبة الصغيرة من جيبه وأخرج منها السلسلة بإبتسامة حنونه، لا أحد يدرى أن تلك الأبتسامة تخصها وحدها منذ الصغر .

_ دى علشانى أنا ؟

_ اه، دى ليكي أنتى .

_ بس دى غالية أوى .

_ أكيد مش هتغلى عليكي يعنى، ممكن تاخديها بقى علشان الوقت اتأخر وأكيد البنات مش هيناموا غير لما أدخلهم .

أخذت هديته بتردد وحرج ولكن شعر هو بفرحة كبيرة غمرته .

بعدها أستأذن وخرج ليعود إلى بيته وبناته بقلب يرقص من فرحته بتلك الدقائق التى قضاها معها ويدعو الله أن لا تضيعها سمر .

بعد عودته لمنزله كان الهدوء يعم المكان ف دخل غرفة بناته النائمات بهدوء ف قبلهن ودخل غرفته، فوقفت الجالسة أمام المرآة تتزين كأنها ليلة عرسها فأحتضنته وهمست له .
_ شوفت أدينى رجعت أهو ومهانش عليا زعلك، عارف ليه علشان أنا بحبك .

أقتربت منه لتقبله، فى البداية كان رافضاً لقربها ولكن بعد قليل بادلها فعلتها، صحيح تجاوب معها يلبي نداء غريزته لكن ترك قلبه معلقاً بصاحبة الفراشة وعقله مشتت بين الأمرين .

أما عند ياسين ... فقد أقترب موعد عودته .
الفصل السابق الفهرس الفصل التالي